د. عصام محمد عبد القادر يكتب: معلم المرحلة.. وتطوير التعليم المصري
تاريخ النشر: 30th, April 2024 GMT
إن أمانة تربية النشء وتشكيل بنيتهم المعرفية بصورة صحيحة وفق ما نؤمن به ونعتقده عن ماهية المواطن الصالح، يُعد دون مواربة مسئولية رئيسة لمعلم تم إعداده وفق معايير مهنية متقدمة وفي ضوء رؤية أكاديمية متكاملة في ضوء برامج تواكب التقدم العلمي والتقني في آن واحد، وهذا بالطبع يتم بمؤسسات الإعداد صاحبة الخبرة الغزيرة في هذا المضمار، والتي لا تكتفي ببرامج الإعداد حتى التخرج، بل تمتد برامجها المستدامة لتحقق تنمية مهنية مستمرة في الجانبين التربوي والأكاديمي على حد سواء.
تحديات المرحلة تؤكد أن المؤسسة التعليمية المصرية منوط بها خريج يمتلك مهارات سوق العمل في مجالاته المتنوعة، بل وتبحث عنه الوظائف لما يتفرد به من احترافية تؤكدها أداءاته وممارساته النوعية التي تتحدى تفوقات ما توصل إليه الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المبهرة؛ ليصبح أكثر مقدرة على العطاء والريادة والتنافسية التي تحكمها معايير دقيقة يضاف ليها ما يستجد من إفرازات الثورات الصناعية والتقنية.
إننا في أشد الاحتياج لمراجعة تبدأ بتأمل الواقع؛ لتشمل منظومة القيم الحاكمة التي تضمن بقاء المجتمع متماسكًا مترابطًا يستطيع أن يدحر شتى المآرب التي تستهدف النيل من نسيجه، ثم إعادة النظر وبتمعن في تصميم التدريس من قبل المعلم الواعي صاحب الخبرة؛ ليتمكن من أن يكسب الخبرات التعليمية المتجددة للمتعلم، ويعضد مقدرته على التعلم المستدام؛ ليستطيع أن يضيف لرصيده مناهل المعارف وممارساتها الوظيفية، بما يخلق لديه وجدانيات تجعله محبًا لمزيد من الاستطلاع، وراغبًا في المشاركة والتعاون بصورة إيجابية.
إن ضمانة نجاح المنظومة التعليمية مكتملة العناصر من حيث الكفاءة مرهون بمعلم مُعد إعدادًا حرفيًا مهنيًا وأكاديميًا، يسعى دومًا لبلوغ التميز في مجال تخصصه، ويستطيع أن يسخر عناصر العملية التعليمية في تحقيق أهداف التعلم بتنوعاتها، ويعمل دومًا على تحديث خبراته، ولا يتجاهل التغير التقني الذي يرتبط بخصائص وطبيعة المتعلمين في العصر الرقمي، ويطمح أن يصل بالمتعلم لمستويات الابتكار بصورة مقصودة ومنظمة في ضوء أنشطة تتضمن مهام فاعلة بأدوار تتسم بالمرونة والقابلية في التنفيذ.
وحري بالذكر أنه حينما يمتلك المعلم المستويات المتقدمة من المهارات التدريسية أو ما نسميها بالاحترافية، بداية من سيناريو تخطيط والتنفيذ والتقويم وما يتطلبه من متابعة وما يتضمنه من يتضمن التعزيز والدعم وتوظيف الاستراتيجيات تدريسية الفعالة التي تشمل أدوار تبادلية بين طرفا العملية التعليمية مرتبطة باستخدام للتقنية المتوافرة والمعينات التعليمية التي تصقل خبراته؛ بالإضافة إلى رصد دؤوب للصعوبات التعليمية الخاصة بالمتعلمين وعمليات الدعم اللوجستي وكذلك الاهتمام البالغ بالكشف عن أنماط الفهم الخطأ والعمل الفوري على تصويبها؛ ليعد ذلك نجاحًا يؤدي بالضرورة إلى تحقيق غايات تعليمية في مداها القصير والبعيد، ويجعل المناخ التعليمي محفزًا لكلا الطرفين.
وهناك تحديٌ يواجهه المعلم وينبغي أن يضع من الخطط والآليات والمعالجات الإجرائية ما يواجهه به؛ ألا وهو عنصر الوقت؛ فمن يمتلك مهارة إدارة الوقت تساعده في أن يضع جدولًا زمنيًا يتسم بالمرونة، من حيث توزيع الأدوار والمهام على جميع المتعلمين عند تنفيذ الأنشطة التعليمية المخططة سلفًا، ويضع في حسبانه توقع الإخفاق من قبل المتعلم الذي يعالج بتغذية راجعة قد يكون منها التصويب الفوري أو تغيير صورة النشاط المقدم للمتعلم.
وإذا ما أردنا تعلمًا مستمرًا وعمقًا خبراتيًا للمتعلم؛ فيحب عند كل مهمة يؤديها المتعلم أن تستتبع بممارسات يقوم بها في المنزل؛ لتنمية المهارة وصقلها في جانبها المعرفي والأدائي، وكي يتغلب المعلم على إشكالية الوقت المحدود أو ما يدعي بضيق الوقت؛ فإنه يتبع سياسة تحديد الأولويات واستثمار الطاقات المتعلمين بمزيد من الأنشطة الداعمة أو الإثرائية، وهذا يستلزم أن تصبح آليات التواصل والاتصال بالمعلم متاحة بعد دوام الدراسة؛ ليقدم الدعم اللازم ويتابع مستويات التقدم التعليمي لدى المتعلمين عبر منصات تعليمية مؤسسية فعالة.
ومقدرة المعلم على مواجهة التحديات المتجددة ترتكن إلى إدراكه الصحيح لفلسفة السيناريوهات في مستوياتها التخطيطية والتنفيذية والتقويمية؛ إذ يطرح رؤيته الخاصة بصورة مفصلة وبإجراءات جلية تظهر تسلسل الأحداث وترابط الأدوار بين المتعلمين من جهة واتساقها مع أدواره من جهة أخرى؛ لتصبح استراتيجيات التدريس واقعية بعيدة عن الهلامية والشكلية والتخبط والعشوائي والانتقائية لمن يؤدي مهام التعلم، وما توفره السيناريوهات سالفة الذكر من مناخ إيجابي يخرج كل من المعلم والمتعلم من حالة التقليدية لدائرة الابتكار وردود الأفعال الإيجابية وتجنب الملل وحب الاستطلاع العلمي رغبة في العمق الخبراتي في مجالاته المعرفية والمهارية والوجدانية؛ بالإضافة إلى واقعية التعلم والتي يوسمها الخبراء بالتعليم الأصيل.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
محمد كركوتي يكتب: نمو نوعي لاقتصاد أبوظبي
تعكس الأرقام الناتجة عن حراك اقتصاد أبوظبي مدى نجاعة المخططات الاقتصادية المستندة إلى الاستراتيجية الشاملة، التي ترتكز إلى الاستدامة، وضمانة تحولات ناجعة في كل القطاعات، لا سيما غير النفطية منها، بما فيها مسار التحول نحو اقتصاد المعرفة، الذي يمثل هدفاً أساسياً لاستكمال البناء الاقتصادي.
ارتفاع حجم الناتج المحلي الإجمالي بات مدعوماً، منذ سنوات عديدة، من نمو في قطاعات محورية حيوية، مثل الأنشطة المالية والتأمين، إلى جانب الصناعات التحويلية، والتشييد، والبناء والتجزئة.
التنوع الاقتصادي بات السمة الرئيسة للحراك العام، وهذا يعد الهدف الأول ضمن الاستراتيجية المحلية طويلة الأمد، كما أن المرونة في التعاطي مع المتغيرات، تساهم أيضاً في تحقيق كل المستهدفات، الخاصة بأبوظبي بشكل خاص، والإمارات بصورة عامة.
وسط هذه الصورة يمكن النظر إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي لأبوظبي في الربع الأول من العام الجاري، الذي بلغ «وفق مركز إحصاء - أبوظبي» 3.4%، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، في حين سجل النمو في نطاق القطاعات غير النفطية 6.1%، ليصل إلى 164 مليار درهم تقريباً، من إجمالي بلغ 291 مليار درهم.
وفي الفترة ذاتها، بلغت حصة القطاعات المشار إليها من إجمالي الناتج 56.2%، وهذا يعني أن حصة القطاع النفطي فيه تواصل التراجع لتصل إلى 43.8%، وفي الوقت الذي تشير فيه كل المؤشرات إلى استمرار هذا المسار في المرحلة المقبلة، لاسيما في ظل مبادرات ومخططات مستمرة مع استثمارات متصاعدة في الميدان غير النفطي بشكل عام.
الجهود والنتائج ليست مستمرة في تنويع الاقتصاد المحلي لأبوظبي فحسب، بل تحقق قفزات نوعية في مساحات زمنية قصيرة، وهذا ما يعزز في الواقع الاستراتيجية طويلة الأمد، ومن ضمن المؤشرات اللافتة في هذه السياق أن نمو قطاع الصناعة، في تنوعه وتوسع نطاقاته، ينسجم مع استراتيجية أبوظبي الصناعية، وهذه الأخيرة تهدف إلى جذب مزيد من الاستثمارات في القطاع، إلى جانب نقطة مهمة تتعلق باستقطاب المواهب المتميزة.
والكوادر الخاصة تمثل بحد ذاتها إضافة صلبة للمسار العام الصناعي وغيره من القطاعات الأخرى، دون أن ننسى النمو المطرد للقطاع المالي والتأمين الذي بلغ نموه في الربع الأول من العام الحالي 9.1%. العوامل والدوافع كثيرة ومتنوعة لاستمرار نمو اقتصاد أبوظبي، على أسس استراتيجية متطورة، تحقق المستهدفات المأمولة.