الجدل حول هجوم حماس يوم السابع من أكتوبر.. وحسم الجدل قانونيًا
تاريخ النشر: 29th, July 2025 GMT
السفير د. عبدالله الأشعل
في صباح السابع من أكتوبر 2023 شنت قوات حماس هجومًا شاملًا وكاسحًا على منطقة غلاف غزة، وهي منطقة تابعة لغزة احتلها المستوطنون الذين رحلوا عن غزة عام 2005 تحت ضربات المقاومة. وكان هجوم حماس على القواعد والقوات الإسرائيلية برًا وبحرًا وجوًا. ولم تُفاجأ إسرائيل بالهجوم، ولكن فُوجئت بحجم الهجوم الذي لم تكن مستعدة له أمنيًا وعسكريًا.
الموقف الأول: منطق حماس من الهجوم.. الموقف الثاني: موقف إسرائيل وأمريكا ومعظم الدول العربية وأولها السلطة.. الموقف الثالث: موقفنا من الحادث ووضعه في القانون الدولي.
أولًا: دوافع حماس ومنطقها في الهجوم
تسوق حماس سبعة دوافع لهجومها على القوات المعادية:
الأول: إن إسرائيل تعمدت إهانة الفلسطينيين منذ قيامها. الثاني: إن صبر حماس على جرائم إسرائيل خلال نحو سبعة عقود قد نُقِض، وتأكدت حماس أن السياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ليست مؤقتة وعابرة، بل هي أساس المشروع الصهيوني. الثالث: تأكد لحماس أن إسرائيل خارج حدودها ليست مجرد سلطة احتلال وإنما تريد الأرض ولا تريد السكان.
الرابع: لاحظت حماس أن إسرائيل تقوم على الغضب والقوة، وأن المقاومة المسلحة هي أنسب رد على إسرائيل. الخامس: لاحظت حماس أن آليات النظام الدولي تحتال عليها إسرائيل، وأنها تفلت من العقاب، ولذلك توحشت. ورأت المقاومة أن الحلول عن طريق التفاوض غير مجدية. السادس: إن إسرائيل مصرّة على تفريغ فلسطين من أهلها.
وقدّرت حماس أن الجمهور الذي تُسيئ إسرائيل إليه سوف يعتبر المقاومة غير ذات جدوى، خاصةً وأن السلطة تعاديها وتعتبرها ذراع إيران في المنطقة قبل طوفان الأقصى، كما أن هجمات المستوطنين على المرابطين في المسجد الأقصى لا تتوقف. وسابعًا: تعتقد حماس أن من حقها الدفاع عن الشعب الفلسطيني، خاصة أن السلطة لا تحمي الفلسطينيين وليس لها جيش.
ثانيًا: موقف إسرائيل وأمريكا ومعظم الدول العربية
موقف إسرائيل: فوجئت إسرائيل بحجم وخطورة العملية، وشمولها البر والبحر والجو، وفوجئت بجرأة المقاومة وعدم خوفها من إسرائيل، ولأول مرة تأخذ رهائن، وهي محقة في ذلك بموجب المادة 12 من اتفاقية نيويورك لأخذ الرهائن عام 1979، وتعتبر إسرائيل أن المقاومة وسّعت هدفها من مجرد مقاومة الاحتلال إلى هدف تحرير فلسطين من النهر إلى البحر. وهذه فرضية لاحظناها في رد إسرائيل، ولذلك بدأت إسرائيل حرب إبادة منظمة ضد غزة، مقدّمة لإبادة الشعب كلما حانت الفرصة.ولما كانت المقاومة تمثّل الحق، وإسرائيل تمثل الباطل، فقد أظهرت إسرائيل بإبادتها للشعب بكافة الطرق غلًا وعقدًا وانتقامًا من تجرؤ غزة على توحش إسرائيل. وكلما نجحت المقاومة في كسر شوكة الجيش الصهيوني، ازداد حقده على المدنيين، أي كلما نجحت المقاومة في ساحات القتال، توحشت إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.
موقف أمريكا والاتحاد الأوروبي: نفس وجهة النظر الإسرائيلية تبنّتها أمريكا ومعظم الحلفاء الأوروبيين.موقف معظم الدول العربية: تابعت بألم البيانات الرسمية التي أصدرتها وزارات الخارجية العربية في معظم الدول، وتتضمن أمرين، الأول: إدانة هجوم حماس باعتباره عدوانًا على إسرائيل، ومبررًا لدفاع إسرائيل عن نفسها، على أساس أن الفعل مستحدث ورد الفعل مستحدث أيضًا، والثاني: إن بيانات الخارجية العربية أدانت هجمات حماس على المستوطنين، على أساس أن المستوطنين مدنيون كالفلسطينيين، ودعت هذه البيانات إلى المساواة بين المدنيين الفلسطينيين والمدنيين المستوطنين.
لعل هذه المقالة تبدّد الجهل بهذه الحقائق لدى من أصدر بيانات بهذا المعنى. أما من أصدر بيانات الإدانة على أساس التحالف مع أمريكا وإسرائيل، فقد ضلّ ضلالًا بعيدًا.
رأينا في وضع الحادث في القانون الدولي الحق أن الاحتلال طويل الأجل، خاصة إذا كان يستخدم الاحتلال ستارًا لإفراغ فلسطين من أهلها بل وإبادتهم، ليس له حقوق في القانون الدولي، بل للمقاومة أن تستخدم كل الوسائل، بما فيها أخذ الرهائن، أما الموقف الأمريكي، فقد تماهى مع الموقف الإسرائيلي، واقتربت منهما مواقف معظم الدول العربية، خاصة وأن الدول العربية اتخذت موقفًا معاديًا للمقاومة قبل الحادث بعام تقريبًا، عندما قررت الجامعة العربية أن المقاومة العربية بكل أجنحتها من قبيل "الإرهاب"، وهو موقف إسرائيل وأمريكا ومعظم الدول الغربية،
ولاحظنا أن الحكومات العربية وحدها تعادي المقاومة بسبب الضغوط الأمريكية، أما الشعوب العربية فكلها مجمعة على مساندة المقاومة ومساندة إيران ضد إسرائيل.
الخلاصة أن ضربة المقاومة ليست منقطعة الصلة عمّا قبلها من جرائم إسرائيل، ويكفي أن محكمة العدل الدولية أكدت في آرائها الاستشارية منذ عام 2004، وآخرها عام 2024، أن علاقة إسرائيل بأرض فلسطين خارج قرار التقسيم هي مجرد علاقة احتلال ويجب أن تنتهي، وأما ما تدّعيه إسرائيل بأن المقاومة اعتدت عليها مما أعطاها الحق في "الدفاع الشرعي"، وما ترتب على هذا الهجوم تتحمل مسؤوليته المقاومة، فذلك اتهام سياسي لا يسنده القانون، وكان يمكن للمقاومة أن تُنقذ غزة لو اعتذرت لإسرائيل! ثم إن إسرائيل، بمجاهرَتها بهدف القضاء على المقاومة، تُخالف القانون الدولي، وقد فصّلنا ذلك في مقال سابق.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: القانون الدولی الدول العربیة موقف إسرائیل أن المقاومة حماس أن موقف ا
إقرأ أيضاً:
حسابات ما بعد السابع من أكتوبر.. بين الوهم والحقيقة
الآن، وبعد مرور عامين كاملين على أحداث السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، آن أوان الحساب الهادئ البعيد عن الانفعال؛ فالعواطف تهدأ، والغبار ينقشع، ولا يبقى في النهاية سوى ما تبقّى من وطنٍ ومن بشرٍ ومن معنى.
لم تعد القضية سؤالا ً عن مَن بدأ ! .. بل عمّا انتهينا إليه جميعاً بعد تلك الزلزلة التي هزّت المنطقة من جذورها.
يوم السابع من أكتوبر لم يكن مجرّد هجومٍ عسكري، بل كان لحظة انفجارٍ في الوعي العالمي، أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام بعد سنواتٍ من التهميش؛ خلال ساعاتٍ قليلة تغيّر المشهد كله؛ فإسرائيل التي طالما تغنّت بتفوّقها الأمني، سقطت في مفاجأةٍ كاملة، والمقاومة التي حوصرت طويلا ًبدت وكأنها استطاعت أن تُعيد ميزان الرعب إلى وضعه الطبيعي، لكن ما تلا ذلك كان كفيلا ً بتحويل النصر الإعلامي الخاطف إلى مأساةٍ ممتدة تبتلع كل ما حولها.
فمن حيث المبدأ، نجحت حماس في كسر الجمود الذي كان يطوّق القضية الفلسطينية، وفرضت على العالم أن يسمع من جديد صوت غزة، إلا أن الثمن كان باهظا ً إلى حدٍ يصعب تبريره بأي منطقٍ سياسي أو إنساني.
مئات الألوف بين قتيلٍ وجريحٍ ومشرّد، دمارٌ شبه كامل للبنية التحتية، وانهيار اقتصادي واجتماعي غير مسبوق، وشعبٌ محاصر يواجه مصيره اليومي بين الموت والجوع والتهجير. بينما تحوّلت صورة “المقاومة” ذاتها من رمزٍ للبطولة إلى سؤالٍ عن المسؤولية، وعن مدى شرعية اتخاذ قرارٍ كارثي كهذا باسم أمةٍ كاملة.
إسرائيل بدورها دفعت ثمناً فادحاً، ليس فقط في الأرواح، بل في صورتها ومكانتها السياسية، فقد انكشفت أمام العالم، وتصدّعت أسطورة جيشها الذي لا يُقهر، وتحوّل قادتها إلى متهمين أمام محاكم التاريخ.
غير أن الكيان الإسرائيلي، بقدر ما تألم ؛؛ استطاع أن يستثمر المأساة ليُطلق حرباً مفتوحة بدعوى “الرد والدفاع”، فاستعاد تعاطف الغرب، ووسّع نطاق عدوانه إلى أقصى مدى. وهكذا وجد الفلسطيني نفسه مرة أخرى ضحيةً مزدوجة ما بين احتلالٍ لا يرحم، وحسابات فصيلٍ اعتقد أنه يملك مفاتيح الخلاص وحده.
المحصلة النهائية، إذا قسناها بلغة الواقع لا بلغة وبلاغة الشعارات، تُظهر أن ما حدث كان انهيارا ًشاملا ًأكثر منه انتصارا ً تكتيكيا ً ، فالقضية التي كان يُفترض أن تُستعاد مكانتها، جرى حصرها في مشهدٍ دمويٍ طويل فقدت معه تعاطف جزء كبير من الرأي العام، وتحوّل العالم من مناقشة “الحقوق الفلسطينية” إلى نقاش “التهديدات الأمنية”، ومع كل قصفٍ جديد، تآكلت فكرة الدولة الفلسطينية، وغابت ملامح مشروعٍ وطنيٍ جامع، لصالح صراعٍ أيديولوجي ضيّق الأفق.
اليوم، وبعد عامين من الحرب، بات واضحا ً أن السابع من أكتوبر لم يُحرّر أرضا ً، ولم يُسقط احتلالا ً، بل حَرَّر العدو من عزلته، وأسقط عن نفسه عبء الصراع الأخلاقي، بينما حُوصرت غزة أكثر، وتراجعت فرص السلام أكثر، وانهارت آخر بقايا الثقة بين الشعوب والأنظمة في المنطقة.
إن ما ربحته حماس في لحظة صدمةٍ نفسية، خسرته في عامين من النزيف الإنساني والسياسي.
الصدق يقتضي القول إن أحداً لم يخرج منتصرا ًمن تلك المأساة؛ فإسرائيل فقدت ما تبقّى من صورتها الأخلاقية، والعرب فقدوا ما تبقّى من أملٍ في مشروعٍ جامع، والفلسطينيون فقدوا جزءا ًمن أرضهم ومن أحلامهم ومن مستقبلهم.، وبقي وحده الإنسان البسيط، في غزة وتل أبيب على السواء، هو من يدفع ثمن الحسابات الخاطئة لكبار اللاعبين.
تلك هي المحصلة بلا رتوش عبارة عن فعل اندفع بالحماس، ففتح بابا ً من الجحيم، وأيقظ كل شياطين الحرب الكامنة في المنطقة، أما عن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها، فهي أن المقاومة الحقيقية لا تكون في المغامرة بالدماء، بل في بناء القوة بعقلٍ بارد ٍ ورؤية ٍ بعيدة ٍ تحفظ الحياة ولا تُفنيها.