كيف اتفق صقور اليسار واليمين الأميركي على رفض دعم إسرائيل؟
تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT
واشنطن- عارض 37 نائبا ديمقراطيا و21 نائبا جمهوريا مشروع قانون المساعدات الأميركية لإسرائيل، والذي تبلغ قيمتها 14.3 مليار دولار، إضافة إلى 9 مليارات من المساعدات الإنسانية لغزة ولتمويل ودعم العمليات والوجود العسكري الأميركي في المنطقة.
ومرر مجلس النواب في الكونغرس الأميركي بأغلبية 366 صوتا مقابل اعتراض 58 نائبا مشروع القانون الذي يعد واحدا من 4 مشاريع قوانين صوت عليها المشرعون لتقديم مساعدات بقيمة 95 مليار دولار لحلفاء الولايات المتحدة والبرامج العسكرية والإنسانية.
ومثلت القوى المعارضة الديمقراطية تيار اليسار التقدمي بالحزب، في حين مثلت القوى الجمهورية المعارضة تيار اليمين المتطرف بالحزب.
وعكس نمط التصويت تغير طبيعة الدعم لإسرائيل في مجلس النواب بعد مرور أكثر من 6 أشهر على هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وما تبعه من عدوان غير مسبوق على قطاع غزة أدى إلى استشهاد ما لا يقل عن 34 ألف فلسطيني، وهو ما لقي إدانة غير مسبوقة لإسرائيل من الديمقراطيين التقدميين.
على الجانب الآخر، جاء تمرير مشروع القانون في وقت تتزايد فيه النزعة القومية الانعزالية بين النواب الجمهوريين من أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب ممن يريدون أولا تأمين الحدود الجنوبية مع المكسيك قبل تقديم مساعدات لدولة أجنبية، حتى لو كانت حليفا تقليديا ذا علاقات خاصة بالولايات المتحدة كإسرائيل.
يتخذ التيار التقدمي بقيادة السيناتور بيرني ساندرز موقفا معارضا لتقديم أي مساعدات، خاصة تلك التي تشمل أسلحة هجومية لإسرائيل، قبل التوصل لوقف إطلاق نار في قطاع غزة.
وأصدر قادة التيار التقدمي بيانا شارك في كتابته كل من ألكسندريا أوكاسيو كورتيز النائبة من نيويورك، وروها خانا، النائب من كاليفورنيا، وجاء فيه أنهم "يؤمنون بشدة بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس" وأنهم "ملتزمون بمستقبل آمن لإسرائيل" لكنهم يعارضون "الأسلحة الهجومية التي يمكن أن تؤدي إلى مزيد من قتل المدنيين في رفح وأماكن أخرى من قطاع غزة". كما اتهموا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه مستعد للتضحية بالرهائن من أجل مستقبله السياسي.
وكدليل على مدى تراجع الدعم الديمقراطي لإسرائيل منذ بداية عدوانها على قطاع غزة، عارض 8 ديمقراطيين فقط تمويل نظام الدفاع الصاروخي "القبة الحديدية" في عام 2021، في حين صوت ضد المساعدات الأخيرة 37 نائبا ديمقراطيا.
وجدير بالذكر أن 56 ديمقراطيا وقعوا على بيان قبل أسابيع يدعو إدارة بايدن إلى تعليق المساعدات لإسرائيل ووضع شروط على أي مساعدات مستقبلية، وانتهى الأمر في نهاية المطاف بـ17 منهم بالتصويت لصالح تقديم المساعدات لإسرائيل.
تزايد التيار الانعزالي
في الوقت ذاته، صوت 14 نائبا جمهوريا قبل أشهر ضد تمويل إسرائيل وتقديم مساعدات لها دون خفض الإنفاق الفدرالي بصفة عامة. ورغم الدعم الواسع بين الجمهوريين لموقف إسرائيل في عدوانها ضد قطاع غزة، وعدم اكتراثهم لمقتل آلاف المدنيين وأغلبهم من النساء والأطفال، تزداد قوة التيار الانعزالي الذي يضع أولوية ضبط الحدود الجنوبية مع المكسيك قبل تقديم مساعدات لإسرائيل.
ويعبر النواب المحافظون اليمينيون، وخاصة أولئك المنتسبين إلى "تجمع الحرية" Freedom Caucus منذ أشهر عن معارضتهم للمساعدات الإضافية لإسرائيل إذا لم ترتبط بتخفيضات برامج التمويل الحكومية الأخرى. كما شعر الجمهوريون بالإحباط من مشروع قانون المساعدات الخارجية بشكل عام، واعترضوا على المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، والافتقار إلى سياسة واضحة لتأمين الحدود، والمساعدات لأوكرانيا.
لكن رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون عمل مع الديمقراطيين لتمرير التشريع. ورد جونسون بقوة على حجج البعض في حزبه بأن المساعدات الإنسانية تتضمن ما يشار إليه كهبة ومكافأة لحركة حماس، مشيرا إلى أنها تشمل حظرا على تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) وأحكاما صارمة للرقابة على المساعدات.
وبشكل عام، أظهر التصويت أن أغلبية قوية من كلا الحزبين لا تزال تدعم إسرائيل، لكن هذا العدد الكبير من الأصوات ضد إسرائيل كان من غير المرجح أن يحدث دون ما اقترفته إسرائيل من عمليات قتل وتدمير عقب السابع من أكتوبر.
وتطلبت حزمة المساعدات الخارجية، التي تقدم الآن إلى مجلس الشيوخ كمشروع قانون واحد، درجة غير مسبوقة من الدعم الديمقراطي في كل مرحلة للتغلب على معارضة اليمين المتطرف الجمهوري.
ومع تعهد عدد من النواب الجمهوريين اليمينيين بالعمل على الإطاحة بجونسون، بسبب تمرير مشروع قانون المساعدات الأجنبية، تزداد الشكوك في إمكانية نجاح هذه الجهود خاصة مع أن هناك عددا متزايدا من الديمقراطيين يشيرون إلى أنهم يعتزمون إنقاذ جونسون نظرا لتعاونه في مشروع قانون المساعدات الخارجية.
وكان جونسون قد صرح مؤخرا بالقول إنه على استعداد للمخاطرة برئاسته لمجلس النواب من أجل فعل "الشيء الصحيح" وتقديم المساعدات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات مشروع قانون المساعدات مساعدات لإسرائیل تقدیم مساعدات مجلس النواب قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
هل يغير تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة الرأي العام الأميركي جذريا؟
كشفت استطلاعات رأي حديثة عن تحول جذري في الموقف الأميركي تجاه إسرائيل، حيث أظهرت أن 52% من الأميركيين ينظرون إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بشكل سلبي لأول مرة منذ 28 عاما، بينما عبر 60% عن رفضهم للعملية الإسرائيلية في غزة مقابل تأييد 32% فقط.
ويحلل الدكتور بلال الشوبكي الخبير في الشؤون الإسرائيلية ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخليل هذه الأرقام كمؤشر على تحولات جوهرية في الرأي العام الأميركي.
ويشير إلى أن هذه التحولات العميقة قد تشكل نخبة سياسية جديدة في المراحل اللاحقة، خاصة مع تنامي التذمر حتى من قاعدة دونالد ترامب الجمهورية من الصور القادمة من قطاع غزة.
ويؤكد الخبير أن الولايات المتحدة الأميركية باتت تُستنزف ليس فقط ماديا وإنما أخلاقيا أمام العالم لكونها شريكا في العمليات داخل قطاع غزة ومحاولة إعطاء إسرائيل مزيدا من الغطاء.
ويرى الشوبكي أن هذا الأمر مهم ويمكن البناء عليه ليس فقط في السياق الفلسطيني وإنما في السياقات الأوسع عربيا وأوروبيا.
وفي سياق متصل بتراجع النفوذ الأميركي، تسلط الإدارة الأميركية عقوبات على السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث تمنعهم من دخول الولايات المتحدة ولا تعطيهم تأشيرات بسبب لجوئهم إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ويفسر الكاتب والمحلل السياسي أحمد الحيلة هذه الخطوة بأن الولايات المتحدة وإسرائيل لا تريدان للسلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير أن تمارس أدوار الدولة، بل تريدانها أن تكون أشبه بإدارة محلية تقوم بقضايا خدمية وأمنية يضعها الاحتلال الإسرائيلي.
ويضيف الحيلة أن الذهاب إلى الجنائية الدولية والانضمام إلى منظمات دولية لا تفعله إلا دولة، وبالتالي لا يراد للفلسطينيين ممارسة هذا الحق.
العقوبات الأميركية
وعلى الجانب الآخر، يرى المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية توماس ووريك أن هذه العقوبات ليست تغييرا جديدا، فقد كان كل مسؤول فلسطيني يأتي إلى الولايات المتحدة يخضع دائما لشروط للحصول على تأشيرة دخول.
إعلانويشير ووريك إلى أن القضية الحقيقية أن هناك بلدا واحدا فقط هو الذي يدعم إسرائيل، ودعمه سيكون حاسما لإقامة دولة فلسطينية، وهو إسرائيل نفسها.
وأعلنت المستشفيات في غزة اليوم وفاة شابين في الـ27 من العمر وطفل، حيث جاءت وفاة الطفل نتيجة لسوء التغذية والتجويع، ليصل العدد الإجمالي لضحايا التجويع في القطاع بذلك إلى 101 ضحية، من بينهم 91 طفلا.
وتتصاعد الانتقادات الدولية لما تسمى مؤسسة غزة الإنسانية التي تشرف على توزيع المساعدات في القطاع، ويؤكد الحيلة على أن التحكم في المساعدات ليس بهدف تجريد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من أداة إدارة الحياة المدنية للفلسطينيين كما تحاول الولايات المتحدة تمريره، وإنما هو استهداف للوجود الفلسطيني داخل قطاع غزة.
ويوضح الحيلة أن التحكم في نقاط توزيع المساعدات يهدف للسيطرة على حركة الناس داخل القطاع وتوجيههم إلى أماكن معينة، مما يعيد إلى الأذهان الحديث عن عملية التهجير التي لم تعد مجرد تخوفات بل أصبحت برامج عملية معلنة في وسائل الإعلام الإسرائيلية.
وفي هذا السياق، يؤكد الشوبكي أن هناك توجيهات من رئاسة الوزراء الإسرائيلية إلى الموساد بضرورة العمل من أجل خلق مسارات للهجرة الطبيعية للفلسطينيين، مما يعني أن المسألة ليست مساعدات إنسانية فحسب وإنما تحكم في حركة الناس، وهذه خطوة أسوأ بكثير من الخطوات العسكرية السابقة.
الموقف الأوروبي
وفي مقابل التمسك الأميركي الإسرائيلي بمؤسسة غزة الإنسانية، يتقدم الموقف الأوروبي خطوات مهمة في انتقاد السياسات الإسرائيلية، حيث اعتبر وزير الخارجية الفرنسي جون نويل بارو توزيع الطعام عبر مؤسسة غزة الإنسانية فضيحة وأمرا مخزيا يجب أن يتوقف.
ويؤكد الشوبكي أن الموقف الأوروبي حقيقة يتقدم وجيد، لكن المشكلة أنه لا يتحول إلى خطوات عملية تجبر الاحتلال الإسرائيلي على الالتزام بالقانون الدولي وإدخال المساعدات.
ويطرح الشوبكي تساؤلا جوهريا حول جدوى المواقف الدولية عندما لا تُترجم عمليا، فماذا يستفيد الجائع الآن من التصريحات ما دامت لا تتحول إلى إدخال مساعدات؟ وماذا سيستفيد حتى من الاعتراف بدولة فلسطين ما لم يُترجم بوقف الحرب ووقف الإبادة الجماعية، خاصة أن عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين وصل إلى 147 دولة في العالم؟
وفي ظل هذا التعقيد المتنامي، تأتي زيارة المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف إلى إسرائيل وقطاع غزة في سياق البحث عن انتقال من الاتفاقات الجزئية إلى اتفاق شامل.
ويحذر الحيلة من أن فكرة الحل الشامل قد تكون مقبولة من حيث الإطار والشكل العام، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، خاصة فيما يتعلق بربط الحل بالدولة الفلسطينية وعودة الشعب الفلسطيني ووقف الحرب وإدخال المساعدات.
بدوره، يطرح المسؤول الأميركي السابق مسارين محتملين للرئيس ترامب، الأول أن ينفض يديه من المشكلة كما فعل مع ملف روسيا وأوكرانيا.
والآخر الأكثر خطورة: أن تعمل الولايات المتحدة مع الشركاء العرب والأوروبيين وصولا إلى آلية حكم لغزة لا تقوم على أساس حماس ولا إسرائيل، مع بدء مسار إعادة إعمار وبناء ودخول المزيد من المساعدات.
إعلان