إيران وإسرائيل واللعب على حافة الهاوية
تاريخ النشر: 14th, April 2024 GMT
بدأت إيران ليل الرابع عشر من أبريل/ نيسان الجاري هجومًا على إسرائيل؛ ردًا على الهجوم الذي استهدف قنصليتها في العاصمة السورية دمشق مطلع الشهر الجاري، ولم تتبنّه إسرائيل بشكل صريح. ويُعدّ هذا الهجوم الأول الذي تشنه إيران، انطلاقًا من أراضيها على إسرائيل؛ ليخرج بذلك صراع الظل الطّويل الأمد بين البلدين إلى العلن.
ورمزية التحوّل هنا تطغى على النتائج المادية المنتظرة المترتبة على الهجوم. في السابق، فضل الإيرانيون قتال إسرائيل والولايات المتحدة، عبر شبكة وكلائهم المنتشرين في المنطقة؛ لأنه جنى لهم فوائد عالية بتكاليف أقل. ومع هذا التحول في الصراع، فإن الإسرائيليين يأملون أن ترتفع هذه التكاليف على طهران، منذ الآن فصاعدًا.
هناك أربع أولويات ثابتة في الإستراتيجية الإيرانية، ستتعزّز على الأرجح بعد الهجوم الإيراني. الأولى أن الانخراط المباشر في حرب هو أكبر المحظورات وآخر الخيارات الأكثر سوءًا. والثانية أن التسليم بنقاط ضُعف إستراتيجية "الصبر"، أقل تكلفة من محاولة معالجتها بردة فعل قوية تجلب تكاليف باهظة. والثالثة أن الاعتماد الرئيسي على شبكة الوكلاء سيبقى يُحقق فوائد عالية بتكاليف مباشرة أقل. والرابعة أن حجم المكاسب التي يُمكن أن تخرج بها إيران من ارتدادات حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول، مرهون بقدرتها على تحقيق الأولويات الثلاث المذكورة.
مع ذلك، فإنّه حتى في الوقت الذي صمّمت فيه إيران هجومها على إسرائيل للموازنة بين معاقبتها على استهداف قنصليتها، واستعراض قوتها الذاتية والإقليمية، وبين تجنّب أن يؤدي الردّ إلى حرب مباشرة، فإن الصراع الإسرائيلي – الإيراني انتقل الآن إلى اللعب على حافة الهاوية. وإذا كان هناك من خلاصة واضحة يُمكن الخروج بها لهذا التحول، فهي أن القواعد الصارمة، التي أدارت الصراع في السابق وحالت دون انفجاره، أصبحت أقل شأنًا في الحسابات الإيرانية والإسرائيلية.
ومن الواضح أن المنحى الخطير، الذي سلكه الصراع منذ الهجوم على القنصلية الإيرانية، يستمدّ قوته من عاملين أساسيين: أولهما البيئة الأمنية الإقليمية المضطربة التي أفرزتها حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول بين إسرائيل وحركة حماس، وثانيهما تعامل كل من إسرائيل وإيران مع حقبة ما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، على أنها معركة لإعادة تشكيل قواعد الردع المتبادل بينهما.
ستبقى التكاليف الباهظة المترتّبة على حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران على الطرفين تعمل كرادع قوي لتجنّبها. لكن الرغبة المتبادلة في تجنب مثل هذا السيناريو، تُصبح أقل قيمة في إدارة الصراع عندما يفقد الطرفان قدرتهما على تشكيل الفعل، وردة الفعل بطريقة محسوبة ودقيقة، وعندما تُرتكب الأخطاء القاتلة.
فالحرب لا تستأذن أطرافها قبل أن تُصبح واقعًا. وبمعزل عن الكيفية التي ستتعامل بها إسرائيل مع الهجوم الإيراني، فإن العوامل الأساسية، التي مكّنت كلًا من طهران وتل أبيب في السابق من الحفاظ على وتيرة مستقرة في الصراع ومنع انزلاقه إلى نقطة الانفجار الكبير، لم تعد قائمة في حقبة ما بعد حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
فمن جانب، تخلت إسرائيل عن المحظورات السابقة في تصعيد معركتها ضد الوجود الإيراني في سوريا من خلال استهداف منشأة دبلوماسية إيرانية في الخارج للمرَّة الأولى، وقبلها اغتيال قادة كبار في الحرس الثوري الإيراني على الأراضي السورية. ومن جانب آخر، فإن إستراتيجية "الصبر" التي تنتهجها إيران منذ حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أظهرت نقاط ضعف طهران في هذا الصراع. كما أن التأثير الأميركي، الذي كان له في السابق الدور الأكبر في الحفاظ على وتيرة مستقرة من صراع الظل الإسرائيلي – الإيراني، لم يعد يعمل الآن كضابط إيقاع قوي له.
ففي الوقت الذي تفقد فيه واشنطن المزيد من تأثيرها على تل أبيب – لإعادة تشكيل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتتركز اهتمامات إدارة الرئيس جو بايدن على الحد من آثار حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول على الوجود الأميركي في الشرق الأوسط، وعلى فرص بايدن في الفوز بالانتخابات الرئاسية الأميركية – فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يواجه مأزقًا كبيرًا في حرب غزة ومُعضلة أخرى تتمثل في تصاعد تهديد حزب الله اللبناني على الحدود الشمالية، ينظر إلى تصعيد المواجهة مع إيران على أنه مخرج محتمل لإطالة فترة بقائه في السلطة، وإجبار الولايات المتحدة على إعادة تأكيد التزامها بأمن إسرائيل.
الحقيقة الواضحة، التي سيتعين على واشنطن التعامل معها بعد هجوم الثاني من أبريل/ نيسان على دمشق، أن قدرة إيران وإسرائيل على ضبط الفعل وردة الفعل لم تعد عامل جذب لكلتيهما.
إن الحقبة الجديدة من الصراع الإسرائيلي – الإيراني تستمد قوتها من تصور مشترك بأن حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ستُعيد تشكيل الشرق الأوسط على نطاق واسع، وأن الولايات المتحدة لم تعد قادرةً أو راغبةً في مواصلة لعب دور القوة العالميّة المُهيمنة في الجغرافيا السياسية الإقليمية.
مع ذلك، من غير المتصوّر أن تتخلّى الولايات المتحدة عن حليفتها إسرائيل في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ الدولة العبرية، حتى في الوقت الذي تُظهر فيه واشنطن بشكل متزايد امتعاضها من سلوك نتنياهو في الحرب.
وهذا التصور يعمل كمُحفز قوي لنتنياهو؛ لنشر حرب غزة في الشرق الأوسط؛ لاعتقاده بأن دفع إيران إلى تعميق انخراطها في حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول، سيترك خيارات محدودة أمام واشنطن، وسيُجبرها على التفكير في مخاطر التراجع في الشرق الأوسط.
حقيقة أن حربًا إسرائيلية على حزب الله في لبنان تلوح في الأفق، تُعطي لمحة واضحة عن التداعيات الهائلة لخروج الصراع الإسرائيلي – الإيراني عن السيطرة على الأمن والاستقرار الإقليمي.
إن الطرق المتبقية لتجنيب الشرق الأوسط مثل هذا السيناريو الكارثي تمر أولًا في قدرة كل من طهران وتل أبيب على فرض قواعد ردع جديدة متبادلة دون الانجرار إلى حرب مباشرة، وثانيًا في الدور الذي لا يزال بمقدور الولايات المتحدة لعبه لتجنب انتشار أوسع نطاقًا وأكثر خطورة لحرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول في الشرق الأوسط، وثالثًا في الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحركة حماس، يؤدي إلى وقف طويل الأمد للحرب على غزة.
مع ذلك، فإن الجنون الذي يُهيمن على إدارة نتنياهو لحرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول وارتداداتها الإقليمية، وانكشاف نقاط ضعف إستراتيجية "الصبر" الإيراني، والتقييمات الأميركية الخاطئة للحرب منذ البداية، تزيد من وعورة هذه الطرق الثلاث. وفي ضوء ذلك، سيتعين على الشرق الأوسط الاستعداد للتعامل مع صراع لم يعد بالإمكان التنبّؤ بمساراته وحدوده وخطوطه الحمراء.
لقد أظهرت حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول مدى هشاشة الأمن الإقليمي. وأي انفجار محتمل في صراع الظل الإيراني – الإسرائيلي سيؤدي إلى انهيار ما تبقى من مفهوم الأمن الإقليميّ.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط فی السابق
إقرأ أيضاً:
العدو الذي يتحدث لغتك.. خطة إسرائيل الجديدة لاختراق المجتمعات
في محاولة للتمدد داخل المجتمعات العربية، يعمل الاحتلال الإسرائيلي على صناعة جيل من عناصر الاستخبارات والجنود المتحدثين بالعربية بلهجاتها المتنوعة، كأداة اختراق تتجاوز البندقية والدبابة إلى محاولة السيطرة على العقول.
"إسرائيلي يتحدث لهجتك، يغني أغانيك، ويردد أمثالك الشعبية" مشهد بات يتكرر في مقاطع فيديو ينشرها إعلام الاحتلال، ضمن خطة مدروسة للتأثير على الرأي العام العربي وتحويل مجرم الحرب إلى وجه مقبول.
ومهمة الجيل الجديد هي كسر الحواجز النفسية مع الشعوب العربية، وتهيئة الأرضية لاختراقات ثقافية وأمنية أشد خطورة من الحرب التقليدية، وفق ما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية.
بعد فشل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في التنبؤ بعملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، شرعت إسرائيل في إعادة تقييم أدواتها الاستخبارية وأساليبها في جمع المعلومات.
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية -في تقرير نشرته في الثامن من يوليو/تموز الجاري- عن تكثيف إسرائيل جهودها في تدريب كوادر بشرية متخصصة في اللغات واللهجات المحلية بهدف تعزيز قدراتها الاستخبارية بعد إخفاقات أكتوبر/تشرين الأول.
وقد أقرت الأجهزة الأمنية ضرورة العودة إلى الأدوات التقليدية، كاللغة وتفعيل الجواسيس على الأرض، إلى جانب استخدام التكنولوجيا المتطورة لمراقبة الاتصالات وشبكات التواصل الاجتماعي بشكل أكثر فاعلية.
وبناءً على ذلك، أطلقت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" برامج تدريبية مكثفة تستهدف شبابًا أنهوا دراستهم الثانوية حديثًا، حيث يتم اختيارهم لتعلم لغات ولهجات محددة، حسب الاحتياجات الأمنية. وتستغرق هذه الدورات حوالي 6 أشهر.
إعلانوهو ما أكد عليه ضابط إسرائيلي برتبة مقدم، رمزت له الصحيفة بالحرف (ح) والذي قال إن الحرب الدائرة في غزة أظهرت أنه "لا يمكن الاستغناء عن الأذن التي تلتقط النبرة، والعين التي تفسر التعبيرات والسلوكيات" مضيفًا أن هذا التوجه سيمتد للسنوات القادمة من خلال تعزيز وتوسيع منظومة كوادر اللغة داخل المؤسسة الأمنية.
وتعود مدارس اللغات التي تديرها "أمان" إلى بدايات تأسيس الشعبة، لكنها تشهد توسعًا كبيرًا حاليًا لتلبية متطلبات "الجبهات المشتعلة" حيث يتعلم مئات المجندين سنويًا لغات ولهجات متنوعة تشمل السورية واللبنانية والفلسطينية والعراقية والبدوية، وقبل 18 شهرا أضيفت اليمنية إلى القائمة، مما يعكس اهتمامًا غير مسبوق بتنوع اللهجات العربية.
ويتجاوز التدريب الجانب اللغوي ليشمل مواد نصية وصوتية مستمدة من الواقع العملياتي مثل محادثات حديثة أو تقارير إخبارية، وذلك للحفاظ على التأهب العملي لدى المتدربين، كما يتعرض المتدربون لتعبيرات يومية وأغانٍ ومقاطع فيديو من شبكات التواصل لإتقان النبرة واللهجة بشكل طبيعي، وفقا للصحيفة.
اختراق ثقافيلا يتوقف التدريب عند اللغة وحدها، بل يدمج بين الجانب اللغوي والتحليل الثقافي والسياسي، إذ يتعلم عناصر الاستخبارات المستقبليون قراءة ما بين السطور، وفهم أنماط التفكير والعادات المحلية، بحسب يديعوت أحرونوت.
ورغم أهمية اللغة، يوضح الضابط (ح) أن الهدف ليس فقط بناء "مترجمين" بل عناصر استخبارات تجمع بين القدرة اللغوية وفهم الثقافة والمجتمع والسياسة المحلية، مشددًا على أنه "لكي تكون رجل استخبارات جيدًا يجب أن تدرس النظريات، والثقافة (..) والقيم التي تشكل أساس رؤيتهم للعالم".
وقال الضابط المقدّم المسؤول عن مدرسة اللغات في شعبة الاستخبارات العسكرية -في حديثه عن دروس السابع من أكتوبر/تشرين الأول- أن أحد الاستنتاجات الأساسية من الهجوم المفاجئ هو الحاجة الماسة إلى زيادة عدد المتخصّصين في اللغات ضمن المنظومة الأمنية.
يُشار إلى أن تقارير إسرائيلية أكدت أنه كانت يُفتقر لمعلومات استخباراتية في اليمن بالتحديد، كونها لم تتوقع دخول جماعة أنصار الله (الحوثيين) في معارك ضدها كما حدث في جبهة الإسناد الحالية. وهو ما استدعى تجنيد إسرائيليين من أصول يمنية، من اليهود الذين وصلوا حديثا لإسرائيل ويجيدون العربية واللهجة اليمنية، للمساعدة في جمع معلومات استخباراتية عن الحوثيين، وفق صحيفة معاريف الإسرائيلية.
وفي إطار الإصلاحات التي تبنتها قيادة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بعد "طوفان الأقصى" أصدرت تعليمات بعمل دورات في الثقافة الإسلامية واللغة العربية بدءًا من مرحلة ما قبل التجنيد وصولًا إلى تدريب الضباط. وتهدف هذه المبادرة إلى تزويد الأفراد العسكريين والجنود والقادة المستقبليين بالكفاءة اللازمة لفهم المجتمعات العربية بشكل أعمق، بحسب إذاعة جيش الاحتلال.
ووفقًا لتقرير نشره موقع "ذا ديفنت بوست" في 16 يوليو/تموز الجاري، فإن جميع أعضاء شعبة الاستخبارات العسكرية سيخضعون لتدريب في الدراسات الإسلامية، وسيتلقى نصفهم تدريبًا في العربية بحلول العام المقبل.
إعلان سلاح خفيفي السنوات الأخيرة، اتضح أن إسرائيل باتت تستخدم إستراتيجيات ناعمة ترتكز على الجانب النفسي والثقافي، الهدف منها كسر الحواجز النفسية واختراق الوعي الجمعي، مما يسهل عليها نقل رسائلها وتأثيرها بالمجتمع العربي دون إثارة مقاومة واضحة.
ويتفق الخبير النفسي عبد الرحمن مزهر مع ذلك، ويقول إنها خطوات نحو محاكاة أنماط السلوك والتعبيرات العربية اليومية، مما يجعلها تظهر كجزء من النسيج الاجتماعي المستهدف.
ويوضح مزهر أن هذا الانخراط اللغوي والثقافي يقلل الفجوة النفسية بين الطرفين، إذ إن اللهجة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل تعبر عن الهوية والشخصية. وعندما يتحدث شخص غريب باللهجة نفسها، يشعر المستمع بحالة من الألفة والقبول اللاواعي، مما يسهل قبول رسائل العدو دون وعي.
ويشير الخبير -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن هذه العمليات النفسية تؤسس لتطبيع عاطفي مع الطرف الآخر، يجعل من السهل تمرير أفكار سياسية وثقافية عبر قنوات تبدو طبيعية ومألوفة، مثل ارتداء بعض الإسرائيليين لباسا عربيا تقليديا، والترويج لأطعمة عربية على أنها جزء من المطبخ الإسرائيلي، كممارسات تهدف إلى تشويش الهوية وإعادة تشكيل الصور الذهنية.
ويعتبر مزهر أن هذا "السلاح الناعم" أكثر خطورة من السلاح التقليدي، لأن الأخير معروف وتتم مواجهته برفض ومقاومة، أما السلاح الناعم فيتسلل بسلاسة ليعيد تشكيل المفاهيم والقيم داخل المجتمع، دون أن يشعر المتلقي بخطورته أو يدرك طبيعة تأثيره الحقيقي.
من أجل تعزيز التواصل مع الجمهور العربي، أنشأت الخارجية الإسرائيلية صفحات رسمية لكبار المسؤولين بالعربية على منصات التواصل، وصفحات بعض السفارات في دول عربية مثل مصر والأردن.
وتعتمد إسرائيل على وسائل إعلام ناطقة بالعربية منذ تأسيس إذاعة "صوت إسرائيل" التي بدأت العمل بموجب قانون سلطة البث لعام 1965، والذي نص على أن تعمل الإذاعات بالعربية لخدمة المواطنين العرب (الفلسطينيين) داخل إسرائيل، وتعزيز التفاهم والسلام مع الشعوب العربية المجاورة.
ومع ظهور ثورات الربيع العربي، تغيرت الصورة التقليدية لهذه الوسائل الإعلامية، إذ أدركت إسرائيل -كما الأنظمة العربية- أهمية وتأثير مواقع التواصل على الشباب العربي، لذا اتجهت نحو استخدام صفحات التواصل والمتحدثين العرب بهدف كسر الحواجز النفسية والثقافية مع الجمهور العربي الشاب.
ومن أبرز الشخصيات التي تتفاعل بالعربية بشكل مستمر مع الجمهور العربي أفيخاي أدرعي (المتحدث الرسمي باسم جيش الاحتلال) والذي يحرص على التفاعل المباشر مع المتابعين على فيسبوك وتويتر، من خلال تهنئة المسلمين بالأعياد، ودعاء قبول الصلاة في منشورات مثل "جمعة مباركة".
كما ينشر صورا له من أماكن مختلفة بالأراضي المحتلة، رغم أن هذه المنشورات غالبا ما تتلقى تعليقات ساخرة من الجمهور العربي.
ويرى المنسق العام لتنسيقية مقاومة الصهيونية والتطبيع أنس إبراهيم أن مشروع الاحتلال الإسرائيلي لإنتاج جيل من المتحدثين الرسميين بالعربية بلهجاتها المتنوعة -من الخليج إلى الشام فالمغرب- ليس مسألة لغوية أو تواصلية بريئة، بل هو جزء من خطة عميقة تستهدف بنية الوعي العربي، وتهيئة الأجيال القادمة لتقبّل الكيان الصهيوني كجزء طبيعي من نسيج المنطقة.
ويقول إبراهيم في حديثه للجزيرة نت إن "الرسالة الأساسية التي يسعى الاحتلال لبثّها هي أنه ليس كيانًا غريبًا أو طارئًا، بل هو كيان مألوف يفهم العرب أكثر مما يفهمون أنفسهم. وعندما يتحدثون مثلنا فإنهم يخفون حقيقتهم الاستعمارية خلف قناع التفاعل الإنساني، في محاولة لكسر الصورة النمطية للعدو".
إعلانويرى أن أخطر ما في هذه السياسات أنها تُنتج استعمارًا ناعمًا يفتك بالعقول والقلوب قبل الأرض، فالاحتلال لم يعد يعتمد فقط على القوة المسلحة، ولهذا فإن مقاومة هذا المشروع تبدأ من الوعي، وحماية الهوية، وتمتين المناعة النفسية والثقافية، لأن ما لا نرفضه اليوم بوضوح سنعتاده غدا بصمت، على حد تعبيره.