الضربة العميقة.. لماذا عادت الصواريخ الأميركية بعيدة المدى إلى أوروبا؟
تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT
قبل نحو 5 سنوات، كانت الدول الأوروبية في حلف شمال الأطلسي "الناتو" تخشى من سباق تسلح بعد إعلان الولايات المتحدة، عام 2019، الانسحاب من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى الموقعة مع روسيا.
وفي ذلك الوقت، أصيبت أغلب الدول الأوروبية بالفزع"، وفق تعبير مجلة إيكونوميست، لأنها كانت تخشى عودة سباق التسلح بين القوتين العظميين.
لكن في قمة حلف شمال الأطلسي الأخيرة، في يوليو 2024، أعلنت الولايات المتحدة وألمانيا أنه في عام 2026، ستنشر الولايات المتحدة صواريخ متوسطة المدى تُطلق من الأرض في ألمانيا، وهي صواريخ ستكون قادرة على الوصول إلى أهداف في قلب روسيا.
في ذلك الوقت أيضا، وقعت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا خطاب نوايا لتطوير صواريخ كروز متوسطة المدى.
ويقول "المعهد الألماني للسياسة والأمن الدولي" إن هذه الخطوة ستمنح "حلف شمال الأطلسي قدرات جديدة في منطقة زادت أهميتها بسبب حرب الصواريخ الروسية في أوكرانيا".
وكان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، قد انسحب من المعاهدة التي حظرت جميع الصواريخ الأرضية التي تطلق من البر في أوروبا (التقليدية والنووية على حد سواء) التي يتراوح مداها بين 500 كيلومتر و5500 كيلومتر.
واتخذت واشنطن هذا القرار بعد أن رأت أن موسكو تنتهك المعاهدة المبرمة عام 1987، وهو ما نفاه الكرملين.
ولدى إعلان الانسحاب، قال وزير الخارجية الأميركي آنذاك، مايك بومبيو، في بيان: "لن تبقى الولايات المتحدة جزءا من معاهدة تنتهكها روسيا عمدا".
وتابع قائلا "عدم امتثال روسيا للمعاهدة يهدد المصالح العليا للولايات المتحدة لأن تطوير روسيا ونشرها لنظام صاروخي (نوفاتور) ينتهك المعاهدة، يمثل تهديدا مباشرا للولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا".
وقال مسؤولون كبار بالإدارة حينها لرويترز إن روسيا نشرت في جميع أنحاء البلاد "وحدات متعددة" من صاروخ كروز "له القدرة على ضرب أهداف أوروبية غاية في الأهمية" في انتهاك للمعاهدة.
ونفت موسكو هذه الاتهامات وقالت إن مدى الصاروخ يجعله خارج المعاهدة، ورفضت طلبا أميركيا بتدمير الصاروخ الجديد (نوفاتور 9أم729)، المعروف أيضا باسم (أس.أس.سي-8).
وبعد يوم واحد، من إعلان واشنطن وبرلين بشأن نشر صواريخ أميركية بعيدة المدى على الأراضي الألمانية، نددت موسكو بالخطوة واعتبرتها "تهديدا خطيرا للغاية" لأمنها القومي.
في ذلك الوقت أيضا، وقعت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا خطاب نوايا لتطوير صواريخ كروز تطلق من الأرض، يزيد مداها على 500 كيلومتر لسد فجوة في الترسانات الأوروبية، التي تقول هذه الدول إن الحرب الروسية في أوكرانيا كشفتها.
وفي حديثه على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واشنطن بعد مراسم التوقيع، قال وزير الدفاع الفرنسي، سيباستيان ليكورنو، إن الصاروخ الجديد هدفه الردع.
وتقول مجلة "إيكونوميست" عن الخطوة الأميركية الألمانية إنها "أحدث مظهر من مظاهر التحول في السياسة الأمنية الألمانية"، وجزء من عودة الاهتمام الأوروبي بما يعرف باسم "الضربة العميقة"، مستفيدة من دروس الحرب في أوكرانيا.
وهذا الأمر ستكون له أيضا تبعات على الصناعات الدفاعية الأوروبية، والتوازن العسكري بين حلف شمال الأطلسي وروسيا وديناميكيات التصعيد في أي حرب مستقبلية، وفق المجلة.
وتخطط الولايات المتحدة لنشر 3 صواريخ في ألمانيا، الأول هو الصاروخ الباليستي SM-6 الذي يبلغ مداه أكثر من 500 كيلومتر، والذي يستخدم حاليا كسلاح مضاد للطائرات قائم على السفن.
والثاني هو صاروخ كروز توماهوك الذي يبلغ مداه 2500 كيلومتر، ويطلق من السفن. ويقول المعهد الألماني إن هذا من شأنه أن يغطي إلى حد كبير المناطق العسكرية الغربية لروسيا القريبة من ألمانيا.
والثالث هو السلاح الأسرع من الصوت بعيد المدى، والمعروف أيضا باسم "دارك إيغل" والذي يُعتقد أنه يمكنه السير مسافة تزيد عن 3000 كيلومتر.
وكل هذه الصواريخ تتفوق بكثير على صاروخ ATACMS الباليستي الذي يبلغ مداه 300 كيلومتر.
ويهدف نشر الصواريخ الأميركية الجديدة بعيدة المدى إلى أن تكون بمثابة رادع لما سماه ينس بلوتنر، مستشار السياسة الخارجية للمستشار الألماني، "المجال شبه الاستراتيجي"، أي ما دون الأسلحة النووية الكاملة.
وإذا حاولت روسيا ضرب المدن أو الأهداف ذات القيمة العالية، فإن الصواريخ الأميركية ستكون قادرة على القيام بنفس الشيء في المقابل، وفق بلوتنر.
وقال بلوتنر إن الهدف من المبادرة التي تقودها فرنسا، السماح للأوروبيين بالقيام بذلك دون الاعتماد على واشنطن.
وبالإضافة إلى هذا الردع، فإن الصواريخ لها فائدة عسكرية أخرى، إذ يمكن أن تستهدف الصواريخ الروسية قبل إطلاقها على حلف شمال الأطلسي، وفق جوناس شنايدر من المعهد الألماني، وتوربن أرنولد، المقدم في الجيش الألماني.
ويقول المعهد إن روسيا تستخدم الصواريخ الباليستية والصواريخ المجنحة على نطاق واسع في حربها ضد أوكرانيا، ولكن الأهم من هذه القدرة العسكرية هو حقيقة أن فلاديمير بوتن أثبت أنه على استعداد لتحمل التكاليف والمخاطر العالية من أجل تحقيق الأهداف بالقوة.
ويخشى بعض الخبراء الاستراتيجيين أن تتسبب ضربات الصواريخ بعيدة المدى في تصعيد غير مقصود. وقد تخشى روسيا أن يستخدم حلف شمال الأطلسي صاروخ "دارك إيغل" لتدمير قواتها النووية البرية أو القضاء على القيادة السياسية للبلاد.
وهذا قد يشجع روسيا على الضرب أولا.
لكن مثل هذه المخاوف "مبالغ فيها إلى حد كبير"، وفق شنايدر وأرنولد.
ويقول تقرير إيكونوميست إن المستهلك الأوروبي الأكبر للصواريخ بعيدة المدى هو أوكرانيا، التي طورت طائرات من دون طيار طويلة المدى وصواريخ باليستية لضرب أهداف في عمق روسيا.
ويتعاون صانعو الطائرات من دون طيار الأوروبيون مع الشركات الأوكرانية في تصنيع الطائرات بدون طيار قصيرة المدى.
ويتوقع فابيان هينز، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مؤسسة بحثية بريطانية، أن هذا التعاون قد يمتد يوما ما إلى طائرات من دون طيار أطول مدى.
وفي الوقت الحاضر، لا تستطيع أوكرانيا استخدام صواريخ كروز البريطانية بعيدة المدى "ستورم شادو" التي زودتها بها لندن لضرب أهداف في العمق الروسي.
ويعتقد البعض أن السبب وراء ذلك يرجع إلى حد كبير إلى أن هذه الصواريخ تعمل بشكل أفضل عندما يتم برمجتها باستخدام البيانات الأميركية، التي يتم جمعها من الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار الأخرى عالية القيمة.
وفضلا عن ذلك، رفضت الولايات المتحدة السماح باستخدامها خشية التصعيد مع روسيا.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة حلف شمال الأطلسی بعیدة المدى دون طیار
إقرأ أيضاً:
روسيا تشن هجمات على شرق أوكرانيا .. وتعلن الإستيلاء على قرية أخرى بمنطقة سومي
موسكو "أ ف ب" "دب أ": أعلن الجيش الروسي اليوم أن قواته سيطرت على قرية أخرى في منطقة سومي شمال شرق أوكرانيا، حيث صعّدت موسكو هجومها في الأسابيع الأخيرة.
وأكدت وزارة الدفاع الروسية السيطرة على قرية يابلونيفكا، على بُعد حوالي تسعة كيلومترات من الحدود الروسية، في مسعى لإنشاء ما أسماه الرئيس فلاديمير بوتين "منطقة عازلة" داخل الأراضي الأوكرانية.
ويأتي التقدم الروسي في ظل رفض موسكو المتكرر لدعوات وقف إطلاق النار في الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات، مطالبة أوكرانيا بالتخلي عن مزيد من الأراضي ورفض الدعم العسكري الغربي إذا أرادت التوصل إلى اتفاق سلام.
وحاولت روسيا الاستيلاء على العاصمة الإقليمية سومي في بداية هجومها عام 2022، قبل أن تُصدّها أوكرانيا في هجوم مضاد في وقت لاحق ذلك العام.
ثم في 2024 نفذت كييف توغلها المسلح في منطقة كورسك غرب روسيا، مستخدمة منطقة سومي قاعدة لعملياتها.
وبعد استعادة منطقة كورسك في وقت سابق من هذا العام، أمر بوتين جيشه بالزحف عبر الحدود لصد القوات الأوكرانية ومعداتها.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أيضا أن قواتها سيطرت على قريتين أخريين في منطقة دونيتسك (شرق) التي أعلنت موسكو ضمها.
وتحدثت السلطات الأوكرانية عن إطلاق صافرات الإنذار من وقوع غارات جوية شرقي أوكرانيا.
ويأتي ذلك في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الخميس عزمه إنشاء فرقة مخصصة للطائرات المسيرة داخل الجيش، وهي خطوة تحاكي إنشاء أوكرانيا قوات للطائرات المسيرة العام الماضي.
وبحسب وكالة الأنباء الروسية الرسمية "تاس"، قال بوتين في اجتماع لمناقشة برنامج حكومي جديد للتسلح: "نعمل حاليا في بناء قوات للطائرات المسيرة كفرع مستقل من الجيش، ومن المقرر تطويرها ونشرها في أسرع وقت ممكن".
ونقل الكرملين عن بوتين قوله إن روسيا تشهد زيادة واسعة في فعالية الطائرات المسيرة في القتال، مشيرا إلى أن حوالي نصف أهداف العدو المدمرة أو المتضررة تنسب الآن إلى مشغلي الطائرات المسيرة.
تراجع تدريجي
قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن القوات الأوكرانية تدفع القوات الروسية إلى التراجع حول منطقة سومي في شمال شرقي أوكرانيا.
وقال في رسالة فيديو، بعد تقرير من قائد الجيش الأوكراني أولكسندر سيرسكي عن الوضع في الجبهة: "وحداتنا في منطقة سومي تدفع قوات الاحتلال تدريجيا إلى الخلف".
وأضاف زيلينسكي من كييف: "أشكركم! أشكر كل جندي وضابط صف وضابط على هذه النتيجة".
ووفقا لمدونين عسكريين أوكرانيين، تواصل القوات الروسية تقدمها.
وذكر تقرير الأركان العامة في كييف عن الوضع بعد ظهر الخميس حدوث هجمات مدفعية على مواقع في منطقة سومي، لكنه لم يذكر معارك برية.