الجزيرة:
2025-07-30@18:57:25 GMT

التغيير القادم في تونس: مع الدولة وليس ضدها

تاريخ النشر: 24th, April 2024 GMT

التغيير القادم في تونس: مع الدولة وليس ضدها

تتزايد حيرة التونسيين وتأرجحهم بين اليأس والأمل مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية القادمة في الربع الأخير من هذه السنة، إن تمّت في أجلها. البعض لا يأمل منها تغييرًا ويعتبرها ليست حدثًا وإنّما مجرّد محطّة لتأبيد الشعبوية والفشل في البلاد. والبعض الآخر ينظر إليها كمحطة مفصلية ستحكّم مستقبل تونس لسنوات، وربّما لعقود قادمة، وكفرصة للتغيير، وإنقاذ البلاد من مصير الانهيار.

1- التغيير قادم وشروطه موجودة

الجميع يتفق على أن الوضع الراهن صعب جدًا، وغير قابل للتواصل على حالته. الأزمة الاقتصادية على أشدّها. والموارد الداخلية للدولة، المرتكزة بشكل متزايد على الجباية؛ بسبب تعطل آلة الإنتاج، أصبحت غير قادرة على تغطية سوى نصف الموازنة السنوية للدولة، بما يعني استفحال المديونية الخارجية، ورهن السيادة الوطنية. والفقر انتشر وزادت حدّته. وهو ما يهدّد بهزّة اجتماعية خطيرة قد لا تتأخر كثيرًا. وربّما ما أخّرها إلى الآن: مدّة السماح المطوّلة التي منحها الشعب لمنظومة انتخابات 2019، وتم إهدارها. التغيير قادم بلا شك؛ لأنه لا حلول تبدو في الأفق لهذه الأزمة المتصاعدة.

التغيير قادم؛ لأن المنوال التنموي للبلاد وصل إلى نهاية الطريق، وأصبح عاجزًا تمامًا عن توفير حلول للمشاكل المتراكمة كالطبقات بعضها فوق بعض.

التغيير لازم؛ لأن بنية الدولة التونسية ومؤسساتها تقادمت وتهالكت ولم يتم تجديدها وأصبحت على درجة كبيرة من البيروقراطية والتكلس وعدم الفاعليّة. ولأن منظومة المؤسسات والمنشآت العمومية الواسعة أضحت كلها تقريبًا مفلسة وحوكمتها مدمّرة، خرّبها الفساد والمحسوبية والبلطجة النقابية.

وتواصُل هذا الوضع لسنوات أخرى يعني انهيار المنشآت العمومية الواحدة تلو الأخرى كقطع الدومينو باعتبار ترابطها عبر الحلقة المفرغة للديون والمستحقات غير المستخلصة. ولن يكون هناك بديل عن أحد الخيارين: إما عمليات خصخصة بالجملة، أو مسار إصلاحات جوهرية عميقة في حوكمة وإدارة تلك المؤسسات.

التغيير قادم؛ لأن بنية الاقتصاد الوطني الرَيعية المرتكزة على عدد قليل من العائلات ورجال الأعمال الذين يحتكرون الثروة ويهيمنون على كل القطاعات لم تعد قادرة على الصمود طويلًا أمام الضغط الكبير للانفتاح من طرف قوى المصلحة الجديدة والباعثين الشبان وأصحاب المبادرات ذات القيمة المضافة العالية والقدرة التشغيلية المرتفعة، وأمام الدعوات المتواترة لإرساء أسس الاقتصاد التضامني الاجتماعي، وأيضًا أمام ضغط الشركاء الأجانب والمنافسة الإقليمية والدولية الحادة.

التغيير قادم بالضرورة بالنظر لوجود فئات واسعة من المواطنين مقتنعين بضرورته وحتميته بعد أن جرّبوا عديد الخيارات، وفشلت فشلًا ذريعًا.

2- أسس التغيير القادم

من غير المتوقع أن يكون التغيير القادم في شكل ثورة جديدة؛ لأن الظروف الموضوعية لثورة جديدة غير متوفّرة رغم الوضع الكارثي الذي تعيشه البلاد. ودروس التاريخ تُنبئنا أنه يصعب جدًا حدوث ثورتين في جيل واحد. فالثورات عادة ما تكون عمليات تغيير جذرية تحدث نتيجة لتراكم الظروف والمشاكل على مرّ السنين، وعادة ما يستغرق ذلك وقتًا طويلًا لإحداث تغييرات جوهرية في المجتمع. وعادة ما تدوم العمليات التحولية بعد الثورة وقتًا طويلًا لتحقيق أهدافها واستقرار الأوضاع.

لن يكون الفرز في التغيير القادم على الغالب قائمًا على قاعدة الأيديولوجيا بين يمين ويسار، وحداثيين وإسلاميين، ولا على قاعدة الصراع السياسي بين أنصار الثورة ومجموعات الثورة المضادة، ولا على قاعدة صراع الأجيال بين قدامى وجدد. فقد جرّبت البلاد كل هذا ولم يحصل الحسم ولم تتحقق الوعود والأهداف.

لذلك من واجب نخب البلاد الواعية الدفع بقوة إلى أن يكون الفرز في المعركة الانتخابية القادمة بين حلقات واسعة من المقتنعين بضرورة التغيير الجذري الهادئ والإصلاح العميق مقابل لوبيات المصلحة والقوى المحافظة التي تريد الحفاظ على احتكارها ثروات البلاد، وتريد الإبقاء على الوضع الراهن الذي يضمن بقاء نفوذها من ناحية ثانية.

فلسفة الالتقاء الجديد يجب أن تنبني على مرتكزات منسجمة مع الوضع الراهن للبلاد، ومع الأولويات الرئيسية للتونسيين للسنوات والعقود القادمة. التقاء حول أولويات: تحسين معيشة المواطنين، وتعزيز السيادة الوطنية، والاستقرار السياسي، والإصلاحات الهيكلية والمؤسساتية للدولة ومنشآتها العمومية، وتكريس آليات وثقافة الرقابة والحوكمة والشفافية والمحاسبة، وإنقاذ الاقتصاد الوطني عبر كسر طابعه الرَيعي وكسر هيمنة القلة الاحتكارية المتنفذة، وعبر تعزيز روح المبادرة وتطوير الإنتاج وتشجيع الابتكار والرقمنة والقيمة المضافة، وعبر تركيز منظومة جبائية عادلة وفعّالة، وبناء مرتكزات اقتصاد اجتماعي تضامنيّ لمحاربة الفقر.. وغيرها.

هذه الأوليّات أهمّ للتونسيين من كل التناقضات السياسية والأيديولوجية والمصلحية التي غرقت فيها البلاد خلال العشرية الأخيرة وأخرجت تونس من سكة الاستقرار والتنمية والنجاح، وأعادتها إلى مربع الاستقطاب الأيديولوجي وهيمنة المافيات المالية السياسية التي تتلاعب بمكونات المشهد السياسي لمزيد خدمة مصالحها ومنع أي تغيير جدي يضرب نفوذها.

3- سباق مع الزمان : إما تغييرًا حقيقيًا أو تدهورًا محققًا

التغيير قادم لا محالة. وإن لم يتم استباقه والعمل عليه بشكل جدّي من طرف جهات وطنية مؤمنة بالتغيير والإصلاح من داخل أجهزة الدولة ومن المجتمع، فسيحصل بأيدي قوى مصلحة نافذة مدعومة بلوبيات داخلية وخارجية من أجل إنقاذ منظومة المصالح، عبر إصلاحات شكلية وحلول وهميّة وخيارات لن يكون بإمكانها سوى تأجيل الانفجار الاجتماعيّ بعض الوقت، وستتسبب في ضياع وقت ثمين آخر على البلاد وتأخير استحقاقات التغيير الحقيقي لسنوات أخرى.

في هذا الإطار، تُفهم اليوم المناورات الانتخابية السابقة لأوانها والخروج المبكر لبعض الوجوه المعروف ارتباطها بلوبيات المصلحة في معركة الرئاسيات التي غدت على الأبواب، والمناورات الأمنية القضائية لإقصاء مرشّحين مفترضين، قد تكون لديهم حظوظ في المنافسة الجدية على المنصب وفي كسر "ستاتيكو" التوازنات الراهنة.

ورغم مناخات الانسداد ونزعات الاستبداد والخوف من المنافسة والتمسّك المحموم بالكرسي من طرف الرئيس الحالي الذي أثبت عجزه التام عن التغيير وعدم امتلاكه رؤية إصلاحية وحلولًا عملية، تبدو اللعبة مفتوحة نسبيًا. ويبدو المشهد مفتوحًا على كل الاحتمالات، بما في ذلك احتمال نجاح مشروع تغييري على يد مجموعة من التونسيين يلتقون حول مرشحٍ حامل لرؤية إصلاحية وبرنامج مرحلي واقعي وخطاب مسؤول، مدعومٍ من عدد من القوى السياسية والاجتماعية والشبابية، ومُطمئِنٍ لأجهزة الدولة الحريصة على استقرار البلاد والتي تتخبط اليوم في مناخ من العبث وضبابية الخروج من الورطة.

هناك لحظة تاريخية إستراتيجية يمكن اقتناصها، لو توفّر مرشّح ذو مصداقية، يمتلك رؤية إستراتيجيّة وخطابًا عقلانيًا بعيدًا عن التشنّج يوحّد المجتمع، ويحيط به فريق كفؤ ذو تجربة ومعرفة ونظافة يد، وتلتفّ حوله قوى سياسية ومجتمعيّة تعدّدية، وقادر على كسب ثقة أغلبية التونسيين وطمأنة أجهزة الدولة.

4- التغيير القادم يجب أن يكون مع الدولة لا ضدّها

كما أسلفنا، لن يحصل التغيير المنشود عبر ثورة ضد النظام. ولا تتوفّر اليوم شروط موضوعية لتحقيق تغيير جذري يقلب المعادلات الراهنة تمامًا، ويقضي بسرعة على منظومات المصلحة التي تسعى إلى تعطيل الإصلاح. وإنما سيكون غالبًا نتيجة تفاوض وتوافق وتفاهمات مع الدولة العميقة، عبر صندوق الاقتراع أو بدونه إن اقتضى الأمر.

يجب أن يقبل الجميع أن يكون التغيير المنشود متدرّجًا غير مستعجل ويستفيد من تجارب وأخطاء مراحل ما بعد الثورة ويأخذ الإيجابي من كل منها. لأن الهدف هو تحقيق تقدّم مُستدام وإصلاح للمنظومات وتطوير للعقليّات. ولا يمكن أن يحصل هذا إلا بحدود كبيرة من التوافق وتقليص التجاذبات وبناء بوصلة موحدة ومشتركات واسعة بين جزء وازن من الفرقاء السياسيين والاجتماعيين.

توفّر هذا الشرط سيمثل حافزًا للدولة العميقة والأجهزة الصلبة للتعامل إيجابيًا مع هذا المشروع التغييري، خاصة أنه يتماشى مع عقيدتها المبنيّة على الحفاظ على المؤسّسات ورفض الهزات وتجنّب النزاعات والمحافظة على التوازنات القائمة.

أجهزة الدولة من مصلحتها حصول تغيير هادئ يحظى بشرعية شعبية يُجدّد المؤسسات ويطوّر حوكمتها ويطهّرها بشكل هادئ وتدريجي من الفساد والمحسوبية، ويقوّي أسس الاقتصاد الوطني، ويعزّز اندماجه في الاقتصاد الدولي عبر الانسجام مع المعايير الكونية في الحوكمة الحسنة والشفافية والنزاهة، ويحسّن من سجل البلاد في الديمقراطية وحقوق الإنسان واستقلال العدالة كشروط لتحقيق الاستقرار الداخلي المستدام، ولتحسين مناخات الاستثمار والتنافسية وجلب الدعم الخارجي.

إذا كانت الشعبويّة مندفعة ومغامرة وفاقدة للعقل وحسن التقدير، فالدولة العميقة والأجهزة الصلبة عاقلة لا تُغامر، وإنّما يُفترض أنها تفكّر وتستشرف عواقب الخيارات المطروحة، وتوازن بين الحفاظ على المصالح الضيّقة الآنية والمصلحة العامة المستقبلية.

لا شك أن الدولة العميقة والأجهزة الصلبة قد قبلت بالانقلاب على الديمقراطية وشاركت فيه، وحاولت استعمال الشعبويّة لطيّ صفحة ما بعد الثورة وما تخلّلها مما تعتبره فوضى وفشلًا ونزاعات واستفحالًا للأزمات والفساد. والأكيد أنها تُدرك اليوم أنها ارتكبت خطيئة حينما سايرت انحرافَ الشعبوية وجنوحَها للاستبداد ونزعتَها التقسيمية للمجتمع وانبراءَها في تحطيم المؤسسات. خاصة بعدما أدركت أن تحطّم أعمدة الدولة الواحد تلو الآخر قد يتسبّب في نهاية المطاف في إسقاط كامل البناية على رأسها ورأس المجتمع.

ولا شك أن جزءًا من الأجهزة يتطلّع إلى إنقاذ الدولة من الانهيار والمجتمع من التقاتل، ويبحث عن بدائل عقلانية تضع حدًا للانحرافات المدمّرة وتمنع تواصل حالة التدمير الراهنة لخمس سنوات قادمة بشرعية متجدّدة. الأكيد أن تلك الأجهزة تعرف أنها غير قادرة على ذلك وحدها ولا تمتلك القدرة والمعرفة والآليات لتحقيق التغيير المنشود، عبر تسلّم تسيير البلاد بنفسها. وهي تعرف أيضًا أن ذلك الخيار محفوف بكل أنواع المخاطر ويحمّلها مسؤولية هي غير قادرة عليها.

كما أنها تعرف أنه لم يعُد لها مجال للخطأ في التعويل على دعاة تغيير وهمي أو وجوه معاد تدويرها من منظومة ما قبل الثورة، أو على شعبويّة من نوع آخر، لأن البلاد في مفترق طرق حقيقي: إما الإنقاذ والسير في اتجاه التغيير الحقيقي والمصالحة الوطنية الجدّية والانسجام الوطني، أو الانهيار والتناحر وفقدان السيادة.

السيناريو الأمثل أنْ تتحوّل الانتخابات القادمة إلى فرصة تلتقي فيها إرادة التغيير لدى مجموعة من التونسيّين يلتقون حول بوصلة واضحة ورؤية واقعية وطموحة ومرشّح عقلاني، مع رغبة أجهزة الدولة في التغيير الهادئ والمسؤول الذي يُعزّز الاستقرار ويبني شروط التنمية.

هذا السيناريو قابل للتحقق لو توفّرت الإرادة. والمعركة تستحق أن تُخاض؛ لأن نتيجتها حصول التغيير المنشود في تونس في وقت مأمول، وتقديم نموذج نجاح مهمّ لشعوب المنطقة ككلّ، كعادة تونس في تقديم النموذج وريادة المبادرات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات التغییر المنشود أجهزة الدولة التغییر قادم أن یکون تغییر ا

إقرأ أيضاً:

يعنينا فهم روسيا وليس أن تفهمنا

 

 

 

من الواضح أن أمريكا لم تعد القطب الأوحد ولم تعد من يحكم العالم كما كان منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، ولكن الواضح أيضاً هو أن أمريكا تتصرف كأنها الحاكم لمنطقة ما تسمى الشرق الأوسط..
ولا أستطيع فهم تصرف الأقطاب الأخرى مثل الصين وروسيا تجاه هذا الوضع أو التموضع الأمريكي وبما لم يعد في أي منطقة..
الطريقة التي دخلت بها روسيا إلى سوريا للمشاركة في الحرب ضد الإرهاب ـ كما قيل ـ كانت غامضة، ولكن الأكثر غموضاً، بل واللغز المحير كان في الطريقة التي تم بها ترحيل وإسقاط نظام بشار الأسد..
في العدوان على إيران طرحت علامات استفهام حول ما إذا كانت روسيا أدت دورها بالحد الأدني كحليف مع إيران في ظل ما تمثله إيران من مصالح كبرى لروسيا وللأمن القومي الروسي، فهل مثل هذا يمثل إضافة للغموض أم هو شيء غير ذلك؟..
عندما نتابع حالة الأنظمة العربية ومواقفها من جرائم الإبادة الجماعية واستعمال التجويع كسلاح وهو ما لم يحدث مثله في العصر الحديث فهذا يعيدنا ربطاً بالغموض الذي أشرنا إليه إلى سايكس بيكو القديم كمخاض لجديد أو للجديد، وهذا بين الاستنتاجات والاحتمالات، مع أنه بات صعباً كثيراً السير في مقايضات، بل إن العصر وواقع العالم المتغير يفقد مثل هذه المقايضات المحتملة واقعها وواقعيتها ولكنها تظل غير مستحيلة «على الأقل»..
ولهذا يعنينا أن لا نغرس رؤوسنا في الرمال تجاه هذا الاحتمال أو غيره في هذه المرحلة المفصلية والصعبة..
المفكر الروسي الكبير «الكسندر دوجين» بين طرحه عن المنطقة يركز على أهمية وضرورة توحد المسلمين وهو يعرف أكثر مما أعرف صعوبة واستعصاء هذا التوحد وبسبب المتراكم الأمريكي، فإذا الهدف تحميل العرب والمسلمين المسؤولية فذلك متحقق ـ مع الأسف ـ ولكن ماذا عن المصالح الكبرى لروسيا والصين بالمنطقة وفى ظل الأمر الواقع للمتراكم الأمريكي؟..
إنني بهذا التعاطي لا أريد التأثير بأي قدر على إنجازات المنطقة بالتحالف وحتى العلاقات مع الصين وروسيا والتواصل القوي والمستمر بل إن الاجتماع الثلاثي بين الصين وروسيا وإيران في طهران يؤكد شراكة استراتيجية إن لم تكن تحالفات استراتيجية..
طرح مستوى من الغموض أو طرق علامات استفهام يمثّل حاجيات للفهم والتفكير في إطار الحرية الواعية أو المقيدة بالوعي..
في خيار العالم المتعدد الأقطاب والأكثر عدالة فإن الصين وروسيا والاصطفاف العالمي هما في حاجة لهذه المنطقة مثلما المنطقة بأمس الحاجة للسير في خيار العالم المتعدد الأقطاب..
مثل هذا الهدف العالمي الكبير يحتاج لتجاوز تموضعات المنطقة بل وإلى مواجهة بكل الوسائل والسبل للمتراكم الأمريكي أياً كان تجذره أو تأثيره..
يعنينا ومن جانبنا أن نتعمق في قراءة التجارب، فالسوفيت مثلاً نصحوا عبدالناصر ـ مجرد نصيحه ـ أن لا يكون البادئ في الحرب ١٩67م لأن أمريكا تهدد باستعمال النووي ونتوقف عند نقطتين:
الأولى .. أن جمال عبد الناصر بطرد قوات الأمم المتحدة التي كانت تفصل بين مصر والكيان الصهيوني أصبح في الحرب فعلاً..
الثانية أن السوفيت قدموا لعبدالناصر مجرد نصيحة كان بمقدوره أن لا يأخذ بها..
وإذاً لا يفترض ربط أو تبرير فشلنا أو هزائمنا بالسوفيت أو بغيرهم..
مثل هذا علينا إسقاطه على الأحداث القائمة، وهاهي إيران على سبيل المثال استطاعت احتواء الصدمة لليوم الأول للعدوان أو ليومين واستطاعت أن تسير في رد هو الأقوى جعل إسرائيل من خلال أمريكا استجداء إيقاف الرد الإيراني حتى أن إسرائيل لم تعد تتحمل الحرب وليومين فقط..
ويكفي أن إيران ربما اشتكت أو احتاجت لتلميح عن قصور من الحليف الروسي في هذا، ولكنها أدت واجبها ونجحت في صد العدوان في ظل مشاركة أمريكية كاملة في الإعداد والتحضير للعدوان ثم بالمباشرة في هذا العدوان، والحديث عن نواقص أو قصور بعد ذلك جائز بل ومطلوب للسير إلى ثقة أكبر وأعلى وعلى طريقة «العتاب صابون القلوب»..
تموضع ومواقف أنظمة عربية كثيرة نعرفها وهي معروفة في السياق التاريخي والمتراكم مما يجعلها متوقعة..
الحرب النفسية الإعلامية على شعوب المنطقة باتت الفاعل الأهم، لأنها تمارس ترويض المنطقة إسرائيلياً من خلال الشعوب والمزيد من ترويض هذه الشعوب لأنظمة خائنة بالأمركة والصهينة هو بالتلقائية لصالح الكيان الصهيوني، وكل هذا يستوجب أن شراكة المصالح في تحالفاتنا واستمرار واستمراء خط الأمركة والصهينة عربياً هو خيانة الحاضر والمستقبل!!.

مقالات مشابهة

  • إخلاء سبيل البلوجر هدير عبد الرازق.. ومثول مرتقب أمام المحكمة الاقتصادية
  • الشيخ قاسم: لبنان لن يكون ملحقًا بـإسرائيل ولن نقبل أن نسلّم سلاحنا
  • الانهيار القادم لا محالة
  • مشروع الانبعاث الحضاري وصناعة الوعي.. مشاتل التغيير (29)
  • يعنينا فهم روسيا وليس أن تفهمنا
  • انتشار البرباشة بشوارع تونس يعكس الأزمة الاقتصادية في البلاد
  • انتشار البرباشة في شوارع تونس يعكس الأزمة الاقتصادية في البلاد
  • تعلن المحكمة التجارية بالأمانة عن الحكم الصادر على المنفذ ضدها شمس النصيري
  • غوتيريش: بناء دولة للفلسطينيين حق وليس مكافأة
  • السلام والتعايش في سوريا سبيل الاستقرار