لجريدة عمان:
2025-07-12@12:13:02 GMT

الانتماء الوطني في مواجهة العولمة الثقافية

تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT

الانتماء الوطني في مواجهة العولمة الثقافية

قبل عقدين من الزمن كان الحديث عن خطر تأثير العولمة على القيم الوطنية والثقافات المحلية قد بلغ ذروته، ورغم أن البعض اعتقد أن ذلك الخوف والتحذير غير منطقي إلا أن آثاره تبدو اليوم واضحة جدا، وباتت الكثير من المجتمعات تدعو وتنادي بأهمية تعزيز قيمها الوطنية والحفاظ على الهويات من التآكل الذي بات ينخر في عمقها نتيجة الضخ الكبير لهويات وقيم وافدة لا تنتمي ولا تستقيم مع الحضارة الإسلامية، وبعيدة كل البعد عن الفطرة السليمة من المنظور الإنساني البحت قبل المنظور الديني.

لقد أدت العولمة التي روج لها بوصفها عاملا محوريا لتعزيز التواصل بين الشعوب إلى تآكل الهوية الوطنية لكثير من المجتمعات. ومع تزايد نفوذ القيم والمبادئ التي لا تنتمي بالضرورة إلى ثقافاتنا الشرقية، على سبيل المثال، أصبح الحفاظ على الهوية الوطنية ضرورة ملحة، ليس فقط لضمان الاستمرارية الثقافية، بل للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والنفسي للأفراد.

لقد أشار الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو إلى أن «الوطنية ليست فقط حبا للأرض، بل هي أيضا حب للقيم التي تحملها هذه الأرض». هذه الكلمات تلخص بشكل بليغ العلاقة العميقة بين الهوية الوطنية والقيم التي تحملها. ولكن اليوم، نجد أن هذه القيم مهددة من قبل تأثيرات عولمية تسعى إلى إلغاء الفوارق الثقافية بين الشعوب.

ليس من المستغرب أن يتأثر الأفراد، لا سيما الأجيال الشابة، بهذه المتغيرات؛ فوسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة تُغرقاننا بوابل من الثقافات المختلفة، حتى يكاد يضيع مفهوم الانتماء الوطني في خضم هذا التدفق المتسارع للمعلومات وما تحمله في داخلها من أفكار تشكل قيما جديدة وغريبة.

إن الدعوة التي تتزايد في كل مكان في دول الشرق ودول الجنوب العالمي لا تعني الانفصال عن العالم أو نكران القيم المشتركة التي تربط بين الناس في كل مكان، ولكنها تعني الحفاظ على قيمنا التي تشكلت عبر قرون طويلة، وهذه الدعوة بهذا المعنى موجودة حتى في الفكر الغربي، ويمكن هنا استعادة دعوة الفيلسوف الألماني كانط الذي كان ينادي بـ«الالتزام بالقيم الإنسانية المشتركة مع الحفاظ على خصوصية الهوية الوطنية». قد يبدو هذا التوازن صعب التحقيق، لكنه ضروري لضمان ألا تتحول الهوية الوطنية إلى مجرد شعار فارغ.

إن أهمية الحفاظ على قيم الانتماء الوطني لا تقتصر على الجانب العاطفي أو العرفي فحسب، بل تتعدى ذلك لتصل إلى جوانب جوهرية من الاستقرار الاجتماعي. فالأمة أو الشعب الذي يفقد هويته يتعرض للانهيار من الداخل؛ لأن أفراده يفقدون رابطهم المشترك. يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي «كي يستعيد العالم الإسلامي مكانته، عليه أن يتشبث بقيمه الوطنية والثقافية، دون الانفصال عن القيم الإنسانية المشتركة».

لكن، كيف يمكننا تعزيز هذه القيم في زمن التحولات المتسارعة؟ الحل يكمن في العودة إلى الجذور، من خلال التركيز على التعليم الوطني الذي يعزز فهم الأجيال الجديدة لتاريخها وثقافتها. ويجب أن تكون الفنون والآداب المحلية جزءًا من هذا الجهد، لأنها تعكس الهوية الوطنية بشكل فني وجمالي.

إن قيم الانتماء الوطني ليست مجرد شعور عابر، بل هي جزء من كيان المجتمع. وإذا أردنا الحفاظ على استقرارنا الاجتماعي والنفسي في هذا العالم المتغير، فإن تعزيز هذه القيم يجب أن يكون في صدارة أولوياتنا. كما قال غاندي: «القوة الحقيقية للأمة تكمن في وحدة قيمها، وليس في عدد سكانها».

لكن تحقيق ذلك لن يحدث بجهد الحكومات وحدها، ولكن بجهد مجتمعي يعكس هذه الرغبة ويصر عليها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الانتماء الوطنی الهویة الوطنیة الحفاظ على

إقرأ أيضاً:

محافظ الغربية يدير حوارا مع رموز الأزهر لدعم الوعي العام وترسيخ القيم الوسطية

استقبل اللواء أشرف الجندي، محافظ الغربية، بمكتبه في ديوان عام المحافظة، وفدًا من المنظمة العالمية لخريجي الأزهر بمحافظة الغربية، وذلك بحضور الأستاذ الدكتور حمدي سعد، عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بطنطا، والدكتور سيف رجب قزامل، أستاذ الفقه المقارن والعميد الأسبق للكلية، والشيخ محمد عبد الموجود، شيخ المسجد الأحمدي، في لقاء يعكس تقدير المحافظة للدور الريادي الذي يقوم به الأزهر الشريف وعلماؤه في خدمة المجتمع وتعزيز الخطاب الديني الوسطي.

دعم الأزهر في بناء الوعي المجتمعي

أكد محافظ الغربية خلال اللقاء أن الأزهر الشريف يُعد من أهم ركائز الدولة المصرية في بناء الوعي وتحصين المجتمع، مشيرًا إلى أن مؤسساته التعليمية والدعوية تمثل شريكًا أساسيًا في تنمية الإنسان وترسيخ مفاهيم الانتماء والتسامح والتوازن الفكري.

وأوضح اللواء الجندي أن هذا اللقاء يأتي ضمن توجه الدولة لتعزيز التكامل بين المؤسسات التنفيذية والدينية، مشيدًا بالمكانة الروحية والعلمية التي تمثلها محافظة الغربية لاحتضانها المسجد الأحمدي، باعتباره منارة دينية وتاريخية ينبغي استثمارها لترسيخ الفكر المستنير وربط الدين بالواقع بأسلوب وسطي راقٍ.

تقدير متبادل وشراكة وطنية

من جانبهم، أعرب أعضاء الوفد عن تقديرهم لحفاوة الاستقبال وحرص المحافظ على فتح آفاق التعاون مع علماء الأزهر، مؤكدين أن العلاقة بين المؤسسات الدينية ومحافظة الغربية تُجسد نموذجًا يُحتذى في الشراكة لخدمة قضايا الوطن والارتقاء بالمجتمع.

وفي ختام اللقاء، قدّم الوفد درعًا تذكاريًا إلى اللواء أشرف الجندي، تقديرًا لدعمه المتواصل للمؤسسات الدينية والعلمية، واعترافًا بجهوده البارزة في دعم الوعي الوطني وترسيخ قيم الوسطية والاعتدال داخل المجتمع.

مقالات مشابهة

  • السيد ذي يزن: البرنامج استكمال للجهود الوطنية الرامية إلى صقل مهارات الشباب وتوجيه طاقاتهم نحو مجالات البناء الوطني
  • أمير هشام: في وقت انعدم فيه الانتماء .. مصطفى محمد يثبت ولاءه للزمالك
  • لقاء مهم بين حزب الأمة القومي وحركة العدل والمساواة السودانية يؤكد وحدة الصف الوطني ودعم الانتقال المدني والسلام الاجتماعي
  •  بن ستيتي يكشف التشكيلة الأساسية لسيدات المنتخب الوطني في مواجهة تونس
  • أبي المنى: الشراكة الوطنية تفرض علينا الحفاظ على تماسكنا الداخلي
  • متحف زايد الوطني يفتح أبوابه في المنطقة الثقافية بالسعديات خلال ديسمبر المقبل
  • الأحوال المدنية: يمكن الاحتفاظ ببطاقة الهوية الوطنية أو سجل الأسرة عند التعويض عنها
  • محافظ الغربية يدير حوارا مع رموز الأزهر لدعم الوعي العام وترسيخ القيم الوسطية
  • الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين تؤكد دعمها لمشروعي القانونين المتعلقين بالمجلس الوطني للصحافة والنظام الأساسي للصحافيين
  • بلمهدي: قطاع الشؤون الدينية حارس للهوية الوطنية من خلال المساجد والمراكز الثقافية