محمد سويد يكتب:: محافظ الأقصر.. ومذبحة النخيل!
تاريخ النشر: 8th, June 2024 GMT
لا أصعب من البناء، ولا أسهل من إعمال معاول الهدم!
هذه الحقيقة تجسدها شتلات النخيل التي يحاول بولدوزر رئيس المدينة انتزاعها من قلب الصحراء، في مشهد عبثي يوثق لاغتيال حلم التعمير في عام 2024، على مساحات شاسعة من ظهير الأقصر الصحراوى.
ما حدث على تلك الأرض التي تعانق عبق التاريخ، وتستقبل كبرياء النيل الخالد، يدعو للخوف على مستقبل هذه البلد التي تحارب قيادتها السياسية، ورئيسها المخلص لتحقيق حلم التعمير بضخ أكثر من ترييليون جنيه من أجل استصلاح الصحراء، والعمل على حل أزمة الغذاء في مشروع مستقبل مصر الزراعي.
وفى مشهد نهاري فج؛ تنقض جرافات مجلس مدينة الزينة على عشرات الأفدنة المستصلحة، تدمر شبكات الري، وتأتي على الأخضر واليابس، بينما تتوق الأرض إلى من يزرعها، من يؤمن بتعميرها ويثمر الأمل في حبات رملها الأصفر، وطين أهلها الطيبين، بعيدًا عن حسابات الربح السريع، والاستثمار الآمن.
وقائع تلك المذبحة، يوثقها طلب الإحاطة المقدم لرئيس مجلس النواب من النائب حسن خليل، والذى اكتفى بأن اقتبس جانبًا من نصه "تجاوز السيد المستشار مصطفى ألهم، محافظ الأقصر، -القائم بتسيير الأعمال- وجهازه التنفيذي، ممثل في السيد أحمد الهوارى رئيس مركز ومدينة الزينة، صلاحيات وقرارات لجنة فض منازعات المستثمرين بمجلس الوزراء، وتعمد سيادته عرقلة الاستثمار الزراعي، واستصلاح الصحراء بالمخالفة لكل الأعراف والقواعد التى أرساها السيد رئيس الجمهورية، في دعم وتشجيع الاستثمار الزراعي وتوفيق أوضاع المستثمرين الجادين وفقًا للقانون.
حيث عمد سيادته وجهازه التنفيذي، إلى تنفيذ حملة إزالة على 78 فدان منزرعة من الأراضى الصحراوية المستصلحة، وارتكاب مذبحة بحق شتلات وزراعات النخيل الخضراء، وتخريب شبكات الري الآلي والبنية التحتية، التي تتجاوز 25 مليون جنيه، وشرَّد أكتر من 300 عامل من أهال الأقصر، متعديًا بذلك على اختصاصات وصلاحيات لجنة فض منازعات المستثمرين بمجلس الوزراء، التى تقدم إليها أحد المستثمرين، الحائز قانونًا لـعقد بيع وتقنين 175 فدان من إجمالي المساحة الكلية التي قام باستصلاحها وزراعتها فعليا البالغة 236 فدان".
ولنفترض خطأ من استثمر في الصحراء دون إذن، أو زرع وعمّر دون سند ملكية نهائي، فما الضير فى انتظار قرار لجنة فض المنازعات التي أنشأها مجلس الوزراء لهذا الغرض، وما المانع من استرداد الأرض بما عليها من زرع إذا ما كان الحكم في غير صالح من زرع !
قطعًا لن يمر هذا المشهد العبثي مرور الكرام دون محاسبة، فالحقيقة لن تطمس، الأقمار الصناعية وخرائط جوجل قد طوت زمن المشاهد المصطنعة، والجهات الرقابية لن تصمت على فساد، بعد أن تقول لجنة فض منازعات المستثمرين بمجلس الوزراء كلمتها وتعيد الحق إلى نصابه.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: محمد سويد محمد سويد يكتب محافظ الأقصر مذبحة النخيل
إقرأ أيضاً:
د. عصام محمد عبد القادر يكتب: الحب.. القوة الناعمة
الطاقة التي نتزود بها في المُضي قدمًا بحياتنا، والوقود الذي لا ينضب فاعليته في قلوبنا، وأفئدتنا، وأرواحنا، يتمثل في حُبّ، يتربع على سجايا الوجدان، يمنحنا الراحة، والارتياح، والأمل، والطموح، ويجعل أنظارنا متطلعة؛ لرؤية كل ما يبهج العيون، ويمنح النفس الهدوء والسكينة؛ فتبدو ذواتنا، لا تقبل القسوة، ولا تنحو جهة ما يكدّر الصفو، ولا تهرول تجاه براثن الحقد، والكراهية، ولا نتجذب نحو بؤر الخلاف والنزاع والصراع، التي تحدُّ من الرغبة تجاه الإيجابية.
الحُبّ صفة إنسانية للفرد محضة، يتبادلها بميزان العقل الموجه لوجدانه مع بني جنسه، ويتعامل بمعناها مع الكائنات الحية؛ فيضبط سلوكها، ويحسن من ممارساتها، بل، يستطيع أن يروّض البريّة منها؛ لتصبح آلفة لبني البشر، غير معادية لوجوده، متقبلة لتعاملاته، ولو بحذر، وتحت معايير محددة، تضمن توفير الأمن، والأمان، ووفق فلسفة الحبّ، الذي يضيف إلى الجمادات رونق الجمال، وحسن المظهر، والجوهر، ووظيفية النفع بيد المحبّ، الذي يمتلك الخبرة المصبوغة برقي القيمة.
نتفق على أن الإنسان منا منذ مهد ولادته، ينال جرعة من ترياق الحب الممزوج بالحنان الخاص من أمٍّ، منحته الحياة بدمائها، وعافية الجسد من لبنها؛ ليكتسي بدنه مناعة، وممارساته تُصان من مُتلّون الصفات المضادة؛ فتراه يقبل على من يبتسم، ويعانق من يحويه بذراعيه، ويحاكي التربيت على من يبادله المشاعر؛ ومن ثم يترعرع في بيئة مليئة بمقوّمات نعمة الحُبّ؛ حيث الرحمة، والابتسامة، والتقبل، والاحتواء، والتعلق بالروح، والجسد، الذي قطعًا يورّثُ في النفس ماهية الانتماء للوطن الصغير، بما يمهد الولاء للوطن الكبير.
عاطفة الحُبّ الجيّاشة تمنحنا المقدرة على ممارسة الإيثار، وتمدنا بقوة الصبر الجميل، والحلم، والتؤدة؛ لنصل إلى برّ الأمان؛ ومن ثم تسكن الطمأنينة في قلوبنا الوجلة؛ لا يتسلّلُها الحيرة، ولا يربكها تغيرات الزمن، ومتغيراته اللامتناهية؛ فنرى الحياة زاخرة بما يحقق سعادة النفوس، وبهجة الأفئدة، وهنا تتوق أروحنا إلى التواصل مع مَنْ حولنا؛ لنبحر في خلجات النفوس المليئة بالخير؛ فننهل منها ما يروي الوجدان بكؤوس الخبرة المتنوعة، التي تنير لنا طريق الحاضر، وتفتح أعيننا على صور المستقبل المشرق؛ لنضع سيناريوهات طموحة، نغرس في سياجها أحلامًا مشروعة، يملؤنا الشغف تجاه تحقيقها.
نعمة الحُبّ، تقدح الأذهان، بما يجعلها تنشط الأفهام؛ كي تستقبل طيب الخبرة، وتتلّقى مزيدًا من فيض العلم في مجالاته المختلفة؛ فتنبت الأفكار، التي تحدث نضجًا، يزيد من إقبال الإنسان منا على دروب المعرفة؛ لينهل منها ما ينير القلوب، ويغذي الوجدان، ويعلى المقدرة على العطاء؛ فيصبح كالصَّيب النافع، أينما حلَّ، يخرجْ الكلأ من بين يديه، ومن حوله، وهذه صفات النفوس العامرة، والأبدان المدربة، والأفهام الناضجة، التي تملأ الأرض ضياءً، كونها تدرك فلسفة الاستخلاف، وفحوى معانيه.
قوة الحُبّ، وتأثيره، يخلق في وجداننا ماهية تحمل المسئولية، التي تجعلنا نتجاوز المحن، ونتخطى الصعاب، ونواجه التحديات، ونلملم الجراح، ونُشْفى سريعًا من آلام قد أصابتنا، جرّاء أشواك الحياة؛ ومن ثم نمنح المنْعة ضد كل ما يصيبنا بالضعف، أو الوهن، أو يورث في النفوس السلبية، كما أن طاقة الحُبّ تمنح قلوبنا صفاءً، ونقاءً، وسريرة غير مشوبة، والتي تدعم فلسفة التجاوز، أو التسامح، أو الصفح عند المقدرة؛ فتلك أخلاق حميدة، يمتلكها النبلاء دون غيرهم.
ترياق الشِّفاء من الأمراض العضال، التي باتت تهدد السِّلم المجتمعي، يكمن في الحُبّ، الذي يحفّز الإنسان منا على تفهم لغة الحوار البنّاء، الذي يجعله على مسافة الصفر من حاجات، واحتياجات، ومطالب الجميع ممن حوله؛ فيؤثر على نفسه، ويبذل أقصى ما في الجهد، بل، قد يضحي بوقته، وماله، وعناء بدنه؛ من أجل سعادة الآخرين؛ راضيًا، قرير النفس، وهنا لا يجد العنف، أو الحقد، أو الكراهية، أو النبذ مكانة؛ فلا متسع إلا لفيض المحبة، التي تعمر القلوب، وتشحذ الهمم نحو العطاء المُسْتدام، دون مقابل.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.