القدس المحتلة- لا تقتصر العنصرية في إسرائيل على استهداف المجتمع العربي الفلسطيني فحسب، بل تمتد جذورها لتطال شرائح واسعة من المجتمع اليهودي نفسه، ولا سيما المهاجرين الذين جرى استقدامهم إلى فلسطين التاريخية منذ بداية المشروع الصهيوني.

كما مارست المؤسسة الإسرائيلية سياسات تمييزية ممنهجة بحق اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين في أواخر الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي من الدول العربية، والمعروفين باليهود الشرقيين.

واستمر هذا النهج العنصري والتمييزي بحق اليهود الإثيوبيين، المعروفين باسم "يهود الفلاشا"، الذين جرى استقدامهم في ثمانينيات القرن الماضي، وكذلك بحق المهاجرين القادمين من دول الاتحاد السوفياتي السابق في مطلع التسعينيات عقب انهياره، علما أن عدد الناطقين بالروسية في إسرائيل يُقدَّر بنحو 1.3 مليون نسمة.

اليهود الشرقيين والإثيوبيين والمهاجرين الروس يتعرضون لتمييز تاريخي (الجزيرة)شرعنة العنصرية

وفي سياق هذا المسار، قدمت وزارة الأديان الإسرائيلية، بالتعاون مع المحاكم الدينية اليهودية، مشروع قانون حكومي يمنح هذه المحاكم صلاحيات واسعة للتحقق من "صحة يهودية" الأفراد، على أن تكون قراراتها ملزمة لكافة السلطات الإسرائيلية.

وينص مشروع القانون، الذي صادق عليه الكنيست بالقراءة الأولى، على منح مدير دائرة استيضاح اليهودية أو مسجل الزواج صلاحية فتح إجراءات للتحقق من يهودية أي شخص، من دون الحاجة إلى الحصول على موافقته، أو حتى إبلاغه ببدء هذه الإجراءات.

وبموجب هذه التشريعات والصلاحيات الممنوحة للمحاكم الدينية اليهودية، سيصبح أي شخص في إسرائيل، ولا سيما من هم من المهاجرين القادمين من دول الاتحاد السوفياتي السابق، عرضة للتحقيق في انتمائهم الديني.

ولا يقتصر أثر هذا التشريع على الفرد وحده، إذ قد يُطالب أقرباؤه وأفراد عائلته أيضا بالاختيار بين الخضوع لإجراءات إثبات يهوديتهم، أو تسجيلهم كممنوعين من الزواج في المحاكم الدينية اليهودية، ما يكرّس الإقصاء والتمييز على أسس دينية وطائفية.

إعلان

وبموجب هذه القوانين الدينية، تكون الحاخامية والمحاكم الدينية اليهودية قد منحت صلاحيات واسعة للتحقيق في يهودية أي شخص يُشكّك في انتمائه، تحت ذريعة السعي إلى "نقاء الدولة اليهودية"، وهو ما يعكس تعامل المؤسسة الإسرائيلية بأسلوب عنصري مع فئات مختلفة من المجتمع اليهودي، استنادا إلى الدين والطائفة والعرق واللون، بحسب قراءات وتحليلات متعددة.

ما الجديد؟

تقول مراسلة صحيفة "هآرتس" للشؤون البرلمانية نوعا شبيغل، إن هذا النهج "ليس سريا، بل معروف منذ زمن طويل"، مشيرة إلى أن المؤسسة الحاخامية الإسرائيلية لا تزال -حتى اليوم- تشكك في يهودية المهاجرين الإثيوبيين، وتظهر تشددا خاصا تجاه هوية المهاجرين القادمين من دول الاتحاد السوفياتي السابق.

وتوضح شبيغل أن "الجديد في هذا السياق لا يكمن في وجود العنصرية بحد ذاتها، بل في تحولها إلى سياسة معلنة وغير مموهة"، وتضيف "ففي ظل الحكومة الدينية الفاشية الحالية، لم تعد إسرائيل تحاول إخفاء ممارساتها التمييزية تجاه هذه الفئات".

وأشارت إلى أن هذه الحكومة تشكلت قبل 3 سنوات بعد أن اضطر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى التحالف مع قوى دينية وقومية متطرفة، عقب رفض الأحزاب المصنفة بأنها "علمانية" المشاركة في حكومة يرأسها، على خلفية محاكمته بتهم فساد لازمت مسيرته السياسية.

وبذلك "باتت العنصرية المؤسسية تمارَس اليوم بوضوح ضد شرائح واسعة من اليهود على أسس دينية وعرقية، وبغطاء سياسي وتشريعي رسمي، من دون أي محاولة لتلطيفها أو إنكارها" تضيف الصحفية الإسرائيلية.

مشاريع القوانين العنصرية تفرض ضغوطا اجتماعية وإكراها غير مباشر على اللجوء للمحاكم الدينية (الجزيرة)تفكيك النظام القضائي

في تقدير موقف صادر عن "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" أعده كل من البروفيسور مردخاي كريمنيتسر، والمحامية عنات أشكنازي، والدكتور أمير فوكس، والمحامية دافني بنفنيستي، وجهوا فيه انتقادات حادة للتعديلات والتشريعات الجديدة، مع التحذير من تداعياتها الخطرة على "مكانة إسرائيل كدولة تدّعي الديمقراطية".

وأكد معدو التقرير أن توسيع صلاحيات المحاكم الدينية يشكل انتهاكا مباشرا لسيادة القانون ولمبدأ وحدة النظام القضائي، إضافة إلى المساس بحرية الدين والمعتقد، والإضرار بمبدأ المساواة أمام القانون.

وأشار التقرير إلى أن هذا التوجه قد يؤدي إلى تفكيك النظام القضائي القائم، وتحويله إلى منظومات قضائية متوازية لا تستند بالضرورة إلى القيم والمبادئ الديمقراطية، وقد تتعارض في جوهرها مع القوانين المدنية للدولة.

كما حذر من أن "الفصل في النزاعات وفقا للشريعة الدينية اليهودية قد يتجاهل الحقوق الدستورية الأساسية والضمانات التي يكفلها القانون المدني، ما يشكل مساسا خطيرا بحقوق الأفراد".

ولفت التقرير إلى وجود ضغوط اجتماعية تمارس على فئات من السكان، لإجبارهم على القبول بتحويل نزاعاتهم إلى المحاكم الدينية، في حين يعرض من يرفض هذا المسار نفسه لخطر النبذ والتهميش والعزلة الاجتماعية.

وخص التقرير بالتحذير الانتهاكات المتوقعة لحقوق النساء، مؤكدا أن المحاكم الدينية اليهودية تنتهك هذه الحقوق أصلا، وأن توسيع صلاحياتها ليشمل القضايا المدنية سيعمق الضرر ويجبر نساء كثيرات -تحت الضغط الاجتماعي والقانوني- على الخضوع لإجراءات تفتقر إلى المساواة والعدالة.

هولندي يحكي قصة جدته اليهودية التي رفضت أن تستوطن #فلسطين باعتباره أمرا غير مبرر ويظلم الفلسطينيين #الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/CXzIIdHxJe

— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) June 23, 2025

من هو اليهودي؟

يهدف مشروع القانون إلى تعزيز مكانة المحاكم الدينية اليهودية، وتنظيم موقعها القانوني في كل ما يتعلق بالقرارات المرتبطة بالهوية اليهودية لمواطني إسرائيل.

إعلان

ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، عن مصادر في المحاكم الدينية اليهودية، قولها إن التعديل المقترح ضروري لمنع التناقضات بين سلطات الدولة المختلفة، ولتوحيد السجلات الرسمية.

في المقابل، يرى منتقدو المشروع أن إقراره سيطمس الحدود الفاصلة بين الدين والدولة، ويخضع تسجيل السكان وحقوقهم المدنية لقرارات دينية.

وبحسب ما أفادت به صحيفة "يسرائيل هيوم"، فإن هذا التوجه يثير مخاوف واسعة من تعميق النفوذ الديني داخل مؤسسات الدولة المدنية، كما تظهر المعطيات المتوفرة أن هذا الشك الممنهج غير مبرر، إذ لا يزال مبدأ "افتراض اليهودية" قائما ومعترفا به في الشريعة اليهودية حتى اليوم.

وفي هذا السياق، خلص الدكتور إيلاد كابلان، المدير العام لمؤسسة "التوراة والعمل"، والمحاضر في كلية الحقوق بجامعة بار إيلان، إلى أنه بين عامي 2010 و2023 فتح ما يقارب 50 ألف ملف للتحقيق في الانتماء اليهودي.

وأشار كابلان إلى أن الغالبية الساحقة من هذه الملفات تنتهي بتأكيد يهودية أصحابها، غير أن هذا التأكيد لا يمنح إلا بعد الخضوع لتحقيقات معمقة وطويلة، ما يعكس حجم الشك المؤسسي الذي يقنن اليوم عبر تشريعات تعيد طرح سؤال "من هو اليهودي؟" مجددا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات فی إسرائیل إلى أن

إقرأ أيضاً:

جامعة الإسكندرية تنظّم فعاليات مميزة ضمن دورة "الهوية الدينية وقضايا الشباب" بكلية التمريض

شهدت جامعة الإسكندرية يومًا مميزًا ضمن فعاليات دورة "الهوية الدينية وقضايا الشباب" التي نظمها إتحاد طلاب الجامعة بالتعاون مع دار الإفتاء المصرية، وذلك بكلية التمريض.

  شارك فى الفعالية الدكتورة حنان الشربيني عميد كلية التمريض، والشيخ أحمد علي مدير فرع دار الإفتاء المصرية بالإسكندرية، والدكتور عمرو الورداني أمين الفتوى وعضو اللجنة الاستشارية العليا بدار الإفتاء المصرية.

ذلك فى إطار حرص جامعة الإسكندرية على دعم وعى الشباب وتعزيز إدراكهم للتحديات الفكرية والنفسية المعاصرة، وتحت رعاية الدكتور عبد العزيز قنصوه، رئيس جامعة الإسكندرية، وإشراف وتوجيه الدكتور أحمد عادل عبد الحكيم نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب

   تناولت الدورة مجموعة من الموضوعات التي تمس واقع الشباب، منها الإلحاد وسبل تحصين الفكر الديني، والإدمان الخفي والسلوكيات الضارة، وخطورة التدخين على الشباب، وضوابط علاقات الصداقة بين الشباب والفتيات، والتطرف الديني وطرق الوقاية منه، بالإضافة إلى قضايا التوازن النفسي واستعادة الاستقرار بعد الانهيار.

    وقدم الدكتور عمرو الورداني، جلسة تفاعلية مع الطلاب، وحوار ثرى تناول أسئلة جوهرية تتعلق بالهوية الدينية والشكوك الفكرية والضغوط النفسية والعلاقات الإنسانية، حيث قدّم الورداني إجابات اتسمت بالوضوح والعمق، مستندة إلى منهج يجمع بين المعرفة الشرعية والرؤية التربوية، مؤكدًا أن الدين يمثل مساحة آمنة للفهم والاتزان بعيدًا عن الخوف أو الانغلاق، وأن الحوار الواعي هو الأساس في دعم الشباب وتحصينهم فكريًا ونفسيًا.

من جانب اخر  فى إطار التعاون بين جامعة الإسكندرية وقوات الدفاع الشعبي والعسكرى لتعزيز قيم الانتماء لدى الطلاب، وتحت رعاية الدكتور عبد العزيز قنصوة رئيس جامعة الإسكندرية، نظّمت قوات الدفاع الشعبى والعسكرى، محاضرة تثقيفية موسعة حول تحديات الأمن القومي المصري ومواجهة الشائعات، وذلك بكلية العلوم.

    ألقى المحاضرة اللواء الدكتور أركان حرب محمد أنور الهمشرى مستشار مركز الدراسات الإستراتيجية للقوات المسلحة، وشارك بالحضور قيادات الكلية، ومسئولى إدارة التربية العسكرية بالجامعة.

   وقدّم اللواء الهمشرى خلال المحاضرة رؤية تحليلية شاملة حول التحديات الإقليمية وقدرة الدولة المصرية على صون استقرارها وحماية حدودها، واستعرض مفهوم الأمن القومي المصري في ظل بيئة إقليمية مليئة بالتوترات، مشددًا على جاهزية القوات المسلحة ومؤسسات الدولة في حماية حدود الوطن ومواجهة التحديات الأمنية المعقدة. وتناول جهود الدولة في مكافحة الإرهاب وتأمين الحدود الغربية والجنوبية والشرقية، مؤكدًا أن وعي المواطن يمثل عنصرًا محوريًا في حماية الأمن القومي، وأن الشائعات قد تشكّل تهديدًا لا يقل خطورة عن التحديات العسكرية المباشرة.

   وأشار العقيد محمد ماهر، مدير إدارة التربية العسكرية، أن هذه اللقاءات تستهدف تحصين الشباب من الشائعات والأفكار المضللة، وإكسابهم القدرة على التحليل والتمييز، مشيرًا إلى استمرار جهود التربية العسكرية في دعم الطلاب وتعزيز دورهم في حماية أمن الوطن.

  واختُتمت الندوة بحوار مفتوح بين الطلاب والمحاضر، تضمن أسئلة ونقاشات حول دور الشباب في دعم استقرار الدولة، وآليات التحقق من المعلومات وتمييز الأخبار الموثوقة عن الشائعات على منصات التواصل الاجتماعي.

مقالات مشابهة

  • الوقاية الدينية والصحية.. حماية المجتمع تبدأ من الداخل
  • ماذا ينتظر الأقصى خلال عيد الأنوار اليهودي الوشيك؟
  • بحضور حاخامين إسرائيليين.. افتتاح معبد ومدرسة يهودية في سوريا!
  • السلطات السورية تمنح الضوء الأخضر لاستعادة ممتلكات يهودية صادرتها الحكومات السابقة
  • إلغاء المحاكم الاستثنائية في سوريا والالتزام بـالعدالة الانتقالية
  • سوريا تعلن إلغاء المحاكم الاستثنائية والالتزام بالعدالة الانتقالية
  • جامعة الإسكندرية تنظّم فعاليات مميزة ضمن دورة "الهوية الدينية وقضايا الشباب" بكلية التمريض
  • إسرائيل تعيد فتح معبرالكرامة بين الضفة الغربية والأردن أمام حركة الشحن لأول مرة منذ سبتمبر
  • افتتاح أول معبد ومدرسة يهودية بحلب بمشاركة حاخامات قدموا من إسرائيل (شاهد)