ما زال الاحتلال يدفع ثمنا باهظا من عدوانه الجاري على غزة، وآخره ما يعانيه جنوده من أزمات عقلية، إذ يتلقّون العلاج النفسي، ومع مرور الوقت فإن الموارد اللازمة لعلاجهم باتت مستنفدة، ما يستدعي منهم الانتظار وقتا طويلا جداً للمساعدة الصحية، لأن استمرار الحرب يُسبب صعوبات نفسية لدى الكثير من الإسرائيليين: جنودا ومستوطنين، ما أوجد تحديات غير مسبوقة لمقدمي الرعاية الصحية النفسية، في ضوء عجزهم عن التكيف مع الحياة بدون هذه العلاجات، ومواصلة إلحاق الضرر بأجسادهم، وحدوث إصابات ذات تأثير عقلي.



الاختباء والهروب
تاني غولدشتاين، وهي مراسلة موقع "زمن إسرائيل" سلّطت الضوء على هذه الظاهرة التي تتجدد في كل عدوان يشنّه الاحتلال على الفلسطينيين، لكنها في هذه المرة تبدو أكثر خطورة، "فلا يزال آلاف الجنود والشرطة يتلقون الرعاية الصحية العقلية، ويعانون من صعوبات جمّة، ويتلقون معاملة مختلفة، بزعم أنهم مرّوا بأحداث صعبة للغاية، وانخرطوا في وقائع لم يكونوا مستعدين لها، وباتوا يشعرون بالعجز، والشعور بالذنب لعدم قدرتهم على إنقاذ بعض الإسرائيليين خلال السابع من أكتوبر".

وأضافت في تقرير مطول، ترجمته "عربي21" أن "أحداث السابع من أكتوبر كانت مختلفة عن أي حرب، فقد تُرك الإسرائيليون بمفردهم في الميدان، وأُجبروا على الاختباء والهرب، ووقعت فوضى عارمة لم يكن واضحا من يديرها، وبفضل التطورات في علم النفس والطب النفسي، يقوم جيش الاحتلال بتشغيل فرق علاجية في الخطوط الأمامية في غزة تقدم علاجًا قصيرًا وموجهًا للجنود في الميدان، لمساعدتهم في تعبئة الموارد والقوات، ودراسة الحالات التي تثير المخاوف من تدهورها، ثم يتم إرسال الجنود ممن هم في وضع أكثر صعوبة لمراكز إعادة التأهيل، حيث يتلقون المزيد من الرعاية العقلية المتعمقة". 

وأشارت إلى أنه "منذ السابع من أكتوبر، تمت معالجة ثلاثة آلاف جندي وشرطي ممن يعانون من إصابات عقلية، فقط بسبب انخراطهم في الأحداث، حيث تعرضوا لإصابات وصدمات نفسية، ويشعرون بالذنب والفشل والضعف، ولعل إطالة أمد الحرب يزيد من الصعوبات أمام علاجهم، خاصة جنود الاحتياط الذين يعانون من صعوبة إعادة التكيف مع الحياة المدنية العائلية، ما يجعلهم يدخلون في حالات اكتئاب حادة مجددا، وفق توصيف هداس شهرباني- سيدون، مدير قسم الصحة العقلية في جمعية "إخوة وأخوات إسرائيل لمساعدة ضحايا الحرب".

وأقالت: "بدأنا للتو في رؤية نقاط الضعف العقلية للحرب، دون أن يلوح أي ضوء في الأفق، خاصة أنها لدى الجنود غير مرئية، بل تبقى معهم، فهناك جنود شموا رائحة احتراق أصدقائهم، ولم يعودوا قادرين على شم رائحة اللحم، وتظهر العديد من نقاط الضعف بعد العودة للمنزل".

واسترسلت: "يشعر الكثيرون بأن الحياة المدنية لا قيمة لها، لأنهم يغادرون منطقة يوجد فيها خطر وجودي في غزة، ثم يجدون فجأة صعوبة بالتحدث مع زوجاتهم وأطفالهم وأولياء أمورهم وأصدقائهم، ولذلك سيستغرق الأمر وقتًا حتى يتأقلموا مع الوضع، وقد يكون هناك تفاقم في العنف المنزلي، لأن العدوان لا يستمر في ساحة المعركة فقط". 

اضطراب ما بعد الصدمة
وكشفت أن "وزارة الحرب تنفق موارد كبيرة جدًا في علاج الجنود المصابين عقليًا، وتقديم الدعم الطبي والعقلي والمالي الفوري لهم، وذكر قسم إعادة التأهيل في الجيش أنه قدّم المساعدة لقرابة سبعة آلاف جندي وفرد أمن، يعاني ثلثهم تقريبًا من ردود فعل عقلية، وأطلق تطبيق "دليل اضطراب ما بعد الصدمة"، وتم توجيه الأشخاص ذوي الإعاقة العقلية إلى تسع مواقع تأهيلية؛ بما فيها النجارة والسيراميك وصياغة الذهب والتصوير الفوتوغرافي بالكمبيوتر والموسيقى بإشراف مجموعات علاجية ووحدات الطوارئ".

وقدر منتدى منظمات علم النفس أن "الخدمة العامة تفتقر لخمسة آلاف وظيفة للأخصائيين النفسيين التربويين، وقد اضطر 60 في المئة من الجنود المصابين بأمراض عقلية للانتظار بين شهر وثلاثة أشهر للحصول على طبيب نفساني في الخدمة العامة، ما أثار الموضوع خلال مناقشة أخيرة للجنة الصحة في الكنيست".


إلى ذلك، كشف رئيس المجلس العام للصحة العقلية، تسفي فيشيل، أن الحمل كبير جدًا، ولذلك ستكون فترات الانتظار طويلة، لأننا أمام نوعين من المساعدة: طارئة وأولية، وأخرى طويلة الأمد، فيما منحت مؤسسة التأمين الوطني تعويضات لأكثر من 65 ألف إسرائيلي، منهم عشرات الآلاف مصابون عقليا، العديد منهم أصيبوا بإصابات نفسية خطيرة، رغم أنهم لم يكونوا حاضرين في القتال، وآخرون ليسوا من الدائرة القريبة للجنود المصابين".

وأوضحت أن "هناك العديد من الإسرائيليين لديهم ردود فعل ما بعد الصدمة، ممن تأثروا بالحرب، ولذلك فإن هناك زيادة في طلبات الإغاثة النفسية، وبالتالي فإن إطالة أمد الحرب يجعل الوضع أكثر صعوبة، لا سيما على صعيد النازحين من مستوطنات الشمال والجنوب، ممن تم إجلاؤهم من منازلهم إلى واقع لا يزال فيه إطلاق الصواريخ، ومن انتقلوا واستأجروا شقة في المدينة، أو انتقلوا مع الكيبوتس الخاص بهم إلى مكان آخر، أو من بقوا في الفنادق حتى يومنا هذا، ما زالوا يعيشون الوضع الأكثر صعوبة منذ ثمانية أشهر، والنتيجة أن ثلث مستوطني غلاف غزة يحتاجون إلى علاج صحي نفسي ودوائي لفترة قصيرة".


وفقا لبيانات وزارة الصحة، فإن "نحو 3200 إسرائيلي يدخلون مستشفيات الطب النفسي، وفي بداية الحرب، كان آلاف المرضى يعالجون بالعلاجات النفسية يوميا دون دخول المستشفى، ويتلقى اليوم 170 منهم العلاج في الرعاية النهارية، مع العلم أن معظمهم عرضة للانتحار، رغم عدم توفر معلومات دقيقة حول الظاهرة، لكنهم يحتاجون إلى دخول المستشفى، ويعانون أمراضا عقلية حادة، تنشأ من عالمهم الداخلي، وكوارث في العالم الخارجي، تبدو صعبة على معظمهم، ما يزيد من الصعوبات العقلية الناجمة عن الوضع". 

لعل أهم الأسباب التي تؤدي إلى زيادة أعداد الإسرائيليين المصابين بأعراض ما بعد الصدمة، من الجنود والمستوطنين على حد سواء، أن الحرب الحالية لا أحد يعرف متى ستنتهي، وبالتالي فإن إطالة أمدها، وحقيقة عدم وجود نهاية لها تلوح في الأفق، يعتبر حافزا يزيد من التوتر والضعف العقلي، وبات الشعور الإسرائيلي العام أن هذه حرب تخدم المصالح الذاتية السياسية التافهة، بدليل الانخفاض الحاد من 200 في المئة إلى 60 في المئة في الإبلاغ عن الخدمة الاحتياطية، ومغادرة الدولة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية غزة الطب النفسي غزة قطاع غزة الطب النفسي صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ما بعد الصدمة

إقرأ أيضاً:

إعلام إسرائيلي: كمين خان يونس يكشف أن في كل منزل عبوة مفخخة

تناولت وسائل إعلام إسرائيلية تفاصيل "حادث أمني خطير" وقع صباح اليوم في خان يونس جنوب قطاع غزة، أسفر عن مقتل 4 جنود إسرائيليين وإصابة 5 آخرين بانفجار عبوة ناسفة أثناء عملية تمشيط لأحد المباني.

وأوضح المراسل أور هيلر أن الجيش الإسرائيلي سمح اليوم بنشر معلومات حول ما وصفه بحدث صعب وقع صباح اليوم في خان يونس.

وأكدت القناة الـ12 الإسرائيلية أنه تم السماح بنشر معلومات عن الجنود الذين قتلوا في القطاع، حيث لقي 4 من جنود الجيش الإسرائيلي مصرعهم بانفجار عبوة ناسفة.

وفي تفصيل أوضح للحادث، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي العميد إيفي دفرين إن 4 جنود قتلوا صباح اليوم، كما أصيب 5 جنود آخرين، جندي بجروح خطيرة و4 بجروح متوسطة.

وأوضح أن القوة كانت تعمل في منطقة خان يونس في منشأة وصفها بـ"الإرهابية" تابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وأنه في حوالي الساعة السادسة صباحا انفجرت عبوة ناسفة أدت إلى انهيار جزء من المبنى.

وقدم مراسل القناة الـ11 آيتيسيك زوارتس سردا أكثر تفصيلا للحادث، مؤكدا أن الواقعة وقعت عند الساعة السادسة و10 دقائق صباحا، عندما دخل الجنود ومشطوا المبنى.

حرب العصابات

وأضاف أنه في مرحلة ما من العملية، فتح الجنود بابا وواجهوا صعوبة في فتحه، وعندها انفجرت العبوة وانهار المبنى على الجنود.

إعلان

وفي تحليل عسكري للحادث، قال مراسل الشؤون العسكرية في إذاعة الجيش دوران كادوش إن حماس تطورت في أساليب حرب العصابات التي نتحدث عنها، واستخدمت وسائل للتفوق على الجيش.

وأضاف أن الصراع يتمحور حول معركة اكتساب الخبرة، حيث إنه خلال الـ20 شهرا الماضية كان الجيش يكتسب الخبرة ويدرس وضعه ويستخلص العبر ويحاول أن يجد أفضل الطرق لضرب حماس.

لكن الأهم من ذلك، كما أشار كادوش، هو أن حماس تكتسب الخبرة أيضا من الناحية الأخرى.

ولفهم كيفية حدوث هذا الحادث رغم الاحتياطات المتخذة، أوضح مراسل القناة الـ11 أنه كان من المتوقع مسبقا إمكانية أن يكون هذا المبنى مفخخا، أو أن تكون فيه فتحة نفق تؤدي إلى شبكة أنفاق.

وأضاف أنه يفترض أن حماس ستفخخ هذا البيت، مشيرا إلى أن الأسرى المحررين أفادوا بأن فتحات الأنفاق التي تؤدي إلى الأنفاق التي كانوا محتجزين فيها كانت مفخخة.

وأثار المراسل تساؤلا حول سبب عدم العثور على هذه العبوة رغم امتلاك القوات الإسرائيلية للكثير من الوسائل المتطورة للبحث عن العبوات المفخخة.

وذكر أن هناك روبوتات وطائرات مسيرة وكلاب مدربة، وأن الجنود شديدو الحذر من الدخول إلى المنازل لأنهم يعلمون أنها قد تكون مفخخة.

وأشار المراسل إلى معلومات حصل عليها من الجنود الموجودين حاليا في الميدان من جباليا حتى خان يونس أو مناطق أخرى، تفيد بأن في كل منزل توجد عبوة متفجرة، ومن كل بيتين يوجد بيت فيه مدخل نفق.

مقالات مشابهة

  • إعلام إسرائيلي: كمين خان يونس يكشف أن في كل منزل عبوة مفخخة
  • يوم صعب جدا في إسرائيل.. 21 قتيل وجريح في صفوف الجيش
  • طبيبة إيطالية عائدة من غزة: نجد صعوبة كبيرة في إدخال المساعدات الإنسانية
  • الجيش الإسرائيلي يواجه نقصًا في الجنود يتجاوز 10 آلاف
  • مقتل وإصابة 21 جنديا إسرائيليا في غزة
  • مقتل جنود إسرائيليين في قطاع غزة.. ونتنياهو: "يوم صعب جدا"
  • طبيب جلدية لـ"اليوم": التسلخات الجلدية تنتشر في الحج.. والحل بارتداء الإحرام القطني
  • نتنياهو يصف مقتل الجنود في خان يونس بـ”اليوم الحزين والصعب”.. ووزير الحرب: الكلمات تعجز عن التعبير (تفاصيل ساخنة)
  • مقتل جنود إسرائيليين في قطاع غزة.. ونتنياهو: "يوم صعب جدا"
  • القسام تكشف تفاصيل مثيرة لكمين جباليا.. نسفت رواية الاحتلال