لجريدة عمان:
2025-08-03@14:06:20 GMT

هل تغيب شمس النفوذ الأمريكي ؟

تاريخ النشر: 1st, May 2024 GMT

ربما تترنَّح الولايات المتحدة نحو تدهورٍ، قليلة هي القوى العظمي التي سبق لها أن تعافت منه. إنها تملك العديد من أدوات التعافي الوطني. لكن لم يتوافر لها بعد إدراكٌ عام بالمشكلة وطريقة حلها.

ما ذكرته أعلاه ليس اقتباسًا من إحدى نشرات حركة ماغا (حركة لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى) أو التقدميين ولكنه ملخص لدراسة جديدة أعدتها مؤسسة راند بتكليف من مكتب التقييم الشامل في البنتاجون.

ينبغي أن تكون هذه الدراسة «نداء استيقاظ» بالصوت العالي لأمريكا في عام انتخاباتٍ حاسمة.

دراسة راند التي يتصدرها عنوان هادئ هو «مصادر الدينامية الوطنية المتجددة» تنشر الثلاثاء (30 أبريل 2024) إنها جزء من سلسلة تقارير طلبها مكتب البنتاجون لتقييم الموقف التنافسي للولايات المتحدة فيما هي تواجه الصين الصاعدة. قُدِّمت لي نسخة منها؛ لأنني سبق أن كتبت عن هذا المشروع البحثي وعن مايكل مازار الذي يشرف عليه في مؤسسة راند.

على الرغم من أن التقرير الذي انطوت عليه الورقة كتب في معظمه بلغة علم الاجتماع الجافة إلا إنه يحوي نتائج مثيرة وغير متوقعة. وتقييمه الصريح يتّسق مع تقاليد مكتب التقييم الشامل الذي تأسس عام 1973 خلال أيام الحرب الباردة الكئيبة «لكي يفكر في اللا مُفَكّر فيه». كان المدير المؤسس للمكتب آندرو مارشال المفكِّر الذي اشتهر بآرائه المخالفة للسائد وغرابتها. ويتولى رئاسته الآن جيمس بيكر وهو ضابط متقاعد في القوات الجوية. يحظى بيكر باحترام واسع النطاق وسبق له أن عمل مستشارًا استراتيجيًا لاثنين من رؤساء هيئة الأركان المشتركة الأمريكية.

السؤال الذي طرحه التقرير هو «ما الذي قاد إلى التدهور النسبي في مكانة الولايات المتحدة»؟ الفصل الأول أوضح مشكلة أمريكا تمامًا. فموقفها التنافسي «مهدد من الداخل (بتباطؤ الإنتاجية وشيخوخة السكان والنظام السياسي الاستقطابي والبيئة المعلوماتية التي يزداد فسادها. ومهدد أيضًا من الخارج (بالتحدي المباشر والمتصاعد من الصين وانحسار خضوع عشرات البلدان النامية للنفوذ الأمريكي). يحذر التقرير من أن هذا التدهور «يتسارع». والمشكلة الجوهرية «يُنظَر إليها بطرائق مختلفة جدًا من جانب مختلف شرائح المجتمع وجماعات القادة السياسيين». فهنالك سردية يمينية عن التدهور وأخرى يسارية. وعلى الرغم من اتفاق الجانبين على أن هنالك شيئًا معطوبًا في أمريكا إلا أنهما يختلفان بشدة في أحايين كثيرة حول ما يجب عمله. ما لم يتمكن الأمريكيون من الاصطفاف على صعيد واحد لتحديد وعلاج هذه المشاكل سنخاطر بالسقوط في دوامة من التردِّي.

يشير معدُّو التقرير الى أن «التعافي من تدهور طويل الأجل وكبير شيء نادر ومن الصعب رصده في سجلات التاريخ». فكِّروا مثلا في روما أو إسبانيا تحت حكم سلالة هابسبورج أو الإمبراطوريتين العثمانية والمجرية -النمساوية أو الاتحاد السوفييتي. فعندما تفقد «القوى العظمى موقع التفوق والزعامة بسبب عوامل محلية نادرا ما تستعيد مكانتها». ما الذي يتسبب في التدهور الوطني؟ يشير مؤلفو تقرير راند إلى أسباب معهودة جدا في عام 2024. إنها «إدمان الترف والانحطاط والفشل في مواكبة المطالب التقنية والبيرقراطية المتكلِّسة وفقدان الفضائل المدنية والتمدد العسكري المفرط والنّخَب الأنانية المتحاربة والممارسات البيئية غير المستدامة». هل هذا يبدو مثل أيِّ بلد تعرفونه؟ يحاجج التقرير بأن التحدي هو «الإحياء الوطني الاستباقي». بكلمات أخرى إنه معالجة المشاكل قبل أن «تعالجنا». ويحدد استعراضه للأدبيات التاريخية والسوسيولوجية أدواتٍ جوهرية للإحياء مثل التعرف على المشكلة وتبني موقف يسعى إلى حلها بدلا من اتخاذ موقف أيديولوجي وأن تكون هنالك هياكل حوكمة جيدة وأيضًا (وربما هذا هو الأصعب منالًا) الحفاظ على التزام النخبة تجاه الصالح العام. لسوء الحظ يعتبر معدو تقرير راند في قائمة الإصلاحات هذه أداءَ الولايات المتحدة «ضعيفًا» و«مهدَّدًا» وفي أفضل الأحوال «بَيْنَ بين». وإذا نظرنا بأمانة إلى المرآة الوطنية فإننا في الغالب سنشاطرهم هذا التقييم. إذن ما المخرج؟ يقدم تقرير مؤسسة راند مثالين للدرس والاعتبار تقضي فيهما الإصلاحات العاجلة على أوضاع الفساد والفوضى والتي ربما أصبحت كارثية بخلاف ذلك. المثال الأول بريطانيا في منتصف القرن التاسع عشر. لقد أسَّست امبراطورية ناجحة على نحو باهر. لكن بحلول منتصف القرن التاسع عشر كانت تتفسخ في الداخل «من التكلفة البشرية والبيئية الباهظة للصناعة والفساد المتصوَّر وانعدام فعالية المؤسسات السياسية والتحكم في السياسة من قبل مجموعة صغيرة من نُخَب ملاَّك الأراضي وتصاعد اللامساواة الاقتصادية وغير ذلك». لكن بريطانيا نهضت بموجة من الإصلاحات التي اكتسحت الحياة البريطانية وأحدثت تحولا في السياسة. وشارك قادة الفكر في هذا الشغف بالإصلاح من توماس كارلايل إلى شارلس ديكنز.

المثال الثاني يمكن إيجاده في الولايات المتحدة نفسها بعد عصر الثراء الفاحش والفقر المفرط (العصر المُذهَّب) في أواخر القرن التاسع عشر. أحدث الازدهار الصناعي وقتها تحولا في أمريكا. لكنه أوجد أوضاعًا مؤذيةً من اللامساواة وأضرارًا اجتماعيةً وبيئيةً وفسادًا فادحًا.

قاد الرئيس الجمهوري ثيودور روزفلت حركة «تقدمية» أصلحت السياسة والعمل التجاري وحقوق العمل والبيئة وجففت المستنقع السياسي للفساد.

نقل معدُّو تقرير راند عن المؤرخ جاكسون ليرز قوله: إن التقدميين كان لديهم توق إلى الإحياء وسعوا إلى بثّ شيء من الحيوية العميقة في ثقافة حديثة بدت هشة وعلى وشك الانهيار». الرسالة التي تبعث بها هذه الدراسة بالغة الوضوح. فأمريكا تنزلق في منحدر يمكن أن يقضي عليها. ما يمكن أن ينقذنا هو التزام عريض، يبدأ بالنخبة، بالعمل للصالح العام والإحياء الوطني. لدينا الأدوات لذلك لكننا لا نستخدمها. وإذا لم يكن بمقدورنا إيجاد قادة جدد والاتفاق على حلول مناسبة للجميع ستأفل شمسُنا.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

إبراهيم شقلاوي يكتب: الرباعية الدولية .. صراع المصالح يبدد فرص الحل..!

في لحظة كانت الأنظار تتجه فيها إلى اجتماع الرباعية الدولية المقرر انعقاده في واشنطن، باعتباره فرصة لإحداث اختراق في مسار الحرب السودانية، جاء الإعلان المفاجئ عن إلغائه ليكشف عن تعقيدات الملف السوداني وهشاشة المبادرة الدولية ذاتها.

فهذا الاجتماع الذي كان يُفترض أن يُتوَّج مسارًا تنسيقيًا دوليًا نحو السلام، تحوّل إلى ساحة لتضارب الأجندات داخل الرباعية التي تضم: الولايات المتحدة، والسعودية، والإمارات، ومصر. وقد بدأ واضحًا أن غياب الرؤية المشتركة طغى على أي إمكانية لتفاهم حقيقي.

ما تسرّب من كواليس دبلوماسية بحسب الشرق الأوسط أشار إلى أن الخلافات لم تكن حول الهدف المعلن، بل حول الوسائل والآليات، وعلى رأسها مسألة توسيع المشاركة لتشمل أطرافًا مثل بريطانيا، وقطر، والاتحاد الأوروبي. وهي خطوة دعمتها واشنطن، بينما رفضتها أطراف أخرى خشية فقدان السيطرة على القرار الجماعي.

هذا الانقسام لم يكن شكليًا، بل عبّر عن تباين جوهري في أولويات كل طرف: فبينما تنظر الولايات المتحدة إلى السودان من منظور جيوسياسي مرتبط بصراعات النفوذ مع الصين وروسيا، تركّز القوى الإقليمية على استقرار حدودها ومصالحها المباشرة. أما السودان نفسه، كدولة وشعب، فيغيب عن معادلة الحل وصناعة القرار.

إقصاء الجيش السوداني والحكومة الرسمية عن الاجتماع، رغم أن القضايا المطروحة تشمل الترتيبات الأمنية والمساعدات الإنسانية، أثار شكوكًا واسعة حول جدية المبادرة. فكيف يُناقش وقف إطلاق النار دون حضور من يمتلك سلطة فرضه على الأرض؟ هذا الغياب اعتُبر مؤشرًا إضافيًا على أن ما يُطبخ خلف الأبواب المغلقة لا يعكس تطلعات السودانيين، بل يُعيد إنتاج خارطة النفوذ الإقليمي بواجهة سياسية.

وقد ازداد المشهد تعقيدًا بعد إعلان مليشيا الدعم السريع وتحالف “تأسيس” مؤخرًا عن تشكيل حكومة موازية في مدينة نيالا بجنوب دارفور، حملت اسم “حكومة السلام والوحدة”، برئاسة محمد حمدان دقلو “حميدتي” ، مع تعيين عبد العزيز الحلو نائبًا، ومحمد حسن التعايشي رئيسًا للوزراء.

هذه الخطوة، التي ترافقت مع إعادة تفعيل الهياكل التنفيذية والإدارية في مناطق سيطرة المليشيا، تجسّد فعليًا الأطماع الإقليمية ، وتحول الصراع من نزاع على السلطة إلى تنازع على الجغرافيا والشرعية. وقد قوبل هذا التطور برفض واسع من الحكومة السودانية والنخب والأحزاب الوطنية والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، باعتباره محاولة لتقسيم البلاد.

هذا الإعلان يُقوّض أي مسار تفاوضي يُدار من الخارج دون مشاركة حقيقية للفاعلين على الأرض، ويؤكد أن التراخي الدولي والتنازع داخل الرباعية لا يفتحان بابًا للسلام، بل يُمهّدان لمناخ تقسيم غير معلن. كما يُعيد طرح الأسئلة حول مشروعية أي مبادرة لا تستند إلى تفويض شعبي أو غطاء سياسي من مؤسسات دولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.

فشل اجتماع واشنطن لا يمكن اعتباره مجرد تعثّر دبلوماسي، بل هو دليل إضافي على غياب إرادة دولية موحدة، وافتقار المبادرة لتمثيل عادل وغطاء قانوني. فالسلام في السودان لا يُبنى على تفاهمات فوقية أو تسويات نفوذ، بل على مسار سياسي شامل ينطلق من الداخل ويستند إلى شرعية وطنية، لا وصاية فيها لأحد على أحد.

وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل دروس التجارب الإقليمية القريبة. ففي ليبيا واليمن، لعبت أطراف إقليمية ودولية أدوارًا مزدوجة: فاعلة في النزاع ووسيطًا في آنٍ معًا، ما أفرغ مسارات السلام من مضمونها الحقيقي.

تلك الوساطات، بدلاً من أن تستجيب لصوت الضحايا، تحوّلت إلى أدوات لتمرير صفقات النفوذ. وكانت النتيجة حروبًا متجددة واتفاقات هشة. وإذا فشلت تلك القوى في بناء السلام هناك، فما الذي يجعلها مؤهلة لقيادة مسار ناجح في السودان، وهي لا تزال تتعامل معه بعقلية النفوذ لا المسؤولية؟

ربط مستقبل السودان بمصالح الخارج هو وصفة مكرّرة لإعادة إنتاج الفشل، ما لم يكسر السودانيون هذا النمط عبر مراجعة جذرية وشجاعة لخلافاتهم، وصولاً إلى مشروع وطني خالص، ينمو من داخل المجتمع السوداني، بدعم مؤسسات الدولة والجيش والأحزاب السياسية.

وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن ما يجري في السودان اليوم ليس مجرد صراع على السلطة أو موارد الدولة، بل هو صراع على تعريف الدولة ذاتها. والرباعية الدولية، بصيغتها الحالية، لا تملك مقومات الحل بقدر ما تعكس تاريخًا مخزيا ساهم في إدخال السودان إلى نفق الحرب، وسط توازنات متقلبة ومصالح متقاطعة.

الحقيقة التي يجب الاعتراف بها هي أن أي سلام لا ينبع من إرادة السودانيين، سيُولد ميتًا. أما المشروع الوطني الجامع، فلن يأتي بقرار دولي أو إعلان سياسي من نيالا أو واشنطن، بل بإرادة داخلية تفرض حضورها وتجبر العالم على الإصغاء.

دمتم بخير وعافية

.إبراهيم شقلاوي

الخميس 31 يوليو 2025م
[email protected]

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • متحدث الصحة لـ صندوق الأمم المتحدة للسكان: نلتزم بالبرنامج الوطني للتنمية البشرية 2024-2030
  • السفير الأمريكي بتل أبيب: إسرائيل فاشلة في ارتكاب الإبادة الجماعية بغزة
  • الإسكان: إطلاق التقرير الوطني الطوعي الثاني لمتابعة الخطة الحضرية الجديدة
  • التحالف الذي لم تطأ اقدامه أرض السودان لا يحق له التقرير بشان أهله
  • كمبوديا ترشح الرئيس الأمريكي لجائزة نوبل للسلام
  • المبعوث الأمريكي يوضح عدد الساعات التي قضاها في غزة والهدف من زيارته
  • غليون لـعربي21: أوروبا تعترف بفلسطين خوفاً من وصمة الإبادة التي شاركت فيها
  • وزير الخارجية الأمريكي: إقامة دولة فلسطينية دون موافقة إسرائيل مستحيل
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: الرباعية الدولية .. صراع المصالح يبدد فرص الحل..!
  • ما هي الدول التي تغيرت رسومها الجمركية منذ إعلان ترامب في يوم التحرير؟