علي جمعة: هذه أسباب الوقوع في الكذب وشيوعه
تاريخ النشر: 30th, April 2024 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، إن من أسباب الوقوع في الكذب وشيوعه أن يتكلم المرء بكل ما سمع، وقد سماه النبي كذبا.
واستشهد علي جمعة، في منشور له، بقول النبي: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» [مسلم]. فنجد أقواما في عصرنا هذا يفترون على الناس، ويكذبون عليهم، وإذ بهؤلاء يشتدون في الكذب، حتى يحولوا كل ما يتخيلون -دون أي سماع لأي خبر موثق- إلى وهم يعيشون فيه يظنونه الحقيقة، فصدق عليهم كلام رسول الله حيث يقول: «وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» [مسلم].
وأشار إلى أن الكذب فيه اعتراض على الله تعالى، فالكذاب يخالف الواقع بكلامه لعدم رضاه به، وهو يتمنى تلك الصورة التي يحكيها مخالفة له، وهذه نقطة مهمة، ولذا فمن رضي بالله وأمره وقَدَره لا تراه يكذب، لأنه لا يسخط على الواقع بل يحكيه كما هو، ويرضى بفعل الله في كونه، ويعلم أنه الملك الحق المبين فيرضى به حاكما، ويعترف بنفسه محكوما في هذا الكون.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: علي جمعة الأزهر الكذب
إقرأ أيضاً:
ما الفرق بين الخطأ والخطيئة وكيف نتجاوزهما؟.. علي جمعة يجيب
كشف الدكتور علي جمعة، مفتى الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، عن الفرق بين الخطأ والخطيئة فى الشرع.
الفرق بين الخطأ والخطيئة
وقال عبر صفحته الرسمية على فيس بوك إن الشرع الشريف فرَّق بين الخطأ والخطيئة بحسب توفُّر القصد وعدمه؛ فإذا لم يتوفر القصد فهو خطأ، وإذا توفر القصد فهي خطيئة.
وأوضح أن الخطأ معفوٌّ عنه، ولا يترتّب عليه إثمٌ في الغالب، أما الخطيئة فيترتّب عليها إثم، وتحتاج إلى طلب الغفران. وقد رتّب الشرع الشريف برنامجًا متكاملًا لمحاصرة تداعيات الخطأ والخطيئة، من أجل تجاوزهما، والبدء من جديد، ولتستمر الحياة بعيدًا عن آثارهما السلبية.
ونذكر ذلك في حقائق تبين المقصود:
الحقيقة الأولى: أن تأصيل الفرق بين الخطأ والخطيئة يظهر في الحديث الذي وضعه الإمام البخاري أول حديث في صحيحه، باعتباره مفتاحًا من مفاتيح فهم الشرع الشريف، قال رسول الله ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى...» والنية في اللغة: القصد المؤكد.
وهذا الحديث جعل الإنسان يراعي ربه الذي يعلم ظاهره وباطنه، وعمله ونيّته.
ويؤكّد هذا الفرق قول النبي ﷺ: «إِنَّ الله تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ». ومن هنا، فقد يكون هناك أجرٌ عند بذل الجهد مع الوقوع في الخطأ، كقوله ﷺ: «من اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ». فهو لم يقصد الإساءة أو الأذية، بل أراد الصلاح، وإن لم يُوَفَّق إليه.
وفي المقابل، فإن المتعمِّدَ للأذية مأزور، كما في حال إخوة يوسف -عليه السلام- بعد جريمتهم، إذ حكى الله عنهم: (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ)، فقد اعترفوا بجريمتهم، والخطأ هنا يشمل الذنب سواء وقع خطأً أو خطيئة.
الحقيقة الثانية : قوله ﷺ : «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ». وكلمة "خطّاء" صيغة مبالغة من اسم الفاعل "خاطئ"، وتدل على الوقوع المتكرر في الخطأ أو الخطيئة.
ومن هنا، علَّمنا رسول الله ﷺ الإقلاع عن كلٍّ منهما، فكان وهو المعصوم يقول: «إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ الله فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ».
الحقيقة الثالثة : أن الوقوع في الخطأ قد يترتّب عليه ضررٌ يستوجب التعويض والغرامة من جهة، ويستلزم تربية النفس وضبطها من جهة ثانية، ويقتضي الاعتذار وتطييب خاطر المتضرر من جهة ثالثة.
وأحسن مثال لذلك هو القتل الخطأ، الذي يقع على سبيل الحادثة، لا العمد ولا شبه العمد.
وقد رتّب الله سبحانه وتعالى عليه الدية، وهي غرامة مالية تُدفع لأهل القتيل، ورتّب عليه أيضًا صيام شهرين متتابعين ككفارة، وذلك من أعظم صور تهذيب النفس، وإشاعة ثقافة تعظيم النفس البشرية، والحذر من الاستهانة بحرمتها.
وفيه أيضًا معنى الاعتذار العملي لأهل القتيل؛ إذ إنّ حبس النفس عن مألوف طعامها وشرابها يؤكّد عدم العمد، ويعبّر عن الحزن على النتيجة التي ترتّبت على ذلك الفعل. قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيماً * وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
الحقيقة الرابعة: أن رسول الله ﷺ أرشدنا إلى برنامجٍ متكامل في التعامل مع الخطأ والخطيئة، يبدأ بالتوبة والاستغفار، والتي تشمل: الإقلاع عن الذنب، والندم عليه، والعزم على عدم العود، وقد يحتاج ذلك إلى كفارة، أو غرامة، أو رد الحقوق إلى أصحابها.