لجريدة عمان:
2025-12-08@10:29:34 GMT

الشعر ما بعد أنخيدوانا والجاهلية

تاريخ النشر: 27th, March 2024 GMT

« بالشعر كما بالموسيقى، نلامس شيئا ما، جوهريا، وفي الشعر يستبعد الزمن فإذا أنت خارج الصيرورة، الموسيقى والشعر غيبوبتان متساميتان»

المفكر إميل سيوران

لن يموت عشاق الشعر وكتّابه الذين يواصلون التدوين منذ أن كتبت أنخيدوانا/شاعرة الكون الأولى ألواحها في سور/بابل وبمختلف التقنيات والصيغ الجديدة. ولكن هناك إشكالية في التلقي والتقييم ولا غرابة لأن العالم كله يعيش خراباً لا نظير له.

الشعر، يتيم العالم وفقيده إلى أن يصبح له جائزة مادية مرموقة على غرار جوائز الشعر في أوربا وكندا.

***

جائزة الشعر في كندا (غريفن برايز) وهي الأثمن وقدرها 130 الف دولار كندي للديوان الفائز. ويتم إعلانها في مثل هذا الشهر كل عام. أحد الحكام في هذه الجائزة هو شاعر كندي ايطالي الأصل «ف.. م . موريتز» وسبق أن تم تكريمه بمنصب كبير وهو «كبير شعراء تورنتو» في دورة زمنية محدودة يتناوب عليها الشعراء الذين لديهم حضور وكتابات وموقع مؤثر في الثقافة الكندية. ويكون من مهام الشاعر، إدارة ورشات الكتابة الابداعية، القراءة في المراكز الثقافية وتشجيع القراء على تلقي الشعر وفهمه ومحاولة التقرب منه قراءة وكتابة. كما تخصص الجائزة حصة منها للشاعرة الذي أصدر أول ديوان له(هو/هي) قدرها 10 الاف دولار. كما تخصص فرعا وجائزة لديوان مترجم من لغة عالمية إلى الإنكليزية.

***

ماذا سنصنع بالشعر في هذا العصر الخراب؟

نصنع من الشعر كل ما ينقصني وينقصك من احتياجات روحية ومفاهيم جمالية يغزلها الخيال ويبسطها على الأوراق. تستطيع أن تصنع من القصيدة أثداء أو حمالات الأثداء، وتستطيع أن تصنع منها الشفاه والقبلات والقفازات، الأصابع أو اليد المبتورة بفعل قذيفة أو حادث في معمل. ويمكنك أن تصنع منه كمامات للوقاية من الفايروسات المعدية.

***

وقد تصنع من الشعر العطور والمقابر، وأشياء أخرى لا مرئية، متناهية في الصغر لا ترى بالعين المجردة، وتلك مأثرة الشعر. وهناك مقاربات بين الشعراء والغاوون معروفة جداً. «والشعراء يتبعهم الغاوون» ولذلك لا تقربوا الشعر كي لا يتعبكم الغاوون إن لم يكن لديكم ما يكفي من أسنان في الرأس لهضم المحتوى، والعودة بسلامة إلى ذواتكم.

لقد حاول الشعراء أن يصنعوا من الشعر القنابل المسيلة للدموع والقذائف لكنه لم يستوعب فكرة القتال ولم يذهب إلى الحرب معهم، بل كان أضعفُ الشعر، ذلك الذي أخذوه للنضال وللدفاع عن المستلب من حقوق الإنسان. بعضهم فعل ويفعل من باب الواجب والموقف اتجاه حدث أو قضية.

***

نصنع من الشعر ما عجزت عنه الموسيقى، وما فات عشاق اللغة من مجاز وأحجيات.

ويصنع الشعراء من الشعر شذرات، أو كتلة كلمات متراصة دون تقطيع بالسطور إن أرادوا بدل الكتابة الموزونة على البحور المعروفة منذ قرون كما في شعر المعلقات، وكما فعل بسام الحجار وشوقي أبي شقراء وعباس بيضون، وديع سعادة وسركون بولص، عبد القادر الجنابي، في أيقونات لا تقرأ على المنابر ومنصات شعراء يحضرها الآلاف والملايين.

لا عيب في تذوق التراث والتفاخر به، ولكن الوقوف على تلك الأطلال إلى الأبد محدودية صيغة من صيغ التزمت وقتل للتجديد. وكما تغيرت أدوات التدوين بين عصر وآخر، تغيرت كذلك أساليب وصيغ وأشكال التدوين شرقاً وغرباً.

الركون إلى ثوابت في الشكل واللغة والموضوع يفقد الشعر وهجه ويفقد القارئ تلك الدهشة التي أتى من أجلها إلى بيت الشعر. هذه الدهشة لا تتحقق إلا بالوصول إلى قدر من الحرية، حرية الخروج عن النسق بشكله ومعناه التقليدي، وهذا يستدعي ابتكار صيغة جمالية مفارقة للسائد. وأرى أن الانعتاق من الثوابت له نفس أهمية الموهبة. والشعر الأجمل هو النص الذي يكتب بصيغة وصنعة تحقق الدهشة وتدفع للتفكير في جماليات وقبح الأشياء من حولنا.

***

لا أدري لماذا يرددون كثيرا عبارات مثل: موت الشعر، موت الكاتب، موت الشاعر، موت المؤلف، قتلتُ آبائي...وصولا إلى موت القارئ وما إليه من إطروحات يتم تداولها.

نعم ربما أعرف بعضها، وقرأت بعض هذه الإطروحات من مصادرها. ربما كل هذه المقولات جرت في أوربا وقالها شعراء ونقاد كبار، ولكن مسألة القتل ليست حقيقية. أنا وأنت نكتب لأننا قرأنا ما كتبه الجيل السابق. منهم تعلمنا وسنتعلم، ثم نحاول إن استطعنا أن نشق خطاً مفارقا ولو بدرجات عن النسق العام. ما يثير الريبة أن شاعرة لم تكتب سوى ديوانا واحداً تطل على القراء لتقول: لقد قتلت آبائي، وهي في الأصل تتعكز على تناصات واقتباسات سابقة، وتأخذ باب إلى الشهرة بمساندة عدد من الآباء والكتاب الأكثر رسوخاً منها، ومن الذين تدعي أنها «قتلتهم» بمعنى تجاوزتهم إبداعياً وخلقت حداثة غير مسبوقة في العربية.

***

ومن الشعر نصنع سجادة سحرية ومكنسة الساحر الذي ستأخذنا عبر الأكوان في رحلة خارقة بعد أن نقبض على معايير الخلطة السحرية. فالشعر ملعب المجانين المولهين بسحر معرفة ما وراء الأكمة والأفق، بيت الذين لم يفقدوا خط العودة الى الصفر، إلى قعر الوجود، إلى بؤرة خرائب الروح وانكسارات ومباهج الجسد.

الشعر ابتدأ من تعريف سيدة الشعر، أنخيدوانا لذاتها: أنا، أنخيدوانا... وإلى أن صارت الأنا الذاتية، هي شعلة متقدة واستمرار لمعرفة الأول والآخر حتى آخر المطاف.

احتفل العالم بيوم للشعر في 21 من الشهر الجاري «مارس»، وتحتفل كندا بالشعر وبالشعراء على مدار شهر نيسان (إبريل) وتقام الأمسيات واللقاءات التي يحضرها عشاق الأدب والكلمة وكان لي مشاركات في مثل هذه القراءات في السنوات الماضية.

جاكلين سلام كاتبة سورية مقيمة في كندا

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من الشعر تصنع من

إقرأ أيضاً:

في مرايا الشعر.. جديد هيئة الكتاب للشاعر جمال القصاص

أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب إصدارًا جديدًا يحمل عنوان «في مرايا الشعر» للشاعر والناقد جمال القصاص، وهو عمل يقدّم رؤية متفردة لعلاقة الشاعر بالكتابة، وللجدل الداخلي الذي يصاحب فعل الإبداع منذ لحظة تشكّل الفكرة حتى اكتمال النص، يأتي الكتاب بمثابة شهادة شخصية وفكرية تعكس تجربة القصاص الممتدة مع الشعر، وقراءاته النقدية التي راكمها عبر سنوات طويلة من التأمل والمتابعة.

في مقدمة الكتاب، يكشف القصاص عن حالة الانفعال التي تلازمه أثناء الكتابة، تلك التي تجمع بين الفرح والغضب والحيرة، وتضعه أحيانًا في «ورطة» شعرية تكاد تبتلعه، يصف اللحظة الإبداعية وكأنها فخ يتربص بالشاعر، يجعله بين دورين متناقضين: الذئب الذي يقتنص فريسته، والفريسة التي تهرب من مصيرها، هذا التوتر الخلّاق بين اللذة والمأزق يشكّل أساس رؤية القصاص للكتابة، فهو يرى أن النجاة من مأزق نص لا تكون إلا بمأزق جديد يخلقه الشاعر بإرادته ودهشته، تمامًا كطفل يراقب ولادة لحظته الشعرية على الصفحة.

ويؤكد القصاص رفضه للوصفات الجاهزة ونماذج الكتابة المكررة، مفضّلًا أن يترك نافذة النص مفتوحة دائمًا، لاستقبال ومضة أو خاطر أو إشارة لم يبح بها بعد، فالكتابة، في نظره، فعلُ اكتشاف دائم لا يتوقف عند حدّ، وبحث مستمر عن ما لم يُقل، وعن الدهشة التي تختبئ في مفارقة ساخرة أو طرقة درامية أو سؤال مشحون بالوجود وأزماته.

ويذهب القصاص في صفحات كتابه إلى جوهر العلاقة بين الوعي والفكرة الشعرية، معتبرًا أن الوعي وحده لا يصنع شعرًا، وأن الإلهام الحقيقي يحتاج إلى قدرة على نسيان الفكرة بقدر القدرة على التقاطها، فهو يعيش الشعر كطقس داخلي، وكتمرين يومي على الحرية، يكتب من أجل أن يحب نفسه أكثر، ويلتصق بجوهره الإنساني عبر لحظات تضج بالنشوة، حتى لو كانت من مشهد رتيب أو حكاية معادة.

يمتد الكتاب ليضم مجموعة من قراءات القصاص النقدية لتجارب شعرية عربية، وهي نصوص كتبها عبر سنوات بدافع الفرح بالشعر ذاته، وبما يقدمه الشعراء والشاعرات من مغامرات جمالية، يقول إن خبرته كشاعر كانت البوصلة الأولى التي توجه نظرته النقدية، إذ تجمع بين عين القارئ الشغوف وحساسية المبدع الممسوس بالتجربة.

ويرصد الكتاب تحولات الشعر العربي منذ الستينيات، وهي المرحلة التي شهدت ـ بحسب القصاص ـ بدايات التمرد على الأشكال القديمة، ومحاولات التجديد في الإيقاع والرؤية واللغة، وعلى الرغم من هذا الحراك، يرى أن الشعر العربي ظل مرتبطًا لفترة طويلة بإطار البلاغة التقليدية، وبموضوعات سياسية واجتماعية تشكّل مركز النص وتطغى على الشكل الجمالي.

كما يتوقف القصاص عند المأزق النقدي الذي يواجه الشعر العربي المعاصر، والمتمثل في اعتماد كثير من تجارب الحداثة على المنجز الغربي في النظر والتطبيق. وبرغم أهمية هذا المنجز في التاريخ الإنساني، يرى القصاص أنه لم يستطع تجاوز رؤيته العقلانية للشعر، في حين أن الشعر ـ في جوهره ـ ليس نتاجًا عقليًا صرفًا، بل هو ابنة الروح وومضتها المفاجِئة، تلك التي تفلت من قبضة المنطق والأطر الجاهزة.

ويخلص القصاص إلى أن الحداثة الشعرية ليست قالبًا خارجيًا، بل هي قيمة داخلية في الإنسان، تحتاج فقط إلى من يوقظها من أسر العادة وما تراكم حولها من قيود، فالشعر، كما يراه، يمنحنا إحساسًا بالحرية، ويعيد تشكيل علاقتنا بالعالم من جديد، عبر حساسية لا تستسلم للسائد ولا للمألوف.

وفي ختام الكتاب، يقدم القصاص اعترافًا إنسانيًا مؤثرًا، إذ يقول إنه لا يدّعي الصواب في ما يكتب، بل ما زال يبحث عنه في رحلته الطويلة مع الشعر، مؤمنًا بأن الخطأ ليس سوى صواب مؤجل لم يحن أوانه، ويوجه تحية لكل الشعراء الذين أسهموا ـ عبر تجاربهم وأعمالهم ـ في توسيع مساحة الضوء والمحبة في حياته الشعرية.

بهذا الإصدار، تضيف الهيئة العامة للكتاب عملًا مهمًا إلى المكتبة النقدية العربية، يجمع بين حرارة التجربة وعمق التأمل، ويقدّم رؤية شاعر خبر دروب القصيدة ووقف طويلًا أمام مراياها المتعددة.

طباعة شارك الهيئة المصرية العامة للكتاب في مرايا الشعر الناقد جمال القصاص علاقة الشاعر بالكتابة اللذة والمأزق

مقالات مشابهة

  • عبد الرحمن يوسف.. حين يُختطفُ صوتُ الشعر من أمَّته
  • «في مرايا الشعر» جديد هيئة الكتاب للشاعر جمال القصاص
  • في مرايا الشعر.. جديد هيئة الكتاب للشاعر جمال القصاص
  • عقار جديد يحقق نتائج واعدة لعلاج الصلع الوراثي
  • مفاجأة صادمة .. مشروبات شتوية شهيرة تسبّب تساقط الشعر
  • «كواليس المليون».. نافذة تكشف ما وراء الكاميرا
  • ليه عملتوا كدا | تصريح مؤثر من أصالة عن حقيقة طلاقها
  • أخصائيون: نقص فيتامين د يؤدي لتساقط الشعر
  • بايدن يوجه نصيحة إلى الأشخاص الذين يشعرون بالإحباط من ترامب
  • أنواع التابعين الذين يمكن إضافتهم أثناء طلب دعم الضمان الاجتماعي