جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-31@15:42:44 GMT

"كيف صنع العالم الغرب؟"

تاريخ النشر: 3rd, July 2024 GMT

'كيف صنع العالم الغرب؟'

 

علي الرئيسي

 

توضِّح جوزفين كوين في كتابها الجديد المعنون "كيف صنع العالم الغرب؟"- من  إصدار "راندوم هاوس"- أن الحضارة الغربية كانت دائمًا فكرة سيئة، أو على أية حال فكرة خاطئة؛ إذ إن تقسيم التاريخ إلى مجموعة من الحضارات المتميزة والمكتفية بذاتها هو مسعى مضلل أدى إلى تشويه فهمنا للعالم بشكل خطير، وتؤكد كوين أنه "ليست الشعوب هي التي تصنع التاريخ؛ بل الناس والعلاقات التي تنشآ مع الجوار معًا من ينشا الحضارة".

 

السيدة كوين، المؤرخة وعالمة الآثار التي تدرس في جامعة أكسفورد، في أكثر من 500 صفحة تحاول تخليص العالم من ما تعلمته أجيال من أطفال المدارس أن يفخروا  باعتباره إنجازات أوروبية. وبدلًا من ذلك، فهي تهدم المفهوم الأساسي لما تسميه "التفكير الحضاري". حجتها بسيطة ومقنعة وتستحق الاهتمام.

وتشير السيدة كوين إلى أن فكرة الحضارة حديثة نسبيًا. تم استخدام الكلمة لأول مرة فقط في منتصف القرن الثامن عشر ولم تسيطر على الخيال الغربي حتى أواخر القرن التاسع عشر. وفي ذلك العصر الإمبريالي، وجد المؤرخون أن الحضارات اليونانية والرومانية والمسيحية تشكل لبنات بناء جميلة يمكن من تراكمها انشاء بناء كبير المظهر، أطلقوا عليه اسم الحضارة "الغربية" أو "الأوروبية". وأرجعوا إليها  مجموعة من الفضائل "الكلاسيكية" الموروثة: القوة والعقلانية والعدالة والديمقراطية والشجاعة للتجربة والاستكشاف. وعلى النقيض من ذلك، اعتبرت الحضارات الأخرى أقل شأنًا.

ولا يتطلب الأمر الكثير من التحليل من جانب السيدة كوين لكشف حماقة هذا النهج. انظر، على سبيل المثال، إلى جون ستيوارت ميل، الفيلسوف في القرن التاسع عشر، الذي يدعي أن معركة ماراثون، أول غزو لبلاد فارس لليونان في عام 490 قبل الميلاد، كانت أكثر أهمية للتاريخ الإنجليزي من انتصار ويليام الفاتح في هاستينغز عام 1066. ويقول المنطق إن لولا النصر الأثيني، فإن البذرة السحرية للحضارة اليونانية ربما لم تتطور إلى حضارة غربية على الإطلاق.

ولنتأمل كتاب "صراع الحضارات" (1996) الذي كتبه صامويل هتنيغتون، المؤرخ الأميركي، الذي أعلن أنه من المستحيل فهم التاريخ دون تصنيفه إلى حضارات معادية بشكل متبادل؛ حيث كان الاتصال بينها "خلال معظم فترات الوجود الإنساني" .. "متقطعا أو معدوما". وحيث يتنبأ بحروب ليس بين الدول بل بين حضارات متناقضة، كحرب بين الغرب والإسلام او افريقيا او الصين.

وما هو غير موجود  او مُغيَّب في هذا التحليل هو صحة هذه الفكرة. تُظهر الرحلة العلمية السريعة التي قامت بها السيدة كوين عبر التاريخ الأوروبي تشير أن الاتصال عبر الثقافات وفيما بينها، بعيدًا عن كونه نادرًا، والذي غالبًا ما يكون عبر مسافات طويلة كان مدهشا، كان المحرك الرئيسي للتقدم البشري في كل عصر. وبدلا من أن تكون هذه المجتمعات شائكة ومنغلقة على نفسها، أثبتت معظم المجتمعات تقبلها للأفكار والانماط والتكنولوجيات من جيرانها.

لم تكن اليونان القديمة- على سبيل المثال- مصدرًا رئيسيًا للأفكار بقدر ما كانت مكانًا لانتقال الافكار من الثقافات المصرية والسومرية والآشورية والفينيقية، والتي كانت هي نفسها قد اختلطت وتبادلت الأفكار. وبدلًا من أن تكون أثينا مصدرًا للديمقراطية، كانت أثينا "قادمة متأخرة إلى حد ما" إلى شكل من أشكال الحكم الذي يبدو أن تمت تجربته لأول مرة في ليبيا وعلى جزيرتي ساموس وخيوس. وتشير كوين إلى أن الفُرس، الذين تم تصويرهم إلى الأبد على أنهم أضداد اليونانيين، فرضوا الديمقراطية في الواقع على المدن اليونانية التي حكموها، مما يشير إلى "إيمان فارسي كبير بالدعم الشعبي لهيمنتهم".

"الحضارة الغربية" لن تكون موجودة دون تأثيراتها الإسلامية والأفريقية والهندية والصينية. ولفهم السبب، تأخذ كوين رحلة عبر الزمن بدءا من ميناء بيبلوس النابض بالحياة في لبنان حوالي عام 2000 ق.م، وكان ذلك في منتصف العصر البرونزي، الذي "افتتح حقبة جديدة من التبادل على مسافات طويلة بانتظام". وتوفر تقنيات التجديد الكربوني المطبقة على الاكتشافات الأثرية الحديثة دليلًا مُقنعًا على مدى "العولمة" التي كان  يعيشها البحر الأبيض المتوسط بالفعل. وقبل 4000 عام، ذهب النحاس الويلزي إلى أسكندنافيا، والقصدير الأسكندنافي باتجاه ألمانيا، لتصنيع أسلحة البرونز. وكان الخرز من العنبر البلطيقي، الذي عثر عليه في مقابر النبلاء الميسينيين مصنعًا في بريطانيا. ألف سنة لاحقًا، كانت التجارة عبر سواحل الأطلسي تعني أن "المراجل الإيرلندية أصبحت شهيرة بشكل خاص في شمال البرتغال".

لقد أعادت كوين سرد قصة الغرب، وتألقت بتركيزها على ما هو غير متوقع وعلى الفجوات بين العوالم والعصور، بدلًا من التركيز على الأحداث التاريخية العظمى والصلبة من التاريخ. وهذا الكتاب يمثل بحثًا قيمًا ورائعًا. وتكشف حواشي السيدة كوين التي يزيد عددها عن 100 صفحة أنها اعتمدت ليس فقط على مجموعة واسعة من المصادر الأولية، ولكن أيضًا على الدراسات العلمية حول تغير المناخ والأبحاث الحديثة جدا المتعلقة بعلم الآثار.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

لم نَعُدْ .. كما كُنّا

صراحة نيوز- عوض ضيف الله الملاحمة

لم نعد كما كنا . إنحدرنا وتغيرنا . ضاعت قيمنا ، وأصالتنا . وتخلينا عن مبادئنا .
وضربنا عرض الحائط تراث أجدادنا . ولم نسعَ للتطور ، والتحضر كما يجب ، بإقتباس الصالح ، وطرح الطالح من الحضارة العالمية .

لو كنا أذكياء لتغيرنا وارتقينا ، لا ان نتمسك بقشور الغرب . او نتحجر في قشور حضارتنا . بل كان علينا ان ننهل من حضارة الغرب وتطوره ، وتقدمه المذهل . بدل ان نتقوقع ، ونتوقف عند ماضينا ، ونتمسك بالمشين منه .

نسينا الجميل من عاداتنا . وإكتسبنا الكثير من سوء طباع الغرب . لديهم الجميل الذي يستحق ان ننهل منه . ولديهم القبيح الذي يفضل ان نتجنبه . كما لدينا الجميل الذي يفترض ان نتمسك به ، ونبني عليه ونطوره ليتماشى مع زمننا الحاضر . كما لدينا القبيح من العادات والتقاليد التي لا تتناسب وعصرنا الحالي ، وهذه علينا ان نطرحها ، ونتجنبها ، ونعمل على تغييرها وإستبدالها بما هو أجمل وأرقى .

لم نعد كما كنا ، ولم نصبح كما نود ان نكون . تُهنا ، وضعنا ، وفقدنا هويتنا ، ولبسنا ثوباً غير ثوبنا .

هناك شعوب عظيمة ، إقتبست ، واكتسبت من الغرب كدول متقدمة تكنولوجياً . فأخذوا التكنولوجيا الغربية ، وقلّدوها ، وصنّعوا شبيهاً لها ، وفي البداية كانت صناعة رديئة . لكن خلال بضعة عقود ، إرتقوا بجودة صناعتهم ، واصبحوا منافسين أقوياء ، وصناعيين جهابذة ، حتى وصلوا مرحلة تجاوزوا فيها الغرب الذي قلّدوا صناعاته ، واصبح الغرب ينجذب لمنتجاتهم ، ويستوردها ، ويفضلها على منتجات اوطانهم .

اليابان خير نموذج على ذلك قبل عدة عقود ، والصين كذلك حالياً ، حيث بدأ البلدان صناعاتهما بتقليد صناعات الغرب ، وفي البداية كانت تتصف برداءة الجودة ، لكنها كانت منخفضة السعر والقيمة ، مما ادى الى توجه شعوب العالم الثالث الفقير المتخلف لاستهلاكها — ومنه أقطار الوطن العربي — ونتيجة لكثافة الاستهلاك ، وزيادة الطلب ، بدأ البلدان بتطوير صناعاتهما ، وتحسين جودتها ، حتى بلغت المنتجات اليابانية رقياً في الجودة يضاهي ويتفوق على الصناعات الغربية . لدرجة ان شركة تويوتا للسيارات تفوقت على شركة جنرال موتورز الأمريكية في الجودة ، وحجم المبيعات ، حتى تغلبت شركة تويوتا على شركة جنرال موتورز واصبحت الأكثر مبيعات على مستوى العالم . لكن ما يستحق الإحترام ان اليابان لم تُغير ولم تُهمل عاداتها وتقاليدها الأصيلة الراسخة ، حتى تقاليد ضيافة الشاي عندهم ، واحترام الزوجات للأزواج لم يتغير منذ عشرات القرون بقيت كما هي ، ولم تتأثر لا بالغرب ولا بغيره .

في تسعينيات القرن الماضي ، عندما كنت أدرس للحصول على درجة الماجستير في إدارة الأعمال . وكانت اغلب البحوث التي أُعدها عن المانيا ، واليابان ، وعمل مقارنات بين الادارة اليابانية والألمانية . وفي أحد المرات وقعت بين يدي مجلة يابانية صادرة باللغة الإنجليزية ، خاصة بحركة صناعية يابانية إسمها ( Zero Defect Movement ) . وهذه الحركة الجريئة تهتم بالصناعات اليابانية التي تخلو من عيوب التصنيع بشكل نهائي . تصوروا ان عدد أعضاء الحركة في السنة الأولى بلغ حوالي ( ١,٢٠٠ ) شركة صناعية ضمنت ، وقدمت الضمانات بأن تخلو منتجاتها الصناعية من عيوب التصنيع ( ١٠٠٪؜ ) ، تصوروا ؟ وكان من شروط الانضمام لتلك الحركة ان تتعرض الشركة التي يتبين ان لديها عيوباً في صناعاتها الى عقوبات قاسية وغرامات مالية عالية .

اما الصين ، فقد اخذت منحى آخر ، حيث بدأت بتقليد الصناعات الغربية واليابانية ، وانتهجت كثافة الإنتاج لتغزو العالم إقتصادياً . ووضعت خطة خاصة لمنتجاتها ، حيث ان الصين تنتج من كل ماده تصنعها عدة مستويات من الجودة . تتدرج من الجودة الرديئة ، الى المتوسطة ، وحتى الجودة العالية المُتقنة . وتركت للمشتري والمستهلك ان ينتقي الجودة التي يريدها ، وتقابلها الكلفة المناسبة . واختارت الصين تصدير منتجاتها عالية الجودة الى الغرب حتى تنافس بالجودة والسعر ، لان الصين إنتهجت سياسة الإنتاج بكميات مهولة لا تُصدق ، حيث تجاوزت مفهوم الغرب عن ال ( Mass Production ) ، وهذا يقلل كلفة الانتاج بشكل كبير . لأن كلف الانتاج تنقسم الى قسمين : قسم التكاليف الثابتة ، وقسم التكاليف المتغيرة . فعند زيادة الانتاج تبقى التكاليف الثابتة كما هي وتقل كلفة الوحدة المنتجة كلما زاد العدد في كميات الانتاج . والزيادة في كلف الانتاج تكون محصورة في الكلف المتغيرة ، وفي الأغلب تكون الزيادة محصورة في المواد الأولية للإنتاج .

في الوقت الحالي وخلال الأعوام الماضية ، بدأت الصين هجوماً إنتاجياً كاسحاً لأسواق العالم بالسيارات الكهربائية ، رخيصة الثمن ، حديثة المواصفات ، مع تحسن ملحوظ في الجودة ، وتطور مذهل في التقدم التكنولوجي . حتى بلغ عدد العلامات التجارية للسيارات الكهربائية الحديثة التي تنتجها الصين حالياً الى حوالي ( ١٥٠ ) علامة تجارية .

وها هي الصين تجتاح العالم بدءاً من أفريقيا ، القارة الفقيرة ، الثرية بثرواتها الطبيعية . حيث تغلغلت الصين عن طريق تمويل مشاريع البنية التحتية كالطرق ، والجسور ، والسدود ، والكهرباء ، والمياه وغيرها ، بتمويل وتنفيذ صيني مئة بالمئة ، وتدير المشروع ، وتتحصل على ايراداته لبضعة عقود ، ثم تسلمه للدولة الوطنية بعد ذلك . وأيضاً ما يستحق الإحترام ان الصينيين لم يغيروا شيئاً من عاداتهم وتقاليدهم البته ، وها هم متمسكون ومتشبثون بها وليس لديهم أدنى إستعداد لمجرد إجراء اي تغيير او حتى تحديث عليها .

ولدينا مثل رائع آخر على تطور الدول ونهضتها يتمثل فيما وصلت اليه دولة رواندا الأفريقية . حيث نهضت من دولة مزقها العنف القبلي ، والإبادة الجماعية ، والحرب الأهلية عام ١٩٩٤ ، الى نموذج للتنمية والإزدهار . تبنت رواندا رؤية طموحة للتنمية ، رؤية ٢٠٢٠ ، تضمنت أهدافاً في مجالات مختلفة مثل : الإقتصاد، والصحة ، والتعليم . ونجحت رواندا في تحقيق نمو إقتصادي سريع ، وتحسين مستوى دخل الفرد ، ومكافحة الفساد ، وتحسين مؤشر التنمية البشرية . وها قد نهضت رواندا رغم خضوعها للاستعمار الألماني والإستعمار البلجيكي ، ويتعايش فيها عدة قوميات وديانات ، وإثنيات بسلام ووئام .

أما نحن العرب ، فنتفوق بشيء واحدٍ وحيد هو المغالاة في الإستهلاك لمنتجات الغير . لدرجة اننا اصبحنا عالة على المجتمع الدولي ، الذي يُفرحه عجزنا وتخلفنا لاننا سوقاً إستهلاكياً كبيراً وعظيماً .

رغم حساسية وخطورة ما سأقول الا انني سأقول كلمة الحق مهما كانت تبعاتها . السبب الرئيسي في تخلفنا يكمن في نظامنا الرسمي العربي . فهو لا يودنا ان نكون كما كنا . ولا يودنا ان نكون كما نود ان نكون . بل يودنا ان نكون كما هو يودنا ان نكون عليه . وها نحن نعيش حياة القمع ، والتخلف ، والإخراس ، والجبن ، والإتكالية ، ونبذ الفكر والتقدم ، والتطور ، والتحضر . وان يكون دورنا محصور في الدوران في فلكهم ونحن أذلاء ، خانعين ، نجيد تأليههم فقط . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

مقالات مشابهة

  • كمبوند كوين لاند العاصمة الإدارية queen land new capital
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا
  • أول طائرة ركاب نفاثة في العالم تستعيد مجدها.. فهل كانت آمنة؟
  • لم نَعُدْ .. كما كُنّا
  • المحتوى الهابط يضع “نتالي وهدى كوين” خلف القضبان لمدة 4 أشهر
  • أكاذيب الكيان الصهيوني التي لا تنتهي
  • أخبار السيارات | مدينة يركب 76% من سكانها سيارات كهربائية فقط .. أغلى سيارة في التاريخ في مزاد علني
  • الفظائع التي لن ينساها التاريخ
  • الدور السابع
  • أحمد موسى: كلمة الرئيس السيسي بشأن غزة كانت مرتجلة ورسالة مباشرة إلى العالم