عربي21:
2025-07-30@05:53:58 GMT

لماذا الطلاب الأمريكيون أكثر عروبة من الطلاب العرب؟

تاريخ النشر: 30th, April 2024 GMT

لا، ليس الطلاب الأمريكيون الذين يخوضون حركة احتجاج عظيمة لمناصرة الشعب الفلسطيني أكثر عروبة من نظرائهم العرب. ولكن ثمة أسبابا تاريخية وسياسية تجعل قدرتهم على الاحتجاج والتظاهر أكثر من قدرة الطلاب العرب.

بالطبع، هذا لا يعني أن الطلاب العرب قاموا بواجبهم كاملا تجاه المجزرة المستمرة منذ أكثر من نصف سنة في غزة، ولكن الفرق بين الحالة الطلابية في الغرب وأمريكا تحديدا وبين مثيلتها في الدول العربية، كبير وجوهري، وله أسباب متجذرة، عمرها عشرات السنوات.



حرية الاحتجاج
خاضت الشعوب في أوروبا والولايات المتحدة حروبا أهلية وبينية كثيرة امتدت لعقود، انتهت بها للوصول للديمقراطية الليبرالية بكافة أشكالها وتفصيلاتها المختلفة. حسمت هذه الحروب أهم القضايا الكبرى التي كانت مثار خلاف بين شعوب تلك المنطقة في العالم، كنظام الحكم، والعلاقة بالدين، والنظام الاقتصادي بخطوطه العامة، والحريات العامة والشخصية. وبعد حسم المسائل الجذرية في المجتمع والدولة، بقيت الخلافات على قضايا أقل جوهرية، يتم تنظيمها من خلال الانتخابات التي تفرز الأحزاب الحاكمة، إضافة إلى وسائل الاحتجاج المختلفة ومن بينها التظاهر.

هذا يعني أن الديمقراطيات -بكل عيوبها ومثالبها- تستوعب الاحتجاج مهما علا سقفه. حتى لو استخدمت السلطات العنف ضد المحتجين كما يحصل الآن في بعض الجامعات الأمريكية، أو مارست التحريض كما يحصل في بريطانيا ودول أوروبية أخرى، فإن الاحتجاج يظل ممكنا، وعندما يصل ضحايا عنف السلطة من المحتجين للقضاء يحصلون على حقوقهم بالعادة.

بالمقابل فإن الشعوب العربية لا تزال تخوض معركتها مع منظومة السلطة في معظم الدول، بحيث أن مسألة "الشرعية" وطبيعة نظام الحكم لم تحسم بعد في هذه الدول. لم يدفع العرب حتى الآن ثمنا يوازي حجم الثمن الذي دفعه الأوروبيون خلال حروبهم قبل الوصول للدولة الحديثة والديمقراطية، ولهذا فإنهم لم يحصلوا بعد على حقهم وحريتهم بالاحتجاج.

ومع هزيمة الموجة الأولى من الانتفاضات الشعبية العربية "ما يسمى بالربيع العربي" وانتصار الثورات المضادة، فقد ازدادت حالة التوحش عند الأنظمة العربية. لقد شعرت الأنظمة بالزهو بعد انتصارها على "كابوس الحرية" الذي خيم على المنطقة بين عامي 2011 و2013، وفي نفس الوقت هيمن عليها الخوف الدائم من عودة هذا "الكابوس"، ولذلك فإن لديها حساسية عالية تجاه أي احتجاج لأنه قد يقود لاحتجاج على الأنظمة نفسها. حالة التوحش هذه جعلت ثمن التظاهر غاليا جدا، فهو يعني في كثير من الدول العربية السجن الطويل، والمحاكمات الباطلة، وضياع المستقبل للشباب، والذهاب إلى المجهول، في ظل عدم القدرة على "توقع" درجة القمع الذي ستمارسه السلطات ضد المتظاهرين.

الطالب الأمريكي ليس أكثر عروبة من الطالب العربي، ولكنه يعرف الثمن "القليل" الذي سيدفعه بسبب تظاهره لأجل فلسطين، بينما لا يعرف الطالب العربي حجم الثمن الباهظ الذي سيدفعه إذا قام بواجبه تجاه قضيته المركزية.

خبرة طويلة
مثلت الولايات المتحدة منذ منتصف القرن العشرين البيئة الأكثر خصوبة للحركات الاجتماعية. وتعود ثقافة الاحتجاج في أمريكا وأوروبا لنهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وهي الاحتجاجات التي ساهمت في ظهور نقابات العمال في أكثر من دولة غربية، ولكن فترة الخمسينات شهدت ازدهارا كبيرا في حركات الاحتجاج في أمريكا تحديدا.

ظهرت في تلك الفترة حركة الحقوق المدنية للدفاع عن حقوق الأمريكيين من أصول أفريقية، ولمع نجم العظيم "مالكوم إكس" و"مارتن لوثر كينج"، ثم ازدهرت حركات اجتماعية مختلفة مثل الحركات النسوية وحركات دينية مختلفة وغيرها، لدرجة أن هذا الازدهار أدى لتأطير حركات الاحتجاج وظهور "نظرية الحركات الاجتماعية" في أمريكا قبل انتقالها لأوروبا.

أدى هذا التأطير النظري وتراكم الخبرات لصناعة نماذج للاحتجاج قابلة للانتقال من جيل لآخر، مع تطويرها وفق أدوات كل عصر، ولكن مع وجود إرث طويل ومستدام لحركات الاحتجاج.

لم تشهد الدول العربية بالمقابل حالة مشابهة لما حصل في الغرب، لأسباب كثيرة من بينها ما ذكرناه آنفا عن حرية الاحتجاج. لا يعني هذا أن الشعوب العربية لم تمارس التظاهر والاحتجاج، فقد كان المتظاهرون العرب حاضرين في مفاصل تاريخية كثيرة تتعلق بالقضية الفلسطينية وغيرها من القضايا العربية، وقضايا محلية مثل انتفاضات الجوع في مصر وتونس ودول أخرى، ثم في "الربيع العربي". ولكن كل هذه المواسم لم تشكل حركة احتجاج دائمة ومستمرة، وبالتالي لم تترك إرثا وتجربة تاريخية يمكن للأجيال الاستفادة منها والبناء عليها.

ولو أخذنا بريطانيا كمثال آخر، فقد تأسست بعض الحركات المناهضة للحروب والمؤيدة لفلسطين منذ عام 2001 و2004، وظلت تمارس الاحتجاج بشكل مستمر منذ التأسيس، ولها أجسام هيكلية وموظفون وعمل دائم على الحشد والتبشير بالقضايا التي تدافع عنها، وهو ما أدى لتراكم خبرات الاحتجاج وانتقالها من جيل لآخر.

لم تزدهر في المنطقة العربية أي حركة اجتماعية تقريبا سوى الحركات الإسلامية، وتعاني هذه الحركات الآن من القمع وسجن كوادرها وتحطيم هياكلها في معظم الدول العربية، ولم تعد قادرة على لعب الدور الذي لعبته تاريخيا في قيادة حركات احتجاج الشعوب العربية.

لا يقل الطلاب العرب حبا لفلسطين وعروبة عن نظرائهم الغربيين، ولكنهم لا يمتلكون الخبرة التي راكمتها حركات الاحتجاج في الغرب، ولا المنظمات أو الهياكل التي تقود هذه الحراكات وتنقل أساليبها عبر الأجيال.

قيادات مغيبة
يحتاج العمل الاحتجاجي لقيادات تحركه وتدعو له وتنظمه وتؤطر مطالبه. التظاهرات بدون قيادات غير قادرة على الاستمرار، والعالم العربي يفتقد الآن لمثل هذه القيادات.

لقد استطاعت منظومة السلطة في الدول العربية تفريغ المنطقة من القيادات المكرسة أو التي كان يمكن أن تتكرس مع الوقت، فأصبح هؤلاء القادة إما في القبور أو في السجون أو في المنافي.
ليس المشكلة إذن في عروبة الطلاب العرب وحبهم لفلسطين، ولكن في غياب قيادات تؤطرهم وتقود عملهم الاحتجاجي.

ولكن هل تعني هذه الأسباب أن ليس بالإمكان أفضل مما كان؟ بالطبع لا. يمكن للشبكية التي خلقتها وسائل التواصل الاجتماعي أن تكون بديلا عن المنظمات التقليدية الهرمية والحركات الاجتماعية في صناعة الحراك الجماهيري الداعم لفلسطين، ويمكن لما أنتجته أدبيات حركات الاحتجاج الغربية والعربية أن تمثل إرثا يلهم تجربة جديدة للطلاب العرب، ليس لأجل فلسطين فقط، ولكن لأجل حرية الشعوب العربية نفسها أيضا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطيني غزة امريكا فلسطين غزة الاحتجاجات الطلابية مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعوب العربیة الدول العربیة الطلاب العرب

إقرأ أيضاً:

عضو عليا الوفد يطالب بتعليق تعاون الدول العربية اقتصاديا مع أمريكا وإسرائيل حتى تتوقف حرب غزة

أكد حمادة بكر، عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، أن كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي ،أجابت على كل التساؤلات، ونفت بشكل قاطع ماترددة الحملة المسمومة التي تريد النيل من مصر .

وأضاف "بكر" أن مصر هى قلب الأمة العربية النابض، بالقومية العربية ،ولم تقف مصر أو تتخذ أبدا دور المشاهد،بل دائما تقف مع البلدان العربية وليس أهل فلسطين فقط،فمصر الوحيدة المهمومة بالقضية الفلسطينية، والرئيس السيسى الوحيد الذي أعلن رفضة التهجير حفاظا على القضية الفلسطينية .

المصريين : كلمة الرئيس السيسي عن الأوضاع في غزة أكدت ضرورة حل الدولتينالعربى للعدل والمساواة: كلمة الرئيس السيسي أكدت التزام مصر الأخلاقي تجاه غزةتيسير مطر: كلمة الرئيس السيسي عن غزة تؤكد دور مصر التاريخي في دعم القضية الفلسطينيةحزب الاتحاد: تصريحات الرئيس السيسي تؤكد ثوابت مصر الوطنية تجاه القضية الفلسطينية

وأشار "بكر" إلى أن الرئيس أعلن فى خطابة أن مصر لم تتوقف عن الحديث عن ضرورة إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، وأن القطاع يحتاج إلى 600 – 700 شاحنة مساعدات فى الأيام العادية، متابعا: "خلال الـ 21 شهرا اللى فاتوا حرصنا على إدخال أكبر حجم من المساعدات".

وشدد  "بكر " على ضرورة الدول العربية الشقيقة بتوحيد الكلمة حول إقامة الدولة الفلسطينية،وإعلان رفض التهجير ، والعمل على وقف الحرب فى غزة وإعادة الإعمار .

وطالب " بكر" الدول المتحالفة إقتصاديا مع الولايات المتحدة  وإسرائيل ،بإشتراط وقف الحرب على غزة ،نظير إستمرار التعاون الإقتصادى ،والذى من شأنه سيوقف الحرب فعليا .

وأعلن عضو الهيئة  العليا رفضة للحملة المسمومة، التى يقف خلفها رعايا الإرهاب والمتطرفين،فقد وقفت مصر وحدها تحارب الإرهاب فى سيناء ،واستشهد الكثير من شباب الوطن من أبطال الجيش والشرطة المصرية، حماية للمنطقة بأكملها، فالإرهاب لايستهدف دولة بعينها، فمع ترابط الحدود ،يصبح الخطر يهدد الجميع .

طباعة شارك كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي الرئيس عبدالفتاح السيسي حمادة بكر بالقضية الفلسطينية التهجير

مقالات مشابهة

  • الجبهة الوطنية: الدول التي تسقط لا تنهض مجددا وتجربة مصر العمرانية هي الأنجح
  • وزير الخارجية يجري مباحثات مع نظرائه بإسبانيا واليمن وإيطاليا وأمين عام جامعة الدول العربية
  • عضو عليا الوفد يطالب بتعليق تعاون الدول العربية اقتصاديا مع أمريكا وإسرائيل حتى تتوقف حرب غزة
  • “مجموعة لاهاي” تفضح المشاركة العربية في إبادة غزة
  • الأكاذيب المُمأسسة وتواطؤ النخب: لماذا تحتاج تل أبيب إلى صمت العرب كي تستمر الحرب؟
  • جامعة الدول العربية: نُدين إعلان ائتلاف سوداني مرتبط بقوات الدعم السريع عن تشكيل حكومة موازية
  • عاجل. خليل الحية ينتقد انسحاب إسرائيل من مفاوضات الدوحة رغم التقدم الذي تحقق ويدعو العرب للزحف نحو فلسطين
  • عاجل | الوكالة الوطنية للأمن في هولندا: إدراج إسرائيل لأول مرة على قائمة الدول التي تشكل تهديدا للبلاد
  • هولندا تدرج إسرائيل لأول مرة على قائمة الدول التي تشكل تهديدا للبلاد
  • حظر الأسلحة النووية.. لماذا تتهرب الدول الكبرى من التوقيع على المعاهدة؟