بعد أن سادت حالة من التفاؤل خلال الأيام الماضية بشأن إمكانية التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار يمكنه التخفيف من الواقع الإنساني الكارثي، انقلبت الصورة فجأة، وأعلن الإسرائيليون والأميركيون أنهم سيبحثون نهجا جديدا لاستعادة الأسرى، محملين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مسؤولية إفشال الصفقة.

فقد حمَّل المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية توماس واريك، حركة حماس مسؤولية المجاعة في غزة، لأنها رفضت التوقيع على المقترح الأخير، وقال إن دونالد ترامب يدرك حجم الكارثة الإنسانية في القطاع "لكنه لن يتخلى عن مطلب نزع سلاح حماس".

اللافت أن الوسيط الأميركي المقرب من ترامب بشارة بحبح، قال إن حماس اقترحت خلال الاتفاق الأخير تسليم إدارة القطاع للجنة تكنوقراط تمهيدا لنقلها للسلطة الفلسطينية، وإن إسرائيل رفضت هذا المقترح.

الموقف الأميركي

ودافع واريك -خلال مشاركته في برنامج "مسار الأحداث"- عن الموقف الإسرائيلي الأميركي بقوله إن حماس قبلت بالتخلي عن السلطة لكنها رفضت التخلي عن السلاح الذي سيجعلها قادرة على استعادة زمام الأمور متى أرادت بعد انتهاء الحرب.

ويتعارض حديث واريك، مع حديث بحبح الذي قال بوضوح إن رفض إسرائيل تسليم القطاع للسلطة الفلسطينية يعكس رغبتها في تهجير السكان. وهو موقف رددته العديد من المنظمات والدول خلال الأسابيع الماضية.

وفي حين يتحدث الأمين العام للأمم المتحدة والمقررون الأمميون عن كارثة لم يشهدها التاريخ الحديث، وعن ضرورة إدخال المساعدات للمدنيين الذين تفتك المجاعة بهم، أكدت هيئة البث الإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي أتلف عشرات آلاف الأطنان من مواد الإغاثة الإنسانية، بينها كميات كبيرة من الغذاء كانت مخصصة لأهالي القطاع.

وبينما كان متوقعا أن يتدخل الرئيس الأميركي لوضع حد لهذه الانتهاكات -التي قال وزير التنمية الدولية النرويجي إنها تجاوزت كل الحدود- خرج يؤكد أن على إسرائيل مواصلة العمل حتى إنهاء وجود حماس.

إعلان

كما خرج الجيش الإسرائيلي معلنا أن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية هي المسؤولة عن إيصال المساعدات لسكان غزة، متجاهلا أنه هو من يمنع عمل هذه المؤسسات، بل ويقصف منشآتها ومستودعاتها ويقتل موظفيها.

وقد أعلن الجيش أنه سيبدأ إنزال المساعدات جوا، وهو ما وصففته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) بالمهزلة، وقال أمينها العام فيليب لازاريني، إنها "ذر للرماد في العيون"، فيما اعتبرته لجنة الإنقاذ الدولية "مجرد تشتيت بشع عن حقيقة ما هو مطلوب حاليا في القطاع".

ولم ينكر واريك عدم فعالية هذه الطريقة في إنقاذ الناس، وقال إن على العالم أن يبحث عن كل الطرق التي يمكن بها إيصال المساعدات بما في ذلك فتح المعابر البرية، لكنه شدد أيضا على ضرورة "ضمان عدم استفادة حماس من هذه المساعدات".

استدعاء ملاحم تلمودية

هذه الرواية الأميركية الإسرائيلية المكررة عن سطو المقاومة على المساعدات، نفاها مسؤولون إسرائيليون لصحيفة "نيويورك تايمز"، بقولهم إن الجيش لا يملك أي دليل على سرقة حماس للمساعدات، وإن نظام الأمم المتحدة للمساعدات الذي قوضته إسرائيل كان فعّالا وأكثر موثوقية.

وعلى هذا، فإن كل ما تقوله إسرائيل أو تفعله لا يعدو كونه محاولة لتجويع السكان وتهجيرهم، برأي المحلل السياسي الفلسطيني إياد القرا، الذي قال إن ما يتم إدخاله من كميات شحيحة يذهب إلى المليشيات التي تعمل مع الاحتلال في القطاع.

أما الخبير في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين، فذهب لما هو أبعد من ذلك بقوله إن الدبلوماسية الإسرائيلية فقدت عمقها وتحولت إلى الشعوبية لأنها تحاول صبغ ما يجري كله بصبغة دينية.

فالمتابع لتصريحات الساسة الإسرائيليين بمن فيهم نتنياهو نفسه، سيجد أنها مستمدة من نبوءات أشعياء، وأنها تحاول خلق ما يمكن وصفه باللاهوت العسكري لجعل الحرب مقدسة بكل ما فيها من أدوات مهما كانت منافية للأخلاق، كما يقول جبارين.

ومن ثم فإن المشكلة ليست في طريقة إيصال المساعدات للفلسطينيين وإنما في وقف الحرب نفسها التي أصبحت تستند إلى ملاحم تلمودية مفادها أن هذه الأرض مملوكة حصرا لشعب الله المختار وأن كل من سواهم ليسوا إلا أغيارًا يجب قتلهم أو طردهم، بغض النظر عن الطريقة، بحسب جبارين.

ولعل هذا ما يجب على الولايات المتحدة الانتباه له ولتداعياته على المدى الطويل، لأن إسرائيل تتخلى عن ارتباطها بالهولوكوست بعد أن فقدت أخلاقها، وتحاول ربط كل ما تقترفه من جرائم بنصوص دينية، وفق جبارين.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات قال إن

إقرأ أيضاً:

أستاذ سياسة: التجويع الممنهج سلاح تستخدمه إسرائيل لإخضاع المدنيين

في ظل تصاعد الكارثة الإنسانية في غزة، وتزايد التقارير الدولية عن استخدام التجويع كأداة حرب، تتكشف أبعاد جديدة لصورة الصراع، حيث لم تعد المساعدات الإنسانية مجرد وسيلة للنجدة والإغاثة، بل تحولت إلى ورقة ضغط تستخدم في إدارة الأزمة. 

وفي هذا السياق، حذرت الدكتورة رنا أبو عمرة، الخبيرة في الشؤون الإنسانية، من خطورة التحول المنهجي في التعامل مع العمل الإغاثي، معتبرة أن الحرمان المتعمد من المساعدات أصبح أحد أبرز أسلحة القتال غير التقليدية، التي تمارسها القوة المحتلة في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.

الحرمان الممنهج أداة قتال على الساحة الإنسانية للحرب

أشارت الدكتورة رنا أبوعمرة أستاذة السياسة إلى أن المساعدات الإنسانية تحولت إلى إحدى أوراق إدامة الصراع وإدارته بدلاً من كونها واحدة من أهم أوراق التهدئة والحل والتسوية.

وفي حديثها أوضحت أن سياسة الحرمان الممنهج أصبحت أداة حرب وقتال من قبل القوة المحتلة التي تتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة، كما تتحمل القوى الكبرى مسؤولية مباشرة من خلال الامتناع عن ممارسة ضغوط جدية وفعالة على القوة المحتلة لإنهاء هذا الوضع غير الانساني وتأمين وصول المساعدات الانسانية لمستحقيها، فضلاً عن مسؤوليتها في انهاء سياسة العقاب الجماعي التي تمارسها قوة الاحتلال منذ بداية الحرب ضد الشعب الفلسطيني، حتى بات تبني منهج دولي لفصل العمل الانساني عن ديناميات الصراع خاصة في تلك الحالات التي يكون فيها المدنيين في قلب الصراع أمراً حيوياً، لتظل الأولوية المقدمة هي التعامل الايجابي مع البعد الانساني للصراع بشكل مُلح وعاجل عوضاً عن التصعيد المبني على تحجيم العمل الانساني على المديين القصير والمتوسط سواء بمنع ادخال المساعدات او عرقلة الجهود الداعمة لايجاد حلول جدية.

أضافت أن ما تشهده الساحة الانسانية للحرب هو خرقًا واضحًا لمبادئ القانون الدولي الإنساني الذي يؤكد على حيادية وضرورة الاستجابة للاحتياجات العاجلة للسكان المدنيين دون تمييز، كون تقليص العمليات الانسانية والاغاثية أو تسييسها يُسهم في ترسيخ واقع التجويع القسري، مالم يتم التعامل مع الوضع في اطار مقاربة جديدة تُعيد الاعتبار للعمل الإنساني ودوره الأصيل-بمعزل عن التجاذبات العسكرية - كأداة للحماية والنجدة وليس كأداة تصعيد بما لايفقد الشعوب ثقتها في النظام الإنساني العالمي ككل، بما يطرح تساؤلات حقيقية حول مدى حدود حدود النظام الدولي الراهن في الاستجابة للأزمات الإنسانية وجدوى الآليات الدولية القائمة في حماية المدنيين في وقت الحرب.


 

طباعة شارك مجاعة غزة غزة إسرائيل المساعدات الإنسانية القانون الدولي

مقالات مشابهة

  • ملك الأردن يبحث مع الرئيس الأميركي تطورات غزة وسوريا
  • الغارديان: إسرائيل تحاول إلقاء مسؤولية المجاعة في غزة على حماس والأمم المتحدة
  • الغارديان: إسرائيل تحاول حرف مسؤولية المجاعة في غزة على حماس والأمم المتحدة
  • أستاذ سياسة: التجويع الممنهج سلاح تستخدمه إسرائيل لإخضاع المدنيين
  • الجوع يواصل حصد الأرواح في غزة.. وإسرائيل تسمح للدول الأجنبية بإسقاط المساعدات جواً في القطاع
  • المبعوث الأميركي: حماس تتصرف بأنانية وترفض الوصول لاتفاق بشأن غزة
  • الأمم المتحدة: استشهاد 294 فلسطينيًا خلال محاولة الحصول على مساعدات بغزة منذ نهاية يونيو
  • 7 إصابات في عملية دهس ببلدة كفار يونا وسط إسرائيل
  • غزة تموت جوعًا لأغراض سياسية .. إسرائيل تستخدم سلاح الحصار وسط غياب العدالة الدولية