رغم الجهود الدولية.. لماذا لا تصل مساعدات كافية إلى سكان غزة؟
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
في خضم الصراع الدائر في غزة، تواجه الجهود المبذولة لتوصيل المساعدات إلى السكان المحاصرين تحديات عديدة، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الأليمة بالفعل. ويسلط تقرير نيويورك تايمز الضوء على التعقيدات والعقبات الإسرائيلية التي تعيق التوزيع الفعال للمساعدات لغزة، على الرغم من توافر الموارد.
يسلط التقريرالضوء على أنه في حين تسعى الحكومات الدولية ووكالات الإغاثة إلى إيجاد طرق لتوصيل الغذاء والإمدادات إلى غزة، فإن التسليم البري يظل الطريق الأكثر كفاءة وفعالية من حيث التكلفة من الناحية النظرية.
وبحسب التقرير فإن الواقع على الأرض يكشف صورة مختلفة. هناك نقطتان فقط للدخول إلى غزة تعملان بشكل منتظم، وكلاهما يقعان في الجنوب، مما يؤدي إلى رحلات طويلة ومرهقة لشاحنات المساعدات، والتي تستغرق في كثير من الأحيان ما يصل إلى ثلاثة أسابيع.
تبدأ الرحلة المعقدة للمساعدات بالجرد في المستودعات القريبة من العريش في مصر، حيث يتم نقل المساعدات جواً أو نقلها بالشاحنات من مواقع مختلفة. ومن هناك، تخضع الشاحنات للتفتيش الأمني في رفح بمصر، قبل أن تصل إلى الحدود مع غزة. وفي وقت لاحق، تواجه المساعدات المزيد من التدقيق عند نقاط التفتيش الإسرائيلية، مما يزيد من التأخير في عملية التسليم.
وعلى الرغم من وجود المساعدات المتاحة على حدود غزة أو بالقرب منها، يواجه العاملون في المجال الإنساني تحديات في كل مرحلة، بما في ذلك نقاط التفتيش الأمنية ومنطقة الحرب النشطة. ويتفاقم الوضع بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل، والذي جعل جميع سكان غزة تقريباً يعتمدون على المساعدات من أجل البقاء.
وتتعرض الجهود المبذولة لتبسيط عملية التسليم للعرقلة بسبب عمليات التفتيش الإسرائيلية المعقدة، مما يؤدي إلى انتظار شاحنات المساعدات في طوابير طويلة ومواجهة رفض المواد دون تفسيرات واضحة. وشددت الأونروا على الحاجة إلى تحسين الكفاءة في عمليات التفتيش وتمديد ساعات العمل عند المعابر الحدودية للتخفيف من الاختناقات.
علاوة على ذلك، فإن توزيع المساعدات داخل غزة محفوف بالتحديات، وخاصة في الشمال، حيث البنية التحتية المدمرة والعمليات العسكرية المستمرة تعيق الوصول. وعلى الرغم من تعليق وكالات الإغاثة تسليم المساعدات إلى الشمال، يضطر السكان الجياع إلى السفر لمسافات طويلة للوصول إلى الإمدادات المتضائلة.
ويسلط التقريرالضوء على المخاطر التي تواجهها قوافل المساعدات، بما في ذلك التهديدات من الحشود اليائسة وإطلاق النار الإسرائيلي. وقد أدت الحوادث الأخيرة التي وقعت بالقرب من قوافل المساعدات إلى سقوط ضحايا، مما يؤكد الطبيعة المحفوفة بالمخاطر لعملية توصيل المساعدات في غزة.
وبينما تم الإعلان عن الجهود الجوية والبحرية لتوصيل المساعدات، يحذر الخبراء من أن هذه الأساليب مكلفة وبطيئة، مشددين على الأهمية المستمرة لعمليات التسليم البري. بالإضافة إلى ذلك، فإن احتمال بناء موانئ مؤقتة قبالة سواحل غزة يمثل تحديات لوجستية وقد لا يلبي الاحتياجات الفورية للسكان.
وفي الختام، يؤكد التقرير على الحاجة الملحة لوقف إطلاق النار لتسهيل إيصال وتوزيع المساعدات إلى غزة دون عوائق. ومع تعرض حياة الملايين للخطر، فإن التصدي للتحديات المبينة في التقرير أمر ضروري للتخفيف من الأزمة الإنسانية التي تجتاح المنطقة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: المساعدات إلى
إقرأ أيضاً:
مصائد موت.. هكذا ينظر الغزيون لتوزيع المساعدات الأميركية وسط العسكرة
غزة- مع ساعات الفجر الأولى انطلقت الأم جيهان عبد السلام سيرا من مدينة غزة إلى مدينة رفح في أقصى جنوب القطاع، حيث مركز توزيع مساعدات إغاثية تديره "مؤسسة غزة الإنسانية"، غير أن تعبها ضاع هدرا وعادت أدراجها خاوية الوفاض.
تركت هذه المرأة (35 عاما) أطفالها الأربعة وحدهم بخيمة في حي الرمال بمدينتها، يحدوهم الأمل أن تعود إليهم بما يسكّن قرصات الجوع التي تسلبهم النوم، وتقول للجزيرة نت "والله ما جابني هنا إلا جوع أطفالي، وها أنا أعود إليهم بخيبة الأمل".
كانت جيهان عبد السلام تقف أمام مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس، تتملكها الحيرة، ولا تمتلك أجرة الطريق، وقد استنفدت كل طاقتها في قدومها سيرا لمسافة تناهز 30 كيلومترا، وتبرع صحفيون ومتطوعون بمنحها بعض المال لتتمكن من العودة إلى أطفالها ببعض الطعام.
"لم أحصل على كرتونة المساعدات ونجوت من الموت بأعجوبة"، تقول عبد السلام والخوف يطل من عينيها وهي تتحدث عما تصفها بـ"مشاهد مرعبة، كان الناس يتساقطون حولي من كثافة إطلاق النار".
تعيش هذه الأم -المصرية الجنسية- مع أطفالها، فيما زوجها مريض بالسرطان ويقيم مع عائلته بعيدا عنهم، وكانت في حالة ذهول شديدة عندما التقتها الجزيرة نت، وتساءلت "من لأطفالي لو استشهدت؟ جئت لهنا من أجل إطعامهم وكدت أن أموت وأتركهم يواجهون مصيرهم في ظل الحرب المرعبة والمجاعة القاسية".
وفقدت المؤسسة الأميركية سيطرتها على مركز توزيع المساعدات، الذي افتتحته الثلاثاء الماضي، نتيجة تدافع حشود غفيرة ممن فتكت بهم المجاعة، وحدثت فوضى عارمة. وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن جيش الاحتلال أطلق النار في الهواء واستدعى مروحيات إلى المنطقة بزعم إنقاذ أفراد هذه المؤسسة.
إعلان
بيد أن عبد السلام تؤكد أن إطلاق النار كان مباشرا على آلاف الفلسطينيين، رجالا ونساء وأطفالا، وتقول إنها شاهدت بعينيها تساقط الجرحى والشهداء حولها، وركضت من غير وعي لمسافة طويلة هربا من الموت.
ونتيجة ذلك، يوثق المكتب الإعلامي الحكومي استشهاد 10 فلسطينيين وإصابة 62 آخرين، عند مراكز توزيع المساعدات في مدينة رفح خلال اليومين الماضيين.
ولم تعترض طريقها الطويلة أي حواجز زعمت إسرائيل والمؤسسة الأميركية أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وضعتها لمنع وصول الفلسطينيين إلى مراكز توزيع المساعدات، وتقول "نحن نموت من الجوع، جئت للحصول على مساعدة لأطفالي، سمعت تحذيرات من الفصائل وحتى من جيران، لكن ماذا أفعل؟".
من جانبه، أصيب الشاب أحمد حرب (21 عاما) بشظايا في ساقه، ويقول للجزيرة نت "خاطرت بنفسي من أجل إطعام أسرتي". ويقيم مع أسرته (9 أفراد) في خيمة بمنطقة ساحلية قريبة من مدينة دير البلح وسط القطاع، ويؤكد أنه مستعد للتضحية بحياته من أجل عائلته وأشقائه الصغار.
تحامل أحمد على جروحه بمساعدة آخرين حتى وصل لأقرب سيارة إسعاف نقلته لمستشفى ميداني تابع لهيئة دولية، من دون أن يحصل على ما يسد به جوع أسرته، غير أنه كان محظوظا بصديقه محمد مطر، الذي تمسك بـ"كرتونة" حصل عليها وسط الفوضى، وهرب بها تحت النار، وتقاسم معه السكر والطحين وبعض الأغذية المعلبة.
ويقول إيهاب طباسي (32 عاما) للجزيرة نت إن "أصغر طفل في غزة يعرف أن الأميركان شركاء الاحتلال في قتلنا، وهذه المساعدات مشبوهة، ولولا جوع أطفالي ما ذهبت".
"إنها مساعدات مغمسة بالخطر والذل"، هكذا يصفها طباسي الذي قطع مسافة حوالي 5 كيلومترات، وعاد بيدين فارغتين لأطفاله الثلاثة، وأكبرهم (6 أعوام) يقول إنه خسر 7 كيلوغرامات من وزنه في الشهور الأخيرة بسبب المجاعة وسوء التغذية.
إعلانووقف طباسي بين الحشود في "حلابات"، وهي ممرات حديدية تؤدي إلى مركز التوزيع في منطقة "العلم" غرب مدينة رفح، ويوضح "يوجد 5 حلابات، 4 منها للرجال وواحدة للنساء، وبوابات تؤدي إلى مركز التوزيع المحاط بأسلاك ورمال كأنه ثكنة عسكرية".
ولم تفلح هذه الإجراءات في منع الناس من الهجوم على المركز، ويضيف طباسي "كمية المساعدات قليلة، والناس جوعى حطموا البوابات والحلابات ونزعوا الأسلاك من مكانها".
ويتابع "تراجع الموظفون وتقدمت الدبابات وأطلقت قذيفة أو أكثر، وشاهدت قناصة إسرائيليين فوق مستشفى حمد القريب (قيد الإنشاء وممول من دولة قطر) يطلقون النار باتجاهنا، وقع جرحى وشهداء، وهربتُ وسط الحشود ولم أحصل على شيء".
وفي مقابل تدافع حشود المجوَّعين، سجلت الجزيرة نت شعورا لدى كثيرين منهم بالخجل، وبينهم من يرفض بشكل قاطع الذهاب لمراكز المساعدات الأميركية، أو يحرصون على إخفاء ذهابهم إليها.
وفي "مشرحة" مجمع ناصر الطبي، تجمع أقارب حول جثة شهيد، أكدت جيهان عبد السلام وشهود آخرون للجزيرة نت أنه ارتقى أمامهم بنيران قوات الاحتلال أثناء توجهه مع آخرين لمركز التوزيع في رفح، غير أن نجله أنكر ذلك ورفض الحديث إلينا وطالبنا بمغادرة المكان.
يقول نادر أبو شرخ للجزيرة نت "هذا شعور عام لدى أهل غزة، جميعنا يعلم أن مساعدات الأميركان لها أهداف أخرى خبيثة، إذا كانت أميركا لا تريد المجاعة في غزة فعليها أن تضغط على إسرائيل لفتح المعابر وإدخال المساعدات ووقف الحرب".
بدوره، يقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي الدكتور إسماعيل الثوابتة للجزيرة نت: إن مراكز المؤسسة الأميركية تحولت لـ "مصائد موت"، وتندرج ضمن "مشروع هندسي مشبوه"، تديره هذه المؤسسة التي تعمل تحت إشراف الاحتلال وإدارته المباشرة، وتفتقد لمبادئ العمل الإنساني المتمثلة في الإنسانية والحياد والنزاهة والاستقلالية.
إعلانوإزاء تكرر إطلاق النار وسقوط جرحى وشهداء، أكد الثوابتة أن "هذه الجرائم تجسد انهيارا أخلاقيا وإنسانيا غير مسبوق، وتعد دليلا قاطعا على أن ما تسمى مناطق توزيع المساعدات ليست سوى غطاء إنساني زائف لمخططات أمنية عنصرية تهدف إلى إذلال الفلسطينيين وتجويعهم، بل وقتلهم".
وحول مزاعم إقامة حماس حواجز تمنع الغزيين من الوصول لمراكز توزيع المساعدات، يؤكد الثوابتة أن الجهات الحكومية في غزة لم تعرقل أبدا أي جهد إغاثي، غير أنه في الوقت نفسه يقول "نجدد رفضنا لأي مساعدات تكون تحت مظلة الاحتلال".
ويجزم الثوابتة أن تجربة الأيام الماضية تثبت "فشل الاحتلال في إدارة الوضع الإنساني الذي خلقه متعمدا من خلال سياسة التجويع والحصار والقصف"، ويضيف أن "إقامة غيتوهات عازلة لتوزيع مساعدات محدودة وسط خطر الموت والرصاص والجوع، لا تعكس نية حقيقية للمعالجة، بل تجسد هندسة سياسية ممنهجة لإدامة التجويع وتفكيك المجتمع الفلسطيني".