أفيقوا.. أوروبا بعد الانتخابات لا تزال في خطر
تاريخ النشر: 12th, June 2024 GMT
أوروبا التي احتفلت للتو على شواطئ نورماندي بذكرى ثمانين عاما على بداية تحريرها من الحرب والقومية والفاشية تواجه الآن الفاشية والقومية والحرب من جديد.
وأرجوكم ألا تطمئنوا إلى التصريح الرقيق الذي صدر عن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بأن «الوسط صامد» خلال ما يمكن أن نسميه بيوم الإعلان -9 يونيو 2024، عند إعلان نتائج سبع وعشرين انتخابات وطنية مختلفة في البرلمان الأوروبي.
لم يبلغ أي من هذه الأحزاب المتشككة في النزعة الأوروبية من الغباء ما يجعلها تناصر أتباع نموذج البريكست البريطاني بمحاولة الفريكست الفرنسي أو الجريكست الألماني أو النريكست النرويجي. ولكنها بدلا من ذلك سوف تستمر في جذب الاتحاد الأوروبي إلى اليمين من داخله، باتباع نهج أكثر تشددا في الهجرة، ومعارضة حازمة للإجراءات الخضراء اللازمة بسرعة لمعالجة الأزمة المناخية، وتقليص الدعم لأوكرانيا واستعادة السيطرة القومية من بروكسل، بما أن هذه جميعا أحزاب قومية. فلا تسمحوا لأحد أن يقول لكم «إن الأمر ليس في غاية السوء» لأنه سيئ، ولأنه قد يزداد سوءا.
وقد بلغ في فرنسا الحد الأكثر دراماتيكية. لقد كنت في نورماندي في ذكرى يوم التحرير وشاهدت الرئيس إيمانويل ماكرون يحاول استعمال ذلك الحدث الدولي (الذي لم يحضره رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك) ليحكي قصة ملهمة عن التحرير الذي مهد السبيل للاتحاد الأوروبي اليوم. لكنني رأيت في القرى المحيطة لوافت انتخابية لحزب التجمع الوطني التابع لماري لو بان وسمعت قصصا وهمسا يدعم هذا الحزب. ومن المؤكد أن حزب التجمع الوطني قد حقق في يوم الإعلان نصرا مذهلا، إذ فاز بأكثر من 30% من الأصوات وألحق الهزيمة بحزب النهضة الوسطي الليبرالي التابع لماكرون. وفي بلدة فيرسورمير الصغيرة التي رسا عليها أبي مع كثير للغاية من الجنود البريطانيين لبدء تحرير أوروبا الغربية في السادس من يونيو سنة 1944، حصل حزب التجمع الوطني على نحو 33% من الأصوات. مضى قدر كبير من أصوات بلدة فيرسورمير إلى ماريون ماريشال ابنة شقيقة ماري لوبان الأشد تطرفا التي يشير اسم حزبها -وهو Reconquête- إلى «إعادة فتح» أوروبا واستردادها من أيدي الغرباء المزعومين والسكان المسلمين وذلك ما دعا إليه صراحة مؤسس الحزب إريد زيمور.
ثم كانت القنبلة؛ إذ أعلن ماكرون -الذي تنقلب ثقته الاستثنائية الدائمة بنفسه إلى غطرسة- عن حل البرلمان الفرنسي ودعا إلى انتخابات جديدة في الثلاثين من يونيو وجولة ثانية في السابع من يوليو. قالت لوبان «لا أملك إلا أن أحيي هذا القرار». والقرار مقامرة ضخمة، حيث يعتمد النظام الانتخابي الفرنسي الممتاز على جولتين، ويسمح للناخبين في أغلب الدوائر الانتخابية بتفضيل مرشح آخر على مرشح حزب التجمع الوطني في الجولة الثانية الحاسمة. لكن في ضوء عمق الغضب الشعبي، ثمة مخاطرة كبيرة -بعد ثلاثة أيام فقط من تشكيل بريطانيا لحكومة من يسار الوسط الواقعي المؤيد بحذر شديد لأوروبا في انتخاباتها المقررة في 4 يوليو- بأن فرنسا قد تحصل على حكومة من اليمينيين المتشددين المتشككين في أوروبا بما يقيد يدي ماكرون المدافع الرئيسي في القارة عن أوروبا أقوى. ولو حدث ذلك، فستكون هذه هي لحظة البريكست الفرنسية، وإن لم تؤد فعليا إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي.
أما ألمانيا فهي أقل قليلا في إثارة القلق. ففي حين كان حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي من يمين الوسط هو الفائز الواضح، جاء حزب (البديل من أجل ألمانيا) اليميني المتطرف في المرتبة الثانية، بنسبة تقل قليلا عن 16% من الأصوات، وهو ما يزيد عما حصل عليه أي من الأحزاب الثلاثة في الائتلاف الحاكم في البلد ومنها حزب الديمقراطيين الاشتراكيين بزعامة المستشار أولاف شولتز. وحزب (البديل من أجل ألمانيا) حزب يبلغ من التطرف أن لوبان قررت أنها لا تريد أن تكون في مجموعة برلمانية أوروبية واحدة معه، بعد أن قال مرشحه الرئيسي الساحر ماكسيميليان كراه في مقابلة إنه أعضاء قوات الأمن الخاصة -النازية- لم يكونوا مجرمين جميعا.
وفي الوقت نفسه، في إيطاليا، احتل حزب فراتيلي ديتاليا الذي تتزعمه رئيسة وزراء ما بعد الفاشية الجديدة جيورجيا ميلوني المركز الأول، وكذلك حزب الحرية اليميني المتطرف في النمسا. وفي نيذرلاند، كان أداء حزب الحرية التابع لخيرت فيلدرز المعادي للإسلام أقل بقليل من أداء يسار الوسط. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن العديد من هذه الأحزاب تحقق نتائج جيدة بشكل خاص بين الناخبين الشباب، وخاصة الذكور. ووفقا لاستطلاع للرأي قبل الانتخابات، أيّد حوالي 36% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما في فرنسا حزب التجمع الوطني. نعم، هناك نتائج مشجعة أكثر في بولندا والمجر، ولكن لو أن الدرس المستفاد من البلدين (كما من بريطانيا) هو أنه لا بد من إبقاء القوميين الشعبويين في السلطة لعدة سنوات قبل أن يبدأ رفضهم، فإن هذا لا يشكل عزاء كبيرا.
وحتى لو لم يتمكن اليمين المتشدد من تشكيل الحكومة الفرنسية المقبلة هذا الصيف، فإن هذه النتائج ستؤدي إلى تعقيد عملية الحصول على عمل موحد وحاسم من الاتحاد الأوروبي بشأن قضايا مثل التحول الأخضر. والأمر الأكثر إلحاحا هو أن إحداث تغيير جوهري تصاعدي في الدعم العسكري لأوكرانيا سوف يصبح أكثر صعوبة، في الوقت الذي أصبح فيه هذا البلد -ولنكن واضحين- في خطر جدي يتمثل في نهاية المطاف في خسارة أكبر حرب في أوروبا منذ عام 1945. وبرغم أن أحزاب اليمين المتشدد منقسمة بشأن أوكرانيا، حيث تعد ميلوني حاليا من بين المؤيدين الأقوياء للبلد المحاصر، فإن التأثير النهائي لهذه النتائج سوف يكون سلبيا. ففي ألمانيا، ذهب ما يقرب من ربع الأصوات إلى أحزاب -من اليمين المتشدد (البديل من أجل ألمانيا)، واليسار المتشدد (دي لينك) ومزيج شعبوي غريب من الاثنين (تحالف فاجنكنخت)- تدعو إلى نسخة من «السلام» تعني فعليا استسلام أوكرانيا. ومن المؤسف أن الديمقراطيين الاشتراكيين بزعامة شولتز يبدون علامات واضحة تشير إلى إغراء استرضاء هؤلاء. والعواقب القارية والعالمية المترتبة على انتصار روسيا الفاشية بزعامة فلاديمير بوتين من شأنها أن تجعل أوروبا أقرب إلى العودة إلى أيامها الغابرة السيئة.
كل هذا ولم نصل بعد إلى أهم الانتخابات في أوروبا هذا العام، وهي لا تجري في أوروبا. لأن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر من شأنه أن يضعف أوروبا وقد يزيدها انقساما، مع اصطفاف القوميين الشعبويين اليمينيين المتشددين، ومنهم ميلوني، بوصفهم حزب ترامب الأوروبي.
فهل حان الوقت لليأس والهجرة إلى نيوزيلندا؟ بالقطع لا. فلا تزال هناك أغلبية كبيرة من الأوروبيين الذين لا يريدون خسارة أفضل أوروبا عرفناها على الإطلاق. ولكن لا بد من حشدهم وتحفيزهم وإقناعهم بأن الاتحاد يواجه بالفعل تهديدات وجودية.
وإنني الآن أنتظر بشيء من الرهبة أسابيع المساومات في الاتحاد الأوروبي: فأي حزب سيتوافق مع أي حزب آخر؟ ومن سيحصل على أي من الوظائف العليا؟ إنه العبث في بروكسل بينما تحترق خاركيف وكوكبنا. إن ما نحتاج إليه هو مزيج من الحكومات الوطنية والمؤسسات الأوروبية التي تعمل فيما بينها على توفير الإسكان الذي لا يستطيع الشباب احتمال تكاليفه حاليا، والوظائف، وفرص الحياة، والأمن، والتحول الأخضر، ودعم أوكرانيا. فهل تفيق أوروبا قبل فوات الأوان؟
تيموثي جارتون آش مؤرخ وكاتب سياسي وكاتب عمود في صحيفة جارديان.
عن الجارديان البريطاني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: حزب التجمع الوطنی الاتحاد الأوروبی فی أوروبا
إقرأ أيضاً:
انخفاض صادرات السيارات في المغرب بسبب ضعف الطلب الأوروبي
انخفضت صادرات صناعة السيارات في المغرب للشهر الرابع توالياً وسط ضعف الطلب في الاتحاد الأوروبي والتحول المتسارع نحو السيارات الكهربائية.
سجلت صادرات القطاع 49 مليار درهم (5.3 مليار دولار) خلال الأشهر الأربع الأولى من العام الجاري، بانخفاض سنوي يناهز 7%، وفقاً لبيانات مكتب الصرف، الجهاز الحكومي المعني بإحصائيات التجارة الخارجية. ورغم الانخفاض المستمر لا تزال هذه الصناعة أول قطاع تصديري في المملكة.
بلغت صادرات القطاع العام الماضي مستوى قياسي بنحو 157.6 مليار درهم. وقد تجاوز القطاع منذ سنوات قطاع الفوسفات الذي كان أكثر منتجات المغرب تصديراً.
تضم منظومة صناعة السيارات في المغرب شركتين كبيرتين، "رينو" و"ستيلانتيس"، حيث تصل نسبة المكوّن المحلّي في إنتاج السيارات حالياً إلى أكثر من 65%. يعمل في القطاع أكثر من 260 شركة تُشغّل ما يناهز 230 ألف عامل، وتبلغ القدرة الحالية 700 ألف سيارة، على أن ترتفع إلى مليون هذا العام بدعم مشاريع التوسعة في المصنعين.
أسباب تراجع صادرات السيارات المغربية
لم يصدر حتى الآن أي تفسير رسمي للتراجع المستمر في أهم قطاع تصديري في اقتصاد المملكة. قلل عضو في الجمعية المغربية لصناعة السيارات، التي تضم الشركات العاملة في القطاع، من هذا الانخفاض معتبراً أنه "مؤقت وأن الانتعاش سيظهر خلال الأشهر المقبلة". وأضاف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول له التصريح أن "أي قراءة للقطاع يجب أن تأخذ بعين الاعتبار السنة بأكملها".
يعود آخر انخفاض لصادرات السيارات في المغرب إلى عام 2020 حين انهار الطلب تحت تأثير أزمة "كوفيد-19". لكن القطاع عاد بعد ذلك بتسجيل نمو مستمر بأكثر من 10%.
سبب انخفاض صادرات السيارات في المغرب يوجد حتماً في الاتحاد الأوروبي حيث توجه الشركات المصنعة كامل إنتاجها. في بداية الشهر الجاري حذر رئيسا شركتي "ستيلانتيس" و"رينو" جون إلكان ولوكا دي ميو من ضعف الطلب في سوق الاتحاد. حيث قالا في تصريحات لصحيفة "لوفيغارو" الفرنسية بداية الشهر الجاري إن "سوق السيارات الأوروبية في تراجع منذ خمس سنوات، وهي السوق العالمية الرئيسية الوحيدة التي لم تعد إلى مستواها قبل جائحة كوفيد".