د. أحمد طه يكتب: الجودة مسار إجبارى
تاريخ النشر: 25th, April 2024 GMT
على مدى السنوات العشر الماضية، يشهد القطاع الصحى المصرى تطوراً غير مسبوق، ويحظى برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى بتأكيده على أن لكل مواطن الحق فى الحصول على الرعاية الصحية المتكاملة وبأعلى مستويات الجودة العالمية، وهو ما يكفله الدستور المصرى، ويتسق مع رؤية مصر ٢٠٣٠ وأهداف التنمية المستدامة، خاصة الهدف الثالث: تحقيق الصحة الجيدة والرفاه، لذلك كان من الضرورى وضع مشروع وطنى يضمن تحقيق جودة الرعاية الصحية وتوكيد تقديم خدمات صحية آمنة لجميع المصريين.
وبدأت الدولة المصرية بتنفيذ المشروع الوطنى منظومة التأمين الصحى الشامل، باعتباره استثماراً ضرورياً لتحسين صحة المجتمع، وتعزيز التنمية المستدامة، وإصلاح المنظومة الصحية فى مصر للعبور بها إلى الجمهورية الجديدة، فهو الحلم الذى طال انتظاره لواقع جديد يتمتع فيه المواطن المصرى بتغطية تأمينية آمنة له ولأسرته.
إن الأبعاد المختلفة لهذا المشروع من شمولية الفئات الأكثر احتياجاً تحت مظلته، واتساع نطاق الخدمات المقدمة لهم، جعلت منه طاقة نور وخطوة مهمة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال تقليل العبء المالى على الأسر، من خلال اتباع آليات تمويل تضمن فصل ممول الخدمة عن مقدمها، مع الالتزام بتقديم الخدمات الصحية بجودة عالمية، وهو الفرق الأهم الذى يميز المنظومة الجديدة عن النظام التأمينى القديم.
ويدعم زيادة مساحة الأمان للمريض، حيث يضمن تطبيق معايير الجودة الاستماع الجيد لشكوى المريض، والتشخيص السليم، ومشاركة المريض بخطة علاجه والخطط البديلة، وكذلك مشاركة الطبيب فى اختيار البديل الأنسب بما يتوافق مع احتياجاته، كما يضمن الحد من الأخطاء الطبية داخل غرف العمليات وغرف التداخلات الطبية مثل المناظير والأشعة، والإدارة الجيدة للدواء والمستلزمات الطبية.
وتقوم فلسفة النظام الجديد على خلق تنافسية بين مقدمى الخدمات الصحية لصالح المريض، حيث أعطى قانون التأمين الصحى الشامل المريض الحق فى اختيار مقدم الخدمة «الجيد».. وهو ما يترجم من خلال حصول المنشأة الطبية على اعتماد GAHAR، مما يدفع المنشآت الصحية بجميع القطاعات إلى الحرص على تطبيق الجودة لخدمة المواطن.
وحدة الربط الأساسية بالتأمين الصحى الشامل هى «الأسرة المصرية» مما انعكس على خفض «الإنفاق من الجيب» على الصحة، لأنه حتى إن توجه أحد أفراد الأسرة للقطاع الخاص، وهو شريك أساسى بالمنظومة، لن يتحمل تكلفة العلاج تحت المظلة التأمينية.
إن فلسفة النظام الجديد جعلت من «الرقابة» ركناً أصيلاً من أركان تطبيق المشروع بشكل مؤسسى ومستمر من جهة مستقلة محايدة ليست تابعة لممول الخدمة ولا لمقدمها وتخضع للإشراف المباشر لفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهى الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية، وذلك لضمان استدامة الجودة.
وتعد «معايير الجودة» العنصر الأهم على الإطلاق لاستقامة معادلة الرعاية الصحية بمفهومها الجديد، فهى التى تضمن حسن إدارة الموارد والحد من الكوارث والمخاطر من خلال اتباع أكواد البناء الصحيح، بما يعود بالنفع على المنشأة من القطاع الخاص من خلال تعظيم العائد من الاستثمار، أو الحوكمة وترشيد الإنفاق إذا كانت قطاعاً حكومياً أو أهلياً، كما تضمن للأطقم الطبية بيئة عمل جيدة وآمنة وجزاء مادياً عادلاً وتعليماً وتدريباً مستمرين.
إن تجربة تطبيق المرحلة الأولى من التأمين الصحى الشامل كانت ثرية ومليئة بالتحديات التى تم استيعابها جيداً.. وعلى سبيل المثال لا الحصر: كان هناك زيادة فى الإنفاق فى إعادة تأهيل عدد كبير من المنشآت نتيجة اعتقاد خاطئ أن معايير الجودة تستلزم الهدم وإعادة البناء والإنفاق الباهظ على المبانى، وهو غير صحيح على الإطلاق، لأنها تستهدف الاستخدام المنضبط للموارد المتاحة بما يحقق التشغيل الوظيفى السليم.
*رئيس هيئة الاعتماد والرقابة الصحية
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: التأمين الصحى الرعاية الصحية التأمين الشامل الصحى الشامل من خلال
إقرأ أيضاً:
إسحق أحمد فضل الله يكتب: ( …. ورسم قلب المجتمع)
عادت العلاقات السودانية الأمريكية إلى واجهة التوتر، بعد إعلان واشنطن فرض عقوبات جديدة على السودان، استنادًا إلى اتهامات باستخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية خلال الحرب ضد مليشيا الدعم السريع. غير أن التوقيت والسياق السياسي يفرضان قراءة مغايرة، تكشف عن تحوّل نوعي في طريقة تعامل السودان مع الضغوط الأمريكية، بالنظر لتجارب سابقة.
في خطوة وصفها مراقبون بـ”الذكية”، أصدر رئيس مجلس السيادة السوداني قرارًا بتشكيل لجنة وطنية للتحقيق في المزاعم الأمريكية، تضم وزارات الخارجية والدفاع، وجهاز المخابرات العامة. هذه الخطوة تعكس جدية الدولة في تناول الملف، وتحمل أبعادًا قانونية ودبلوماسية مهمة، حيث تؤكد التزام السودان بالاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. كما أنها تبعث برسالة واضحة: السودان دولة مؤسسات، ترفض الإملاءات والتجريم المسبق.
كانت الولايات المتحدة قد أعلنت أن العقوبات ستدخل حيّز التنفيذ في يونيو المقبل، وتشمل قيودًا على الصادرات وخطوط الائتمان الحكومية. ورغم أن الأثر الاقتصادي لهذه العقوبات يبدو محدودًا بسبب ضعف العلاقات التجارية بين البلدين، إلا أن توقيتها السياسي يثير التساؤلات. فقد تزامن إعلان العقوبات مع تقدم ميداني كبير أحرزه الجيش السوداني، ما دفع بعض المراقبين إلى الربط بين القرار الأمريكي والواقع العسكري، واعتبار العقوبات محاولة لإعادة ترتيب موازين القوى وفرض بيئة تفاوضية لا تعكس الوقائع على الأرض، بل تعبر عن رغبات خارجية تمثل مصالح داعمي المليشيا الإقليميين.
في هذا السياق، تبدو السياسة الأمريكية تجاه السودان وكأنها لا تزال رهينة لكتاب قديم يعود إلى تسعينيات القرن الماضي، تُعيد قرأته كلما تعثرت رهاناتها على التحولات المحلية. فمنذ سقوط نظام البشير عام 2019، انخرطت واشنطن في محاولات متعددة لإعادة تشكيل المشهد السياسي السوداني، بدءً بدعم البعثة الأممية بقيادة فولكر بيرتس، ومرورًا بمحاولات فرض “دستور المحامين” بصيغته المستوردة، وانتهاءً بالاتفاق الإطاري الذي وُلد ميتًا بعد أن اصطدم بواقع سوداني معقد ومتشابك. ومع فشل هذه الأدوات “الناعمة”، انتقلت الإدارة الأمريكية إلى أدوات أكثر خشونة، من خلال دعم غير مباشر لتحركات مليشيا الدعم السريع التي انقلبت على السلطة في أبريل 2023 وأدخلت البلاد في أتون الحرب.
هذه القراءة تكشف عن محاولة لإعادة هندسة موازين القوى، وفرض مناخ تفاوضي جديد يستند إلى ضغوط خارجية تُستخدم فيها قضايا الحقوق كسلاح سياسي. تدرك الولايات المتحدة أن انتصار الجيش سيُضعف من نفوذها في البلاد، ويوسّع هامش مناورة الخرطوم، ما قد يدفع السودان نحو تقارب أكبر مع شركاء دوليين كروسيا أو الصين، وهو ما لا يخدم مشروع الهيمنة الغربية في المنطقة.
وفي هذا السياق، أعلنت الخارجية الأمريكية فرض قيود على الصادرات وخطوط الائتمان الحكومية، تدخل حيز التنفيذ في يونيو 2025، في محاولة لضبط المسار السياسي مجددًا، بعد فشل الرهان على المليشيا. اللافت أن هذا الدعم غير المباشر للمليشيا ينسجم أيضًا مع أجندات بعض الحلفاء الإقليميين، خصوصًا الإمارات، التي ترى في هذه القوات أداة تخدم مشروعها في السودان و القرن الإفريقي، وهي سياسات أثارت انتقادات حتى داخل الولايات المتحدة نفسها، كما عبّرت عن ذلك السيناتور سارة جاكوبس التي حذّرت من تواطؤ واشنطن مع أبوظبي، مؤكدة أن السياسات الأمريكية تُضلّل الرأي العام ولا تعكس قيمًا أخلاقية حقيقية (رويترز).
العقوبات الأمريكية على السودان ليست جديدة، بل امتداد لسلسلة بدأت منذ عام 1993، وأدت إلى عزله اقتصاديًا وتكنولوجيًا، دون أن تحقق أهدافها السياسية. بل إنها أضرت بالمواطن ودفعته للتعامل مع دول بديلة كالصين. وفي هذا الإطار، وصفت الحكومة السودانية عبر الناطق الرسمي خالد الإعيسر الاتهامات الأمريكية بحسب “سونا” بأنها “ابتزاز سياسي” و”تزييف للحقائق”، مشيرة إلى تشابه هذه المزاعم مع سيناريوهات قديمة، كقصف مصنع الشفاء في عام 1998.
وفي سياق تعزيز موقفها الأخلاقي والقانوني ، عمدت الحكومة إلى تقديم نفسها كقوة منضبطة في سلوكها العسكري، إذ قامت الفرقة الثالثة شندي، قبل يومين، بتسليم 66 طفلًا جندتهم مليشيا الدعم السريع إلى أسرهم، عبر المجلس القومي لرعاية الطفولة، بحضور ممثلين من مؤسسات حكومية وعدلية. وقد مثّل هذا الحدث ردًّا عمليًا على الاتهامات، وفارقًا جوهريًا في طبيعة السلوك القتالي بين الجيش و المليشيا المتمردة.
ومن منظور # وجه_ الحقيقة ، فإن تعامل السودان مع الأزمة الراهنة يُظهر تحوّلًا تدريجيًا من الاستجابة الانفعالية إلى إدارة متأنية للأزمات، في توازن بين الدفاع السياسي والاحتواء الدبلوماسي، دون التفريط في السيادة أو السقوط في فخ العزلة. ومع أن الولايات المتحدة ما تزال تملك أوراق ضغط، فإن السودان اليوم أكثر وعيًا بتاريخ هذه الضغوط، وأكثر استعدادًا لصياغة مسارات بديلة تحترم قراره الوطني. ويبقى السؤال المفتوح: هل تنجح الخرطوم في تجاوز هذه العقوبات؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد ملامح المرحلة القادمة في السودان.
دمتم بخير وعافية.
إسحق أحمد فضل الله
السبت 31 مايو 2025م Shglawi55@gmail.com