قبل نحو 5 سنوات، كانت الدول الأوروبية في حلف شمال الأطلسي "الناتو" تخشى من سباق تسلح بعد إعلان الولايات المتحدة، عام 2019، الانسحاب من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى الموقعة مع روسيا.

وفي ذلك الوقت، أصيبت أغلب الدول الأوروبية بالفزع"، وفق تعبير مجلة إيكونوميست، لأنها كانت تخشى  عودة سباق التسلح بين القوتين العظميين.

لكن في قمة حلف شمال الأطلسي الأخيرة، في يوليو 2024، أعلنت الولايات المتحدة وألمانيا أنه في عام 2026، ستنشر الولايات المتحدة صواريخ متوسطة المدى تُطلق من الأرض في ألمانيا، وهي صواريخ ستكون قادرة على الوصول إلى أهداف في قلب روسيا.

في ذلك الوقت أيضا، وقعت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا خطاب نوايا لتطوير صواريخ كروز متوسطة المدى.

ويقول "المعهد الألماني للسياسة والأمن الدولي" إن هذه الخطوة ستمنح "حلف شمال الأطلسي قدرات جديدة في منطقة زادت أهميتها بسبب حرب الصواريخ الروسية في أوكرانيا".

وكان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، قد انسحب من المعاهدة التي حظرت جميع الصواريخ الأرضية التي تطلق من البر في أوروبا (التقليدية والنووية على حد سواء) التي يتراوح مداها بين 500 كيلومتر و5500 كيلومتر.

واتخذت واشنطن هذا القرار بعد أن رأت أن موسكو تنتهك المعاهدة المبرمة عام 1987، وهو ما نفاه الكرملين.

ولدى إعلان الانسحاب، قال وزير الخارجية الأميركي آنذاك، مايك بومبيو، في بيان: "لن تبقى الولايات المتحدة جزءا من معاهدة تنتهكها روسيا عمدا".

وتابع قائلا "عدم امتثال روسيا للمعاهدة يهدد المصالح العليا للولايات المتحدة لأن تطوير روسيا ونشرها لنظام صاروخي (نوفاتور) ينتهك المعاهدة، يمثل تهديدا مباشرا للولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا".

وقال مسؤولون كبار بالإدارة حينها لرويترز إن روسيا نشرت في جميع أنحاء البلاد "وحدات متعددة" من صاروخ كروز "له القدرة على ضرب أهداف أوروبية غاية في الأهمية" في انتهاك للمعاهدة.

ونفت موسكو هذه الاتهامات وقالت إن مدى الصاروخ يجعله خارج المعاهدة، ورفضت طلبا أميركيا بتدمير الصاروخ الجديد (نوفاتور 9أم729)، المعروف أيضا باسم (أس.أس.سي-8).

وبعد يوم واحد، من إعلان واشنطن وبرلين بشأن نشر صواريخ أميركية بعيدة المدى على الأراضي الألمانية، نددت موسكو بالخطوة واعتبرتها "تهديدا خطيرا للغاية" لأمنها القومي.

في ذلك الوقت أيضا، وقعت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا خطاب نوايا لتطوير صواريخ كروز تطلق من الأرض، يزيد مداها على 500 كيلومتر لسد فجوة في الترسانات الأوروبية، التي تقول هذه الدول إن الحرب الروسية في أوكرانيا كشفتها.

وفي حديثه على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واشنطن بعد مراسم التوقيع، قال وزير الدفاع الفرنسي، سيباستيان ليكورنو، إن الصاروخ الجديد هدفه الردع.

وتقول مجلة "إيكونوميست" عن الخطوة الأميركية الألمانية إنها "أحدث مظهر من مظاهر التحول في السياسة الأمنية الألمانية"، وجزء من عودة الاهتمام الأوروبي بما يعرف باسم "الضربة العميقة"، مستفيدة من دروس الحرب في أوكرانيا.

وهذا الأمر ستكون له أيضا تبعات على الصناعات الدفاعية الأوروبية، والتوازن العسكري بين حلف شمال الأطلسي وروسيا وديناميكيات التصعيد في أي حرب مستقبلية، وفق المجلة.

وتخطط الولايات المتحدة لنشر 3 صواريخ في ألمانيا، الأول هو الصاروخ الباليستي SM-6 الذي يبلغ مداه أكثر من 500 كيلومتر، والذي يستخدم حاليا كسلاح مضاد للطائرات قائم على السفن.

والثاني هو صاروخ كروز توماهوك الذي يبلغ مداه 2500 كيلومتر، ويطلق من السفن. ويقول المعهد الألماني إن هذا من شأنه أن يغطي إلى حد كبير المناطق العسكرية الغربية لروسيا القريبة من ألمانيا.

والثالث هو السلاح الأسرع من الصوت بعيد المدى، والمعروف أيضا باسم "دارك إيغل" والذي يُعتقد أنه يمكنه السير مسافة تزيد عن 3000 كيلومتر.

وكل هذه الصواريخ تتفوق بكثير على صاروخ ATACMS الباليستي الذي يبلغ مداه 300 كيلومتر.

ويهدف نشر الصواريخ الأميركية الجديدة بعيدة المدى إلى أن تكون بمثابة رادع لما سماه ينس بلوتنر، مستشار السياسة الخارجية للمستشار الألماني، "المجال شبه الاستراتيجي"، أي ما دون الأسلحة النووية الكاملة.

وإذا حاولت روسيا ضرب المدن أو الأهداف ذات القيمة العالية، فإن الصواريخ الأميركية ستكون قادرة على القيام بنفس الشيء في المقابل، وفق بلوتنر.

وقال بلوتنر إن الهدف من المبادرة التي تقودها فرنسا، السماح للأوروبيين بالقيام بذلك دون الاعتماد على واشنطن.

وبالإضافة إلى هذا الردع، فإن الصواريخ لها فائدة عسكرية أخرى، إذ يمكن أن تستهدف الصواريخ الروسية قبل إطلاقها على حلف شمال الأطلسي، وفق جوناس شنايدر من المعهد الألماني، وتوربن أرنولد، المقدم في الجيش الألماني.

ويقول المعهد إن روسيا تستخدم الصواريخ الباليستية والصواريخ المجنحة على نطاق واسع في حربها ضد أوكرانيا، ولكن الأهم من هذه القدرة العسكرية هو حقيقة أن فلاديمير بوتن أثبت أنه على استعداد لتحمل التكاليف والمخاطر العالية من أجل تحقيق الأهداف بالقوة.

ويخشى بعض الخبراء الاستراتيجيين أن تتسبب ضربات الصواريخ بعيدة المدى في تصعيد غير مقصود. وقد تخشى روسيا أن يستخدم حلف شمال الأطلسي صاروخ "دارك إيغل" لتدمير قواتها النووية البرية أو القضاء على القيادة السياسية للبلاد.

وهذا قد يشجع روسيا على الضرب أولا.

لكن مثل هذه المخاوف "مبالغ فيها إلى حد كبير"، وفق شنايدر وأرنولد.

ويقول تقرير إيكونوميست إن المستهلك الأوروبي الأكبر للصواريخ بعيدة المدى هو أوكرانيا، التي  طورت طائرات من دون طيار طويلة المدى وصواريخ باليستية لضرب أهداف في عمق روسيا.

ويتعاون صانعو الطائرات من دون طيار الأوروبيون مع الشركات الأوكرانية في تصنيع الطائرات بدون طيار قصيرة المدى.

ويتوقع فابيان هينز، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مؤسسة بحثية بريطانية، أن هذا التعاون قد يمتد يوما ما إلى طائرات من دون طيار أطول مدى.

وفي الوقت الحاضر، لا تستطيع أوكرانيا استخدام صواريخ كروز البريطانية بعيدة المدى "ستورم شادو" التي زودتها بها لندن لضرب أهداف في العمق الروسي.

ويعتقد البعض أن السبب وراء ذلك يرجع إلى حد كبير إلى أن هذه الصواريخ تعمل بشكل أفضل عندما يتم برمجتها باستخدام البيانات الأميركية، التي يتم جمعها من الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار الأخرى عالية القيمة.

وفضلا عن ذلك، رفضت الولايات المتحدة السماح باستخدامها خشية التصعيد مع روسيا.

صواريخ "ستورم شادو".. بين إلحاح أوكرانيا وتردد الغرب في تطور من شأنه أن يغير قواعد اللعبة في الحرب الأوكرانية الروسية، تتزايد المؤشرات على أن الولايات المتحدة وبريطانيا قد ترفعان قريبا القيود المفروضة على استخدام أوكرانيا لصواريخ "ستورم شادو" بعيدة المدى ضد أهداف داخل الأراضي الروسية، وفقا لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".


 

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة حلف شمال الأطلسی بعیدة المدى دون طیار

إقرأ أيضاً:

لماذا يقول ملك بلجيكا الحقيقة ويجبن بقية ساسة أوروبا ؟

ترجمة أحمد شافعي -

في اللحظة التي بدا فيها أن إخفاقات أوروبا الأخلاقية بشأن غزة قد اكتملت، إذا برأس دولة من أعضاء الاتحاد الأوروبي يبرز برسالة قوية ذات موقف أخلاقي واضح. فقد أدان الملك البلجيكي فيليب ـ الذي نادرا ما يصدر تصريحات سياسية ـ الانتهاكات السياسية الجسيمة في غزة واصفا إياها بأنها «عار على الإنسانية».

في خطاب تليفزيوني احتفالا باليوم الوطني البلجيكي في الحادي والعشرين من يونيو، قال فيليب «إنني أقف في صف كل من يدينون الانتهاكات الإنسانية الجسيمة في غزة، حيث المدنيون الأبرياء محاصرون في قطاعهم، ويموتون بالجوع وبقصف القنابل. وقال الملك إنه يدعم دعما كاملا نداءات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، المطالبة بإنهاء «هذه الأزمة غير المحتملة». وأضاف الملك من داخل قصره الملكي قائلا «إن الوضع الحالي طال أكثر مما ينبغي، وإنه عار على الإنسانية».

بعد الإجازة الأسبوعية التي لقي فيها ما لا يقل عن مائة شخص مصرعهم في أرجاء غزة وهم يسعون إلى الطعام والماء ـ في أعمال عنف لم تؤد إلى أي رد فعل من الاتحاد الأوروبي ـ برزت رسالة الملك البلجيكي. وتحدث الملك عن لقاء قريب برامي إلهانان وبسام عرامين ـ وهما أبوان، إسرائيلي وفلسطيني، فقد كل منهما ابنته في أعمال عنف حديثة في الشرق الأوسط. قال الملك «إنهما عدلا عن الرغبة في الانتقام، وآثرا تحويل ما يشعران به من ألم إلى رسالة للسلام» وقال إن «كرامة الإنسان هي المحك دائما وأبدا».

وكانت لكلمات الملك أصداء تجاوزت بلجيكا. إذ تساءلت هيئة الإذاعة الوطنية الهولندية (إن أوه إس) لماذا لم يقل الملك الهولندي فيليم ألكسندر مثل ذلك البيان.

والملك فيليب بطبيعة سلطاته الدستورية لا يملك غير سلطات محدودة. حتى أن خطابيه السنويين ـ في العيد الوطني لبلجيكا وفي عشية الكريسماس ـ يخضعان لمراجعة رئيس الوزراء قبل إذاعتهما. لكن تصريحاته في العام الحالي جاءت مناقضة تناقضا صارخا لموقف الحكومة الفيدرالية ورئيس الوزراء القومي الفلمنكي بارت دي ويفر الذي يضم حزبه (التحالف الفلمنكي الجديد N-VA)، وهو الحزب الأكبر في بلجيكا، العديد من المدافعين الصرحاء عن عمليات الجيش الإسرائيلي في غزة. وكان دي ويفر قد قاوم النداءات الداعية إلى فرض عقوبات على إسرائيل. بل وشكك في ما إذا كان يمكن أن تعتقل بلجيكا بنيامين نتنياهو ـ مثلما يطالب القانون الدولي ـ في حال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لبلده.

وفي تجاوز للسياسات الداخلية، وجه فيليب نداء واسعا للعمل، فقال إن «أوروبا لا بد أن تؤكد زعامتها بمزيد من القوة. ولا بد أن تقف بوضوح، حصنا منيعا دون صراعات القوى الوحشية التي نشهدها اليوم، وبديلا واضحا لها».

وفي ضوء صمت الاتحاد الأوروبي غير المقبول تجاه جرائم الحرب الإسرائيلية، وانتهاكات حقوق الإنسان، وتعمق الأزمة الإنسانية، كان من أسباب الارتياح أن نستمع ولو إلى رأس واحد لدولة يقول الحق جهيرا. فقد عجز اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل الأسبوع الماضي عن اتخاذ إجراء ضد إسرائيل، فدفع ذلك منظمة العفو الدولية إلى توجيه اتهام بـ«الخيانة القاسية غير القانونية» للفلسطينيين. ويبقى إعلان إيمانويل ماكرون بأن فرنسا سوف تعترف بدولة فلسطينية في سبتمبر ـ على أهميته ـ أمرا رمزيا في غياب أي عقوبات اقتصادية أو مالية أو دبلوماسية.

وقد أبرز الملك العجز عن الالتزام بالقانون الدولي، وذلك بعد أيام قليلة فقط من لقائه مع منظمات إنسانية عاملة في غزة. وقال إنه «على مدى عقود، كان القانون الدولي حجر زاوية تستطيع الدول أن تعتمد عليه. واليوم تحيط الشكوك بهذا. لكن عندما يوطأ القانون الدولي، يعاني العالم كله. ويصبح للعنف الجامح مطلق العنان».

ومع إشادته بالجهود الجماعية لمواجهة تحديات من قبيل أزمة المناخ والتحول الرقمي والتعاون الدفاعي، حث فيليب قادة الاتحاد الأوروبي على «الوفاء لقيمنا: قيم الديمقراطية والعدل وسيادة القانون». وفي أفق سياسي تزداد فيه سيطرة السياسات الواقعية، جاء صوت الملك مصرا على الأسس الأخلاقية للمشروع الأوروبي.

وللملك البلجيكي سجل راسخ في مقاومة التمييز والدفاع عن حقوق الإنسان. بعد هجمة إرهابية دموية على متحف يهودي في بروكسل سنة 2014، قام بزيارة رسمية لموقع الهجوم. وفي عام 2015، دعا وفدا كبيرا من الحاخامات وقادة المجتمع اليهودي إلى القصر بعد تفكيك خلايا إرهابية في بروكسل وفيرفييه.

ولمواقف الملك فيليب الأخلاقية جذور عميقة في الميراث الملكي البلجيكي. فقد اعترفت مؤسسة ياد فاشيم [وهي مؤسسة إسرائيلية لإحياء ذكرى الهولوكوست] بجدته الكبرى الملكة إليزابث واحدة «من الصالحين في الأمم». فخلال الحرب العالمية الثانية، استعملت الملكة موقعها بوصفها الملكة الأم للتدخل بالنيابة عن اليهود الذين يواجهون التهجير. ووفقا لمؤسسة ياد فاشيم فإن «هذه التدخلات من فرد في عائلة ملكية في أوروبا بالنيابة عن اليهود كانت منقطعة المثيل». ومنذ استقلالها في سنة 1830، تمنح بلجيكا اليهود حقوقا مدنية كاملة ـ باستثناء سنوات الاحتلال النازي، وهذه الحقوق، ومنها حرية الدين والتعبير والصحافة، مصانة في الدستور البلجيكي. وفي وقت أقرب، في عام 2022، قام فيليب بزيارته الأولى لجمهورية الكونغو الديمقراطية، وكانت من قبل مستعمرة بلجيكية تأسست على يد سلفه ليوبولد الثاني وتعرضت لاستغلال وحشي. وفي أثناء زيارته للكونغو الديمقراطية، أعرب الملك عن «أسفه العميق» للمعاناة التي تسبب فيها الاستعمار البلجيكي. فقال إن «النظام الاستعماري في ذاته كان قائما على الاستغلال والهيمنة» واتسم بـ«البطريركية والتمييز والعنصرية».

والحق أن إحساسنا بتميز تصريحات الملك فيليب بشأن القانون الدولي ومعاناة غزة ليبين إلى أي مدى بلغ الجبن بقادة أوروبا المنتخبين. فقد قال الملك ما كان يجب أن يقولوه هم منذ شهور.

وبطبيعة الحال، لن تنهي تصريحاته هذه الحرب. لكن يجدر بها أن تذكر أوروبا ـ والعالم ـ بأن الصمت في مواجهة الظلم أمر يتدنى إلى مستوى التواطؤ، وأنه لا يزال بوسع ملك دستوري، في أوقات الجبن السياسي، أن يكون قائدا معنويا.

ديفيد فان ريبروك فيلسوف هولندي مرموق.

عن الجارديان البريطانية

مقالات مشابهة

  • ترامب يمهل روسيا 10 أيام لوقف الحرب في أوكرانيا
  • ترامب: روسيا ستواجه عقوبات أميركية جديدة إذا لم تنه حرب أوكرانيا في 10 أيام
  • حيازة السندات الأميركية.. لماذا تراجعت الصين وتقدمت بريطانيا؟
  • ترامب يمنح روسيا 12 يوماً لإنهاء حرب أوكرانيا ويهدد بعقوبات
  • كاتب إيطالي: لماذا محادثات روسيا وأوكرانيا ليست مفاوضات حقيقية؟
  • قلق أمريكي من تناقص المخزون في الصواريخ الاعتراضية
  • سي إن إن:الولايات المتحدة استنفدت نحو ربع مخزونها من صواريخ ثاد خلال حرب إسرائيل مع إيران
  • روسيا: نفضل السبل الدبلوماسية لحل النزاع في أوكرانيا
  • لماذا يقول ملك بلجيكا الحقيقة ويجبن بقية ساسة أوروبا ؟
  • الدفاع الروسية: ضربنا مواقع لإنتاج المسيرات والتحكم بالدرونات بعيدة المدى الأوكرانية