عشرات مليارات الدولارات جرى الإعلان عن تقديمها لليمن من قبل حكومات خليجية ودول مانحة ومؤسسات دولية منذ اندلاع الحرب المدمرة في 2015، بينما الواقع الاقتصادي والمعيشي يظهر حقائق مغايرة، ما يثير تساؤلات حول حقيقة هذه المساعدات وأوجه إنفاقها ومدى انعكاسها على حياة ملايين المواطنين في البلد الذي يواجه أكبر أزمة إنسانية في العالم، وفق تصنيف الأمم المتحدة.

 

ووفق الأرقام المعلنة خليجياً، تتجاوز المساعدات المقدمة لليمن على مدار تسع سنوات 27 مليار دولار، بخلاف ما جرى تقديمه من مؤسسات إغاثية دولية ومانحين على رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، حيث يقدر تقرير صادر في 2022 عن المركز العربي للدراسات "عربيا برن ترست"، تقديم نحو 20 مليار دولار من المساعدات الإنسانية.

 

لكن في المقابل، لا يزال الصراع والحرمان مستمرين مع توسع رقعة الفقر في ظل معاناة أكثر من نصف اليمنيين من الجوع، ومن بين خمسة ملايين نازح داخلي، تشكل النساء والأطفال نسبة 80% منهم.

 

ويقول برنامج الأغذية العالمي، الذي يقدم غذاء لنحو 13 مليون شخص في اليمن ويسعى للحصول على 2.9 مليار دولار هذا العام، إن نقص التمويل أدى إلى انخفاض مستوى معظم أنشطته. ومنذ يونيو/ حزيران من العام الماضي، يحصل خمسة ملايين شخص على نصف احتياجاتهم اليومية، في حين يحصل ثمانية ملايين على الربع.

 

أهداف سياسية وعسكرية

 

يؤكد مطهر العباسي، الخبير الاقتصادي اليمني، لـ"العربي الجديد"، عدم توفر بيانات ومعلومات دقيقة منذ عام 2015 حول حجم المساعدات التي حصل عليها اليمن، واصفاً ما يجرى تداوله من أرقام بالمبالغ فيها.

 

بينما يرى مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي (منظمة أهلية)، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المشكلة تكمن في أن جزءاً من المساعدات لم يكن دعماً مؤسسياً يصل عبر السلطات الرسمية ويستهدف بناء المؤسسات الحكومية لتقوم بخدمة المواطنين، بل كان يحمل أهدافاً سياسية وربما عسكرية وغيرها من الأغراض، بالمقابل لا تزال الحكومة هشة وهامشية وغير موجودة على الأرض.

 

وتظهر بيانات الأمم المتحدة أن الولايات المتحدة والسعودية وألمانيا والاتحاد الأوروبي كانت أكبر أربعة مانحين العام الماضي. لكن محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، يقول لـ"العربي الجديد" إن المساعدات بأوجهها المختلفة لم تؤدِّ إلى وقف التدهور الاقتصادي في اليمن، وكذلك الانهيار في الأوضاع المعيشية، حيث استمر التدهور بازدياد منذ بداية الحرب وحتى الوقت الحالي، لدرجة أن اليمن أصبح يوصف بأنه الأسوأ في المعاناة الإنسانية للمواطنين على المستوى الدولي.

 

يقول قحطان إن الدعم العسكري أدى إلى تحرير بعض المحافظات من الحوثيين، ولكنه خلق تحديات جديدة تمثلت في تعدد التشكيلات العسكرية وتمزيق البلاد بين هذه التشكيلات، عدا أن الدعم المالي والتنموي والإنساني لم يوقف التدهور، وبالتالي فإن الوضع الاقتصادي والإنساني مستمر في التدهور.

 

الانهيار يصل إلى الذروة

 

واستمرت العملة اليمنية في التهاوي منذ 2015، الذي سجلت خلاله 250 ريالا للدولار، لتصل إلى 500 ريال للدولار مطلع 2019 في مناطق سيطرة الحكومة، ثم إلى نحو 750 ريالا للدولار مطلع 2020 مع دخول اليمن في أتون أزمة خانقة على كافة الأصعدة، بسبب رفض الحوثيين العملة الجديدة المطبوعة وتوسع الانقسام المالي والنقدي.

 

ووصل الانهيار إلى ذروته خلال 2021، وتجاوز سعر صرف العملة المحلية حاجز 1500 ريال للدولار الواحد، وبعد فترة من الهدوء النسبي، عادت العملة للاضطراب والتدهور خلال النصف الأول من العام الحالي 2023، لتسجل حاليا نحو 1405 للدولار الواحد.

 

وترافق ذلك مع تصاعد الأزمات الاقتصادية والمعيشية، الناتجة عن ارتفاع أسعار الوقود وشحة المعروض منه وتدهور خدمة الكهرباء وتردي وضعية المحطات الكهربائية الحكومية وارتفاع الانقطاعات المتواصلة للكهرباء، والتي وصلت حالياً إلى ساعتين إضاءة مقابل 6 ساعات انقطاع.

 

ويقول رشيد الحداد، الباحث الاقتصادي اليمني، لـ"العربي الجديد"، إنه لا يمكن إنكار قيام السعودية والإمارات بتقديم مساعدات لبعض المحافظات الواقعة تحت سيطرة بعض الأطراف الموالية لها، ولكن مؤشرات الفقر والبطالة وتدهور الخدمات في المحافظات الجنوبية والشرقية تؤكد أن تلك المساعدات بُدّدت في مشاريع غير مستدامة ونُفّذ البعض منها من دون التنسيق مع السلطات المحلية ومن دون دراسة الأولويات.

 

يضيف الحداد: "على سبيل المثال، تحدثت السعودية قبل عامين عن تقديمها مساعدات بقيمة 18 مليار دولار خلال ست سنوات من عمر الحرب وفي نطاق جغرافي محدد ممثل بالمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، ومع ذلك، لم تسهم تلك الأموال في تحسين البنى التحتية من طرقات وصحة وتعليم وكهرباء، وحتى المشاريع التي أعلن عن ترميمها من قبل برنامج إعادة الإعمار السعودي في عدن، كمطار عدن وطريق هيجه العبد وإصلاح بعض الطرقات، كانت بتكاليف باهظة وجودة منخفضة".

 

بينما تؤكد السعودية تنفيذ أكثر من 800 مشروع ومبادرة تنموية استهدفت 7 قطاعات أساسية، تشمل التعليم، والصحة، والمياه، والنقل، والزراعة والثروة السمكية، وبناء قدرات المؤسسات الحكومية، في حين تقول الإمارات إنها قدمت مساعدات لليمن بهدف تأهيل مدارس ومستشفيات وبناء الطاقة وإعادة بناء المطارات والموانئ والطرق والمساكن.

 

في حين يقدر مركز الدارسات والأبحاث العربي "عربيا برن ترست"، في تقرير صادر العام الماضي، خسائر اليمن بسبب الصراع ما بين 170 إلى 200 مليار دولار من ناتجه المحلي الإجمالي بين الأعوام 2015 – 2022، بينما غطت المساعدات أقل من 10% 12% من الاحتياج.

 

احتياجات إعادة الإعمار

 

بالمقابل، يقدر البنك الدولي احتياجات إعادة إعمار اليمن بما يتراوح بين 20 و25 مليار دولار، كما يشير تقرير صادر عن البنك في مايو/ أيار الماضي إلى انخفاض الدعم المقدم لليمن من 5.2 مليارات دولار عام 2015، إلى 2.4 مليار دولار عام 2022.

 

وفي فبراير/ شباط الماضي، جمعت الأمم المتحدة نحو 1.2 مليار دولار من المانحين من أجل خطة مساعدات بقيمة 4.3 مليارات دولار لليمن، الذي يشكل واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في العالم على الرغم من حالة اللاحرب واللاسلم التي أوقفت القتال إلى حد كبير.

 

وتعهدت الولايات المتحدة، أكبر المانحين لليمن، بتقديم أكثر من 444 مليون دولار للاستجابة الإنسانية لهذا العام، ليصل بذلك إجمالي مساهمتها منذ بداية حرب اليمن إلى 5.4 مليارات دولار. وتظهر بيانات الأمم المتحدة أن المانحين قدموا العام الماضي 2.2 مليار دولار من أصل 4.27 مليارات دولار مطلوبة.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن اقتصاد مساعدات الأزمة اليمنية ملیار دولار من الأمم المتحدة العربی الجدید ملیارات دولار العام الماضی

إقرأ أيضاً:

الأغذية العالمي: أدخلنا مساعدات أقل من حاجة غزة ليوم واحد منذ 19 مايو

أعلن برنامج الأغذية العالمي، اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025، إرسال 9 آلاف طن فقط من المساعدات الغذائية إلى قطاع غزة منذ 19 مايو/ أيار الماضي، وهي كمية "أقل من الغذاء المطلوب ليوم واحد" لسكان القطاع، في ظل استمرار الإبادة الجماعية الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وقال البرنامج الأممي في منشور على منصة "إكس"، إن تلك المساعدات "أقل من كمية الغذاء المطلوبة ليوم واحد وليس لشهر" من أجل جميع سكان القطاع.

وأوضح البرنامج أنه "جاهز لتوسيع نطاق العمل" قي القطاع المحاصر.

وأضاف: "نحن بحاجة إلى الوصول وتوفير ظروف أفضل لأداء مهامنا بأمان".

وشدد برنامج الأغذية العالمي على أن "الوقت حان للعمل".

وتغلق إسرائيل منذ 2 مارس/ آذار بشكل محكم معابر قطاع غزة أمام شاحنات إمدادات ومساعدات مكدسة على الحدود.

ولم تسمح إسرائيل إلا بدخول أعداد محدودة من شاحنات المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم، الخاضع لسيطرتها شرق مدينة رفح، في حين يحتاج الفلسطينيون في غزة إلى نحو 500 شاحنة يوميا كحد أدنى.

ومنذ 7 أكتوبر 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية بغزة تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.

وخلفت الإبادة نحو 188 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال، فضلا عن دمار واسع.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين صحة غزة تتحدث بشأن آخر مستجدات الوضع الصحي في القطاع الاحتلال يُصدر ويجدد أوامر الاعتقال الإداري بحق 30 معتقلا حماس: الاتصالات مع الوسطاء تكثفت خلال الساعات الأخيرة الأكثر قراءة محدث: 7 شهداء بينهم طفل باستهداف إسرائيلي لمخيم البريج وسط قطاع غزة ترامب: لا أحد يعلم ما سأفعله تجاه إيران... والأسبوع المقبل حاسم مزاعم إسرائيلية: 5% فقط من الصواريخ الإيرانية أصابت أهدافا وزير الدفاع الأميركي: الجيش مستعد لتنفيذ أي قرارات لترمب عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • الخارجية الأمريكية: الولايات المتحدة ستمنح 30 مليون دولار لمؤسسة غزة الإنسانية
  • بشرط عدم التخصيب.. أمريكا تدرس تمويل إيران بـ 30 مليار دولار لإنشاء برنامج نووي مدني
  • تحذيرات من تداعيات إنسانية لقانون أميركي يقطع تمويل طالبان
  • لماذا شددت إسرائيل حصار غزة بعد الحرب مع إيران؟ مغردون يتفاعلون
  • "البنتاغون": الولايات المتحدة تخطط لإنفاق 60 مليار دولار على تطوير الثالوث النووي
  • أكثر الدول إنفاقا على الأسلحة النووية في العام 2024 (إنفوغراف)
  • مستشار الجمعية المصرية بالأمم المتحدة: خسائر إسرائيل تجاوزت 150 مليار دولار
  • الأغذية العالمي: أدخلنا مساعدات أقل من حاجة غزة ليوم واحد منذ 19 مايو
  • مجازر المجّوعين مستمرة.. عشرات الشهداء بنيران الاحتلال قرب مركز مساعدات
  • الفاتورة القاسية.. إسرائيل تنزف المليارات في مواجهة إيران