الحرب الأهلية في السودان.. وتحزيب المثقفين
تاريخ النشر: 16th, May 2024 GMT
الحرب الأهلية في السودان.. وتحزيب المثقفين
محمد جميل أحمد
قد لا يفهم المراقب الخارجي حقيقة الحرب الأهلية السودانية الجارية منذ عام بين قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، وقائد الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ” حميدتي” إذا ما عرف مثلاً أن الفريقين المتحاربين لم يكونا عدوين من قبل، بل كان الدعم السريع في الحقيقة ثمرة منحرفة لسلوك جيش دولة تمت أدلجته بعقيدة حزبية للإسلاميين ثلاثين عاماً، بعد انقلابهم على الحكومة الديمقراطية في الخرطوم العام 1989 إذ تمت إحالات للمعاش المبكر بحق المئات من الضباط الوطنيين المؤهلين في ذلك الجيش خلال سنوات قليلة من انقلاب الإخوان المسلمين.
لقد كان الدعم السريع عند بداية تكوينه في ظل نظام البشير بمثابة مليشيا من المشاة تم انشاؤها من قبل قائد الجيش آنذاك (الرئيس المعزول عمر البشير) لمواجهة حركات المعارضة المسلحة في إقليم دارفور، بل كان قائد الجيش اليوم عبد الفتاح البرهان أحد مهندسي ترتيبات وخطط الحرب الأهلية في دارفور 2003 ضد الحركات المسلحة، أي خلال تلك الملابسات التي تم في إطارها تكوين الدعم السريع ضمن أطوار متعددة مر بها منذ العام 2003 وهو العام الذي اندلعت فيه الحرب الأهلية واستمرت 17 عاماً.
لقد كان ذلك التكوين الذي نشأت في ملابساته قوات الدعم السريع بدارفور خطة سيئة وخطرة على مصير وهوية الجيش الحكومي، مستقبلاً (وهذا ما حدث اليوم عبر هذه الحرب)إذ ظل ذلك الخطر يتعاظم من خلال موجة تكوين الميليشيات التي امتهنها نظام الإخوان المسلمين فلم يكن الدعم السريع المليشيا الوحيدة عن تكوينه، بل كانت هناك ميلشيات أخرى في جنوب السودان – قبل انفصاله – وميلشيات موازية للجيش مثل قوات “الدفاع الشعبي”.
وفي الحقيقة إن مشروع الإسلام السياسي كايدلوجيا انشقاقية كان لابد أن يفضي بالضرورة إلى انقسام عمودي داخل المجتمع، وداخل مؤسسات الدولة، فيما كانت سياسات ” التمكين ” هي الذراع التي قام عبرها الاسلاميون بتصفية جهاز الدولة العام من الكفاءات الفنية الوطنية في الخدمة المدنية والهيكل الحكومي فأحلوا أهل الولاء والثقة محل أهل الكفاءة والخبرة.
وبعد ثلاثين عاماً من ذلك التخريب أصبح في وسع كل متابع لمسار هذه الحرب إدراك طبيعتها وأن ما يحدث اليوم من صراع مسلح بين الجيش و الدعم السريع، ليس خلافاً ايدلوجياً ولا صراعاً تاريخياً أو اثنياً بين مكونين في السودان، بل هو نتيجة حصرية لخطيئة تحزيب المؤسسة العسكرية بسياسات التمكين التي ظلت تمارس فرزاً مؤذياً وضاراً أدى إلى انفصال جنوب السودان، في العام 2011
وفي ظل هذه السيرة المكشوفة لتاريخ العلاقة بين الجيش والدعم السريع، لن يتساءل مثقف سوداني بطبيعة الحال عن تاريخ تكوين الجيش السوداني فذلك من أركان عناصر الدولة الوطنية، لكن بالنسبة لملابسات تكوين الدعم السريع فإن ذلك المثقف سيدرك على الفور من تلك الوقائع التي ذكرناها آنفاً ومن طبيعة وتاريخ العلاقة بين طرفي الحرب؛ أن التسييس الحزبي الذي ضرب المؤسسة العسكرية (الجيش) هو السبب في ارتكاب خطأ تكوين الدعم السريع كجيش موازٍ وبالتالي لن يكون في وسع أي مثقف نزيه القدرة على الاحتجاج بتأييد أحد طرفي الحرب – كالجيش مثلاً – فيما هو يدلي بتلك الحجة القائلة؛ أن الجيش مؤسسة قومية لذا هو سيقف مع الجيش في هذه الحرب، مع أن كل من يدرك الطبيعة الايدلوجية التي تم بها تسييس الجيش على مدى 30 عاما، سيفسر السبب في إعراض الجيش وعدم تدخله للدفاع عن الثوار السودانيين في مذبحة فض اعتصام القيادة العامة (عندما اعتصم آلاف من الثوار لأكثر من شهرين بمبنى القيادة العامة للجيش) وهي مذبحة تمت داخل مبنى القيادة العامة للجيش بالخرطوم وحوله وراح ضحيتها أكثر من 170 من الثوار والثائرات.
ثم كيف يمكن لمثقف أن يقف مع الحرب في ظل أرقام وتقارير مفزعة من الأمم المتحدة حول الحرب في السودان، إذ أدت هذه الحرب – بحسب تقارير الأمم المتحدة – إلى أكبر حركة نزوح في التاريخ ولم يسبق لها مثيل في العالم أي نزوح 9 ملايين سوداني من ديارهم بسبب الحرب في أقل من عام، ولجوء 3 ملايين إلى دول الجوار.
وفي ظل أرقام وتقارير كهذه من الأمم المتحدة؛ كيف يمكن لمثقف أن يقف مع استمرار الحرب، وهو يدرك خلفياتها تلك؟ هل تمنحه تلك الخلفية منطقاً أخلاقياً للاصطفاف مع حرب كهذه الحرب؟
نقلاً عن صحيفة “عمان”
الوسومالجيش الدعم السريع المثقف السوداني حرب السودان
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع المثقف السوداني حرب السودان
إقرأ أيضاً:
تقرير أممي: الدعم السريع وحلفاؤه ارتكبوا اعتداءات جنسية مهولة
قالت بعثة تابعة للأمم المتحدة اليوم الثلاثاء إن قوات الدعم السريع في السودان وحلفاء لها ارتكبوا مستويات "مهولة" من الاعتداءات الجنسية، إذ اغتصبوا مدنيات أثناء تقدم القوات واتخذوا بعض النساء لعبودية الجنس خلال الحرب المستمرة منذ أكثر من 18 شهرا.
وقال تقرير بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة إن الضحايا تتراوح أعمارهن بين 8 أعوام و75 عاما، وارتكبت قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها معظم العنف الجنسي في محاولة لإرهاب الناس ومعاقبتهن على روابط مزعومة مع "الأعداء".
وقال رئيس البعثة محمد شندي عثمان في بيان مصاحب لتقرير من 80 صفحة يستند إلى مقابلات مع ضحايا وأسر وشهود "حجم العنف الجنسي الذي وثقناه في السودان مهول".
ولم ترد قوات الدعم السريع بعد على طلب من وكالة رويترز للتعليق، غير أنها سبق وأن قالت إنها ستحقق في الادعاءات وستقدم الجناة إلى العدالة.
وخلال الصراع الحالي، سيطرت قوات الدعم السريع على أجزاء كبيرة من السودان، منها ولاية غرب دارفور، حيث تُتهم بارتكاب عمليات قتل على أساس العرق بحق قبيلة المساليت بمساعدة مليشيات أخرى.
وقالت بعثة الأمم المتحدة إن الإهانات العنصرية ضد غير العرب في أجزاء من ولاية غرب دارفور استخدمت على نطاق واسع خلال الهجمات الجنسية، مما يشير إلى استهداف عرقي.
الحمل القسريونقل التقرير عن إحدى الضحايا، وهي من مدينة الجنينة في ولاية غرب دارفور، أن مغتصبها قال لها تحت تهديد السلاح "سنجعلكن يا فتيات المساليت تنجبن أطفالا من العرب".
وجاء في التقرير أن قوات الدعم السريع احتجزت امرأة أخرى من غرب دارفور لأكثر من 8 أشهر إلى أن حملت من خاطفها الرئيسي بعد عمليات اغتصاب متكررة.
وفي 4 حوادث أخرى، تُخطف النساء من الشارع ثم يتعرضن للضرب والاغتصاب قبل إطلاق سراحهن أو تركهن فاقدات للوعي في الشارع.
وقالت الضحايا إن الجناة كانوا غالبا ما يرتدون زي قوات الدعم السريع أو أوشحة تخفي وجوههم.
وقالت البعثة في التقرير إنها وثقت عددا أقل من حالات العنف الجنسي التي تورط فيها الجيش السوداني، وإن الأمر يحتاج إلى مزيد من التحقيق.
وأضافت أيضا أن لديها تقارير موثقة تفيد بأن الطرفين المتحاربين جندا أطفالا.
ووجدت البعثة الشهر الماضي أن الجيش وقوات الدعم السريع ارتكبا انتهاكات جسيمة مثل التعذيب والاعتقال القسري.
وتسببت حرب السودان في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم مع مقتل الآلاف وتشريد أكثر من 11 مليون شخص، وانتشار الجوع على نطاق واسع وتدخل قوى أجنبية.
وبعد 18 شهرا من الحرب بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وهو أيضا رئيس مجلس السيادة، وقوات الدعم السريع بقيادة حليفه ونائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب "حميدتي"، "تزداد المعاناة يوما بعد يوم، مع 25 مليون شخص في حاجة الآن إلى المساعدة"، وفق ما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أمام مجلس الأمن أمس الاثنين.