تداعيات هجمات الحوثيين تتوسع وتؤثر عربيا ودوليا وملفات المنطقة تتعقد أكثر (تحليل)
تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT
تتصاعد الأحداث في المنطقة العربية منذرة بمزيد من التعقيد والتصعيد بشكل غير مسبوق، غير أنها هذه المرة تتخذ من اليمن منطلقا لكل التداعيات التي تعيشها المنطقة.
وأدى الصراع الذي تخوضه جماعة الحوثي في البحر الأحمر نصرة للقضية الفلسطينية، وفقا لتصريحاتها، منذ أكتوبر الماضي، إلى خلق واقع جديد، جذب كل أنظار العالم إلى اليمن أولا، والمنطقة ثانيا.
وتمكنت جماعة الحوثي من خوض معركة طويلة برا وبحرا، واستطاعت مجابهة العديد من القوى الدولية، التي حضرت للمنطقة، متخذة من الشكل العسكري سمة لها في مواجهة تهديدات الحوثيين، وهو ما أوجد قوى عسكرية جديدة تحيط باليمن، كالقوة الأوروبية، والحضور الأمريكي، وغيرهما.
بدأت الجماعة هجماتها في البحر الأحمر بهدف تهديد المصالح الدولية لدفعها نحو اتخاذ خطوة لإيقاف العدوان الإسرائيلي في غزة، لكنها تطورت لاحقا لتشمل بعداً أكبر، من خلال استهداف القوة الناعمة المرتبطة بإسرائيل، كالسفن التجارية، وكذلك استهداف العتاد الحربي التابع للولايات المتحدة، والإتحاد الأوروبي.
غير أن التطور الأبرز هو ظهور جماعة الحوثي كتيار يدور ضمن ما يعرف بمحور المقاومة، التابع لإيران، وهي حقيقة لا تخفيها الجماعة، بل وسعت لتكريسها وترسيخها من خلال تزامن هجماتها مع هجمات من دول أخرى كالعراق، ما جعل المنطقة في طور التطويق الكامل لمحور المقاومة، الذي تتحكم به طهران، وتجنده لصالح أجندتها.
هذا الظهور للحوثيين كجماعة في دائرة طهران، تعدى الانتماء المذهبي الذي شكل هذه الجماعة وفكرها عند نشأتها، ليصل إلى المستوى العسكري الكامل، وظهر ذلك من خلال ما كشف مؤخرا عن مشاركة عناصر حوثية في القتال إلى جانب نظرائها في العراق وسوريا، وربما يمتد الأمر إلى لبنان أيضا.
ومع استمرار أمد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، سعت جماعة الحوثي لتطوير سبل المواجهة العسكرية، خاصة مع تزايد النشاط الحربي في البحر الأحمر وخليج عدن، وتمكنت خلال فترة قصيرة من إظهار تطور ملحوظ في السلاح المستخدم الذي تملكه، سواء ذلك الذي تستخدمه لاستهداف السفن، أو الصواريخ التي أطلقتها على إسرائيل لمرتين متتاليتين.
أهمية هذا التطور الملفت أنه يأتي في ظل استمرار الهجمات الأمريكية البريطانية على اليمن، وفي ظل الحضور الأوروبي العسكري، وكذلك في حالة من الحصار المطبق على جماعة الحوثي الممتدة منذ سنوات، ويبدو ذو أهمية أكثر إذا ما أدركنا الإخفاق العسكري الخارجي في لجم جماعة الحوثي، وتحييدها، وإلحاق الخسائر بها، رغم الأضرار البليغة التي تسببت بها في مختلف الأصعدة.
هذا الإخفاق العسكري للولايات المتحدة الأمريكية، والقوة الأوروبية المعروفة بـ "أسبيدس" سلط الضوء على طبيعة دور الجانبين، إذ أنه ظل ذو طبيعة دفاعية بحتة، ولم يصل لمرحلة المواجهة الحاسمة، وفشل في وقف هجمات الحوثيين على إسرائيل بشكل خاص، وعلى السفن التجارية العابرة في البحر الأحمر بشكل عام، حتى وصل الأمر لاعتبار باب المندب أصبح رهينة بيد الحوثيين، وفقا لصحيفة الجارديان البريطانية.
وكان لهذا الأمد الطويل للصراع في غزة، والارتعاش الأمريكي البريطاني في توجيه الضربات للحوثيين تداعيات عديدة، فعلى سبيل المثال ظلت المملكة العربية السعودية في خانة الحيادة بالنسبة لضربات الحوثيين، ولم يصدر عنها ما يدينها او يؤيدها، لكنها اضطرت في نهاية المطاف للإعراب عن موقفها، ولو بشكل غير رسمي.
يتجلى هذا في تصريحات رئيس الاستخبارات السعودية السابق تركي الفيصل الذي وصف الهجمات الأمريكية البريطانية على الحوثيين بأنها غير فعالة، وهو تلميح يشير إلى رغبة الرياض في توجيه ضربات أكثر قساوة للحوثيين، فمن شأن ذلك أن يقود إلى إضعاف الحوثيين، وهي الأمنية التي تأمل الرياض تحققها، لكن دون أن تكون في مواجهة مباشرة معهم.
يناقض تصريح الفيصل الخطوات التي كانت السعودية قط قطعت فيها شوطا كبيرا للوصول إلى تسوية مع جماعة الحوثي، بغية إنهاء الحرب في اليمن، ويصبح الحوثيون فيها طرفا أساسيا، وجاءت تطورات الحرب في غزة لتجمد هذا الاتفاق، ما يعني أن ملف السلام الذي كانت الرياض قد رفعته، وشرعت فيه لم يعد قائما، على الأقل حتى اللحظة، وذلك يضاعف العبء عليها بشكل أكبر.
التداعيات طالت أيضا دولا كمصر، والتي ظلت متحفظة هي الأخرى في موقفها من هجمات الحوثيين، ولم تدن أو تؤيد ما يقومون به من عمليات عسكرية في البحر الأحمر، لكن استمرار الصراع، وتداخل التعقيدات في المنطقة دفعها أخيرا للإفصاح عن تضررها بشكل كبير من التوتر في البحر الأحمر، وبدأت التحرك في محاولة لاحتواء التداعيات وتخفيف وطأتها، وتحدثت تقارير صحفية عن اعتزام مصر الجلوس مع إيران لبحث ملفات المنطقة، وكذلك اعتزامها استقبال وفدا من جماعة الحوثي، وفقا لما أعلنته صحيفة العربي الجديد.
ومثلما هو الحال مع مصر في التضرر بالجانب الاقتصادي، فهناك دولا عديدة، وشركات كبيرة حول العالم، تشكو خسائرها مما يجري في البحري الأحمر، وبات عليها دفع كلفة أكبر جراء هذا التوتر المستمر، ما يشير إلى أن الأمر لم يعد يعني إسرائيل وحدها، بل العالم أجمع.
لكن التطور الأبرز في خضم هذه الأحداث يتعلق بالهجوم الأخير الذي وجهته جماعة الحوثي لإسرائيل، عبر صاروخ فرط صوتي يستخدم لأول مرة، والذي كشف عيوبا كثيرة في أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، وأثار العديد من الأسئلة عن الدور الأمريكي في التصدي لمثل هذه الهجمات، وما إذا كانت واشنطن قد سمحت بذلك، لتوجيه رسالة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أم أن ذلك يمثل فعلا نجاحا جديدا لجماعة الحوثي.
هذه الهجمة تعد الثانية من نوعها بالنسبة لجماعة الحوثي، وهي تستهدف العمق الإسرائيلي، لكنها لم تخلف أضرارا بشرية مثلما فعلت الضربة الأولى، والتي اقتضت من إسرائيل الرد المباشر، عندما ضربت ميناء الحديدة، وتوعدت إسرائيل عقب الهجوم الثاني بالرد، لكنها لم تفعل – حتى كتابة هذه المادة – وربما يعود الأمر لانشغالها بالجبهة اللبنانية، أو أنها تدرس توجيه ضربة انتقامية جديدة، وربما تكون هذه المرة أكثر فتكا وتأثيرا.
تشير هذه التطورات إلى أن الصراع المشتعل في المنطقة يزداد لهيبا، ودائرته تتسع يوما بعد آخر، ولم يعد الأمر متصلا بتطورات عدوان إسرائيل على غزة، بل إنه خلق ويخلق واقعا جديدا، وتحالفات تتشكل، وخلف ندوبا لا يمكنه أن تنتهي بسهولة في المنطقة.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: جماعة الحوثي القوات الأمريكية الاتحاد الأوروبي السعودية إسرائيل فی البحر الأحمر جماعة الحوثی فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
«مران».. خنجر الحوثي في خاصرة اليمن
منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى اليوم، لا تزال بلدة مران خنجرا في خاصرة اليمن والمنطقة لارتباطها بمشروع طائفي باتت نُذر شره تهدد العالم أجمع.
Read also :فتح طرقات اليمن.. ملف يكشف زيف الحوثيينفمن على ذرى جبل مران التابع لمديرية حيدان في أقاصي صعدة شمالاً، تشكلت أول بؤر الإرهاب والتطرف تحت لواء مؤسس المليشيات الهالك حسين بدر الدين الحوثي، والذي كان آنذاك يشكل النواة الخبيثة لمشروع توسعي في اليمن والذي تحول مؤخرا إلى خطر داهم يتربص بأمن الملاحة العالمية.
ولم تكن مران بمنأى عن يد الدولة، فقد كانت هدفا لأول عملية عسكرية للجيش اليمني في عام 1994، عند وصول طلائعه للجميمة ونجح في كبح جماح زعيم المليشيات حسين الحوثي ومنعه من تأسيس مركزه الطائفي الأول وتمكن من ضبط العشرات من انصاره.
> مران تحت الأنظار
ظلت مران تحت أنظار الدولة اليمنية حتى عام 2004, عندما فجرت مليشيات الحوثي أولى حروب التمرد انطلاقا من هذه البلدة الجبلية في صعدة التي ترتبط بالنزوع للسلطة الدينية الضيقة، والتي حكمت اليمن بالحديد والنار لأكثر من 8 عقود منذ أن أرسى الهادي يحيى بن الحسين دعائم هذا الفكر الطائفي.
وبعد 3 شهور من حرب صعدة الأولى، سيطر الجيش اليمني على جبل مران وقضت طلائعه بقيادة ثابت جواس على زعيم التمرد حسين الحوثي الذي كان يختبئ في جرف سلمان، لكن زعيم المليشيات الحالي عبدالملك الحوثي وآخرين فروا إلى مناطق جبلية آخرى.
وظلت مران مقرا للجيش اليمني خلال خوضه 3 حروب ضد المتمردين الذين قادهم القيادي الحوثي "يوسف المداني" قائد ما يسمى "المنطقة العسكرية الخامسة حاليا" والذي يعرف بمهندس الحرب الست.
وعقب تمدد مليشيات الحوثي واسقاط صعدة (2009-2011) ظلت مران وكرا لزعيم المليشيات التي خطط منها وأدار غالبية عملياته بما في ذلك مجازر التنكيل البشعة ضد طلاب العلم في دماج وغيره.
> مران الجديدة
عقب اسقاط صنعاء أواخر 2014، حولت مليشيات الحوثي مران إلى منطقة مغلقة لا يتم الوصول إليها إلا بتصريح مسبق وشيدت فيها عشرات المزارات والأضرحة في مسعى لجذب جماعات وعناصر متشددة في المنطقة بغطاء السياحة الدينية.
ومؤخرا، أصدرت مليشيات الحوثي قرارا يقضي بفصل "مران" عن مديرية حيدان في محافظة صعدة، في خطوة حملت أبعاد طائفية وأمنية، وفقا لمراقبين.
وأصدرت مليشيات الحوثي القرار الحوثي في 13 مايو/ آيار الماضي، ونصّ على إنشاء "مديرية مران" التي سيكون مركزها الإداري في منطقة "خميس مران"، وتضم 7 عزل بهدف إدخال الاسم الجديد إلى التداول الإداري والإعلامي الرسمي في جغرافيا صعدة بشكل أكبر، ضمن مساعي المليشيات لإضفاء رمزية دينية على المنطقة.
وقال مصدر قبلي في صعدة، فضل عدم ذكر أسمه، لـ"نيوزيمن" إن تشيد مليشيات الحوثي لما يسمى مديرية مران تستهدف إضفاء الأهمية واكساب معقلها رمزية دينية باعتبارها "منبع الهدى" ومنطلق شرارة الموت ضد اليمنيين.
وأوضح المصدر أن مليشيات الحوثي انفقت مؤخرا ملايين الريالات لتشيد عشرات المزارات والأضرحة لرموزها الدينية مثل قبر الهالك حسين حوثي الذي ظلت تشيد مزاره لأكثر من عام وضم نفقا أرضيا.
كما شيدت مليشيات الحوثي مزارات وأضرحة للقياديان عبدالله علي مصلح وزيد علي مصلح (قتلا 2004) وغيرها من قيادات "وباتت تعد مقابرها أماكن مقدس بالنسبه لهم".
وأوضح المصدر أن المليشيات الحوثية تجبر المنخرطين فيها من مختلف المحافظات لزيارة هذه المزارات والأضرحة كما هو الحال في قم إيران وكربلاء العراق.
وأشار إلى أهداف أمنية تسعى لها المليشيات أيضا وتتمثل "بفرض المزيد من العزلة على المنطقة وحصر الدخول والخروج منها وإليها، لاعتبارات أمنية تخص المليشيات باعتبار المنطقة معقل لمئات القادة".