حلم أمريكا المتجدد.. إضافة سقطرى إلى سلسلتها النارية العابرة للمحيطات
تاريخ النشر: 20th, April 2024 GMT
تمضي المواجهة العسكرية في المياه البحرية لليمن بوتيرة بطيئة نوعاً ما، لكن إيقاعها غير المتسارع، ينذر بتحوّلات جذرية لصراع القوى الإقليمية والدولية المتنافسة على النفوذ في مضيق باب المندب، الذي يتوسط قناة السويس ومضيق هرمز. ومع إضافة السعودية، الإمارات، مصر، عُمان، الهند، وإسرائيل ضمن اللاعبين الفاعلين والمتفاعلين في المشهد الملتهب في اليمن، تغدو صورة الصراع متعدد الأقطاب أكثر قتامة من ليالي الأعاصير التي تضرب أرخبيل جزيرة سقطرى كل سنة.
عادت جزيرة سقطرى منذ 22 آذار/ مارس 2024 إلى واجهة الجدل الإعلامي حول التدخلات الخارجية في اليمن وانتهاك سيادته. ما أثار الجدل هذه المرة هو تصريح لمسؤول عسكري أمريكي، إذ نقلت عنه قناة "سكاي نيوز عربية" قوله إن الولايات المتحدة "تعمل على تعزيز وجودها في جزيرة سقطرى اليمنية ونصبِ دفاعات جوية، في خطة تستهدف الرد على هجمات حوثية محتملة".
تداعت وسائل إعلام عربية ودولية لتناقل الخبر ورصد التعليقات عليه، وبدا واضحاً أن التوقيت الحساس لتصريح المسؤول الأمريكي، الذي لم تذكر القناة اسمه، ضاعف من نسبة انتشاره وحدة ردود الفعل إزاءه. فما زالت الولايات المتحدة تدعم جيش الاحتلال الإسرائيلي للشهر السابع على التوالي، في تدمير قطاع غزة والإمعان في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والتهجير القسري بحق الشعب الفلسطيني. وبالتزامن مع ذلك، تواصل حركة أنصار الله/ الحوثيين، منذ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل والمتجهة إليها عبر البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي. وفي هذا التوقيت أيضاً، تتصاعد المواجهة بين الحوثيين من جهة، وبين الولايات المتحدة وبريطانيا من جهة مقابلة، بعد إقدام الأخيرتين على قصف المواقع العسكرية للجماعة منذ 12 كانون الثاني/ يناير الفائت.
بدأت الغارات الجوية الأمريكية-البريطانية بعد ساعات من إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً يمنح الدول المتضررة من هجمات الحوثيين حق "الدفاع عن النفس"، وتكررت تصريحات المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين عن أن هجماتهم المضادة، وأحياناً الاستباقية، هدفها "تحجيم" و"إضعاف" القدرات العسكرية للحوثيين وحملهم على إيقاف مهاجمة السفن. غير أن سبعين يوماً من القصف لم توقف هجمات الجماعة التي تربط إيقاف عملياتها العسكرية البحرية بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة، وإدخال المساعدات إلى القطاع بلا شروط. وأبعد من ذلك، أعلن زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، عن توسيع نطاق هجماتها إلى المحيط الهندي.
"جزيرة الحظ السيء"؟
السياق التاريخي للتنافس الدولي والإقليمي في السيطرة على البحار، يفسّر اهتمام الولايات المتحدة بثبيت أقدامها في أرخبيل سقطرى. فمنذ الحملة البرتغالية في القرن السادس عشر الميلادي، ما زالت أهمية هذا الأرخبيل تتعاظم في عيون المستعمِرين، لكن ليس في عيون قادة اليمن.
على الرغم من نفي البنتاغون ــ بعد أربعة أيام من التصريح المثير للجدل ــ وجود قوات أمريكية في سقطرى، استمرت ردود الفعل الغاضبة من قبل عدد من زعماء القبائل في الأرخبيل ومحافظة المهرة، شرق اليمن. وتداولت وسائل إعلام يمنية وعربية بياناً منسوباً إلى لجنة الاعتصام السلمي في محافظة المهرة، اعتبر فيه وجود قوات أمريكية في الأرخبيل "احتلالاً أجنبياً" يجب مقاومته. الموقف نفسه تبنته جماعة أنصار الله/ الحوثيين، عبر قيادات بارزة فيها، ونقل موقع صحيفة "سبتمبر نت" التي يرأس تحريرها الناطق العسكري للجماعة، عن "مصدر محلي مطلع" و"مصادر إعلامية"، أن "قبائل سقطرى" "ستمنح" القوات الأمريكية مهلة مدتها شهر لمغادرة الأرخبيل، ثم ستكون "المقاومة الشعبية المسلحة" خيارها الأخير لطرد "القوات الأجنبية من الجزيرة".
هذه ليست المرة الأولى التي يثار فيها الجدل حول تواجد "قوات أجنبية" في سقطرى. إذ بدأ الأمر في منتصف سنة 2018، بخروج خلاف إلى العلن بين الرئيس السابق للحكومة المعترف بها دولياً، أحمد عبيد بن دغر، وبين ضباط إماراتيين في ميناء ومطار سقطرى، وتدخلت السعودية حينها لاحتواء تفاقم ذلك الخلاف. على إثر ذلك سحبت الإمارات قواتها التي اتهمتها الحكومة بإرسالها إلى الجزيرة من دون علمها، بينما أرسلت السعودية قوة بديلة، "لغرض التدريب والمساندة للقوات اليمنية" وبتنسيق مع الحكومة، بحسب ما أعلن عنه "التحالف العربي" آنذاك. في تموز/ يوليو 2019، أعلنت الإمارات عن خفض عدد قواتها في اليمن، ضمن خطة "إعادة انتشار"، ولأسباب "استراتيجية وتكتيكية".
بدأت الغارات الجوية الأمريكية-البريطانية، بعد ساعات من إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً يمنح الدول المتضرِّرة من هجمات الحوثيين حق "الدفاع عن النفس". وتكررت تصريحات المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين عن أن هجماتهم المضادة، وأحياناً الاستباقية، هدفها "تحجيم" و"إضعاف" القدرات العسكرية للحوثيين وحملهم على إيقاف مهاجمة السفن.
لا يتحدث المسؤولون الإماراتيون إلى الإعلام كثيراً، لكن الأكاديمي الموصوف بقربه من دوائر الحكم في أبوظبي، عبد الخالق عبد الله، حدّد في تدوينة له على موقع "تويتر" سابقاً (X حالياً)، ثلاثة أسباب لقرار خفض القوات الإماراتية: "1- استمرار هدنة الحديدة (في إشارة إلى اتفاق ستوكهولم 2018)، 2- ارتفاع ملحوظ في كفاءات وجاهزية القوات المساندة للشرعية، 3- تراجع في العلميات العسكرية خلال 2019". وأشار عبد الله إلى أن بلاده قد أدّت مهامها في اليمن "على أكمل وجه، ويمكنها العودة في أي وقت".
منذ ذلك الحين، بدأت وسائل الإعلام تتحدث عن تباين بين سياسة السعودية وسياسة الإمارات في اليمن، وحتى عن خلافات بين الدولتين اللتين تقودان "التحالف العربي" المساند للحكومة المعترف بها دولياً ضد جماعة أنصار الله/ الحوثيين. في الواقع، كان الخلاف بين الحكومة ودولة الإمارات ممتداً إلى عمق العملية السياسية، حيث ظل المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه الإمارات، وعلى مدى سنتين منذ تأسيسه، خارج التمثيل في الحكومة وفي المفاوضات السياسية، التي ترعاها الأمم المتحدة بين طرفي الحرب الرئيسيين. في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وبعد المعارك الطاحنة في آب/ أغسطس، بين قوات الحكومة وقوات المجلس الانتقالي في عدن، رعت السعودية والإمارات مفاوضات بين الطرفين، أسفرت عن توقيع "اتفاق الرياض". نصّ هذا الاتفاق على تشكيل حكومة "مناصفة" بين القوى الشمالية والقوى الجنوبية، إضافة إلى ترتيبات عسكرية وأمنية بين الطرفين، لكن التنفيذ تعثر، لأسباب متصلة بتعقيدات النزاع في اليمن، وتشعب أبعاده بين المحلي والإقليمي والدولي.
في المواجهات المسلحة سنة 2019، كانت الغلبة للمجلس الانتقالي، الذي لا يزال مستمراً حتى الآن في حمل راية "القضية الجنوبية"، ولا يزال يبدي عدم رضاه عن استئثار "حزب الإصلاح" ( الإخوان المسلمين)، بحصة وافرة من الحقائب الوزارية والمناصب الحكومية والعسكرية. يأخذ المجلس الانتقالي على حزب الإصلاح، أنه كان إحدى القوى المشاركة في حرب 1994 ضد القوى الجنوبية، التي أعلنت "فك الارتباط" بالشمال والتراجع عن الوحدة. ومع تنامي قوة المجلس الانتقالي، استطاع فرض سيطرته على أرخبيل سقطرى في 2020، ضمن مناطق أخرى من المحافظات الجنوبية، وصار اليوم ممثلاً في مجلس القيادة الرئاسي بثلاثة أعضاء من إجمالي ثمانية، وفقاً لاتفاق نقل السلطة من الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي إلى مجلس القيادة الذي يرأسه رشاد العليمي.
لا يمكن القول إن التوافق بين الأطراف الجنوبية والشمالية في مجلس القيادة الرئاسي قد صار ملائماً لإدارة البلاد، لكن في طيات انعدام التوافق وضعفه تضيع حقوق سيادية لليمن، ومنها السيادة الكاملة على أرخبيل سقطرى.
المال السائب...
لم تعتد الحكومات المتعاقبة على حكم اليمن على الاهتمام بالجزُر. تشير المصادر التاريخية إلى أن آخر دولة في اليمن اهتمت بالجزر كانت الدولة الرسولية (626- 858 هـ/ 1229- 1454م)، حيث امتدت سيطرة اليمن إلى جزُر "دَهْلَك" التابعة حالياً لإثيوبيا. ولاستعادة جزر "حنيش" التي احتلتها إريتريا سنة 1995، خاضت الحكومة اليمنية مساراً طويلاً من التحكيم الدولي حتى عادت ملكيتها إليها.
على الرغم من نفي البنتاغون وجود قوات أمريكية في سقطرى، استمرت ردود الفعل الغاضبة من قبل عدد من زعماء القبائل في الأرخبيل ومحافظة المهرة، شرق اليمن. وتداولت وسائل إعلام يمنية وعربية بياناً منسوباً إلى لجنة الاعتصام السلمي في محافظة المهرة، اعتبر فيه وجود قوات أمريكية في الأرخبيل "احتلالاً أجنبياً" يجب مقاومته.
هذه ليست المرة الأولى التي يثار فيها الجدل حول تواجد "قوات أجنبية" في سقطرى. إذ بدأ الأمر في منتصف سنة 2018، بخروج خلاف إلى العلن بين الرئيس السابق للحكومة المعترف بها دولياً، أحمد عبيد بن دغر، وبين ضباط إماراتيين في ميناء ومطار سقطرى، وتدخلت السعودية حينها لاحتواء تفاقم ذلك الخلاف.
في أواخر سنة 2023، تسربت شائعات غير بريئة في وسائل التواصل الاجتماعي، عن حق الصومال في جزيرة سقطرى نظراً لقربها من القرن الأفريقي. لكن الشائعات اصطدمت بسقف عالٍ من الوعي لدى النخب اليمنية والعربية بتاريخ الجزيرة، وجذور لغتها التي تشير مفرداتها المنطوقة ونقوشها المكتوبة إلى المسند اليمني القديم. غير أن الإهمال التاريخي لهذا الأرخبيل الفريد في طبيعته، وأهميته العالية في الملاحة الدولية، جعله متاحاً أمام الدول العربية والأجنبية.
لم تغادر الإمارات سقطرى نهائياً، بل كثفت مشاريعها الاستثمارية فيها. تقدم المساعدات للسكان، وتنظم شركات السياحة في الإمارات رحلات سفاري إلى الجزيرة مباشرة من أبوظبي. وبالتزامن مع تصريح المسؤول الأمريكي عن "تعزيز" قوات بلاده في سقطرى، تداولت وسائل إعلام دولية صورة جوية، قالت إنها لمطار عسكري قيد الإنشاء في جزيرة عبد الكوري- إحدى جزر أرخبيل سقطرى، وتبعد عنها بحوالي 80 كيلو متراً. تظهر الصورة عبارة إنجليزية مكتوبة بالرمل جوار المطار تقول: "نحن نحب الإمارات". قبل هذه الأنباء بعشرة أيام، نشر "مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية" ترجمة لمحتوى صحف عبرية، معنوناً ترجمته بـ"الإمارات وإسرائيل تبنيان قاعدة عسكرية قرب مضيق باب المندب". في تفاصيل الترجمة ورد أن الدولتين "تعتزمان [منذ 2020] إقامة منشآت عسكرية واستخباراتية جديدة في جزيرة سقطرى"، بينما نشر مركز "سوث24" للأخبار والدراسات منتصف 2021، ترجمة عن صحيفة "إندبندنت" البريطانية، تفيد بأنه "لا وجود لقواعد عسكرية إماراتية في سقطرى". وفي الردّ على أسئلة وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية عن بناء المطار في جزيرة عبد الكوري، قالت الإمارات إن "أي وجود" لها "في جزيرة سقطرى، يستند إلى أسباب إنسانية، ويتم تنفيذه بالتعاون مع الحكومة اليمنية والسلطات المحلية".
في جميع الأحوال، لم يعد خافياً وجود الإمارات في جزيرة سقطرى ولا تطبيعها مع إسرائيل، لكن المستجِد في الوقت الراهن، هو الوجود العسكري الأمريكي في "جزيرة الحظ السيء"، كما تصفها صحيفة إزفيستيا الروسية.
أبعاد التنافس الإقليمي والدولي؟
أصبح معلوماً كيف تأثر الاقتصاد العالمي بسبب هجمات جماعة أنصار الله/ الحوثيين على السفن المرتبطة بإسرائيل أو المتجهة إليها، وكذلك السفن الأمريكية والبريطانية. وعلى الرغم من تحديد أهداف هذه الهجمات، فقد أربكت حركة التجارة العالمية في البحر الأحمر وبحر العرب. وفي ظل توسّع صراع الأقطاب في المنطقة، صار تنافس الهيمنة على هذا الممر المزدحم أكثر سفوراً. التواجد العسكري للولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وإيران والصين ودول الاتحاد الأوروبي في المياه البحرية اليمنية، يفوق ما كان عليه في ذروة انتشار القراصنة خلال العقد الأول من الألفية الثالثة. بحسب الصحيفة الروسية، فإن نفي البنتاغون وجود خطط أمريكية لنشر قوات في سقطرى، "قد لا يكون" فيه "سوى بعض الحقيقة"، وأن "واشنطن لا تستطيع التقليل من الأهمية الاستراتيجية لهذا الأرخبيل".
في أواخر سنة 2023، تسربت شائعات غير بريئة في وسائل التواصل الاجتماعي عن حق الصومال في جزيرة سقطرى، نظراً لقربها من القرن الأفريقي. لكن تلك الشائعات اصطدمت بسقف عالٍ من الوعي لدى النخب اليمنية والعربية بتاريخ الجزيرة وجذور لغتها التي تشير مفرداتها المنطوقة ونقوشها المكتوبة إلى المسند اليمني القديم. غير أن الإهمال التاريخي لهذا الأرخبيل الفريد في طبيعته، وأهميته العالية في الملاحة الدولية، جعله متاحاً أمام الدول العربية والأجنبية.
تدرك روسيا أهمية سقطرى منذ كانت تتواجد فيها قواتها خلال النصف الثاني من القرن العشرين الفائت، عندما كان الاتحاد السوفيتي الداعم الوحيد للجمهورية الاشتراكية في جنوب اليمن. هذا الإدراك يشمل أيضاً بريطانيا التي استعمرت جنوب اليمن قرابة 130 سنة. كما تفهم إيران أهمية سقطرى جيداً، لا سيما إذا ما عرفنا أن المسافة بينها وبين الساحل الإيراني لا تزيد عن 1600 كلم، بينما تبعد عن عدن 900 كلم، وعن باب المندب 1100 كلم. طهران هي الأخرى لا تتحدث كثيراً عن خططها، لكن في أواخر 2023، وبينما كانت الولايات المتحدة تحث حكومات العالم على الانضمام إلى تحالف "حارس الازدهار"، لتأمين السفن في البحر الأحمر، قال وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني إن لدى طهران سيطرة في هذه المنطقة البحرية، وإن "كل الدول حاضرة فيها ولا يمكن لأحد المناورة هناك". وفي حزيران/ يونيو من السنة نفسها، أعلن وزير الطرق وتطوير المدن الإيراني، عن الانتهاء من تصميم 27 مدينة ساحلية جديدة للبلاد، سيتم إنشاؤها على سواحل الخليج وبحر عُمان.
من ناحية أخرى، تستمر الصين في تنفيذ مشروع "مبادرة الحزام والطريق"، وتتنافس تركيا مع الإمارات في الموانئ الصومالية والسودانية. وإذا ما تتبّعنا النشاط الإقليمي والدولي في منطقة البحر الأحمر والبحر العربي، فسوف تبدو خطوط التنافس أشبه بمتاهة يتداخل فيها السياسي مع العسكري والاقتصادي. أما الولايات المتحدة، فهي تسعى إلى حيازة موطئ قدم لها في سقطرى منذ أواخر تسعينيات القرن العشرين. حينها ثار جدل في اليمن حول تأجير الحكومة اليمنية جزيرة سقطرى للولايات المتحدة لمدة خمسين سنة، لكن الحكومة نفت ذلك. وبعد الهجوم على مدمرتها (يو إس إس كول) في عدن سنة 2002، أنشأت الولايات المتحدة في العام التالي مستشفى على أراضي سقطرى لمعالجة جنودها، بحسب ما أفاد مراقبون مطلعون، تعليقاً على تجدد الجدل بشأن التواجد الأمريكي في الجزيرة سنة 2010.
حلقة في سلسلة
اهتمام الولايات المتحدة بـ"تعزيز" وجودها في أرخبيل سقطرى، يرتبط بما تسميه استراتيجيتها لمنطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ. في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن إدارة بايدن-هاريس اتخذت "خطوات تاريخية لاستعادة الريادة الأمريكية في منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ"، و"تكييف دورها مع القرن الحادي والعشرين". من تلك الخطوات تحديث تحالفات الولايات المتحدة طويلة الأمد، وتعزيز "الشراكات الناشئة"، وإقامة "روابط مبتكرة فيما بينها لمواجهة التحديات الملحة، من المنافسة مع الصين إلى تغيير المناخ وإلى الوباء" (كوفيد19).
لدى الولايات المتحدة قاعدة عسكرية في جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، وهي إحدى جزر أرخبيل استراتيجي، حصلت عليه المملكة المتحدة من فرنسا في القرن التاسع عشر، وأجّرته للولايات المتحدة باتفاق سرّي سنة 1966، أي خلال العقد الثاني من الحرب الباردة. إنهم يعطون ما لا يملكون، لمن لا يستحق في كل زمان ومكان، وليس فقط في فلسطين.
أصبح معلوماً كيف تأثر الاقتصاد العالمي بسبب هجمات جماعة أنصار الله/ الحوثيين على السفن المرتبطة بإسرائيل أو المتجهة إليها، وكذلك السفن الأمريكية والبريطانية. وعلى الرغم من تحديد أهداف هذه الهجمات، فقد أربكت حركة التجارة العالمية في البحر الأحمر وبحر العرب. وفي ظل توسّع صراع الأقطاب في المنطقة، أصبح تنافس الهيمنة على هذا الممر المزدحم أكثر سفوراً.
إذا ما تتبّعنا النشاط الإقليمي والدولي في منطقة البحر الأحمر والبحر العربي، فسوف تبدو خطوط التنافس أشبه بمتاهة يتداخل فيها السياسي مع العسكري والاقتصادي. أما الولايات المتحدة، فهي تسعى إلى حيازة موطئ قدم لها في سقطرى منذ أواخر تسعينيات القرن العشرين.
دييغو غارسيا هي أكبر جزيرة في أرخبيل تشاغوس المكون من حوالي 60 جزيرة استوائية، وهي تابعة لموريشوس، التي نالت استقلالها عن بريطانيا سنة 1968 مقابل التخلي عن المطالبة بهذا الأرخبيل الاستراتيجي. خلال تأسيس القاعدة العسكرية الأمريكية أواخر ستينيات وبداية سبعينيات القرن العشرين، تم تهجير أكثر من ألفي شخص من سكان الأرخبيل، وينص اتفاق تأجيرها لواشنطن على أن مدته خمسون سنة، تم تجديدها في 2016 لعشرين سنة إضافية. على الرغم من أن قرار المحكمة الدائمة للتحكيم المعنية بتسوية النزاعات بين الدول في 2015، قضى ببطلان ملكية بريطانيا لأرخبيل تشاغوس، ثم مطالبتها من قبل محكمة العدل الدولية مطلع 2019، بإنهاء "الاحتلال غير القانوني" لهذا الأرخبيل، وتصويت الجمعية العامة بأغلبية 116 دولة، على قرار يطالب بإعادة الأرخبيل لموريشوس، بدون قيد أو شرط في غضون فترة لا تزيد عن ستة أشهر، رفضت بريطانيا الامتثال لهذه القرارات. يطلق العسكريون الأمريكيون على هذه القاعدة اسم "موطئ الحرية"، وتعتبرها وزارة الخارجية ضمن ما تسميه "منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ"، وهي حلقة في سلسلة الجزر، التي تستضيف قواعد واشنطن العسكرية، فلما لا ترغب في إضافة سقطرى إلى هذه السلسلة النارية!
وتيرة بطيئة للصراع
تمضي المواجهة العسكرية في المياه البحرية لليمن بوتيرة بطيئة نوعاً ما، لكن إيقاعها غير المتسارع، ينذر بتحوّلات جذرية لصراع القوى الإقليمية والدولية المتنافسة على النفوذ في مضيق باب المندب، الذي يتوسط قناة السويس ومضيق هرمز.
تدرك روسيا أهمية سقطرى منذ أن كانت تتواجد فيها قواتها خلال النصف الثاني من القرن العشرين الفائت، عندما كان الاتحاد السوفيتي الداعم الوحيد للجمهورية الاشتراكية في جنوب اليمن. هذا الإدراك يشمل أيضاً بريطانيا التي استعمرت جنوب اليمن قرابة 130 سنة. كما تفهم إيران أهمية سقطرى جيداً، لا سيما إذا ما عرفنا أن المسافة بينها وبين الساحل الإيراني لا تزيد عن 1600 كلم.
اهتمام الولايات المتحدة بـ"تعزيز" وجودها في أرخبيل سقطرى، يرتبط بما تسميه استراتيجيتها لمنطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ. في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن إدارة بايدن-هاريس اتخذت "خطوات تاريخية لاستعادة الريادة الأمريكية في منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ"، و"تكييف دورها مع القرن الحادي والعشرين".
قبل شنّ هجماتها المضادة على مواقع الحوثيين، حاولت الولايات المتحدة استخدام الدبلوماسية، لوقف عملياتهم العسكرية ضد السفن الإسرائيلية. توافقت هذه الطريقة مع توجّه السعودية إلى الانسحاب من الحرب في اليمن، إذ عملت على تنشيط مفاوضات الحلّ السياسي للصراع بين جماعة أنصار الله والحكومة المعترف بها دولياً. وفي الوقت الذي تستمر فيه الرياض في دعم هذا المسعى، تعمل الولايات المتحدة على "تعزيز" خياراتها العسكرية، تحسّباً للسيناريوهات الأكثر سوءاً.
من جانب آخر، لا تنحصر خيارات واشنطن العسكرية في مواجهة إيران وحدها، فقائمة منافسيها تتضمن ألدّ خصومها الدوليين، روسيا والصين، ناهيك عن التنافس غير المحتدم بينها وبين دول الاتحاد الأوروبي، بما فيها تركيا ذات الإرث الاستعماري الكبير في المنطقة. كما أن الانسجام القوي بين أمريكا وبريطانيا، بعد خروج الأخيرة من الاتحاد الأوروبي، قد لا يكون كذلك حين يتعلق الأمر بتقاسم النفوذ والمصالح، في منطقة كانت شمس الإمبراطورية البريطانية مشرقة فيها قبل 57 سنة فقط. ومع إضافة السعودية، الإمارات، مصر، عُمان، الهند، وإسرائيل ضمن اللاعبين الفاعلين والمتفاعلين في المشهد الملتهب في اليمن، تغدو صورة الصراع متعدد الأقطاب في اليمن أكثر قتامة من ليالي الأعاصير التي تضرب سقطرى كل سنة.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن سقطرى أمريكا اسرائيل قواعد عسكرية وجود قوات أمریکیة فی المعترف بها دولیا المجلس الانتقالی الولایات المتحدة جماعة أنصار الله فی جزیرة سقطرى القرن العشرین أرخبیل سقطرى البحر الأحمر على الرغم من وسائل إعلام فی الأرخبیل باب المندب جنوب الیمن فی أرخبیل عسکریة فی سقطرى منذ فی سقطرى سقطرى من من القرن فی منطقة فی الیمن ما کان
إقرأ أيضاً:
عفيفي: فوز "هاريس" أو "ترامب" لن يؤثر على سياسات أمريكا في المنطقة
قال دكتور مهدي عفيفي، الباحث والمحلل السياسي بالشأن الأمريكي، إن الولايات المتحدة تؤثر على العالم كله، واختيار رئيس جديد يؤثر على العالم كله سياسيًا واقتصاديًا، مؤكدًا أن متابعة الانتخابات الأمريكية مهمة جدًا، لأن نتائجها تؤثر حتى على المواطن العادي.
وأضاف، خلال حواره مع برنامج “كل الزوايا”، مع الإعلامية سارة حازم طه، المذاع على قناة "أون"، أن المشهد الحالي مختلف عما شهدته الولايات المتحدة من قبل، إذ توجد حالة من الاستقطاب داخل المجتمع الأمريكي تشمل السياسات الداخلية، مشيرًا إلى أن المواطن يتساءل عن تطوير التعليم والصحة، وهذه أمور لم يكن المواطن يهتم بها بنفس القدر سابقًا، موضحًا أن السياسة الخارجية وما يجري في غزة يشغل الرأي العام الأمريكي، حيث شهدنا تظاهرات من طلبة الجامعات والمثقفين الأمريكيين، الذين يرون أن انحياز الحزبين السياسيين لإسرائيل ليس مناسبًا.
وتابع، أنه لا توجد فروق مؤثرة في سياسات الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط، إذ تبقى السياسات الأمريكية الخارجية ثابتة بشكل عام وتتغير وفقًا لما يحدث، لكن سياستها خاصة مع منطقة الشرق الأوسط لا تتغير خاصة دعمها لإسرائيل.
وأشار إلى أنه بالنسبة للأصوات العربية والمسلمة في الولايات المتحدة، فهي مقسمة، حيث يتجه الأقباط اللبنانيين غالبًا لدعم ترامب، بينما ينقسم المسلمون إلى نصفين؛ نصف يدعم ترامب كمرشح عن الحزب الجمهوري، والنصف الآخر يدعم الحزب الديمقراطي.