صندوق النقد والبنك الدولي يختلفان في تقديراتهما للنمو الاقتصادي العالمي
تاريخ النشر: 17th, April 2024 GMT
توقعات بتحسن نشاط القطاع غير النفطي وانحسار تخفيضات إنتاج النفط بدول مجلس التعاون
توقع تقرير صادر عن البنك الدولي بعنوان "الصراع والديون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا " أن تنمو اقتصادات مجلس التعاون الخليجي (سلطنة عمان، والسعودية والكويت والبحرين والإمارات وقطر ) إلى 2.8% في عام 2024، وتصل إلى 4.
كما توقع التقرير أن ينمو نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في دول مجلس التعاون ليبلغ 1% في عام 2024 مما يمثل تحسناً كبيراً عما شهدته من انخفاض في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي عند 0.9 % في عام 2023.
ولفت التقرير إلى أنه من المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي العالمي للعام الثالث على التوالي في عام 2024، ووفقاً لتنبؤات البنك الدولي في شهر يناير 2024 سوف يتباطأ النمو الاقتصادي إلى 2.4% في عام 2024 من 2.6% في عام 2023 مما يعكس إلى حد كبير تشديد السياسة النقدية لكبح جماح التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته على مدار عقود، والشروط المقيدة للائتمان، وتراجع التجارة والاستثمار على مستوى العالم، ومن المتوقع أن يرتفع النمو إلى 2.7% في عام 2025 مع استمرار تراجع التضخم، وبدء انخفاض أسعار الفائدة، وانتعاش التجارة.
وأشار التقرير إلى تراجع التضخم العالمي في أعقاب دورات من تشديد السياسات النقدية، غير أن التضخم لا يزال أعلى من المستويات المستهدفة في معظم الاقتصادات المتقدمة وفي العديد من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية.
وذكر التقرير أن أسعار النفط تراجعت منذ أكتوبر 2023 بنسبة 9.5%، ومن المتوقع أن يستمر الانخفاض في عام 2024 في ظل ضعف النمو العالمي وزيادة إنتاج النفط، وتشير العقود الآجلة للنفط إلى ارتفاع الأسعار بشكل عام على المدى المتوسط مقارنة بالأسعار في يونيو وديسمبر 2023، ولكنها أقل من أسعار سبتمبر 2023 مع تداول العقود الآجلة عند 71.41 دولار للبرميل نهاية عام 2026.
وتحدث التقرير عن الآثار الاقتصادية للصراع الدائر في الشرق الأوسط على المنطقة إذ أوشك النشاط الاقتصادي في غزة على التوقف التام، كما انخفض إجمالي الناتج المحلي لقطاع غزة بنسبة 86% في الربع الأخير من عام 2023. وانزلقت الضفة الغربية إلى هوة عميقة من الركود، مع أزمات متزامنة في القطاعين العام والخاص.
وحسب التقرير من المتوقع أن تعود اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى معدلات النمو المنخفض المماثل للفترة التي سبقت الجائحة. ومن المتوقع أن يرتفع إجمالي الناتج المحلي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 2.7% في عام 2024، وهي زيادة من 1.9% في عام 2023، وكما هو الحال في عام 2023، من المرجح أن تنمو البلدان المستوردة والمصدرة للنفط بمعدلات أقل تفاوتاً عن عام 2022، عندما عزز ارتفاع أسعار النفط النمو في البلدان المصدرة للنفط. وفيما يتعلق بدول مجلس التعاون الخليجي، تعكس زيادة النمو في عام 2024 توقعات بتحسن نشاط القطاع غير النفطي وانحسار تخفيضات إنتاج النفط قرب نهاية العام، ومن المتوقع أن يتباطأ نمو إجمالي الناتج المحلي في جميع البلدان المستوردة للنفط تقريبا.
وتناول التقرير أيضًا ارتفاع مستويات الديون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين عامي 2013 و2019، إذ شهدت اقتصادات المنطقة زيادة في متوسط نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي بأكثر من 23 نقطة مئوية، كما فاقمت الجائحة الوضع بتراجع الإيرادات والزيادة في الإنفاق لدعم التدابير الصحية، مما أدى إلى زيادة الاحتياجات التمويلية لعدد كبير من البلدان.
وكشفت البيانات أن الديون المتزايدة تتركز بشكل كبير في البلدان المستوردة للنفط، حيث تتجاوز نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي بنسبة 50% المتوسط العالمي لاقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية، وبحلول عام 2023 تقترب نسب الدين في هذه البلدان من 90% من إجمالي الناتج المحلي، وهو ما يتجاوز بثلاثة أضعاف النسب المسجلة في البلدان المصدرة للنفط بالمنطقة.
وأشار التقرير إلى أن البلدان المستوردة للنفط في المنطقة لا تزال تكافح لتخفيف أعباء ديونها المتزايدة، مما يستدعي تطبيق عدد من الإجراءات المالية المشددة للسيطرة على المديونية، ومن الجوانب الحاسمة أن البنود التي لا تظهر ضمن الموازنة العامة، والتي لعبت دوراً كبيراً في اقتصادات بعض دول المنطقة، قد أثرت سلباً على شفافية الديون والمالية العامة. في المقابل، تواجه البلدان المصدرة للنفط تحديات تنويع اقتصاداتها ومواردها المالية العامة، وذلك بسبب التغيرات الهيكلية في أسواق النفط العالمية والطلب المتزايد على مصادر الطاقة المتجددة.
وأشار التقرير إلى أنه من الضروري أن تقوم اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بتنفيذ إصلاحات هيكلية، خاصةً في مجالات تعزيز الشفافية، لتحفيز النمو وضمان مستقبل مستدام.
صندوق النقد الدولي
في حين قال صندوق النقد الدولي اليوم إن الاقتصاد العالمي يتجه إلى نمو بطيء لكنه ثابت لعام آخر إذ تدفع قوة الاقتصاد الأمريكي الناتج العالمي ليتجاوز الرياح المعاكسة الناجمة عن استمرار التضخم المرتفع وضعف الطلب في الصين وأوروبا وتداعيات حربين إقليميتين.
ويتوقع صندوق النقد نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي العالمي 3.2 بالمائة لعامي 2024 و2025، وهو المعدل ذاته لعام 2023، وعدل توقعات عام 2024 بالرفع 0.1 نقطة مئوية عن تقديرات تقرير آفاق الاقتصاد العالمي السابق في يناير، ويرجع ذلك إلى حد بعيد إلى مراجعة توقعات نمو الاقتصاد الأمريكي بالرفع.
وقال كبير خبراء الاقتصاد بالصندوق بيير أوليفييه جورينشاس للصحفيين "يواصل الاقتصاد العالمي إبداء مرونة ملحوظة مع ثبات النمو وتراجع التضخم، ولكن لا يزال أمامه الكثير من التحديات".
وأضاف أن التصعيد المحتمل للصراع في الشرق الأوسط بعد الهجوم الإيراني بالصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل ربما يكون له "تأثير قوي" على الحد من النمو، مشيرا إلى أنه سيؤدي لارتفاع أسعار النفط والتضخم ويدفع بالتالي البنوك المركزية إلى تشديد السياسة النقدية.
وقالت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين أمس إن الوزارة تستعد خلال الأيام المقبلة لفرض عقوبات جديدة على إيران ربما تحد من قدرتها على تصدير النفط.
ووصف التقرير "السيناريو المعاكس" الذي سيؤدي فيه التصعيد في الشرق الأوسط إلى زيادة أسعار النفط 15 بالمائة وارتفاع تكاليف الشحن مما سيرفع التضخم العالمي بنحو 0.7 نقطة مئوية.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض متوسط التضخم الأساسي العالمي إلى 2.8 بالمائة بحلول نهاية 2024 من أربعة بالمائة العام الماضي وإلى 2.4 بالمائة في 2025.
وتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ معدل النمو في الولايات المتحدة 2.7 بالمائة في 2024، مقارنة بتقديرات بلغت 2.1 بالمائة في يناير، وذلك بفضل نمو التوظيف والإنفاق الاستهلاكي بمعدل أعلى من المتوقع في نهاية 2023 وفي 2024.
وتوقع الصندوق كذلك أن يتسبب تباطؤ تأثير تشديد السياسة النقدية والمالية في أن يصل النمو في الولايات المتحدة إلى 1.9 بالمائة في 2025 رغم أن التوقعات في يناير كانت 1.7 بالمائة بعد تعديلها بالرفع.
غير أن أحدث توقعات صندوق النقد أظهرت تباينا صارخا فيما يتعلق بدول أخرى، بعضها في منطقة اليورو، حيث عُدلت توقعات النمو لعام 2024 بالخفض إلى 0.8 من 0.9 بالمائة في يناير.
ويرجع ذلك في المقام الأول إلى ضعف معنويات المستهلكين في ألمانيا وفرنسا. كما عُدّلت توقعات النمو في بريطانيا لعام 2024 بالخفض 0.1 نقطة مئوية إلى 0.5 بالمائة في ظل معاناتها من ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم.
وأبقى صندوق النقد الدولي على توقعاته للنمو في الصين في 2024 دون تغيير. ويتوقع الصندوق أن ينخفض النمو إلى 4.6 من 5.2 بالمائة في 2023، وأن ينخفض مرة أخرى إلى 4.1 بالمائة في 2025. لكنه نبه إلى أن غياب حزمة لإعادة الهيكلة الشاملة لقطاع العقارات المضطرب في البلاد قد يطيل أمد الأمر ويفاقم أزمة تراجع الطلب المحلي ويخفض النظرة المستقبلية للاقتصاد.
غير أن جورينشاس قال إن النمو في الصين بمعدل أعلى من المتوقع خلال الربع الأول من شأنه أن يحسن التوقعات عند المراجعة.
وفي واحدة من أكبر المفاجآت، تحسنت توقعات النمو في روسيا لعام 2024 إلى 3.2 بالمائة من تقدير بلغ 2.6 بالمائة في يناير.
وذكر التقرير أن هذه الزيادة تعكس جزئيا استمرار عوائد تصدير النفط القوية وسط ارتفاع أسعار النفط العالمية على الرغم من آلية الحد الأقصى للسعر التي تفرضها الدول الغربية. وأضاف أنها تعكس كذلك الإنفاق الحكومي القوي والاستثمار المرتبط بالإنتاج الحربي وزيادة الإنفاق الاستهلاكي في ظل سوق تزيد فيها فرص العمل عن عدد الباحثين عنه.
كما رفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو في روسيا لعام 2025 إلى 1.8 بالمائة من 1.1 بالمائة في يناير.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
هل تُعيد خريطة النمو السكاني رسم أولويات التنمية؟
«ترى الشركات أن استثماراتها في محافظة مثل مسندم تحتاج إلى وقت أطول لتحقيق العائد مقارنة بالمحافظات ذات الكثافة السكانية المرتفعة، ما يبرز أهمية دراسة التوزيع الجغرافي للسكان كعنصر استراتيجي في توجيه الاستثمارات»
تعد قضية التركيبة السكانية من القضايا المهمة في التخطيط الاقتصادي، وبناء على نمط التركيبة سواء من حيث عدد السكان أو أعمارهم أو فئاتهم وجنسياتهم وأيضا تخصصاتهم ومهنهم والأعمال التي يزاولونها تستطيع الحكومات تحديد أولوياتها وتستطيع الشركات تحديد أي نوع من الخدمات يتحتم عليها تقديمها اليوم لمواكبة تطلعات المستهلكين والحفاظ على ولائهم للشركة، وأي نوع من الخدمات يمكنها تأجيله لعام أو عامين وفق خطط تمتد لـ 5 أو 10 سنوات.
في مقال شهر أبريل الماضي تطرقنا إلى التحديات التي تواجه شركات الاتصالات خلال العام الجاري خاصة المنافسة القائمة فيما بينها، ويمكننا اليوم أن نتحدث عن مجموعة من القضايا ذات الصلة بهذه المنافسة؛ لعل في مقدمتها: هل العدد الحالي من شركات الاتصالات مناسب لأعداد السكان والتركيبة السكانية؟ أو أنه أكثر؟ أو أقل من المطلوب؟، وهنا يمكننا الحديث عن دور هيئة تنظيم الاتصالات في تحقيق التوازن بين ما يتطلع إليه المستهلكون وما ترغب شركات الاتصالات في تنفيذه، ودور الهيئة في تمكين الشركات من تأكيد حضورها محليا وإقليميا.
هذا النموذج يمكننا تطبيقه على العديد من القطاعات الاقتصادية الأخرى خاصة القطاعات التي لها علاقة بالمجتمع والمستهلكين بشكل عام، إذ إن دراسة قضايا أعداد السكان والتركيبة السكانية وهل هي ذات قدرة شرائية مرتفعة أو متدنية وهل توجهاتها استهلاكية أو غير ذلك؛ من شأنها تمكيننا من الوصول إلى فهمٍ أعمق لتحديات الشركات وتطلعاتها وأهدافها، وفي نفس الوقت تحقيق تطلعات المجتمع ومواكبة طموحاته، ولعل التوافق بين وحدات الجهاز الإداري للدولة من جهة والشركات التي تقدم خدماتها للسكان من جهة ثانية أمر ضروري لتحقيق النمو الاقتصادي مع الأخذ في الاعتبار العناصر الأخرى المؤثرة على نمو أي قطاع اقتصادي مثل تحديات التضاريس ومدى توفر الخدمات الأساسية والنهج المتبع في التخطيط العمراني ونحوها من العناصر الأخرى.
هيكل السوق المحلي
عندما نراجع إحصائيات النمو السكاني نجد العديد من الخصائص المهمة التي تساعد المخططين في الجهاز الإداري للدولة والشركات في تحديد أولوياتها، فعلى سبيل المثال بلغ إجمالي عدد السكان في سلطنة عُمان بنهاية عام 2023 ما يصل إلى 5 ملايين و165 ألف نسمة وبلغ إجمالي عدد العمانيين مليونين و928 ألف نسمة والوافدين مليونين و236 ألف نسمة وشكل العمانيون 56.7 بالمائة من إجمالي عدد السكان فيما شكّل الوافدون 43.3 بالمائة، وبنهاية ديسمبر من عام 2024 ارتفع إجمالي عدد السكان إلى 5 ملايين و268 ألف نسمة بزيادة تبلغ 102 ألف نسمة أي إن نسبة النمو السكاني بين عامي 2023 و2024 بلغت 1.98 بالمائة، ومن الملاحظ أن إجمالي عدد العمانيين سجل خلال العام الماضي نموا بنسبة 1.9 بالمائة فيما سجل السكان من الوافدين نموا بنسبة 2 بالمائة، أي إن نسبة النمو متماثلة.
وإذا نظرنا إلى الإحصائيات خلال العام الجاري - أي بعد تنفيذ العديد من الجهود لاستقطاب الاستثمارات وتحفيز بيئة الأعمال - نجد أن إجمالي عدد السكان ارتفع بنهاية أبريل الماضي إلى 5 ملايين و291 ألف نسمة من بينهم 3 ملايين و1221 عمانيا ومليونان و289 ألف وافد، أي أن نسبة النمو ارتفعت في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري إلى 2.43 بالمائة مقابل نسبة نمو بلغت 1.98 بالمائة بين عامي 2023 و2024، ومن الملاحظ أن نسبة نمو السكان العمانيين بلغت 2.46 بالمائة وسجل الوافدون نموا بنسبة 2.38 بالمائة.
ما يهمنا من الأرقام السابقة هو نسب النمو في أعداد السكان سواء العمانيين أو الوافدين وكم تشكل كل فئة من الإجمالي، ولكن أيضا هناك إحصائيات أخرى ذات أهمية كبيرة من أبرزها توزع السكان على المحافظات، وعلى سبيل المثال بلغ إجمالي عدد السكان بمحافظة مسقط بنهاية شهر أبريل الماضي مليونا و511 ألف نسمة مشكلين ما نسبته 28.5 بالمائة من إجمالي عدد السكان، وبلغ إجمالي عدد الوافدين بمحافظة مسقط 924 ألف نسمة مشكلين 61.1 بالمائة من إجمالي عدد السكان بالمحافظة وهذا يعني مزيدا من الانتشار في الخدمات الموجهة للوافدين كالمدارس والمستشفيات الخاصة والمطاعم والمقاهي التي تهتم بجنسيات معينة كما هو موجود في العديد من العواصم وهو أمر يحفّز الاستثمار في القطاع العقاري ويؤدي إلى انتعاش قطاع النقل وسيارات الأجرة ونحوها من الخدمات الأخرى، وفي المقابل نجد أن محافظة مسندم سجلت أدنى عدد للسكان عند نحو 55 ألف نسمة وشكل العمانيون 65.6 بالمائة من إجمالي عدد السكان بالمحافظة في حين بلغ إجمالي الوافدين بالمحافظة بنهاية أبريل الماضي أقل من 19 ألف نسمة. قد ترى الشركات أن استثماراتها في المحافظة تحتاج إلى وقت أطول للحصول على العائد التي تتطلع إليه بعكس استثماراتها في المحافظات التي فيها أعداد مرتفعة من السكان، وكثيرا ما تعمد الدول ضمن جهودها لمعالجة هذا التحدي إلى استثمار الميزات النسبية التي تشجع السياح.
على القدوم إلى مثل هذه المناطق كما يتم إنشاء جامعات أو كليات جامعية أو مصانع كبرى أو نحوها من المشاريع الأخرى التي من شأنها تحفيز النمو الاقتصادي.
الوافدون كقوة استهلاكية كامنة
ومن المناسب ما دمنا نتحدث عن أعداد السكان من الوافدين أن نستعرض أهم المهن التي يعملون فيها وهل هي محفّزة للنشاط الاقتصادي أو لا، ولعل أبرز ملامح إحصائيات القوى العاملة الوافدة أن 436 ألفا منهم يعملون في قطاع التشييد و282 ألفا في أنشطة الأسر المعيشية التي تستخدم أفرادا، و272 ألفا في تجارة الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات، و179 ألفا في قطاع الصناعة التحويلية، وكما يعلم الجميع فإن كثيرا ممن يعملون في مثل هذه الأنشطة ليسوا من العاملين الذين يتميزون بالنمط الاستهلاكي الذي يؤدي إلى انتعاش الأنشطة الاقتصادية.
وفي إحصائيات الجنسيات نجد أن الجنسية البنغلاديشية هي الأكثر انتشارا في قطاع الأعمال مع بلوغ أعداد العاملين البنجلاديشيين بنهاية أبريل الماضي 623 ألفا ومن الهند 507 آلاف ومن باكستان 318 ألفا أي أن إجمالي عدد العاملين من الجنسيات الثلاث يبلغ أكثر من مليون و449 ألف نسمة وهذا يعني أن الأنشطة الموجهة إلى هذه الجنسيات الآسيوية ستكون هي الأكثر نموا؛ بمعنى أن المطاعم والمدارس الآسيوية ستكون هي الأكثر انتشارا. وهنا علينا أن نتساءل: كيف سيكون الحال لو أن العدد الأكبر من العاملين في القطاع الخاص هم من الجنسيات العربية أو الأوروبية؟.
ربما أكون قد أطلتُ الحديث كثيرا بشأن تأثيرات السكان الوافدين على النشاط الاقتصادي؛ ورغم هذه الإطالة هناك الكثير مما يحتاج إلى تحليل، إذ إن المحللين في هذا المجال يعتبرون الجنسيات الأجنبية مساهما رئيسيا في إثراء الأنشطة الاقتصادية وزيادة الطلب المحلي على المنتجات والخدمات، وحدثني أحد العاملين في إحدى شركات الاتصالات أن إنفاق الأجانب على شراء رصيد هاتف بريال واحد فقط شهريا ينعكس إيجابا على إيرادات الشركات وأرباحها مع وجود نحو 2.3 مليون وافد في سلطنة عُمان.
محافظات تقود النشاط الاقتصادي
إذا انتقلنا إلى السكان العمانيين علينا أن نتوقف عند إجمالي أعداد السكان وتوزعهم على مختلف المحافظات والولايات، والأعمال التي يشتغلون فيها، ونسبة الباحثين عن عمل من إجمالي قوة العمل، والمستويات التعليمية، فضلا عن توجهات السكان نحو الإنفاق الاستهلاكي أو الادخار، وإذا عدنا إلى إحصائيات السكان سنجد أن أعلى عدد من السكان العُمانيين يتركز في 3 محافظات هي شمال الباطنة بـ600 ألف نسمة، ومحافظة مسقط بـ587 ألف نسمة، ومحافظة الداخلية بـ406 آلاف نسمة وهو ما يعني تحفيز الأنشطة الاقتصادية التي تلبي تطلعات ورغبات أهالي هذه المحافظات وفي الوقت نفسه تثري هذه الأعداد أنشطة الشركات وتدفعها إلى النمو، ولهذا لا نستغرب إذا وجدنا أن إحدى الشركات لديها عشرات الفروع في بعض المحافظات في حين أن فروعها في محافظات أخرى محدودة، وأذكر في أول زيارة لي إلى ولاية الدقم في عام 2008 أي قبل إنشاء المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم لم يكن في الولاية أي فرع للبنوك وكانت المحلات التجارية محدودة جدا ولا توجد سوى محطة واحدة لتعبئة الوقود، أما الآن فإن معظم البنوك افتتحت لها فروعا في ولاية الدقم وهناك أكثر من محطة وقود وتم إنشاء مدارس دولية وتوفير العديد من الخدمات التي انعكست إيجابا على النشاط الاقتصادي للمواطنين والشركات بشكل عام، وهو أحد أهداف تأسيس المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم في عام 2011.
علينا أن نهتم أيضا بمسألة الباحثين عن عمل لأن وجود أعداد كبيرة من قوة العمل غير قادرة على دخول سوق العمل لأي سبب كان؛ من شأنه الحد من النمو الاقتصادي، وإذا عدنا إلى تصريح معالي الدكتور محاد بن سعيد باعوين وزير العمل في مارس الماضي، فإن إجمالي عدد الباحثين عن عمل يتراوح بين 85 ألفا و100 ألف، وبحسب النشرة الاقتصادية الشهرية للمركز الوطني للإحصاء والمعلومات، فإن نسبة الباحثين عن عمل بلغت بنهاية شهر أبريل الماضي 4 بالمائة مرتفعة من 3.3 بالمائة في ديسمبر، وتوضح النشرة توزيعات الباحثين عن عمل بحسب المحافظات وبحسب الفئات العمرية. وجود هذه الأعداد الكبيرة من الباحثين عن عمل يفترض أن يدفع الشركات الاستثمارية الكبرى لتأسيس شركات إنتاجية سواء في قطاع الصناعة أو قطاع الخدمات والقطاعات الاستثمارية المتعددة. إنشاء شركات كبرى جديدة سوف يحقق العديد من الأهداف، من أبرزها تقليص أعداد الباحثين عن عمل وزيادة النشاط الاقتصادي، وبدلا من أن نعلق آمالنا على مساهمة القوى العاملة الوافدة في النشاط الاقتصادي علينا أن ننظر إلى قدرات المواطنين في تحفيز النشاط الاقتصادي؛ إذ إن تشغيل الشباب يعني تأسيس أسر جديدة تحتاج إلى مساكن وسيارات ومستلزمات متعددة وهو ما يثري مختلف الأنشطة التجارية ويدفع النمو العقاري إلى الأمام ويرفع مبيعات المطاعم والمواد الاستهلاكية ومتاجر البيع بالتجزئة.
إن كل هذه الأرقام المتعلقة بالتركيبة السكانية وتنوعها وأعمالها وأنشطتها ومستوى توزعها على المحافظات والولايات تعد إحصائيات مهمة علينا أن نستفيد منها لتعزيز التنمية وتحقيق تطلعات المجتمع ودفع الاقتصاد العماني إلى مزيد من النمو والازدهار.