توسيع الصراع الإقليمي ومحاولات توريط مصر
تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT
ظلت القيادة المصرية تحذر من خطورة توسيع نطاق الصراع في المنطقة عقب اندلاع الحرب على قطاع غزة. والآن بدأت التحذيرات تتحول إلى واقع مع تبادل الضربات بين إسرائيل وحزب الله اللبناني بكثافة، ودخول إيران على الخط مباشرة بعد توجيهها ضربات صاروخية في عمق إسرائيل، والتي من المتوقع أن ترد عليها تل أبيب في أيّ لحظة، وبصورة لا أحد يعرف مداها وطبيعتها، لكن قد تستدعي ردا جديدا من قبل طهران، ما يفضي إلى اشتعال المنطقة بطريقة أشد خطورة.
لعبت القاهرة، بالتعاون مع الدوحة وواشنطن، دورا مهما في الوساطة بين إسرائيل وحركة حماس، لكن لم يتم تحقيق تقدم ملموس يوقف الحرب في غزة، وبدت نية رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو طوال فترات التفاوض المتقطعة والمتصلة متجهة نحو المزيد من التصعيد، وعدم الوقوف عند فضاء غزة، وسعى الرجل إلى استفزاز مصر بعد سيطرة قوات الاحتلال على معبر رفح وتدميره والتواجد العسكري في محور فيلادلفيا، الواقع على مقربة من الحدود المصرية، وتمسكت القاهرة بموقفها الرافض للتصعيد والممانع للانجرار إلى حرب تشعل صراعا ممتدا في المنطقة.
تحملت مصر على مضض خسائر مادية باهظة بسبب تهديدات جماعة الحوثي للملاحة في جنوب البحر الأحمر، وما نجم عنها من بطء ملحوظ في حركة المرور عبر قناة السويس، وتحويل مساراتها، وذلك على أمل أن تتوقف حدود الحرب عند قطاع غزة قريبا، وما حدث أن المنطقة باتت على فوهة بركان يصعب توقع مآلاته، حيث أصبحت إيران قريبة من حرب انخرطت فيها كل أذرعها في المنطقة، بدءاً من حماس وحزب الله وجماعة الحوثي، وحتى الميليشيات الموالية لها في العراق وسوريا.
فقدت حماس جزءاً كبيراً من قدراتها العسكرية وقدرتها على المناورة وصارت بعيدة عن توريط مصر حالياً، كذلك حزب الله المنغمس في حرب قاسية مع إسرائيل منشغل بترتيب صفوفه التي اهتزت مؤخراً، غير أن طهران التي لا تعرف حدود الضربة التي يمكن أن تتعرض لها من تل أبيب ربما تسعى لتوريط أطراف إقليمية لخلط أوراق المنطقة والصراع الذي تديره إسرائيل وتعلم بتفاصيله الولايات المتحدة.
وإذا كانت إيران لوحت باستهداف قواعد أمريكية في المنطقة، فإن هذا الخيار سوف يضاعف من ورطتها ولا ينقذها، ويقود إلى دخولها في مواجهة صريحة مع الولايات المتحدة، لا ترغب فيها طهران أصلا، إذ تعلم النتائج القاسية التي ستترتب عليها.
كما أن العودة إلى استهداف مناطق حيوية في دول خليجية تؤدي إلى النتيجة السابقة، بحكم اتفاقيات التعاون العسكري الموقعة بين غالبيتها والولايات المتحدة، ولن تصل إلى الهدف الذي تريده إيران، وهو خلط آخر للأوراق والزج بقوى إقليمية في الصراع، وتخفيف الضغوط المتوقع أن توضع على كاهلها.
ولذلك قد يكون العمل على جـر مصر خياراً يتناسب مع عقلية إيران التي لا تريد أن تكون بمفردها في ساحة صراع مفتوحة، يمكن أن تقضي حصيلتها على مقدراتها النووية الحيوية، وتجعلها هدفا سهلا لإسرائيل وتعود عقودا إلى الوراء.
بالطبع مصر التي حذرت ونبهت ودقت ناقوس الخطر مبكراً، ملأتها هواجس من أن السلوك الذي يتبعه نتانياهو سيؤدي في النهاية إلى انفجار إقليمي، وعملت على منعه بالوساطة مع آخرين، وضبطت تصرفاتها لأبعد مدى على ما حدث في فيلادلفيا، لكن العديد من مقتضيات لعبة الحرب ليست في يديها، ما زاد من قلق قيادتها من سقوط رقع الشطرنج، فبعد حماس جاء الدور على حزب الله، وأذرع طهران وربما إيران نفسها، بالتالي يمكن بسهولة انفراط عقد المنطقة أو جزء كبير منها، ولا يوجد من يتحكم في قواعد الحرب والجهات التي تتورط فيها عنوة.
بعثت القاهرة وغيرها برسائل إلى طهران لعدم الانجرار وراء تصورات نتانياهو، وأن هناك محاولات جادة لوقف الحرب في غزة، وهو ما لم يحدث، حيث واصلت إسرائيل غطرستها في غزة، واشتبكت بكثافة في لبنان، وبدت مصممة على اجتثاث أذرع إيران وكسرها تماماً، ما أزعج الأخيرة ووضعها في حيرة بين الصمت وتجنب الحرب حيناً، وبين الدخول فيها.
وفي الحالتين تعلم أن نوايا إسرائيل لتقويضها قد لا تقف عند حدود معينة، وما يجعلها تفكر في بدائل أخرى أن الولايات المتحدة التي ظلت تقدم لها إشارات إيجابية في حال عدم خوض الحرب لا تمانع من قيام إسرائيل بتوجيه ضربات إليها.
تعلم القاهرة أن الحرب حولها وفي منطقة قريبة منها يصعب السيطرة على مفاصلها، لكثرة اللاعبين والناقمين والراغبين في توسيع نطاقها، وخلط الحابل بالنابل، ما فرض عليها منذ البداية أن تأخذ مسافات واحدة من جميع الأطراف، وتجتهد في عملية الوساطة، ولا تتورط في الانتقام من جماعة الحوثي التي حرصت على تركيز ضرباتها داخل إسرائيل عقب اندلاع الحرب في غزة.
لكن النأي والابتعاد والعزوف عن الاشتباك مع أي من القوى المنخرطة في الصراع، لا يضمن الاحتفاظ بحيادها، خاصة أن إيران التي يمكن أن تتورط في الحرب ستكون في حاجة إلى روافع موازية، ربما تكون مصر هي الرافعة المناسبة من وجهة نظرها، لأنها من أكثر الدول التي سوف تتضرر مصالحها مما يريد نتنياهو تطبيقه بشأن رؤيته نحو شرق أوسط جديد.
تتحرك القاهرة باتجاه عواصم شرقية وغربية عدة لعدم الوصول إلى نقطة ترى فيها النيران اقتربت أو دخلت حدودها عمدا أو قسرا، ومواجهة صراع لا تريده، وسعت مرارا للتحذير من مغبة حرب غزة، التي تعد النواة لما يحدث في المنطقة، والذي يبدو من الصعب حصره في نطاق محدد، فكل أو غالبية الأطراف التي لها علاقة بالصراع الراهن ترى من مصلحتها توسيع أطره.
فإذا كانت إيران وأذرعها في حاجة إلى روافع تخفف عنها الضغوط العسكرية، فإن إسرائيل نتانياهو تريد رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط على مقاسها، وهو ما يعني إعادة رص قواها الرئيسية بالصورة التي تتواءم مع هذه الرؤية.
أين تقف مصر وسط السيناريوهات المتباعدة؟
تريد مصر الاحتفاظ بالحالة التي ظهرت عليها منذ بداية، وهي عدم الانحياز، لكن التطورات الإقليمية المتسارعة قد لا تسعفها للحفاظ على ذلك، لأنها أحد أهم مفاتيح الحرب والسلم في المنطقة، ومصالح مصر سوف تتقاطع أو تتنافر بعض الأطراف، ومهما حاولت النأي بنفسها، فالرغبة في جذبها نحو الصراع الإقليمي من قبل بعض القوى غير خافية، والخطورة أن تجد نفسها في لحظة حرجة من الاختيار بين إيران التي لها قضايا خلافية معها وأطماع في المنطقة، وبين إسرائيل التي يملك رئيس حكومتها طموحات إقليمية يريد بموجبها تغيير وجه المنطقة بما يخدم مصالحه أولا، ولذلك ففكرة الحياد البناء الذي تتبناه مصر يمكن أن تنهار قريباً، لأن التصعيد الحاصل في المنطقة لن يستثني أحداً.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية عام على حرب غزة إيران وإسرائيل فی المنطقة یمکن أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
كم وردة أحرقتها إسرائيل في غزة!
منذ أكثر من عام ونصف ونحن نُتابع كيف أن مئات الصحفيين حَمَلوا على عاتقهم شرف الدفاع عن فلسطين وأهلها ومقاومتها دون تحزب، أو تعصب إلا للقضية، والعدالة، والإنسانية، والحقوق المكفولة بموجب القوانين الدولية!
ومن المتوقع أن تجد خلالها مرحلة «الدفاع المبارك» بعض الأعداء الذين يحاولون الطعن بك وسبك وشتمك، والتقليل من شأن قلمك ومواقفك، وهذا أمر طبيعي لأنها مواجهة بين الخير والشر، والإنسانية والوحشية، والسلام والحرب، والنور والظلام، والحياة والموت، ومن المؤكد أنها مليئة بالأشواك، والألغام، والقنابل القاتلة والمدمرة، ومَن يسير في ميادين الحرب يتوقع الموت، والجرح والاعاقة، والطعن بكل الجوانب النبيلة.
والمرهق أن تَجد مَن يطعنك وهو يتصور نفسه من الداعمين للإنسانية والخير، والبناء والنور والحياة بحجة أن المقاومة يجب ألا تصارع «إسرائيل» وهي التي تسببت بمقتل عشرات آلاف المواطنين الفلسطينيين.
والحقيقة فإن الرد على هؤلاء مرهق ومزعج، وربما، عبثي، ولهذا يمكن الرد عليهم برد ذلك الشيخ الغزي الذي ظهر قبل أيام في عدة قنوات فضائية وهو يصرخ: «نحن غير نادمين على طوفان الأقصى».
فهل يحق لنا بعد ذلك أن نتكلم؟
ثم لماذا لا يتحدثون بنفس الروحية والحماس عن الوحشية والطغيان والهمجية والقسوة «الإسرائيلية»، أم أن كرهكم لهذا الطرف أو ذاك من المعادلة الفلسطينية أعْماكم وجعلكم لا تُميزون بين الحق والباطل، والصح والخطأ، والهمجية والمدنية؟
ولماذا لا يتكلمون عن موجة الغضب في الداخل «الإسرائيلي» التي تصرخ ليلا ونهارا، وتؤكد أن الجيش الإسرائيلي فشل في هزيمة المقاومة الفلسطينية؟
والواقع فإن إسرائيل سواء أُوقفت الحرب، أم لم توقف، وسواء نجحت في حربها الهمجية على أهل غزة، أم فشلت، وسواء وسواء فإنها ستدفع الثمن باهظا، وسيكون لهذه الحرب آثار قاتلة على مستقبل الكيان الصهيوني.
ولا نريد أن نُجري سردا لمظاهر الرفض والمشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الضاربة للداخل الإسرائيلي ولكننا سنكتفي بتصريح يائير غولان زعيم حزب الديمقراطيين الإسرائيلي المعارض، يوم 5/6/2025، وقوله: «يجب إبعاد نتنياهو فورا عن دائرة صنع القرار».
فهل هنالك أزمة أوضح من هذه الأزمة التي تُظْهِر تَخبط قادة الاحتلال في الحرب ضد غزة والنقمة على الحكومة، وآخرها الإنذار الإرهابي الذي أصدره الجيش الإسرائيلي يوم 26/5/2025 بالإخلاء الفوري لسكان مناطق بني سهيلا، والقرارة، وعبسان بخان يونس جنوبي غزة.
فهل هذه التحركات الإسرائيلية دليل على القوة، أم الربكة العسكرية؟
جميع المعطيات الداخلية والخارجية تؤكد أن إسرائيل في ورطة كبيرة، وأنها آيلة إلى الهزيمة ولو بعد حين.
استهداف إسرائيل للمدنيين هو بداية انهيارها، ومنها الصور الاجرامية التي نُقِلت على الهواء مباشرة حيث كادت النيران أن تلتهم الطفلة «وردة الشيخ خليل» بعد أن التهمت أسرتها في خيمتهم بقطاع غزة.
وقد تابع العالم «المتحضر» المشهد المروع لوردة وهي تحاول النجاة بجسدها الغض من النيران التي تُحيط بها من كل جانب، بعد استشهاد عائلتها.
فكم «وردة» أحرقتها إسرائيل في غزة؟
منظمة الطفولة العالمية «اليونيسيف» أكدت منتصف نيسان/ أبريل 2025 أن 16 ألف طفل قتلوا في غزة منذ بداية الحرب، أي بمعدل 27 طفلا يوميا، وأن الحرب خلفت 39 ألف طفل يتيم بين ركام القطاع.
فأين القوانين الإنسانية، وأخلاقيات الحروب؟
حقيقة لا أدري كيف أُعلق على ركام غزة لأنه ليس حجارة وحديدا بل هو حجارة مزجت برماد أجساد الشهداء، وأشلائهم ودمائهم، فهل هنالك جرائم في الكون أبشع من هذه المناظر المخيفة!
وأخيرا ننقل كلمة «ديفيد هيرست»، رئيس تحرير موقع «ميدل ايست آي:
«هناك عاملان أساسيان سيُسرعان بإنهاء المذبحة الجارية، على غرار ما حدث في حرب فيتنام: تصميم الفلسطينيين على الصمود في أرضهم، والغضب العالمي المتصاعد ضد إسرائيل. إسرائيل قد تنتصر في المعارك العسكرية، لكنها، مثل الولايات المتحدة في فيتنام، ستخسر الحرب سياسياً وأخلاقياً في النهاية».
وهذا ما سيتحقق ولو بعد حين.
الشرق القطرية