التشابه بيننا كبير، فالوزير دين آتشيسون، الذي شارك في تأسيس مجلس الأطلنطي، كان كذلك من بين الحضور في مؤتمر بريتون وودز في 1944 الذي شهد ميلاد صندوق النقد والبنك الدوليين. ومتأملا أعوام عمله في مجال الخدمة العامة، كتب آتشيسون لاحقا يقول: "إن الحقيقة البسيطة هي أن المثابرة في تطبيق السياسات الجيدة هي السبيل الوحيد لتحقيق النجاح.

..".

 

وفي عالم يزيد فيه تواتر الصدمات وتتصاعد فيه أجواء عدم اليقين، نحتاج إلى سياسات جيدة أكثر من أي وقت مضى، فاختيار السياسات السليمة سيحدد مستقبل الاقتصاد العالمي.

 

وسيحدد كيفية تذكر هذا العقد هي سيذكره التاريخ على أنه "العشرينيات المضطربة"، أي وقت الاضطرابات والتباعد بين المصائر الاقتصادية؛ أم "العشرينات الفاترة"، وهو وقت تباطؤ النمو والاستياء الشعبي، أم "العشرينيات التحولية"، وهي سنوات التقدم التكنولوجي السريع لمصلحة الإنسانية؟

 

سوف تقرأون في تقريرنا عن آفاق الاقتصاد العالمي الأسبوع المقبل أن النمو العالمي أقوى إلى حد ما بفضل قوة النشاط في الولايات المتحدة وفي كثير من اقتصادات الأسواق الصاعدة. ومما ساعد على ذلك قوة استهلاك الأسر واستثمار الشركات وتراجع حدة مشكلات سلاسل الإمداد. والتضخم آخذ في التراجع.

 

وصلابة الاقتصاد العالمي، التي ترجع في معظمها إلى سلامة الأساسيات الاقتصادية الكلية التي بُنيت على مدار الأعوام الماضية، تدعمها قوة أسواق العمل وتوسع القوى العاملة. وترجع قوة عرض العمالة جزئيا إلى الهجرة التي ساعدت كثيرا خاصة في البلدان التي تشهد زيادة أعداد السكان المسنين.

 

وعامة، استنادا إلى البيانات المتاحة، يمكننا تنفس الصعداء. فقد تجنبنا ركودا عالميا وفترة ركود تضخمي، وهو ما توقعه البعض. إلا أنه لا يزال هناك أمور كثيرة تثير القلق.

 

فقد أصبحت البيئة العالمية أصعب. والتوترات الجغرافية - السياسية تزيد مخاطر تشرذم الاقتصاد العالمي. وكما تعلمنا على مدار الأعوام القليلة الماضية، نحن نعمل في عالم يجب علينا فيه أن نتوقع ما هو غير متوقع.

 

وتتمثل الحقيقة القاسية في أن النشاط العالمي يتسم بالضعف وفق المعايير التاريخية، وأن آفاق النمو لا تزال تشهد تباطؤا منذ الأزمة المالية العالمية. ولم يتم بعد التغلب على التضخم بشكل كامل. وقد استُنْفِدَت هوامش الأمان المالي. وتشهد مستويات الديون ارتفاعا، وهو ما يشكل تحديا كبيرا للموارد العامة في عدد كبير من البلدان.

 

ونحن لا نزال نعاني الآثار العميقة للجائحة. فخسائر الناتج العالمي منذ 2020 تبلغ نحو3.3 تريليون دولار، وستقع التكاليف على عاتق أشد البلدان تعرضا للمخاطر أكثر من سواها. ونشهد تباينا متزايدا بين مجموعات البلدان المختلفة وداخل كل منها.

 

فعلى مستوى الاقتصادات المتقدمة، شهدت الولايات المتحدة أقوى تعاف، بفضل زيادة نمو الإنتاجية. وعلى النقيض من ذلك، يحقق النشاط في منطقة اليورو تعافيا بوتيرة أكثر تدرجا، انعكاسا للآثار الباقية من ارتفاع أسعار الطاقة والنمو الأضعف في الإنتاجية. وعلى مستوى اقتصادات الأسواق الصاعدة، نجد بلدانا مثل إندونيسيا والهند تحقق أداء أفضل.

 

ولكن التباين الأبرز اللافت للنظر هو ما نراه في البلدان منخفضة الدخل التي كانت ندوبها هي الأشد حدة. وحتى على مستوى هذه البلدان، فإن الاقتصادات الهشة والمتأثرة بالصراعات هي التي تتحمل العبء الأكبر. وفيما وراء كل هذا، يتمثل المحرك الرئيس لضعف النمو في حدوث تباطؤ كبير وواسع النطاق في الإنتاجية. ويوضح تحليلنا أن هذا هو السبب في أكثر من نصف التباطؤ في نمو الاقتصادات المتقدمة والصاعدة، و تقريبا كل التباطؤ في نمو البلدان منخفضة الدخل.

 

ونتيجة لذلك، تظل توقعاتنا للنمو العالمي على المدى المتوسط أقل كثيرا من المتوسط التاريخي، فهي أعلى قليلا من 3 %.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: كريستالينا جورجييفا الاقتصاد العالمي تشرذم صندوق النقد والبنك الدوليين صندوق النقد الاقتصاد العالمی

إقرأ أيضاً:

خبير: نمو الإقتصاد المغربي يتجاوز التوقعات بفضل مشاريع المونديال

زنقة 20 | الرباط

يرى الخبير الاقتصادي إدريس الفينة، رئيس المركز المستقل للتحليلات الاستراتيجية، أن النمو الاقتصادي المغربي تجاوز التوقعات في 2024 رغم الضغوط.

الخبير المغربي و في قراءة له ، ذكر أن الإقتصاد المغربي تمكن و في سياق عالمي مضطرب وتحديات داخلية متشابكة، من تحقيق معدل نمو بلغ 3,8% سنة 2024، متجاوزاً التوقعات ومُسجلاً ارتفاعاً طفيفاً مقارنة بسنة 2023 التي سجلت 3,7%.

هذه النتيجة الإيجابية وفق الفينة ، جاءت نتيجة أداء قوي للقطاعات غير الفلاحية، لكنها تخفي في طياتها مفارقات عميقة بين محركات النمو ومصادر ضعفه.

الفلاحة تتراجع… والصناعة تستعيد أنفاسها

و تشير الأرقام الأخيرة حول الحسابات الوطنية المؤقتة إلى تراجع مقلق للقطاع الفلاحي، الذي انكمش بنسبة -4,8%، مقارنة بارتفاع طفيف بنسبة 1,5% في السنة السابقة.

هذا التراجع بحسب الخبير المغربي ، أعاد طرح أسئلة قديمة حول هشاشة الاقتصاد المغربي أمام التغيرات المناخية، خاصة في ظل غياب إصلاحات هيكلية مستدامة في القطاع.

في المقابل، شكل القطاع الثانوي نقطة ضوء في المشهد الاقتصادي، محققاً نمواً بنسبة 4,2%، بفضل انتعاش ملحوظ في قطاعات مثل الصناعة الاستخراجية (+13%)، والصناعات التحويلية (+3,3%)، والبناء والأشغال العمومية (+5%).

و اعتبر الفينة ، أن المشاريع الضخمة المبرمجة للتحضير لاستضافة كأس إفريقيا 2025 ومونديال 2030 بدأت تعطي ثمارها.

الخدمات تواصل الزخم رغم التباطؤ

و رغم تسجيله تباطؤاً طفيفاً، استمر القطاع الخدماتي في دعم النمو الاقتصادي بمعدل نمو بلغ 4,6%، مقابل 5% سنة 2023.

وبرزت في هذا السياق قطاعات مثل النقل والتخزين (+7,4%) والخدمات المالية (+7,3%) والصحة والتعليم (+6,6%) كأبرز المساهمين في الدينامية العامة.

في المقابل، سجل قطاع الإيواء والمطاعم تباطؤاً كبيراً، منتقلاً من +23,5% سنة 2023 إلى +9,6% فقط سنة 2024، ما يُظهر حدود الانتعاش السياحي ويدعو لإعادة التفكير في استراتيجية تسويق المملكة كوجهة سياحية.

الطلب الداخلي المحرك الأول للنمو… لكن بأي كلفة؟

الطلب الداخلي بقي المحرك الأساسي للنمو، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة +5,8%، بفضل زيادة الإنفاق الاستهلاكي للأسر والمؤسسات غير الربحية بنسبة +3,4%، وقفزة في الاستثمار الإجمالي بنسبة +10,9%. هذه الدينامية القوية ساهمت في تحفيز النمو بنسبة +6,3 نقطة.

لكن هذا الزخم لم يخلُ من مخاطر، إذ أدى إلى اتساع الحاجة إلى التمويل، حيث ارتفع العجز إلى 1,2% من الناتج الداخلي الخام، مقارنة بـ1% سنة 2023، وهو مؤشر مقلق في ظل توترات الأسواق العالمية وارتفاع كلفة الاقتراض.

التضخم مستمر والعجز التجاري يتفاقم

مؤشر الأسعار ارتفع بنسبة +4,1% سنة 2024، وهو ما يعكس استمرار الضغوط التضخمية، خاصة على القدرة الشرائية للفئات الوسطى والهشة.

ويُعزى ذلك وفق الفينة، إلى ارتفاع أسعار الواردات، التي زادت بنسبة +11,6%، في حين لم ترتفع الصادرات سوى بنسبة +8%، ما أدى إلى مساهمة سلبية للتجارة الخارجية بلغت -2,5 نقطة في النمو الوطني.

ولاحظ الخبير المغربي، أن نسبة الصادرات إلى الناتج الداخلي تراجعت إلى 42%، مقابل 56% للواردات، مما يعكس استمرار الاختلال في الميزان التجاري.

ماذا عن مناعة الاقتصاد المغربي

رغم ارتفاع الادخار الوطني إلى 28,9% من الناتج الداخلي الخام، إلا أن هذا التحسن لم يكن كافياً لمجاراة التوسع في الاستثمار.

في هذا السياق، دعا الفينة الى تسريع إصلاحات هيكلية تتعلق بالإنتاجية، والتحول الصناعي، وتحفيز الصادرات ذات القيمة المضافة العالية.

الاقتصاد المغربي في مفترق طرق

ما بين انتعاش داخلي نسبي وضغوط خارجية متزايدة، يقف الاقتصاد المغربي عند مفترق طرق استراتيجي. فالحفاظ على وتيرة النمو يتطلب إعادة تموقع الصناعات الوطنية، تحسين مناخ الأعمال، وتعزيز العدالة الاجتماعية لتأمين انتقال اقتصادي مستدام يقول الخبير المغربي.

مقالات مشابهة

  • خبير: نمو الإقتصاد المغربي يتجاوز التوقعات بفضل مشاريع المونديال
  • ارتفاع الأسعار وتراجع نفقات الأسر أبرز مؤشر لأداء الاقتصاد في المغرب لسنة 2024 حسب مندوبية التخطيط
  • «صندوق الشارقة لاستدامة النشر» يحتفي بتخريج الدفعة الأولى من مسار «النمو»
  • رغم تباطؤ النمو في لبنان.. توقعات متفائلة بشأن الاقتصاد للعام المقبل
  • “الأغذية العالمي”: أكثر من 70 ألف طفل يعانون من سوء تغذية حاد في غزة
  • الأرصاد: استمرار الاحترار العالمي يعني طقسا أكثر عنفًا الفترة المقبلة
  • وزير العمل في مؤتمر جنيف: الاقتصاد العالمي يواجه تحديات غير مسبوقة بسبب التوترات الجيوسياسية
  • السودان يشارك في اجتماع فريق الخبراء، رفيع المستوى التابع للأمم المتحدة بشأن التعليم الإلكتروني في الدول الأقل نموا
  • خبير اقتصادي: تخفيض قيمة الدينار ليس حلًا لمشكلة عجز الميزانية
  • الاقتصاد المغربي يواصل النمو في 2025 و2026 مدعوماً بتحسّن المناخ وازدهار السياحة