ثلاثون عاما على الإبادة الجماعية.. كيف نهضت رواندا من رماد المذبحة؟
تاريخ النشر: 7th, April 2024 GMT
تحيي رواند، غدا الأحد، ذكرى مرور 30 عاما على الإبادة الجماعية التي ارتكبها عام 1994 متطرفون من عرقية الهوتو ضد أقلية التوتسي، وتسببت في مقتل نحو 800 ألف شخص.
وبدأ قادة أفارقة في التوافد إلى العاصمة الرواندية، كيغالي، للمشاركة في فعاليات هذه الذكرى، حيث وصل الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي يتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي، إلى كيغالي لحضور الفعاليات.
ومن المقرر أن ستمر فعاليات إحياء ذكرى الإبادة في رواندا لمدة أسبوع، إذ سيتوقف كل شيء في رواندا وستُنكّس الأعلام ويحظر عزف الموسيقى في الأماكن العامة، أو على الإذاعة، وتمنع التلفزيونات من بث المناسبات الرياضية، فيما سيلقي الرئيس الرواندي بول كاغامي خطابا بهذه المناسبة.
100 يوم من الإبادة
اندلعت الإبادة الجماعية إثر وفاة الرئيس الرواندي، جوفينال هابياريمانا، وهو من عرقية الهوتو، عندما أُسقطت طائرته فوق مطار العاصمة كيغالي في 6 نيسان/ أبريل 1994، حيث اتهمت قبيلة الهوتو قبيلة التوتسي بقتله.
وفي غضون ساعات من الحادثة، انطلقت حملة عنف من العاصمة إلى جميع أنحاء البلاد، ولم تهدأ إلا بعد ثلاثة أشهر، وتسببت في مقتل 800 ألف شخص معظمهم من عرقية التوتسي.
ووفقا لتقارير إعلامية حينها، كان يُقتل كل من يحمل بطاقة هوية كُتب عليها توتسي، وتلقى جثثهم في النهر.
وإلى جانب ضحايا التوتسي، قتل أيضا عدد كبير من الهوتو المعتدلين في المجازر التي انقلب فيها أفراد العائلة الواحدة والأصدقاء على بعضهم.
وكان من بين المنظمين الأوائل لعمليات القتل مسؤولون عسكريون وسياسيون ورجال أعمال، ولكن سرعان ما انضم كثيرون آخرون إلى الفوضى.
ووفق تقارير فإن نظام الهوتو العرقي المتطرف الذي تولى السلطة في عام 1994 اعتقد حينها أن الطريقة الوحيدة التي يمكنه من خلالها التمسك بالسلطة هي القضاء على التوتسي تماماً.
ووفق أرقام الأمم المتحدة، فإن ما بين 100 ألف إلى 250 ألف امرأة تعرضت للاغتصاب، وفر مئات آلاف الأشخاص، إلى بلدان مجاورة بينها جمهورية الكونغو الديمقراطية، وما زالت المقابر الجماعية تُكتشف في رواندا حتى اليوم.
كيف انتهت المذبحة
في تموز/ يوليو 1994 سيطرة الجبهة الوطنية الرواندية على العاصمة كيغالي بدعم من الجيش الأوغندي، وأعلنت وقف إطلاق النار، وعُين بول كاغامي (الرئيس الحالي) نائبا للرئيس بيزي مونجو، وتم تشكيل حكومة جديدة متعددة الأعراق.
وبمجرد أن أصبح واضحاً أن الجبهة الوطنية الرواندية قد انتصرت، فر ما يقدر بنحو مليوني من الهوتو إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومن بينهم من يعتقد أنهم تورطوا في تلك المذابح، ليعود الهدوء إلى أنحاء البلاد وتبدأ رواندا كتابة فصل جديد في تاريخها.
نهوض من رماد الحرب
بعد توقف الحرب الأهلية وتولي الرئيس الحالي بول كاغامي السلطة، بدأ هذا البلد الأفريقي مسار نهوض، ليتحول في سنوات قليلة من أفقر بلدان القارة الأفريقية إلى أكثر اقتصاداتها نموا.
فقد شرع كاغامي بعد وصوله السلطة في إجراء مصالحة بين أفراد المجتمع، وتمكّن خلال فترة قصيرة من إعادة اللاجئين إلى بلادهم، ونظم محاكم محلية لإعادة الحقوق وإزالة المظالم.
كذلك، وضع دستورا للبلاد ينص على المصالحة والوحدة الوطنية، وتجريم كل من يتلفظ بلفظ عنصري في البلاد. وبعد ما انتهى من ملف المصالحة، تفرغ كاغامي، لموضوع الاقتصاد من أجل انتشال البلد من الفقر والمجاعة.
وباشر كاغامي، خطة لتطوير وتنمية القطاع الصحي وتسهيل الإجراءات على المستثمرين، حتى بات بإمكان رجل الأعمال أن ينشأ شركته في يوم واحد فقط وبمكان واحد.
وخلال سنوات قليلة تمكن كاغامي من رفع دخل الفرد بمقدار ثلاثين ضعفاً مقارنة مع السنين السابقة، وانخفض مستوى الأمية بنسبة 50 بالمائة.
وباتت ميزانية الدولة تعتمد على 20 بالمائة فقط من القروض والديون والدعم الخارجي بعد أن كانت الدولة تعتمد بنسبة 100 بالمائة على الخارج بديونه وقروضه ومنحه.
ركز كاغامي في خطة انتشال بلاده على جانب التعليم، حيث فرض مدة دنيا إلزامية حددت في 12 سنة من التعليم المجاني. واستبدل نظام تقييم المدرسيين من الأقدمية نحو معيار نسبة النجاح. وأقر زيادة مستمرة في ميزانية التعليم.
كما اتخذ كاغامي، قرارات، وصفت حينها بأنها شجاعة أدخلته في صراع مع قوى فرنسا، بعدما عمد إلى تغيير لغة التدريس في المقررات التعليمية من الفرنسية إلى الإنجليزية.
ووفق أرقام رسمية تضاعف الناتج الداخلي الخام في هذا البلد، خلال السنوات العشر الأولى من وصول كاغامي السلطة لينتقل من 900 مليون دولار إلى 9.14 مليار دولار.
كما تراجع معدل الفقر في رواندا من 60 في المائة إلى 39 في المائة، واحتلت رواندا المركز 44 عالميا، والأولى على مستوى إفريقيا في مؤشر محاربة الفساد.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية كيغالي الرئيس الموريتاني الرئيس الموريتاني كيغالي رواند المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی رواندا
إقرأ أيضاً:
انهيار اقتصادي وشيك في اليمن وعجز مزمن وراء زيارة الرئيس العليمي للرياض
لا يوجد دليلٌ واحدٌ على أن السلطة الشرعية في اليمن وحلفاءها الإقليميين؛ اتخذوا خطوات عملية تتمتع بالاستقلالية باتجاه الاستفادة المفترضة من التحولات الجوهرية التي شهدها ويشهدها اليمن والمنطقة، وهو أمر لن يتحقق إلا عبر إجراءات لا تحتمل أقل من الجاهزية الكاملة والصلاحيات السيادية غير المنقوصة، للتعاطي الخشن مع استحقاق إنهاء الحرب في اليمن، وتجاوز السقف الحالي المنخفض جدا والغارق في تعقيدات الوضع الاقتصادي والنقدي.
خلال تواجد الرئيس رشاد العليمي في فترة تعتبر طويلة نسبيا رغم قصرها في عدن، تبنّى بشكل لافت قضية الخلية الأمنية التي كُشف عنها مؤخرا وقيل إنها بقيادة العميد أمجد خالد، القائد السابق للواء النقل الرئاسي في عدن، الذي يتواجد مناطق سيطرة الحوثيين. ومن التهم الموجهة للخلية، اغتيال أحد موظفي برنامج الأغذية العالمي في مدينة التربة بمحافظة تعز ومحاولة اغتيال محافظ عدن، والعمل مع عناصر من تنظيمي القاعدة وداعش لتنفيذ عمليات تخريبية مستقبلية، وهو أمر يشير للتعاون المفترض بين جماعة الحوثي وهذين التنظيمين.
السلطة الشرعية لا تزال مشدودة إلى أولويات القوى الخارجية التي لا علاقة لها بالتحديات الحقيقية المسؤولة عن استمرار الحرب، وتصر على النظر إلى المشهد اليمني من زاوية التهديد الإرهابي
إن حرص الرئيس رشاد العليمي على التعاطي مع هذه القضية باعتبارها إنجازا كبيرا، ونقطة تحول، وأساسا لبناء سردية جديدة فيما يخص الأزمة والحرب، يكشف بالتأكيد أن السلطة الشرعية لا تزال مشدودة إلى أولويات القوى الخارجية التي لا علاقة لها بالتحديات الحقيقية المسؤولة عن استمرار الحرب، وتصر على النظر إلى المشهد اليمني من زاوية التهديد الإرهابي، أملا في إعادة توجيه الأنظار إلى الحوثيين من هذه الزاوية تحديدا، رغم أنهم خرجوا للتو من أتون الضربات العسكرية الأمريكية المميتة، ورغم أن واشنطن صنفت الحوثيين "منظمة إرهابية أجنبية".
ما من دليل ذي قيمة يمكن أن تضيفه سردية الرئيس وحكومته بشأن تورط الحوثيين في دعم الإرهاب، في وقت يتعين عليهما التركيز على التحولات المجانية في الموقف الأمريكي وعلى الإجراءات العقابية التي اتخذتها واشنطن بحق الحوثيين، والحرص على أولوية فرض إرادة السلطة الشرعية ونفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي والمالي.
ثمة عجز غير مبرر للسلطة الشرعية تجاه واجباتها الشاملة، وهو عجز يتجلى في أسوأ مظاهره في عدم وحدة القوى العسكرية وخضوعها لسلطة عسكرية مركزية هي سلطة وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة، بالنظر إلى ما تمثله القوة العسكرية المركزية ذات العقيدة الوطنية الموحدة والقوام البشري المنسجم من أهمية في تعزيز قدرة الدولة على إنفاذ واجباتها وفرض نفوذها، وصد التحديات والتهديدات من أي طرف كان.
يتحمل حلفاءُ السلطة الشرعية المسؤولية المباشرة عن هذا العجز، وتتحمل معظم القوى الدولية ذات النفوذ في مجلس الأمن الدولي، جزءا من المسؤولية، بالنظر إلى تواطؤ هذه القوى لتمرير الانقلاب وشرعنته وتعزيز مناعته، والعمل الممنهج لتهشيم الإمكانيات التي توفرت لدى السلطة الشرعية منذ شرع اليمنيون في بناء دولتهم ضمن عملية انتقالية تورطت هذه القوى في إجهاضها.
لذا، يمكن فهم لماذا تنحسر الأولويات لدى مجلس القيادة الرئاسي، إلى مجرد الإبقاء على قدرته وقدرة الحكومة على "دفع المرتبات، وتأمين السلع والخدمات الأساسية، وتحسين وضع العملة الوطنية، وتعزيز فرص التعافي الاقتصادي" بحسب تصريح لمصدر مسؤول في رئاسة الجمهورية.
سيبقى اليمن ضمن هذه الدائرة المفرغة والمفزعة، ما لم يتم سلوك مسار واضح للإنقاذ الاقتصادي، بالتزامن مع تعزيز القدرة العسكرية للسلطة الشرعية على مواجهة الانقلابيين وتفادي تحدي التشظي الراهن في بنية السلطة الشرعية بسبب المشروع الانفصالي
إنه مؤشر واضح على تراخي الداعمين الإقليميين وعدم استعجالهم في إنهاء الحرب والكوارث الناجمة عنها في اليمن، وعن تخليهم عن تعزيز قدرة السلطة الشرعية العسكرية والأمنية والاقتصادية على فرض نفوذها وتعزيز تماسكها الداخلي، ورفع جهوزيتها للتعامل مع التحدي الرئيس المتمثل في إنهاء الانقلاب.
هناك تكهنات بشأن دوافع زيارة الرئيس الدكتور رشاد العليمي الحالية إلى العاصمة السعودية، لكن الحقيقة هي أن هذه الزيارة لن تفضي إلى فرض سلطة جديدة، ولن تخرج عن دائرة الرغبة الملحة من جانب الرئيس في الحصول على الدعم من أكبر اقتصاد في المنطقة، وهو الاقتصاد السعودي، لمنع سقوط الدولة اقتصاديا إلى أتون الفوضى العارمة، وهو أمر وشيك الحدوث إذا لم تُلبّ السعودية مطالب الرئيس، وإذا لم يكن من بين ما يمكن بحثه مع الجانب السعودي مساعدة الشرعية عمليا على استعادة مواردها السيادية وفي مقدمتها النفط والغاز وتمكينها من تصديرهما للحصول على العملة الصعبة، واستدامة قدرة السلطة الشرعية على الإيفاء بالتزاماتها الحتمية تجاه الشعب اليمني.
لطالما سارعت السعودية للقيام بـ"إجراءات إسعافية" تتمثل في "الودائع النقدية" التي لا يمكن تقدير طبيعتها، ولا تبعاتها القانونية: هل هي قروض أم هبات. لكن من الواضح أن هذه الودائع هي التي تُبقي الحكومةَ الشرعيةَ واقفة على قدميها، دون أن تنجح للأسف في تحقيق الاستجابة الضرورية للاحتياجات الاقتصادية والنقدية، وفي المقدمة الاستمرار في صرف المرتبات ذات القيمة المتدنية أصلا، ووقف تدهور سعر الريال، الذي خلَّف تداعيات خطيرة في مقدمتها التضخم وانهيار القدرة المجتمعية على الشراء واتساع نطاق الفقراء والمعدمين الواقعين دون خط الأمن الغذائي.
وأخيرا، سيبقى اليمن ضمن هذه الدائرة المفرغة والمفزعة، ما لم يتم سلوك مسار واضح للإنقاذ الاقتصادي، بالتزامن مع تعزيز القدرة العسكرية للسلطة الشرعية على مواجهة الانقلابيين وتفادي تحدي التشظي الراهن في بنية السلطة الشرعية بسبب المشروع الانفصالي الذي سكن في قلبها برعاية كاملة من الداعمين الإقليميين.
x.com/yaseentamimi68