لجريدة عمان:
2025-07-05@06:15:56 GMT

الشعر ما بعد أنخيدوانا والجاهلية

تاريخ النشر: 27th, March 2024 GMT

« بالشعر كما بالموسيقى، نلامس شيئا ما، جوهريا، وفي الشعر يستبعد الزمن فإذا أنت خارج الصيرورة، الموسيقى والشعر غيبوبتان متساميتان»

المفكر إميل سيوران

لن يموت عشاق الشعر وكتّابه الذين يواصلون التدوين منذ أن كتبت أنخيدوانا/شاعرة الكون الأولى ألواحها في سور/بابل وبمختلف التقنيات والصيغ الجديدة. ولكن هناك إشكالية في التلقي والتقييم ولا غرابة لأن العالم كله يعيش خراباً لا نظير له.

الشعر، يتيم العالم وفقيده إلى أن يصبح له جائزة مادية مرموقة على غرار جوائز الشعر في أوربا وكندا.

***

جائزة الشعر في كندا (غريفن برايز) وهي الأثمن وقدرها 130 الف دولار كندي للديوان الفائز. ويتم إعلانها في مثل هذا الشهر كل عام. أحد الحكام في هذه الجائزة هو شاعر كندي ايطالي الأصل «ف.. م . موريتز» وسبق أن تم تكريمه بمنصب كبير وهو «كبير شعراء تورنتو» في دورة زمنية محدودة يتناوب عليها الشعراء الذين لديهم حضور وكتابات وموقع مؤثر في الثقافة الكندية. ويكون من مهام الشاعر، إدارة ورشات الكتابة الابداعية، القراءة في المراكز الثقافية وتشجيع القراء على تلقي الشعر وفهمه ومحاولة التقرب منه قراءة وكتابة. كما تخصص الجائزة حصة منها للشاعرة الذي أصدر أول ديوان له(هو/هي) قدرها 10 الاف دولار. كما تخصص فرعا وجائزة لديوان مترجم من لغة عالمية إلى الإنكليزية.

***

ماذا سنصنع بالشعر في هذا العصر الخراب؟

نصنع من الشعر كل ما ينقصني وينقصك من احتياجات روحية ومفاهيم جمالية يغزلها الخيال ويبسطها على الأوراق. تستطيع أن تصنع من القصيدة أثداء أو حمالات الأثداء، وتستطيع أن تصنع منها الشفاه والقبلات والقفازات، الأصابع أو اليد المبتورة بفعل قذيفة أو حادث في معمل. ويمكنك أن تصنع منه كمامات للوقاية من الفايروسات المعدية.

***

وقد تصنع من الشعر العطور والمقابر، وأشياء أخرى لا مرئية، متناهية في الصغر لا ترى بالعين المجردة، وتلك مأثرة الشعر. وهناك مقاربات بين الشعراء والغاوون معروفة جداً. «والشعراء يتبعهم الغاوون» ولذلك لا تقربوا الشعر كي لا يتعبكم الغاوون إن لم يكن لديكم ما يكفي من أسنان في الرأس لهضم المحتوى، والعودة بسلامة إلى ذواتكم.

لقد حاول الشعراء أن يصنعوا من الشعر القنابل المسيلة للدموع والقذائف لكنه لم يستوعب فكرة القتال ولم يذهب إلى الحرب معهم، بل كان أضعفُ الشعر، ذلك الذي أخذوه للنضال وللدفاع عن المستلب من حقوق الإنسان. بعضهم فعل ويفعل من باب الواجب والموقف اتجاه حدث أو قضية.

***

نصنع من الشعر ما عجزت عنه الموسيقى، وما فات عشاق اللغة من مجاز وأحجيات.

ويصنع الشعراء من الشعر شذرات، أو كتلة كلمات متراصة دون تقطيع بالسطور إن أرادوا بدل الكتابة الموزونة على البحور المعروفة منذ قرون كما في شعر المعلقات، وكما فعل بسام الحجار وشوقي أبي شقراء وعباس بيضون، وديع سعادة وسركون بولص، عبد القادر الجنابي، في أيقونات لا تقرأ على المنابر ومنصات شعراء يحضرها الآلاف والملايين.

لا عيب في تذوق التراث والتفاخر به، ولكن الوقوف على تلك الأطلال إلى الأبد محدودية صيغة من صيغ التزمت وقتل للتجديد. وكما تغيرت أدوات التدوين بين عصر وآخر، تغيرت كذلك أساليب وصيغ وأشكال التدوين شرقاً وغرباً.

الركون إلى ثوابت في الشكل واللغة والموضوع يفقد الشعر وهجه ويفقد القارئ تلك الدهشة التي أتى من أجلها إلى بيت الشعر. هذه الدهشة لا تتحقق إلا بالوصول إلى قدر من الحرية، حرية الخروج عن النسق بشكله ومعناه التقليدي، وهذا يستدعي ابتكار صيغة جمالية مفارقة للسائد. وأرى أن الانعتاق من الثوابت له نفس أهمية الموهبة. والشعر الأجمل هو النص الذي يكتب بصيغة وصنعة تحقق الدهشة وتدفع للتفكير في جماليات وقبح الأشياء من حولنا.

***

لا أدري لماذا يرددون كثيرا عبارات مثل: موت الشعر، موت الكاتب، موت الشاعر، موت المؤلف، قتلتُ آبائي...وصولا إلى موت القارئ وما إليه من إطروحات يتم تداولها.

نعم ربما أعرف بعضها، وقرأت بعض هذه الإطروحات من مصادرها. ربما كل هذه المقولات جرت في أوربا وقالها شعراء ونقاد كبار، ولكن مسألة القتل ليست حقيقية. أنا وأنت نكتب لأننا قرأنا ما كتبه الجيل السابق. منهم تعلمنا وسنتعلم، ثم نحاول إن استطعنا أن نشق خطاً مفارقا ولو بدرجات عن النسق العام. ما يثير الريبة أن شاعرة لم تكتب سوى ديوانا واحداً تطل على القراء لتقول: لقد قتلت آبائي، وهي في الأصل تتعكز على تناصات واقتباسات سابقة، وتأخذ باب إلى الشهرة بمساندة عدد من الآباء والكتاب الأكثر رسوخاً منها، ومن الذين تدعي أنها «قتلتهم» بمعنى تجاوزتهم إبداعياً وخلقت حداثة غير مسبوقة في العربية.

***

ومن الشعر نصنع سجادة سحرية ومكنسة الساحر الذي ستأخذنا عبر الأكوان في رحلة خارقة بعد أن نقبض على معايير الخلطة السحرية. فالشعر ملعب المجانين المولهين بسحر معرفة ما وراء الأكمة والأفق، بيت الذين لم يفقدوا خط العودة الى الصفر، إلى قعر الوجود، إلى بؤرة خرائب الروح وانكسارات ومباهج الجسد.

الشعر ابتدأ من تعريف سيدة الشعر، أنخيدوانا لذاتها: أنا، أنخيدوانا... وإلى أن صارت الأنا الذاتية، هي شعلة متقدة واستمرار لمعرفة الأول والآخر حتى آخر المطاف.

احتفل العالم بيوم للشعر في 21 من الشهر الجاري «مارس»، وتحتفل كندا بالشعر وبالشعراء على مدار شهر نيسان (إبريل) وتقام الأمسيات واللقاءات التي يحضرها عشاق الأدب والكلمة وكان لي مشاركات في مثل هذه القراءات في السنوات الماضية.

جاكلين سلام كاتبة سورية مقيمة في كندا

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من الشعر تصنع من

إقرأ أيضاً:

من منكم صحى مع الديك؟!

 

يونس بن مرهون البوسعيدي

قبل أكثر من عشرين سنة ربما، أجريتُ لقاء صحفيًا مع الشاعر الكبير أستاذنا سالم بن علي الكلباني لمجلة المعالم العمانية التي كانت تصدر من لندن، اللقاء لم يُنشر، لكن (أظن ) أحتفظ به مع لقاءات أخريات مع بعض الأدباء العمانيين مثل يحيى البهلاني، عبدالعزيز الفارسي، صالح الفهدي، ومسعود الحمداني ، واللقاء الوحيد الذي نُشر ليحيى رحمه الله وكان آخر لقاء إعلامي له.

في لقائي مع أستاذنا سالم بن علي الكلباني أذكر أني سألتُه سؤالا فحواه: كيف تقضي حياتك اليومية وأنت شاعر، أو أين الشعر في حياتك اليومية؟

طبعًا سؤالي انطلق يومها من فرط ما تشبّعنا في الملاحق الثقافية بصورة الأديب كث الشعر وربما يمسك قلما مع سيجارة -موضة الأديب والمثقف يومها - قبل أن يأتي الفيسبوك وإخوته ويكسرون سطوة حضور (النخب الثقافية في تلك الملاحق) وتقذف بكثير من تلك الأسماء في الكراسي الأخيرة من الجماهيرية .

ذلك السؤال انطلق من كينونتي حين ظنتتُ الشِعر هو الهواء والماء والإكسير الذي لا يُعاش بدونه ، وكان ظني أن الشاعر أو المثقف هو نائب الله في كل شيء، وأن عداوته مع السياسي نضال لأجل وطن ، وأن فقره وعوزه نيشانٌ عظيم في سيرته الأدبية وووو… إلى آخره.

العجيب أن سالم بن علي الكلباني صدم رأس ذلك الشاعر المتحمس والمتحفز يومها فقال لي: الشاعر مثل أيّ إنسان يعيش ويضحك وينازع ويخاصم ويفجر ويحتال وووو.. وبعض الصفات لم يقل بها سالم بن علي بل هي إضافات مني بعد العشرين سنة من عُمر اللقاء.

ربما أقترب من ثلاثين سنة من دخولي ما يُسمى بالوسط الأدبي العُماني والعربي ربما، أعترف أني حققتُ إنجازات وجوائز وصيتًا حسنا، وكذلك خيبات أكثر، وتحقيقات بوليسية ومحاكمات اقتربت من السجن، بل عداوات مع أدباء مستعد للاعتذار من أصحابها لو كنتُ أنا المبتدأ فيها، ولكن الذي لا أستطيع الاعتذار منه هو اصطناع الحكومة أو الحكومات (لمسيخٍ يخدم أجندتها مقابل تهميش مبدعي الوطن الحقيقين ، وكذلك لن أغفر لأحد تسطيح الثقافة والفكر حد التفاهة) وقد يكون السبب في ذلك موظف في وزارة الثقافة ولا يعرف من الثقافة حتى مسكة القلم.

بعد سنين طوال من ذلك اللقاء يعود سالم بن علي الكلباني وكتب تغريدة في تويتر فحواها (الوطن لا يعرف الأديب إلا لو فاز خارج الوطن) بعد هذه التغريدة بشهور كتب د. هلال الحجري تدوينة على الفيسبوك (يشكك فيها بالجوائز العربية  ليطرح السؤال نفسه: هل الوطن لا يعرفُ مبدعيه الحقيقيين؟ هل الإبداع الحقيقي خافٍ عن عيون الوطن؟

من بين الاشتغالات المجانية في خدمة الأدب والشعر في بلدي الحبيب إشرافي على ملحق قافية ، ضمن أعمال إدارات الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء -وللعلم اشتغلتُ ربما مع خمس إدارات ولم أكن يومها عضوا في أي مجلس إدارة، ولكن الشغف هو الذي كان يدفعني للعمل الأدبي مع ذكريات باهتة للأسف مع بعض (الأشخاص) ولا أقول الأدب لفقدانهم الأدب بمعناه الأخلاقي؛ المهم اضطرني هذا العمل للإلمام بالكتّاب العمانيين فتوجهتُ لأحد الأهل العاملين في (وزارة الثقافة) أطلب قاعدة بيانات الأدباء العمانيين لأتواصل معهم لاستكتابهم نصوصا للملحق ، ليفاجأني الجواب: لا توجد قاعدة بيانات يومها، لأكتب قائمة بالشعراء والنقاد وأسلمها له ليؤسسوا قاعدة بيانات.

مرّ الزمن بأعاجيبه، وفتَرَ ذلك الغلام الذي سأل السؤال الصحفي لسالم بن علي الكلباني، وتيقّن أن الحياة مع الشعر مثل لحظة استمناء محدودة الزمن وتعقبها صحوة تؤكد محدودية جدواها أيضًا، وصار حُب الشعر والحياة معه مثل بيت قديم يسلح فيه من لا يجد كنيفًا مرموقا، خصوصا أن نصوص الشعراء تشابهت بسبب المسابقات الأدبية التي تعتريها شبهات كثيرة ، بل النذير الأشد خطورة أن الذكاء الاصطناعي يبشّر بإمكانية كتابة نص شعري موزون لمن يرغب، أو لمن يظن أن الشعر مهمٌ أمام فقاعات السوشل ميديا .

بعد هذا كله يرسل لي أحد الأحبة أن جهة رسمية تنوي تأسيس قاعدة بيانات لأدباء عُمان؟

من يتكرم بإخبارها أن الناس لم تعد تستيقظ على صياح الديك لو تأخر عن الفجر، بل ماذا تريد من قاعدة البيانات إذا كانت صلة رحمها مقطوعة بالأسماء المحشوة في قاعدة البيانات؟

 

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تحدد الرهائن الذين تعتبرهم أولوية بصفقة غزة المحتملة
  • محمد كمونة: الزمالك يعمل في صمت.. وأحمد شريف صفقة واعدة تصنع الفارق
  • النصيحة ومحاسبة الذات في الشعر النبطي
  • أهالي المنيا يشيعون جثامين الأطفال الثلاثة الذين لقوا مصرعهم على يد والدهم.. شاهد
  • «الخلطة الثلاثية» تصنع الفارق مع الهلال في «مونديال الأندية»!
  • من منكم صحى مع الديك؟!
  • شاعرٌ، وناقدة
  • الكمبيوترات البيولوجية.. هل تصنع الإنسان المثالي؟
  • الرمادي يطمئن جماهير الزمالك: فريقكم يملك مواهب تصنع الفارق
  • المَدْرسة المتميزة «عاتكة بنت زيد».. الإدارة التي تصنع الأثر