كل المؤشرات التي تظهر نتيجة الحرب الحاصلة في قطاع غزة وجنوب لبنان والإشتباكات في مختلف ساحات المنطقة توحي بأن التسوية ليست قريبة وان كانت حتمية، بمعنى أن القوى المعنية بالصراع الحاصل لم تجد بعد أنها مستعدة لتقديم التنازلات بل لا تزال تراهن على القيام بعملية تقدم ميدانية تتيح لها تحسين شروطها التفاوضية، وعليه يصبح لزاماً ومنطقياً بالنسبة اليها تأجيل التسوية والمماطلة بعملية التفاوض.



تأجيل التسوية يشمل أيضاً الساحة اللبنانية التي لا تزال تعاني بشكل من الأزمات التي بدأت قبل أكثر من سنة، لكن التسوية اليوم، التي يطمح إليها معظم المعنيين، يجب أن تكون تسوية شاملة، بالمعنى الزمني، اي ان تملك في خصائصها الاستمرارية، وبالمعنى النوعي اي ان تشمل الموضوع الاقتصادي والمالي والسياسي، وهذا امر معقد في بلد مثل لبنان نظراً للتأثيرات الاقليمية والدولية الكبرى عليه، وبسبب وجود "حزب الله" والتبعات التي يفرضها هذا الوجود.

وبما أن التفاوض الحقيقي والجدي لم يبدأ بعد بين القوى السياسية الداخلية اللبنانية، فإن الكباش سيستمر، لكن منذ حصول معركة طوفان الاقصى تعرضت قوى المعارضة لضربات سياسية قاسية أدت وستؤدي إلى إضعاف ورقتها التفاوضية، ولعل أهم هذه الضربات هي إعادة التموضع التي قام بها النائب السابق وليد جنبلاط من خلال اقترابه العلني والاعلامي والسياسي من "حزب الله" في القضايا الاستراتيجية وهذا ما قد يعني تقارباً مماثلاً في القضايا الداخلية والاستحقاقات الدستورية.

وتشير مصادر مطلعة إلى أن إنسحاب الحزب "التقدمي الاشتراكي" من المعارضة بشكل فعلي يؤدي إلى خسارتها امتدادها الوطني اولاً والقوة العددية ثانياً، اذ تصبح بعيدة بشكل نهائي عن الوصول إلى الأكثرية النيابية الدستورية لانتخاب الرئيس، لذلك فإن الضربة الاولى والأشد هي خسارة الاشتراكي والذي لن يكون ممكنا ترميمها على اعتبار ان التطورات الاقليمية ستفرض على جنبلاط الذهاب بعيداً في تموضعه الجديد وليس التراجع عنه.

وترى المصادر أن هذا الجو المسيطر والذي يوحي بأن التسوية في المنطقة واقعة حتماً، قد تجعل بعض القوى السياسية، ومع اقتراب الحلّ تفتح ابواب التواصل مع الفريق الآخر، وهذا ينطبق بشكل اساسي على بعض النواب المستقلين الذين لم يذهبوا إلى خطاب لا عودة عنه، وعلى القوى السياسية صاحبة الكتل النيابية الكبرى مثل "القوات اللبنانية" القادرة على التعامل بندية أكبر مع خصومها والوصول معهم إلى تسويات حقيقية تدخلهم في السلطة بشكل فاعل في العهد الجديد.

كذلك فإن الانقلاب المتوقع، من "التيار الوطني الحر" وعودته إلى حضن "حزب الله" سيجعل من كتلة المعارضة السياسية مشتتة بشكل كبير وغير قادرة على فرض شروطها بل قد تتمكن "قوى الثامن من اذار" من التعامل مع كل فريق او شخصية من المعارضة بشكل مستقل وفردي من يضعف دورها وقد ينهيه.
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

رؤية الحج الإنسانية التي تتسع للعالم أجمع

يبدأ حجاج بيت الله الحرام غدًا الأربعاء في التوجه إلى مدينة الخيام في منى لقضاء أول أيام موسم الحج وهو يوم التروية استعدادًا للنسك الأعظم في الحج وهو الوقوف بصعيد عرفات الطاهر. ومشهد حجاج بيت الله الحرام وهم يؤدون مناسك الحج مشهد متكرر كل عام، ولكنه لا يفقد دهشته ولا عمقه، ملايين البشر يأتون من أقاصي الأرض، مختلفي اللغات والأعراق والانتماءات، ليقفوا على صعيد واحد، ولباس واحد، وأمام رب واحد. لا يوجد مشهد أكثر عظمة وأعمق دلالة من هذا المشهد الذي يحقق معنى المساواة والكرامة والاندماج الروحي بين الناس.

والحج إضافة إلى أنه الركن الخامس من أركان الإسلام فهو أيضا تجربة وجودية شاملة، تهذّب الروح، وتعيد ضبط علاقتها مع الآخر، وتغرس في النفس معاني التواضع والسكينة والعدالة. وفي الحج يمكن أن يقرأ الإنسان الكثير من القيم التي فطر الله الناس عليها، إضافة إلى دلالات مستمدة من يوم القيامة؛ حيث لا تقاس قيمة الإنسان بماله أو سلطته ولكن بامتثاله للحق، وبقدرته على تجاوز أنانيته نحو فهم أوسع للوجود البشري المشترك.

وإذا كان الحس الإنساني يتراجع اليوم أمام صراعات الهوية والتعصب والماديات القاتلة، فإن فريضة الحج تقدم نموذجا بديلا، فإضافة إلى شعار التوحيد فإن الحقائق التي يقرها الحج تتمثل في حقيقة الأخوة الإنسانية، ورسالة السلام، ومنهج الرحمة. ولعل المكان الوحيد في العالم الذي يتساوى فيه الجميع هو صعيد عرفات، والموقف الوحيد الذي تذوب فيه الحدود، هو الطواف. والمشهد الوحيد الذي تتحول فيه الجموع إلى روح واحدة مندمجة، هو الحج.

ومع اكتمال وصول حجاج بيت الله الحرام إلى جوار بيته العتيق فإننا نحتاج إلى أن نتأمل فريضة الحج وطقوسها لا بوصفها ممارسة فردية ولكن بوصفها منظومة قيمية قادرة على إنقاذنا من الانحدار الأخلاقي. فالحج يعلّمنا أن العظمة في التواضع، والقوة في الصفح، والكرامة في المساواة. ومن كان حجه مبرورا، فليجعله بداية لا نهاية، وليكن ما تعلمه هناك هو ما يزرعه هنا: في بيته، وفي عمله، وفي وطنه، وفي العالم بأسره.

وإذا كانت شعائر الحج تنتهي في مكة المكرمة فإنها تبدأ في نياتنا، وفي صدقنا، وفي استعدادنا لأن نكون أفضل مما كنا.

كل عام، تمنحنا هذه الرحلة فرصة جديدة، لنسأل أنفسنا: هل يمكن أن نكون حجاجا حتى وإن لم نذهب؟ هل يمكن أن نعيش مبادئ الحج ونحن في بيوتنا؟ هذا هو المعنى الحقيقي لحج لا ينتهي بعد أن تكون أرواحنا قد صقلت وملئت بالقيم الإنسانية النبيلة.

مقالات مشابهة

  • رؤية الحج الإنسانية التي تتسع للعالم أجمع
  • إزفيستيا: ما أبرز الأسلحة بعيدة المدى التي تعمل أوكرانيا على تطويرها؟
  • المؤتمر الوطني للحقوق والحريات بتونس.. مبادرة واعدة أم فرصة مهدورة؟
  • سلام استقبل وفدا من المدربين الفنيين في الجامعة اللبنانية
  • الدرقاش: القوى التي حاربت الدواعش تنتمي لمصراتة وليست مليشيا الردع
  • تويستد مايندز يتوَّج بطلاً من جديد في ختام تحدي ESL السعودي 2025
  • رابطة العاملين في اللبنانية تستعد لاعتصام الاثنين أمام المجلس الدستوري
  • تشريعيات العراق.. هل تخرج التحالفات السياسية من عباءة الطائفية؟
  • بعد انتقاده بوتين.. هل يمهّد ترامب لتجاهل التسوية السياسية للحرب الأوكرانية؟
  • بشكل متعمد: آليات العدو الصهيوني تصدم حافلة تقل حجاجا فلسطينيين في جنين