في تفنيد مقولة «مقاومة التغيير»
تاريخ النشر: 13th, July 2024 GMT
Your browser does not support the audio element.
تشيع في الإجراءات المرتبطة بالتغيير دائمًا مقولة «مقاومة التغيير»، في إشارة إلى عدم قبول المستهدفين بالتغيير لآلياته وإجراءاته وفكرته وفلسفته أو بعض تفاصيله وطريقة تطبيقه. ولذا فإن أي مشروع أو مبادرة أو سياسة مستجدة تستهدف إحداث تحول في سياق ما أو مجتمع ما يستلزم خطة لإدارة التغيير؛ وتعنى هذه الخطة بفهم عدة جوانب أساسية وهي:
1-السياق النفسي والاجتماعي للأفراد/ المجتمع/ الفئة المستهدفة بالتغيير.
2-المُكنة الثقافية والمعرفية للأفراد/ المجتمع/ الفئة المستهدفة بالتغيير.
3-السياق الزمني وطبيعة العوامل الداخلية والخارجية التي قد تتعرض لها عملية التغيير.
4-التجارب السابقة المثيلة وآليات مقاومة التغيير.
5-المنافع (المكاسب)/ الخسائر (المزايا المفقودة) لكافة الأطراف التي سوف تتأثر بعملية التغيير.
وعليه؛ فإن هذا الفهم والتحليل الدقيق والقائم على أدلة ومصادر موضوعية، وعلى معايشة للمجتمع، ومتابعة لتغيراته هو الذي يؤدي إلى قبول المشروعات والمبادرات والسياسات المستجدة، والتفاعل معها، والاستجابة لمعطيات تنفيذها، وإحلال التوافق المجتمعي مع مستهدفاتها ومقاصدها.
تظهر مقاومة التغيير في العادة نتيجة لثلاثة اعتبارات أساسية، وهذه الاعتبارات تحتها مجموعة من الأسباب؛ وهذه الاعتبارات إما أن تكون مرتبطة بسياق المجتمع نفسه وهو ما يُعرف بالتحيزات المعرفية Cognitive biases؛ مثل رغبة الأفراد بالإبقاء على الوضع الراهن Maintain the status quo لأنهم يرون في الوضع الراهن أكثر توافقًا مع حالتهم وقدرتهم الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والمعرفية أو خوفًا من عدم اليقين أو غموض المستقبل، أو عدم توفر الكفايات والدافعية الملائمة من ناحية الحوافز والمهددات لدفعهم لقبول التغيير. وإما أن تكون مرتبطة بسياق الظروف المحيطة بعملية التغيير؛ مثل سرعة المتغيرات الأخرى وحاجة الأفراد للاستجابة لأكثر من متغير في آن واحد، أو عدم الثقة نتيجة تجارب معاينة في اللحظة أو تجارب سابقة عايشتها الفئة الموجه إليها التغيير، أو ظهور تحديات اقتصادية واجتماعية وثقافية قد تكون تحدّ من قدرة الأفراد على قبول التغيير بالنمط والسرعة التي يتوقعها صانع التغيير. وإما أن تكون تلك الاعتبارات ثالثًا مرتبطة بسياق إدارة التغيير نفسه؛ وهنا غالبًا تنشأ نتيجة اختلال منظومة البحث والتهيئة المستبقة التي تحدثنا عن عناصرها في مطلع المقالة. يتبقى القول هنا إن مقاومة التغيير لم تعد أمرًا طارئًا أو مفاجئًا؛ بل يدخل التبنؤ بها استباقيًا وتوقعها ووضع الآليات والإجراءات المسبقة لها قبل الشروع في تطبيق إجراءات التغيير؛ ذلك أن علم إدارة التغيير ومع تضافر العلوم والبحوث الرافدة له، سواء في علم السلوك أو علم النفس والاجتماع والإدارة والأعصاب وعلم الاستراتيجيا أصبح اليوم أكثر مُكنة من قراءة متغيرات النسق الاجتماعي الموجه للتغير والتنبؤ بطبيعة استجابته والمخاطر التي قد تنشأ نتيجة رد فعل الأفراد على عملية التغيير.
ولكن؛ من المهم جدًا عند تقييم مبادرة/ مشروع/ سياسة معينة أن ننتبه إلى التفريق بين أمرين أساسيين، وهما مقاومة التغيير وخطأ المبادرة أو المشروع أو السياسة ذاتها؛ فلا يصلح اليوم الاستناد إلى مقاومة التغيير كـ (تبرير مباشر) لفشل أي مبادرة أو مشروع أو سياسة دون التحقق من كافة النقاط التي يجب أن تقيم على ضوئها هذه الإجراءات وطرائق التطبيق بشكل متكامل وموضوعي. فقد تفشل المبادرة/ المشروع/ السياسة لأنها لم تقم بالإجراءات التحضيرية المسبقة والتي هي بمثابة بوصلة أولى لفهم الفئة التي يتوجه إليها التغيير، أو لأنها اختارت توقيتًا غير مناسب للتطبيق، أو أنها غير واضحة ومحفوفة بعدم اليقين والغموض تجاه مآلاتها، أو لأنها لم تقدم المعلومات الكافية للمستهدفين على جدواها ومنافعها، أو لأنها تشعر المستهدفين بخسارة مكتسب يعتبرونه أصيلا بالنسبة لهم دون وضوح المكتسب الذي يمكن أن يتحصلوا عليه. وقد تفشل المبادرة/ المشروع/ السياسة لأنها لم تراع السياق النفسي والاجتماعي للفئة المتوجه إليها التغيير، أو لأنها لم تأخذ عامل التدرج، أو لأنها تستحضر لدى الأفراد ذاكرة سلبية في تجارب سابقة معايشة، وقد تفشل كذلك لأن إجراءاتها لا تلامس العدالة الاجتماعية (في أعين المستهدفين)، وقد تفشل لأنها لم تحسن اختيار قيادات التغيير المناسبين للتهيئة لها وتشجيع الفئة المستهدفة على قبولها، أو لأنها لا تراعي ظروف النقطة المرجعية لما قبل وبعد إنفاد تطبيق المبادرة أو المشروع أو السياسة. وقائمة الأسباب قد تطول، لكن ما نريد الوصول إليه هو أن النظر من منظور (مقاومة التغيير) كخطوة أولى ومباشرة لتبرير عدم قبول إجراءات التغيير يجب أن يكون منظورًا حذرًا ولا يرتكن إليه وحده، وأن التقييم العادل والموضوعي لقبول ونجاعة أي مبادرة/ مشروع/ سياسة يجب أن يضع كل الاحتمالات ومن كل الأطراف وفي كل الاتجاهات في الحسبان للوصول إلى الحكم الدقيق على مقاصد التغيير.
يستلزم هذا التفنيد على المستوى التطبيقي مساءلة إجراءات تطوير المبادرات والمشروعات والسياسات وفق أطر وطنية محكمة، لتجويد عمليات اقتراحها وتأطيرها وتقييمها لاحقًا. وهناك عناصر أساسية نعتقد بضرورة وجودها في هذه الأطر لكل مبادرة أو مشروع أو سياسة مثل: الدراسة المسبقة للسياق المجتمعي (ويتوجب أن تكون متعددة الأدلة والمصادر)، وخطة التهيئة المجتمعية، وخطة الاتصال المجتمعي، وخطة مشاركة المجتمع في التقييم والتغذية الراجعة، بالإضافة إلى قائمة التحقق من تنفيذ كل متطلبات إعداد المبادرة أو المشروع أو السياسة. إن وجود مثل هذه الأدوات سيمكن منظومة صنع القرار من معرفة المسارات والأدوات الدقيقة لتقييم ناجع لمسار تطبيق المبادرات والمشروعات والسياسات، والتحقق الدوري منها، وتطويرها بشكل مستمر بما يخدم الاتجاهات والمقاصد الوطنية.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مبادرة أو مشروع أو لأنها لم أو لأنها أن تکون
إقرأ أيضاً:
خبراء سياسة وقانون: ترامب يدمر الرئاسة الأميركية
أجمع خبراء سياسة وقانون أميركيون على أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يشن هجمات ممنهجة على مؤسسات الدولة في محاولة لتوسيع سلطته وتحجيم الرقابة، وذلك وفق مقال كاتب العمود بصحيفة نيويورك تايمز توماس إدسال.
وضمّن الكاتب في مقاله محادثات مع عدد من الخبراء، ووجد أن حملة ترامب "المدمرة" تعد "سابقة خطيرة" تهدد مستقبل الديمقراطية الأميركية بل وأسس الرئاسة نفسها.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 25 نقاط رئيسة حول قبة ترامب الصاروخية "الذهبية"list 2 of 2خبير عسكري: 3 عوامل دفعت إسرائيل تاريخيا لإيقاف حروبهاend of listوشملت أهداف الرئيس القانون والتعليم العالي والبحث الطبي والمعايير الأخلاقية والتحالفات الخارجية وحرية التعبير والخدمة المدنية والدين ووسائل الإعلام وغيرها، حسب الكاتب.
وذكر المقال أن ترامب ركز على تفكيك ما يُعرف بـ"الدولة العميقة" من خلال تقليص دور الموظفين الحكوميين، وتقويض ثقة الرأي العام بمؤسسات البلاد عبر نشر نظريات المؤامرة واتهام خصومه بالخيانة أو الفساد.
كما سعى ترامب إلى تقليص تمويل مراكز البحث العلمي مثل "المعاهد الوطنية للصحة" و"مؤسسة العلوم الوطنية"، وفق المقال، مما أثار تحذيرات من أن الولايات المتحدة قد تفقد مكانتها كدولة رائدة في الابتكار والبحث.
وأشار الكاتب أيضا إلى علاقات البلاد الخارجية، فقد هاجم ترامب تحالفات أميركا التقليدية، وأثار خلافات دبلوماسية مع شركاء رئيسيين، مما دفع البعض إلى التشكيك في موثوقية واشنطن كحليف طويل الأمد، خاصة بعد انسحابها من اتفاقيات ومبادرات دولية كبرى.
إعلانوأكثر ما يثير قلق إدسال، وفق مقاله، هو صعوبة إصلاح ما "أفسده" ترامب على المدى الطويل، خاصة في مجال العلاقات الخارجية والقطاع الحكومي.
وفي هذا الصدد أكد أندرو روداليفيج، الخبير السياسي من كلية بودوين، أن طرد ترامب الممنهج للموظفين الحكوميين سيخفض من كفاءة الحكومة وخبراتها وتقدمها على المدى الطويل، كما نقل المقال.
وأضاف أستاذ التاريخ في جامعة برينستون شون وِلِنتز أن ما يقوم به ترامب "لا سابق له في التاريخ الأميركي"، وأن "تجريف الخبرات من المؤسسات الأميركية تحت ذريعة القضاء على الفساد وحفظ المال أمر كارثي، وقد لا يمكن إصلاحه أبدا" وفق المقال.
ونقل المقال قول بول روزنزوغ، مساعد وزير الأمن الداخلي في عهد الرئيس جورج بوش الابن، إن "الخسارة ليست في حجم الضرر فحسب، بل في أن العالم لن يثق مجددا بأن شخصية مثل ترامب لن تعود".
ويرى الخبراء أن حملة ترامب ليست مجرد نزوة شخصية، بل جزء من خطة تدعمها تيارات محافظة تسعى إلى استغلال حكم الرئيس لفرض أجندات تغير تنظيم البلاد، وأبرزها ما تضمنه "مشروع 2025" الذي يهدف إلى إعادة هيكلة السلطة التنفيذية لصالح قوى يمينية متشددة.