لعقود طويلة، تصدّرت جماعة الإخوان المسلمين واجهة الخطاب الإسلامي بشأن القضية الفلسطينية، وقدّمت نفسها كمدافع شرعي عن القدس والمسجد الأقصى، وجمعت مئات الملايين من الدولارات باسم الجهاد والمقاومة ودعم الأقصى،  لكن، وبعد مراجعة لمسار الجماعة منذ منتصف القرن العشرين وحتى اليوم، تبرز معالم تحول خطير من المساندة الرمزية إلى التواطؤ العملي مع المشروع الصهيوني نفسه الذي لطالما رفعت شعارات مقاومته.

يمانيون / تقرير/ طارق الحمامي

 

في هذا التقرير نسلّط الضوء على الخلفية التاريخية لدور الإخوان في تأطير الخطاب الإسلامي حول فلسطين، واستغلال التبرعات والمساعدات لتحويلها إلى مشاريع سياسية خاصة، وكذلك التحوّل من مساندة المقاومة إلى معاداتها، خاصة ضد حماس وجهادها المسلح، والعلاقة بين هذا التحول ومواقف الأنظمة العربية المطبّعة مع إسرائيل، والتقاطع الاستراتيجي بينهما.

 

خلفية تاريخية .. دعم ظاهري واستثمار سياسي

منذ الأربعينيات، قدّمت جماعة الإخوان المسلمين نفسها كحركة مناصرة لفلسطين، كما أنشأت الجماعة شبكات لجمع التبرعات باسم “دعم المجاهدين في فلسطين” و”إنقاذ القدس”، مستغلة العاطفة الدينية الجارفة لدى الشعوب العربية.

لكن بمرور الوقت، تحوّل هذا الدعم من نشاط تضامني إلى أداة لجمع الأموال وتوسيع النفوذ السياسي في البلدان العربية، خصوصًا في مصر، السودان، الأردن، سوريا، والجزائر، واليمن ،  الأموال التي جُمعت باسم فلسطين، لم تصل أبدًا بمعظمها إلى المقاومة، بل صُرفت على بناء شبكات إعلامية (قنوات، صحف، مراكز دراسات) للترويج لخطاب الجماعة، وتمويل الحملات الانتخابية والوصول إلى مفاصل الحكم، وكذلك شراء ولاءات زعماء القبائل والمجتمعات المحلية في دول مثل اليمن والسودان تحديداً ، ودعم مشاريع اقتصادية واجتماعية تضمن النفوذ الشعبي، تحت شعار ’’الإغاثة باسم فلسطين’’.

 

تأميم قضية فلسطين لخدمة التنظيم الدولي

لم يكن الاهتمام بفلسطين قائمًا على أسس استراتيجية طويلة الأمد أو دعم حقيقي للمقاومة، بل كانت القضية مجرد غطاء سياسي واجتماعي للجماعة أمام جماهيرها،  فعبر المساجد، الجمعيات، ووسائل الإعلام، جرى تأميم القضية الفلسطينية وتحويلها إلى ملكية تنظيمية حصرية، حيث احتكر الإخوان خطاب “القدس” واستثمروا فيه داخليًا، لكن حين برزت قوى مقاومة فلسطينية مستقلة، خصوصًا حركة حماس التي نشأت من رحم الإخوان لكنها اختارت طريق العمل العسكري الجاد ضد العدو الإسرائيلي، بدأت تظهر التناقضات، فسرعان ما حاولت الجماعة الأم احتواء حماس، وعندما لم تخضع، بدأت حملات التحريض والشيطنة، خاصة بعد تحالفات حماس مع إيران ومحور المقاومة.

 

من الدعم إلى العداء .. انقلاب الإخوان على حماس

شهدت السنوات الأخيرة تطورًا صادمًا في موقف الإخوان المسلمين من المقاومة الفلسطينية، ففي مصر، خلال فترة حكم الرئيس محمد مرسي، لم تُفتح معبر رفح بشكل دائم لدعم غزة، بل وُضع في سياق ضغوط سياسية، ما أثار تساؤلات حول التزام الجماعة الحقيقي بالقضية، وبعد الانقلاب في مصر، التزم الإخوان الصمت حيال الحصار المفروض على غزة، وركزوا على معاركهم الداخلية مع النظام.

وفي الأردن ودول الخليج، شاركت شخصيات إخوانية في تحريض سياسي على حماس بدعوى ارتباطها بإيران.

وفي تركيا وقطر، أقيمت علاقات أمنية وتجارية مع الكيان الصهيوني، برعاية أنظمة تدعم تنظيم الإخوان، بينما استُغلت فلسطين مجرد ديكور دعائي.

وأخطر ما في الأمر، أن بعض المواقف الإخوانية الإعلامية باتت تبرّر العدوان على غزة ضمنيًا، من خلال تحميل حماس مسؤولية التصعيد، أو الحديث عن ’’حسابات المقاومة الخاطئة’’، بل وظهر إعلاميون محسوبون على الجماعة يروجون لمقولة أن ’’غزة تدفع ثمن مغامرات إيران’’، في تماهٍ واضح مع الرواية الصهيونية والغربية.

 

علاقة الإخوان بالموقف الرسمي العربي المؤيد للعدو الإسرائيلي

التحول في موقف الإخوان المسلمين لا يمكن فصله عن المناخ العام الذي صنعته الأنظمة العربية المؤيدة للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، ففي السنوات الأخيرة، شهدنا تقاطعًا بين خطاب الجماعة وخطاب الأنظمة الخليجية في تبرير الصمت أو حتى التحريض على المقاومة، ورغبة مشتركة بين الإخوان وبعض الزعامات العربية في محاصرة مشروع المقاومة المسلحة، بحجة ’’عدم جر الشعوب إلى الحروب، واستعداد قيادات من الإخوان للدخول في تسويات سياسية إقليمية، تتطلب السكوت عن الجرائم الصهيونية مقابل تسهيلات مالية أو سياسية.

بهذا المعنى، أصبح العداء للمقاومة الفلسطينية المسلحة، والتماهي مع المشروع الصهيوني، ليس مجرد انحراف فكري، بل خيارًا استراتيجيًا لجماعة أرادت أن تضمن لنفسها البقاء السياسي بأي ثمن، حتى وإن كان الثمن هو دماء الفلسطينيين في غزة والضفة.

 

 من شعار ( القدس لنا ) إلى الصمت على الإبادة 

إن مراجعة موقف جماعة الإخوان المسلمين من القضية الفلسطينية، تكشف بوضوح كيف يمكن لتحويل الدين إلى أداة سياسية أن يؤدي إلى خيانة القيم الكبرى، فالجماعة التي رفعت شعار ’’القدس لنا’’ لعقود، تقف اليوم في الصفوف الخلفية، أو الصامتة، أو حتى المعادية للمجاهدين في غزة، وتجد نفسها على الضفة نفسها مع أنظمة مطبّعة، وتيارات تمهد علنًا لبناء شرق أوسط جديد يكون فيه العدو الإسرائيلي شريكًا لا عدوًا، ولم يعد بالإمكان تجاهل هذه الحقيقة، أن فلسطين لم تكن يومًا ضمن أولويات الجماعة، بل كانت وسيلة، وعندما تعارضت مع مصالحهم، اختاروا خذلانها.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الإخوان المسلمین

إقرأ أيضاً:

سرايا القدس: أسرى العدو لن يروا النور إلا بصفقة

أصدرت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي بيانا بمناسبة الذكرى الثانية لمعركة طوفان الأقصى جددت فيه موقفها الراسخ من استمرار العمليات المسلحة ضد إسرائيل وشروطها لتحرير الأسرى، مؤكدة أن "أسرى العدو لن يروا النور إلا بصفقة تبادل تلتزم فيها إسرائيل بإنهاء الحرب".

ووصفت الحركة الذكرى بأنها مرحلة مفصلية في تاريخ المواجهة مع إسرائيل، واعتبرت أن العمليات التي نفذتها قبل عامين "بطولية" وأسفرت عن أسر عدد من الجنود والضباط وقتل المئات، وفق بيانها.

وأكدت السرايا أنها وكل فصائل المقاومة لم تدخر جهدا لإيجاد وسائل تنهي الحرب ومعاناة الشعب الفلسطيني، وأنها قدمت مرونة خلال مفاوضات سابقة بشرط ضمان وقف الحرب ورفع الحصار.

دعوة للمقاومة

وشددت سرايا القدس على أن سلاح المقاومة مخصص "لتحرير الأرض وقتال العدو"، ولن يُغمد إلا بتحقيق هذين الهدفين، وأنها أعدت نفسها لحرب استنزاف طويلة، كما أعلنت أن مصير عمليات "جدعون 2" سيكون مزيدا من "الخيبة والهزيمة".

ودعت السرايا جماهير الشعب الفلسطيني إلى الصبر والاحتساب، ووجهت تحية إلى كتائب المقاومة في الضفة المحتلة مما سمتها "كتيبة جنين ونابلس وطولكرم وطوباس وكل المقاومين"، ودعتها إلى تصعيد المواجهة و"مواصلة ضرب هذا العدو بكل قوة واقتدار".

كما حيّت "أرواح فدائيي الأردن وأبطال أساطيل وقوارب كسر الحصار" والأحرار من شعوب العالم الداعمة، وأكدت تضامنها مع الأسرى في "سجون التعذيب والاضطهاد الصهيونية"، مشددة على أن "الحرية باتت قريبة وأن الفرج قادم لا محالة".

وتواصل إسرائيل حربها وإبادتها الجماعية في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مما أسفر عن استشهاد أكثر من 67 ألف فلسطيني وإصابة أكثر من 169 ألفا آخرين -معظمهم أطفال ونساء- ومجاعة أزهقت أرواح 460 فلسطينيا -بينهم 154 طفلا- على مدى العامين الماضيين.

إعلان

مقالات مشابهة

  • “7 أكتوبر”.. سقوط أسطورة الكيان وإعادة رسم موازين القوة
  • وقفات في مدارس المحويت تضامنية مع فلسطين وإحياءً للسابع من أكتوبر
  • سرايا القدس: أسرى العدو لن يروا النور إلا بصفقة
  • الرئيس المشاط: طوفان الأقصى كسرت الغطرسة الصهيونية وأحيت روح المقاومة في وجدان الأمة
  • حماس: طوفان الأقصى.. عامان من الصمود الأسطوري والمواجهة
  • اليوم.. استكمال محاكمة 10 متهمين في قضية «الهيكل الإداري للإخوان بالتجمع»
  • محاكمة 22 متهما بقضية الهيكل الإدارى للإخوان اليوم
  • قائد سرايا القدس في الضفة: جاهزون لتكبيد العدو ثمن جرائمه على كامل تراب فلسطين
  • أستاذ علوم سياسية: رد حركة حماس على خطة ترامب موقف عبقري في توقيت حاسم
  • حماس تهنئ حركة الجهاد بذكرى انطلاقتها الـ38