لجريدة عمان:
2025-05-22@06:08:24 GMT

السياسات العامة والتحول الاجتماعي

تاريخ النشر: 6th, July 2024 GMT

أفرز التحول الحكومي في سلطنة عُمان خلال السنوات الأربع الفائتة عددًا من السياسات العامة، بعضها سياسات اجتماعية مباشرة تتماس مع مبدأ التمكين الاجتماعي، وبعضها سياسات (اقتصادية - اجتماعية) تتلاقى مع مبدأ التمكين الاجتماعي من زاوية اقتصادية (إنتاجية)؛ ويفترض في هذه السياسات ثلاثة اعتبارات مهمة: أولها أن يكون هناك تحول واضح تنشدهُ في المجتمع، وهذا التحول قد يكون تعزيز التمكين الاقتصادي والاجتماعي، أو دعم إنتاجية الأفراد، أو تحفيز بعض الأنماط الثقافية المرتبطة بالجانب الاقتصادي.

أما الاعتبار الثاني: فهو أن يكون لها مؤشرات أداء وتقييم أثر بشكل دوري حسب طبيعتها؛ فقد تقتضي تلك الطبيعة أن تظهر بعض نتائج تطبيق تلك السياسة خلال عام إلى عامين، وقد تظهر نتائج وآثار تلك السياسات على المدى المتوسط أو الطويل، أما الاعتبار الثالث والأهم فهو أن يكون هناك توافق على آلية وحوكمة تقييم ومتابعة ودراسة أثر تلك السياسات. وأن تكون تلك الآلية محددة بإطار زمني وإطار مؤسسي ونوعية الأدوات التي سوف تستخدم للمراجعة وقياس الأثر.

ذلك على المستوى النظري؛ أما على المستوى التطبيقي، فإن من السياسات التي أفرزها التحول الحكومي سياسات وبرامج دعم الحماية الاجتماعية، وسياسات دعم تحول الإدارة إلى الإدارة المحلية، وسياسات زواج العُمانيين من أجانب، وسياسات وضع نظم لتمكين الإنتاجية وقياس أداء الموظفين الحكوميين، وسياسات مراجعة بعض أشكال الدعم الحكومي للسلع والخدمات، وسياسات تشجيع ودعم التحول إلى ريادة الأعمال، بالإضافة إلى سياسات التشغيل بأشكالها المستجدة، وسواها كلها سياسات إما أن تكون متصلة بالمجتمع بصورته المباشرة أو متلاقية معه في شقيه الاقتصادي والإنتاجي. ولكن يبقى السؤال من الذي يعطينا المنظور العام لتأثير وأثر تلك السياسات عمومًا على تحول المجتمع؟ بمعنى هل هناك تحول في سمة اجتماعية أو في بناء وتركيب المجتمع نتج عن تلك السياسات؟ هل دفعت تلك السياسات مثلًا إلى تركيز أفراد المجتمع على قيم الإنتاجية، ودفعهم إلى تعزيز كفاءتهم الوظيفية والتركيز على استخدام مواردهم بأقصى قدرة ممكنة لخدمة سياق العمل الذي ينشطون فيه؟ وهل دفعت تلك السياسات المجتمع إلى إعادة التفكير في مؤسسة الزواج، والنظر بشكل واع إلى الخيارات الزواجية، وفهم ضرورات بناء أسرة متماسكة تستطيع إدارة مواردها لتحسين أنماط حياتها؟ وغير ذلك من الأسئلة التقييمية التي تبنى على مسوغات وأهداف كل سياسة عامة؛ سواء تصدرت تلك السياسة في شكل تشريعي (قوانين ولوائح) أو كانت في صيغ توجيهات أو خطط وبرامج.

فعلى سبيل المثال لو أخذنا السياسات المرتبطة بدعم منظومة الحماية الاجتماعية وتمكينها فإن أسئلة الأثر التي يمكن أن تطرح على المدى المتوسط في إطار تقييمي قد تشمل الآتي:

- هل حققت تلك السياسات أداة ممكنة للفئات الأكثر احتياجًا في المجتمع في سبيل تحسين جودة حياتها ووصولها للفرص التي تضمن مساهمتها في التنمية بشكل فاعل؟

- هل استطاعت تلك السياسات تحسين مستويات الاستهداف لبرامج وحزم منظومة الحماية الاجتماعية؟ وهل قللت الفجوات أو التفاوت في الدعم؟

- هل وفرت تلك السياسات ظروفًا أفضل لاستدامة إنتاجية العاملين في قطاعات العمل؟ وهل قللت الفجوات بين القطاعات المختلفة في تلك الظروف؟

- هل أمنت تلك السياسات ظروفًا أفضل للطبقات المتوسطة ومحدودة الدخل في المجتمع بحيث تضمن مساهمتها وإنتاجيتها العالية في التنمية وتمكين قدرتها الشرائية؟

- وكسؤال تكويني: هل استجابت تلك السياسات عمومًا للتغيرات والتحولات المستمرة في احتياجات وتطلعات وظروف المجتمع، بما يمكنها أن تكون مرنة تجاه الأهداف التي وضعت لها؟

هذه أسئلة تقييم نموذجية على نمط من أنماط السياسات التي تم وضعها، ويمكن مقابل كل سؤال من تلك الأسئلة وضع الأدوات العلمية والمنهجية المناسبة والموضوعية للوصول إلى مُكنة التقييم الأمثل لتلك السياسات.

من المؤكد أن هناك أدوارًا مؤسسية وعملا قائما للمؤسسات التي تملك هذه السياسات أو تستصدرها في سبيل مراقبتها وتقييمها، ولكن مبدأ السياسات العامة واستنادًا إلى كونها عمومية فإن الآثار المتوقعة من تطبيقها من الطبيعي أن تتجاوز حدود ذلك القطاع/ المجال الذي تنشط فيه تلك السياسة العامة. وهو ما يفرض تقييمًا شموليًا (متعدد القطاعات) لآثار تلك السياسات. فإن قامت حكومة ما بخصخصة قطاع خدمي معين (على سبيل المثال)، فإن الأثر قد ينتج وفرًا ماليًا للحكومة، وقد ينشط دور مكونات القطاع الخاص في خدمة التنمية، ولكنه قد يخضع تلك الخدمة لأسعار السوق، وقد يفرض تفاوتًا في جودة تقديم تلك الخدمة، وقد يفرض أعباء فيما يتعلق بالقدرة على حوكمة القطاع لاحقًا، وقد ينتج توترًا اجتماعيًا إزاء تلك الخدمة، إذن ما نريده قوله: إن أثر السياسات العامة متشابك وتعقيدي، وهو ما يفرض وجود رؤية مستقلة وشاملة وتكوينية للوصول إلى الحكم على الأثر الحقيقي.

وفي هذا الصدد تهتم حكومات العالم في السنوات الماضية بمسائل تقييم ومراجعة السياسات العامة، وتخصص لها اللجان المستقلة، أو الوحدات داخل مركز الحكومة في هذا الصدد. ومن هذا المنطلق نرى في المرحلة المقبلة أهمية وجود وحدة مخصصة لتقييم السياسات الاجتماعية بمسمى وحدة السياسات الاجتماعية وتمكّن تلك الوحدة بالخبراء والكفاءات الممكنة في هذا الإطار والتي تمكنها من أداء أدوار مراجعة اتساق تلك السياسات الاجتماعية، والتنبؤ بآثارها المسبقة، واقتراح حوكمتها، ووضع الأدوات المنهجية لمتابعة وتقييم تلك السياسات. إضافة إلى الدور الأهم وهو التأكد ودراسة تأثير أي شكل من أشكال السياسات العامة الأخرى (اقتصادية – تجارية – مالية ..) على المجتمع وتركيبه ونوعية الحياة فيه. صحيح أن هذه الأدوار اليوم تتفرق بين مؤسسات قائمة؛ ولكن وجود هذه الوحدة سيعمل كإطار أكثر تنظيمًا خاصة في مجال مراجعة الاتساق والمواءمة للسياسات العامة مع السياسات الاجتماعية.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السیاسات الاجتماعیة السیاسات العامة السیاسات ا

إقرأ أيضاً:

التضامن: 12 مليون جنيه قيمة مساعدات مؤسسة التكافل الاجتماعي خلال 4 شهور

ترأست الدكتورة مايا مرسي وزيرة التضامن الاجتماعي رئيس مجلس أمناء المؤسسة العامة للتكافل الاجتماعي، اجتماع مجلس أمناء المؤسسة، بحضور اللواء عبد الحكيم حمودة نائب رئيس مجلس الأمناء، وأيمن عبد الموجود الوكيل الدائم لوزارة التضامن، وأعضاء مجلس الأمناء، وعبير سيد المديرة التنفيذية للمؤسسة العامة للتكافل الاجتماعي.

وشهد الاجتماع  استعراض عدد من محاور عمل المؤسسة، حيث بلغ إجمالي قيمة المساعدات المالية للمؤسسة العامة وأفرعها على مستوى 27 محافظة في الفترة من الأول من يناير وحتي 30 إبريل الماضي ما يزيد على 12 مليون جنيه استفاد منها 18850 مستفيدا ومستفيدة من الأسر الأولي بالرعاية، كما بلغ إجمالي المساعدات العينية التي قامت المؤسسة بتوزيعها خلال تلك الفترة ما يقرب من 8 ملايين جنيه لعدد 8548 مستفيدا ومستفيدة .

وتناول الاجتماع مناقشة عدد من المحاور التنظيمية التي تهدف لتطوير العمل المؤسسي، كعرض الموقف التنفيذى لجميع مشروعات التمكين الاقتصادي بالمؤسسة، وتوقيع بروتوكول تعاون بين المؤسسة العامة للتكافل الاجتماعي وشركة فوري لتكنولوجيا البنوك والمدفوعات لإصدار كارت "ماي فوري" بمميزاته لعملاء المؤسسة لتلقي الدعم النقدي، وكذلك الربط مع برنامج الدعم النقدي "تكافل وكرامة" للاستعلام عن المستفيدين المتقدمين للاستفادة من خدمات المؤسسة سواء مساعدات مالية وعينية وقروض لإقامة مشروعات متناهية الصغر.

جدير بالذكر أن المؤسسة العامة للتكافل الاجتماعي تستهدف تغطية جميع الفئات التى لا ينطبق عليها قانون الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، ويتم تقديم المساعدات بكافة أنواعها والممثلة في المساعدات المالية للحالات والأمراض المزمنة والأرامل والمطلقات والهجر ومعدومي ومحدودي الدخل، كذلك الحالات الملحة، بالإضافة إلى توفير الأجهزة التعويضية لذوي الإعاقة وغيرها ويصل عدد فروع المؤسسة إلى 27 فرعا على مستوى الجمهورية.

طباعة شارك التضامن الاجتماعي مايا مرسي تكافل وكرامة

مقالات مشابهة

  • بلدية الظفرة تطلق «شواطئنا مسؤوليتنا»
  • بالصور.. مساعد وزير التعليم للتطوير والتحول يدشن ملتقى ومعرض التوعية بالأمن السيبراني بتعليم جازان
  • المستشارين يسائل رئيس الحكومة حول الحماية الاجتماعية
  • التضامن: 12 مليون جنيه قيمة مساعدات مؤسسة التكافل الاجتماعي خلال 4 شهور
  • تحذيرات إسرائيلية: المجتمع يفقد مناعته الاجتماعية ويتجه نحو الانهيار الداخلي
  • كلية الحقوق السويسي تناقش الدولة الاجتماعية.. المرجعيات السياسات والرهانات
  • محافظ الدقهلية يتفقد الادارة العامة لنظم المعلومات والتحول الرقمي المشرفة علي المراكز التكنولوجية
  • مدير عام فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ورئيس النيابة العامة بجازان يعقدان اجتماعًا مشتركاً
  • شباب الشيوخ توافق على مقترح الحافز الاجتماعي وتشجيع ثقافة التطوع
  • الضمان الاجتماعي: رواتب المتقاعدين في الحسابات البنكية الخميس المقبل