تتنامى الاستثمارات بقوة في ميدان الذكاء الاصطناعي، جنباً إلى جنب مع تنامي المخاوف من تأثيره السلبي على الوظائف. وهذا الأمر ليس غريباً. 
فمع انطلاق الثورة الصناعية في ستينيات القرن الثامن عشر، حلت الآلة شيئاً فشيئاً مكان العمال، ودفعت بأعداد متصاعدة منهم إلى قوائم العاطلين عن العمل. 
لكن الأمر أكثر فداحة في هذا الشأن على صعيد الذكاء الاصطناعي، الذي يعتقد صندوق النقد الدولي أنه يهدد 60% من الوظائف، وسيؤثر على 40% من فرص العمل حول العالم، ليس على مدى عقود، بل في العامين المقبلين.

وهذا يعني أن المصاعب التي تواجه الحكومات بهذا الشأن ستكون كبيرة، وقد تخرج عن السيطرة في بعض الدول، ولاسيما في ظل وجود معدلات بطالة مرتفعة أصلاً. 
المشكلة تشتد أيضاً من جهة الوقت القصير أمام المشرعين والقائمين على الأعمال، لإعداد المؤسسات والناس للاستحقاقات المقبلة في هذه الساحة، دون أن ننسى بالطبع المخاوف الناجمة عن الاستخدام السيئ للذكاء الاصطناعي، وانعكاساته على المجتمعات، إلى درجة أن تحدث رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك في غير مناسبة، عن «الأولوية للحد من خطر فناء الإنسان بسبب هذا الذكاء»، مع الإشارة إلى احتمالات قوية لعدم المساواة في ظل انتشار هذه التكنولوجيا ودخولها في قطاعات وميادين مختلفة. غير أن المسار يمضي قدماً وبتسارع كبير أيضاً. فحتى ما يعرف بـ«المال الجريء» صار يوسع حصته من الاستثمارات في هذا القطاع، مع زخم لافت لذلك في الشركات الناشئة. ففي غضون ثلاث سنوات بلغت قيمة هذه الصناعة أكثر من 204 مليارات دولار.
مع وصول عدد مستخدمي تقنيات الذكاء الاصطناعي حول العالم إلى ربع مليار شخص، أصبح القلق حول الوظائف عاملاً مسيطراً على الحراك العام. فمنذ مطلع العقد الحالي، «تكافح» الحكومات من أجل خفض البطالة، ولاسيما في ظل جائحة «كورونا» التي جلبت في الواقع معايير جديدة للتوظيف والتشغيل عموماً، أضافت مزيداً من العاملين إلى صفوف العاطلين عن العمل. ومع «تسونامي» الذكاء الاصطناعي، ستواجه الحكومات أعباء متصاعدة، خصوصاً مع مصاعب مشاريع إعادة التأهيل في سوق التوظيف. هذا القطاع يستند أساساً إلى تشغيل آلي ذاتي يحل تلقائياً مكان البشر، ولن يستوعب سوى نسبة من الوظائف المتأثرة في سيطرته التدريجية السريعة على المشهد الاقتصادي العالمي العالم.

أخبار ذات صلة غرفة دبي للاقتصاد الرقمي شريك استراتيجي للتحدي «الشارقة الإسلامي» ينضم إلى منصة «هايفن» لمكافحة الاحتيال

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: محمد كركوتي الذكاء الاصطناعي الثورة الصناعية صندوق النقد الدولي كلام آخر الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي يوجه المسيّرات رغم العوائق الطبيعية


في مهمة لإطفاء حرائق الغابات في سلسلة جبال سييرا نيفادا، قد تجد طائرة مسيّرة ذاتية التحكم نفسها تواجه رياح «سانتا آنا» العاتية التي تهدد بإخراجها عن مسارها. التكيف السريع مع مثل هذه التقلبات الجوية غير المتوقعة أثناء الطيران يمثل تحديًا هائلًا لأنظمة التحكم في وضع الطيران الخاصة بهذه الطائرات.
ولمواجهة مثل هذه التحديات، طوّر باحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا «MIT» خوارزمية تحكم تفاعلي جديدة تعتمد على تقنيات تعلّم الآلة، قادرة على تقليل انحراف الطائرة عن مسارها المحدد حتى في مواجهة عوائق مفاجئة مثل هبوب الرياح.

وعلى عكس الطرق التقليدية، لا تتطلب هذه التقنية من المبرمج أن يكون على دراية مسبقة ببنية أو نمط هذه الاضطرابات. بدلاً من ذلك، يتعلم نموذج الذكاء الاصطناعي المستخدم في نظام التحكم كل ما يحتاجه من خلال بيانات ملاحظة تُجمع خلال 15 دقيقة فقط من الطيران.
الميزة الأبرز لهذه التقنية تكمن في أنها تحدد تلقائيًا خوارزمية التحسين الأمثل للتكيف مع هذه الاضطرابات، مما يعزز من دقة تتبع المسار. إذ تختار الخوارزمية الأنسب بحسب طبيعة الاضطرابات التي تواجهها الطائرة في كل حالة.

وقد درّب الباحثون نظامهم على تنفيذ هذين الأمرين معًا، التكيّف وتحديد الخوارزمية باستخدام تقنية تُعرف باسم التعلم الفوقي «meta-learning»، والتي تُعلّم النظام كيفية التكيّف مع أنواع مختلفة من الاضطرابات.
النتائج جاءت واعدة، إذ سجل النظام الجديد نسبة خطأ في تتبع المسار أقل بنسبة 50% مقارنة بالطرق التقليدية، سواء في المحاكاة أو في الظروف الحقيقية، كما أثبت كفاءته في التعامل مع سرعات رياح لم يسبق له مواجهتها أثناء التدريب.

يأمل الباحثون أن يُسهم هذا النظام مستقبلاً في تحسين كفاءة الطائرات المسيّرة في توصيل الطرود الثقيلة رغم الرياح القوية، أو في مراقبة المناطق المعرضة للحرائق في المحميات الطبيعية.
يقول نافيد عزيزيان، الأستاذ المساعد في قسم الهندسة الميكانيكية ومعهد البيانات والنظم والمجتمع «IDSS» بمعهد «MIT»، والباحث الرئيسي للدراسة: «قوة طريقتنا تكمن في التعلم المتزامن لمكونات النظام. من خلال الاستفادة من التعلم الفوقي، يتمكن نظامنا من اتخاذ قرارات تلقائية تحقق أفضل تكيف ممكن في وقت قصير».

شارك عزيزيان في إعداد الورقة البحثية كل من سونبوتشين تانغ، طالب دراسات عليا في قسم الطيران والفضاء، وهاويان صن، طالب دراسات عليا في قسم الهندسة الكهربائية وعلوم الحاسوب. وقد عُرض البحث مؤخراً في مؤتمر «التعلم للديناميكيات والتحكم»

التعلم على التكيف
تتغير سرعات الرياح التي قد تواجهها الطائرة في كل رحلة، لكن من المفترض أن تبقى الشبكة العصبية ودالة الانحدار المستخدمة ثابتتين، لتجنّب إعادة التدريب في كل مرة.
لتحقيق هذه المرونة، اعتمد الباحثون على التعلم الفوقي، ودربوا النظام على مجموعة من سيناريوهات الرياح المختلفة أثناء مرحلة التدريب.

أخبار ذات صلة سيتي يتعاقد مع النجم الفرنسي الشاب ريان شرقي انقطاع الكهرباء في جزيرة بالما الإسبانية

يوضح تانغ: «الهدف ليس فقط أن يتكيف النظام، بل أن يتعلم كيف يتعلم. عبر التعلم الفوقي، يمكننا إنشاء تمثيل مشترك من بيانات متعددة السيناريوهات بسرعة وكفاءة».
في التطبيق العملي، يقوم المستخدم بتغذية نظام التحكم بمسار الطيران المطلوب، ويقوم النظام بحساب قوة الدفع اللازم في الزمن الحقيقي لإبقاء الطائرة على المسار رغم أي اضطرابات جوية.

وقد أثبت النظام كفاءته سواء في المحاكاة أو في اختبارات حقيقية، حيث تفوق على جميع الطرق التقليدية في تتبع المسار، حتى في الظروف الجوية القاسية.
يضيف عزيزيان: «حتى عندما تجاوزت قوة الرياح مستويات لم نشهدها في التدريب، أثبتت تقنيتنا قدرتها على التعامل معها بكفاءة».

واللافت أن تفوق النظام على الطرق الأخرى ازداد كلما زادت شدة الرياح، مما يدل على قدرته على التكيف مع البيئات الصعبة.
ويجري الفريق الآن تجارب ميدانية على طائرات مسيّرة حقيقية لاختبار النظام في مواجهة ظروف جوية متنوعة.

كما يسعى الفريق لتوسيع قدرات النظام ليتعامل مع اضطرابات متعددة المصادر في وقت واحد. فعلى سبيل المثال، تغير سرعة الرياح قد يغيّر من توزيع وزن الحمولة أثناء الطيران، خصوصاً عند حمل مواد سائلة.
كما يطمح الباحثون إلى تطوير خاصية التعلم المستمر، بحيث يتمكن النظام من التكيف مع اضطرابات جديدة دون الحاجة إلى إعادة تدريبه على البيانات السابقة.

وفي تعليق على البحث، قال بروفيسور باباك حسّیبي من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا «Caltech»، والذي لم يشارك في المشروع: «نجح نافيد وزملاؤه في الجمع بين التعلم الفوقي والتحكم التكيفي التقليدي، لتعلم الخصائص غير الخطية من البيانات. واستخدامهم لخوارزميات الانحدار المرآتي مكّنهم من استغلال البنية الجيومترية الكامنة للمشكلة بشكل لم تفعله الطرق السابقة. وهذا العمل قد يساهم بشكل كبير في تصميم أنظمة ذاتية التشغيل تعمل بكفاءة في بيئات معقدة وغير مؤكدة».
وقد حصل هذا البحث على دعم من عدة جهات، منها شركة «MathWorks»، ومختبر «MIT-IBM Watson» للذكاء الاصطناعي، ومركز «MIT-Amazon» للعلوم، وبرنامج «MIT-Google» للابتكار في الحوسبة.

مقالات مشابهة

  • السبع يوضح أهم مميزات ⁧‫الذكاء الاصطناعي‬⁩ في نظام ⁦‪ iOS 26
  • محمد كركوتي يكتب: الإمارات.. تمام الشفافية الذرية
  • برلمانات العالم تناقش الذكاء الاصطناعي في البيئات التشريعية
  • الذكاء الاصطناعي يوجه المسيّرات رغم العوائق الطبيعية
  • تعرف على أبرز الوظائف المستقبلية في عصر الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي.. خبير: التكنولوجيا دائما تعيد تشكيل عالمنا طوال الوقت
  • الذكاء الاصطناعي يسرّع وتيرة العمل ويعيد تشكيل سوق الوظائف عالميًا
  • “شبكة العنكبوت”: الحرب في عصر الذكاء الاصطناعي
  • كيف يساعد الذكاء الاصطناعي على إنقاص الوزن؟
  • خرافات عن الذكاء الاصطناعي تنهار أمام الحقيقة.. تقرير يكشف المفاجآت!