يحمل نيومان وارتا بمشقة ودأب مياه البحر داخل حاويتين بسيطتين، إلى شاطئ قرية كوسامبا الساحلية الكائنة في جزيرة بالي بإندونيسيا. فوفقا للتقاليد المتوارثة أبا عن جد، يجعل وارتا الحاويتين متوازنتين في أثناء حملهما، بتعليقهما على مسافة محددة على عمود يستقر بقوة عبر كتفيه، ثم يصب المحتويات بعناية فائقة على الرمال الداكنة.

وكونه رب أسرة، يدير وارتا بحماس واهتمام بالغين النشاط التجاري الصغير المتوارث، ويشرح بزهو للسياح المهتمين كيفية إنتاج الملح بهذه الطريقة التقليدية البسيطة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أكشاك بيع الصحف زيّنت شوارع إيطاليا لعقود وقد تختفي أمام الصحافة الرقميةأكشاك بيع الصحف زيّنت شوارع ...list 2 of 2لمكافحة "السياحة المفرطة".. مدينة البندقية الإيطالية تفرض ضريبة على بعض السياحلمكافحة "السياحة المفرطة".. ...end of list

وتشارك جدته في هذا النشاط التجاري الصغير، لإنتاج الملح بالقرية الكائنة في مقاطعة كلونكونج، التي تقع تقريبا في منتصف الطريق بين منتجعي سانور وكانديداسا الشهيرين، والمطلين على الساحل الشرقي لجزيرة بالي.

وينطلق صوت المرشد السياحي بوتو سوريا شارحا للزوار، "لم يعد في جزيرة بالي سوى 5 فقط من مزارع الملح التقليدية، ومن بينها مزرعة نيومان وارتا، وكلها تقريبا موجودة في هذا المكان الكائن شرقي الجزيرة".

ويعرب سوريا عن سعادته بتوضيح هذا الجانب غير المعروف في بالي لمحبي تمضية العطلات في الجزيرة.

عامل الملح الإندونيسي نيومان وارتا يصب مياه البحر على أرض شاطئ كوسامبا (الألمانية) "الذهب الأبيض"

ويطلق السكان المحليون على الملح اسم "الذهب الأبيض" نظرا لقيمته الثمينة، إذ كانوا يسعون منذ القدم إلى البحث عن البلورات البيضاء التي لا غنى عنها في حياتهم.

ومع التطور أخذ السكان ينتجون الملح، الذي يعده البعض نوعا من التوابل، نظرا لأنه يضفي على الأطعمة نكهة محببة بشكل صناعي وليس بشكل بسيط وبدائي، وفي هذه الحالة يعد المنتج النهائي أقل جودة في الغالب، ويحتوي على ما نسبته 100% من كلوريد الصوديوم.

وليست كل أنواع الملح متماثلة، فالملح الذي يتم تنقيته وتكريره كيميائيا، يعد من المنتجات التي تنتج بكميات كبيرة وتستخدم أساسا في الأغراض الصناعية، ويتم تخصيص كميات ضئيلة فقط من الإنتاج العالمي للملح للاستهلاك البشري.

وهذه النوعية (المعروفة باسم ملح المائدة) تباع عادة بعد تزويدها بعديد من المواد المضافة، مثل مواد لمنع تكتل ذرات الملح، وبعض هذه المواد مثير للجدل.

وفي مزرعة وارتا يتم وضع الرمال الجافة والغنية بالمعادن، التي أصبحت ملحية الآن، داخل قمع كبير مملوء بمياه البحر، وهذا الخليط يتسرب ببطء عبر الرمال التي تعمل كمرشح.

وهذه العملية تخصب مياه البحر بمزيد من المعادن المفيدة، قبل أن يتم جمعها داخل حاوية ضخمة.

تنشط "سياحة الملح" في جزيرة بالي الإندونيسية (بيكسلز) الملح أهم من الذهب!

وفي القرن الـ19، قال الكيميائي الألماني يوستوس ليبيغ إن "الملح أثمن أنواع الجواهر التي تعطينا إياها الأرض".

ولتوضيح الأهمية البالغة للملح بعبارة أكثر بساطة، نقتبس من السياسي الروماني القديم الراحل كاسيودورس قوله، "يمكنك الاستغناء عن الذهب، ولكنك لا تستطيع أن تستغني عن الملح"، ومن هنا، فإن الملح عنصر أساسي لحياة البشر.

ويحتاج الإنسان إلى الصوديوم والكلوريد للحفاظ على صحة وظائف مختلف الخلايا والجسم، وعلى سبيل المثال فإن هذين المعدنين يسهمان في تنظيم توازن الماء في الجسم وكذلك ضغط الدم.

كما يمثل الصوديوم أهمية لوظائف العضلات، بينما يعد الكلوريد باعتباره حمض الهيدروكلوريك أحد مكونات العصارة المعدية، التي تساعد على الهضم وتحمينا من الجراثيم المسببة للأمراض، وفقا لما يقوله خبراء التغذية.

وبعكس الملح المكرر فإن ملح البحر الطبيعي، يحتوي على معادن أخرى وعناصر ضئيلة من مياه البحر بسبب الرطوبة المتبقية.

وبالرغم من ذلك، فإنه لا يعد صحيا بدرجة أكبر، ويجب أيضا أن يتم استهلاكه باعتدال وفقا لنتيجة أبحاث أجريت في هذا الشأن، ومع ذلك فإنه يتميز بأنه خال من المواد المضافة، ويعد أكثر خشونة كما أن مذاقه أفضل بكثير وأكثر اعتدالا وتناغما وأقل ملوحة.

ملح طبيعي غني بالمعادن معروض للبيع في متجر وارتا وعائلته بقرية كوسامبا (الألمانية) ملح البحر الطبيعي

وبالعودة إلى مزرعة وارتا الكائنة في بالي، تُسكب مياه البحر التي تم ترشيحها، في جذوع الأشجار المجوفة، ثم تترك في أشعة الشمس الكفيلة بتبخير المياه في غضون يومين، تاركة ورائها ملح البحر الأبيض الغني بالمعادن، والذي يكشطه وارتا بمهارة مستخدما قشرة ثمرة جوز الهند.

ويسمح للرطوبة المتبقية بالهروب من أوانٍ بها ثقوب للتنفس مصنوعة من سعف النخيل.

ويقول وارتا "ننتج كل يومين ما بين 10 إلى 15 كيلوغراما من الملح، ولكن هذا يتوقف بالطبع على ظروف الطقس".

ويمكن إنتاج الملح في بالي خلال موسم الجفاف حصرا، الذي يمتد في الفترة بين منتصف فبراير/شباط ونهاية أكتوبر/تشرين الأول من كل عام.

ويباع ملح البحر الطبيعي العضوي في الأسواق المحلية وفي مواقع الإنتاج مباشرة، غير أن مزارعي الملح لا يجنون كثيرا من المال من هذا العمل البدني الشاق والمستهلك للوقت، إذ تباع عبوة الملح التي تزن 300 غرام بـ30 ألف روبية إندونيسية (أقل من 1.90 دولار).

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات میاه البحر ملح البحر

إقرأ أيضاً:

قصة مانغا تثير الهلع.. تحذير من كارثة طبيعية يدفع السياح لإلغاء رحلاتهم إلى اليابان

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- حذّر كتاب "مانغا" (مصطلح للقصص المصورة اليابانية)  من "كارثة حقيقية"، حيث تنبأ وسيط روحاني بحدوث دمار شامل، بينما حثّ خبير في فلسفة الـ"فنغ شوي" الأشخاص بالبقاء بعيدًا عن البلاد.

قد يبدو هذا أشبه بحبكةٍ من فيلم عن الكوارث، لكن بالنسبة لقطاع السياحة الياباني، أدّت موجة حديثة من "تنبؤات" متعلقة بالزلازل إلى قيام المزيد من المسافرين الذين يؤمنون بالخرافات، وخاصةً في شرق آسيا، إلى إلغاء أو تأجيل عطلاتهم.

لطالما حذّر علماء الزلازل من أنّ التنبؤ الدقيق بموعد وقوع زلزال أمرٌ شبه مستحيل.

مع ذلك، زاد الخوف من وقوع "زلزال كبير"، الذي فاقم بفعل العرّافين ووسائل التواصل الاجتماعي، من تردّد المسافرين، حيث يُعد بالنسبة للكثيرين، كتاب "مانغا" ياباني مصدر خوفهم.

في عام 1999، نَشَرت فنانة الـ"مانغا"، ريو تاتسوكي، قصة "المستقبل الذي رأيته" (The Future I saw)، وحذّرت فيها من كارثة كبرى في مارس/آذار 2011، وهو تاريخ اتضح أنّه تزامن مع الزلزال المدمر الذي ضرب منطقة توهوكو شمال اليابان في ذلك الشهر.

زعمت "النسخة الكاملة" من القصة، الصادرة في عام 2021، أنّ الزلزال الكبير القادم سيحدث في يوليو/تموز المقبل.

في الوقت ذاته، نشر وسطاء روحانيون في اليابان وهونغ كونغ تحذيرات مماثلة، ما أثار ذعرًا لا أساس له عبر الإنترنت، وأدى إلى سلسة من إلغاء خطط السفر من وجهات مختلفة في المنطقة.

قال المدير الإداري لوكالة " WWPKG" للسفر هونغ كونغ، سي إن يوين، لـCNN إنّ الحجوزات إلى اليابان انخفضت بمقدار النصف خلال عطلة عيد الفصح، ومن المتوقع أن تنخفض أكثر في الشهرين المقبلين.

التنبؤات

الزلازل القوية ليست بأمرٍ غريب عن اليابان، الواقعة في "حلقة النار"، وهي منطقة ذات نشاط زلزالي وبركاني شديد على جانبي المحيط الهادئ.

تزايدت المخاوف من وقوع "زلزالٍ كبير" منذ أن حذّرت الحكومة اليابانية في يناير/كانون الثاني من وجود احتمال نسبته 80% لوقوع زلزال عنيف سيضرب "حوض نانكاي" الجنوبي في غضون 30 عامًا.

انتقد بعض علماء الزلازل هذه التحذيرات، وتساءلوا عن مدى دقتها.

تحظى أعمال تاتسوكي بجمهورٍ واسع في شرق آسيا، وكثيرًا ما يعتقد معجبوها أنّها تستطيع رؤية الأحداث المستقبلية بدقةٍ في أحلامها.

ترسم تاتسوكي نسخة كرتونية من نفسها في كتاب الـ"مانغا" الذي ألّفته، حيث تشارك رؤى تستمدّها أثناء النوم. 

وتشبه بعض أحلامها أحداثًا واقعية إلى حدٍ كبير.

غلاف كتاب "المستقبل الذي رأيته (النسخة الكاملة)" الياباني.Credit: Mai Takiguchi/CNN

أكسبها تنبؤها بزلزال عام 2011، الذي اعتبره كثيرون صدفة، شهرةً واسعة تجاوزت حدود اليابان لتمتد إلى أجزاء أخرى من آسيا مثل تايلاند والصين. 

وبيع 900 ألف نسخة من كتابها، وفقًا لدار النشر، كما أنّه صدر باللغة الصينية.

يَعتقد المعجبون أنّها تنبأت أيضًا بوفاة الأميرة البريطانية ديانا، والمغني فريدي ميركوري، بالإضافة إلى جائحة "كوفيد-19"، لكن النقاد يقولون إنّ رؤاها مبهمة للغاية بحيث لا يمكن أخذها على محمل الجد.

في أحدث إصدار لها بعنوان "المستقبل الذي رأيته (النسخة الكاملة)"، حذّرت تاتسوكي من تكوّن صدع تحت قاع البحر بين اليابان والفلبين في 5 يوليو/تموز من هذا العام، سيُخلِّف أمواجًا ساحلية أعلى بثلاث مرات من أمواج زلزال توهوكو.

سُئلت الكاتبة مؤخرًا عن رأيها في الرحلات الملغاة نتيجة تفسيرات القُرّاء لكتابها، وأفادت صحيفة "Mainichi Shimbun" اليابانية الأسبوع الماضي أنّها حثّتهم على عدم "التأثر بشكلٍ مفرط" بأحلامها و"التصرف بشكل مناسب بناءً على آراء الخبراء".

ليست الكاتبة وحدها المتشائمة بشأن المستقبل، إذ نشرت وسائل الإعلام الصينية تنبؤات ياباني يَدّعي أنّه يمتلك قدرات خارقة للطبيعة زعم أن زلزالاً هائلاً سيضرب منطقة خليج طوكيو المكتظة بالسكان في 26 أبريل/نيسان. 

رُغم أنّ التاريخ مرّ من دون وقوع حوادث، إلا أن التنبؤ أثار اهتمامًا هائلاً على وسائل التواصل الاجتماعي في الصين.

كما حثّ تشي شيان يو، وهو خبير "فنغ شوي" شهير وشخصية تلفزيونية في هونغ كونغ يُعرف باسم "المعلم السابع"، الأشخاص على الابتعاد عن اليابان بدءًا من أبريل/نيسان.

لجأ مكتب مجلس الوزراء الياباني إلى منصة "إكس" (تويتر سابقًا) في وقتٍ سابق من هذا الشهر لتوضيح أنّ التكنولوجيا الحديثة لا تستطيع التنبؤ بحدوث زلزال بشكلٍ دقيق.

في الوقت ذاته، انتقد حاكم محافظة مياجي، يوشيهيرو موراي، التي تضرّرت بشدة خلال زلزال عام 2011، تأثير المعتقدات الخرافية على السياحة في اليابان.

وقال خلال مؤتمر صحفي: "أعتقد أنّ تأثير انتشار الشائعات غير العلمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي مشكلة خطيرة".

هل أدّت "النبوءة" إلى تأثير ملحوظ؟

مقالات مشابهة

  • ثلاثة بدائل لجزيرة بالي الإندونيسية تجذب السياح
  • هزات أرضية تضرب إندونيسيا وسط نشاط زلزالي متزايد
  • انهيار سقف برج تاريخي فوق السياح في الصين
  • السيد القائد: سفن دولتان عربية واخرى اسلامية لا تزال تزود العدو الإسرائيلي من خلال البحر الأبيض المتوسط وهذا مؤسف جدا
  • هل تُنقذ إندونيسيا أميركا من فخ المعادن الصيني؟
  • وزير الآثار: 25% زيادة في أعداد السياح خلال الربع الأول من 2025
  • أمير منطقة الجوف يستقبل سفير إندونيسيا لدى المملكة
  • والي ولاية النيل الأبيض يقف على الحريق الجزئي للمحول الكهربائي لمحطة مياه كوستي القديمة
  • قصة مانغا تثير الهلع.. تحذير من كارثة طبيعية يدفع السياح لإلغاء رحلاتهم إلى اليابان
  • بجاية.. مصنع تحلية مياه البحر بتيغرمت سيدخل حيز التشغيل قريبا