"الغرفة" أمام مفترق طرق
تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT
سهام الحارثية
بعد مرور أكثر من سنتين على عضويتي في مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان للفترة (2022- 2026)، أجدُ أن الوقت قد حان لتقييم الواقع واستشراف الفرص والتحديات التي تنتظر القطاع الخاص في عُمان.
ومن هذا المنطلق، أسعى من خلال هذا المقال إلى فتح نافذة للتأمل والمراجعة، ليس فقط في أداء المجلس، ولكن أيضًا في الدور الذي يمكن أن يمارسه القطاع الخاص وشركاته ورواد الأعمال، من أجل صياغة ملامح الاقتصاد العُماني في المستقبل القريب.
دور مجلس الإدارة: قيادة استراتيجية ورؤية مستقبلية
مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان لا ينبغي أن يقتصر دوره على تقديم الخدمات الروتينية أو تنظيم الاجتماعات واستقبال الوفود؛ بل يجب أن يتحول إلى محرك فعّال للنمو الاقتصادي. هل نجح المجلس في رسم توجهات استراتيجية واضحة لتحقيق التنمية الاقتصادية؟
وفقًا لتقرير البنك الدولي، فإن مساهمة المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي لعُمان لا تزال منخفضة عند 15%، في حين تصل هذه النسبة إلى 30% في الإمارات و35% في السعودية. وهذه الأرقام تعكس فجوة واضحة، مما يعني أن هناك الكثير الذي يمكننا أن نتعلمه ونستفيده من تجارب جيراننا. وعلينا أن نتحرك بسرعة لتحفيز النمو من خلال تبني سياسات واستراتيجيات أكثر فعالية.
أهمية الحوكمة والمهنية
الحوكمة ليست خيارًا؛ بل هي العامل الأساسي الذي يضمن استدامة النمو وتعزيز الثقة بين الشركات والقطاع العام. وغرفة تجارة وصناعة دبي تعد مثالًا يحتذى به في تطبيق الحوكمة؛ حيث ساعدتها على رفع كفاءة الأداء بنسبة 25% وفقًا لتقارير الغرفة. في المقابل، تواجه غرفتنا بعض التحديات التي يمكن التغلب عليها من خلال تطبيق نظم حوكمة فعّالة. ووفقًا لدراسات عالمية، فإن تطبيق الحوكمة بشكل صحيح يمكن أن يرفع من إنتاجية أي منظمة بنسبة 20%. لذلك، السؤال المطروح: هل نحن مستعدون لاتخاذ هذه الخطوة الحاسمة لتمكين الشركات وتعزيز الاقتصاد الوطني؟ إن التأخر في تطبيق الحوكمة قد يعوق تقدمنا ويقلل من قدرتنا على المنافسة في الساحة الدولية.
تمكين رواد الأعمال
من التجارب الرائدة في دول الخليج، نجد أن غرفة تجارة وصناعة قطر قد وضعت استراتيجيات مبتكرة لتمكين رواد الأعمال، مما أدى إلى زيادة مساهمتهم في الاقتصاد الوطني إلى 25%. في الكويت، تشكل الشركات الصغيرة والمتوسطة 70% من الوظائف في القطاع الخاص، ما يبرز الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه هذه الشركات في تعزيز الاقتصاد. وعلينا أن نستلهم هذه التجارب الناجحة ونكتفي من المبادرات المبعثره لنركز على وضع استراتيجيات مماثلة تدعم رواد الأعمال العُمانيين، فهم حجر الزاوية لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.
الدعم الاستراتيجي للشركات
تُمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة العمود الفقري للاقتصاد العُماني؛ حيث تشكل 90% من إجمالي الشركات. لكن مساهمتها في الناتج المحلي لا تزال محدودة. وفقًا لوزارة التجارة والصناعة، يواجه 65% من رواد الأعمال صعوبات كبيرة في الحصول على التمويل اللازم لتوسيع مشاريعهم. علينا أن نتخذ خطوات جريئة لتوجيه استثمارات الغرفة لدعم هذه الشركات، بالتعاون مع البنوك والصناديق التمويلية. تجربة البحرين، التي شهدت زيادة بنسبة 40% في عدد المشاريع الصغيرة المسجلة بعد تعزيز الدعم المالي والتقني، تُظهر أن النجاح ممكن إذا توفرت الإرادة والتخطيط السليم.
توصيات لتعزيز الأداء
1. تعزيز التدريب والتأهيل: الاستثمار في تدريب وتأهيل أعضاء الغرفة يمكن أن يسهم في رفع كفاءة الأداء بنسبة 20%. التدريب المستمر لأعضاء المجلس والعاملين هو المفتاح لرفع كفاءة المؤسسات التجارية ودعم التغيير الإيجابي في الاقتصاد.
2. تنفيذ استراتيجيات دعم الشركات: يمكن أن نتعلم الكثير من التجارب الناجحة في دول مثل السعودية، حيث تم تخصيص 1.5 مليار دولار لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ويمكننا تطبيق هذا النموذج في عُمان بالتنسيق بين الغرفة والجهات التمويلية المتعدده و من خلق شراكات بين الغرفه والصناديق التمويلية ،لتسهيل حصول المشاريع على الدعم اللازم.
3. تحسين الشفافية والحوكمة: تطبيق سياسات شفافة واضحة المعالم بين الحكومة والقطاع الخاص يزيد من ثقة المستثمرين، مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الاستثمار بنسبة تصل إلى 35%. الشفافية في صنع القرار وفي إدارة الموارد هي الطريق لتجاوز العقبات وفتح آفاق جديدة للاستثمار في عُمان.
وأخيرًا.. إنَّ الحاجة إلى تطبيق الحوكمة وتعزيز المهنية لم تعد مطلبًا اختياريًا، بل أصبحت ضرورة حتمية في ظل المنافسة العالمية الشديدة على جذب رؤوس الأموال والمستثمرين. الغرفة التجارية يجب أن تكون المحرك الذي يدفع عجلة الاقتصاد نحو الأمام، لا مجرد مؤسسة تؤدي الواجبات التقليدية، والتحديات التي تواجهنا تتطلب منا أن نعمل معًا كفريق واحد لأن "اليد الواحدة لا تصفق".
ولا شك أن تحقيق رؤية "عُمان 2040" يتطلب تكامل الجهود بين الحكومة، القطاع الخاص، ورواد الأعمال فنحن أمام مفترق طرق ويجب علينا أن نختار الطريق الذي يقودنا إلى النمو والازدهار، فالمستقبل لا ينتظر من يتردد، بل يكافئ من يتحرك بجرأة وثبات.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
السودان على مفترق طرق: حرب استنزاف أم مفاوضات جادة؟
واستعرض برنامج "سيناريوهات" التطورات الميدانية الأخيرة التي شهدت إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على مدينة بابنوسة الإستراتيجية وحقل هجليج النفطي، أهم وأكبر حقل نفطي في السودان.
بدوره، أعلن الجيش عن "انسحاب تكتيكي" بهدف حماية المنشآت النفطية الحيوية، في تطور يدخل الحرب مسارا تصعيديا ينذر بمرحلة أصعب.
وطرح البرنامج على ضيوفه تساؤلات جوهرية حول مستقبل السودان، ورأوا أن مستقبل السودان تحدده 3 سيناريوهات رئيسية:
استمرار حرب الاستنزاف لفترة طويلة على عدة جبهات رغم التكلفة البشرية والاقتصادية الباهظة. ترسيخ مناطق نفوذ يسيطر فيها كل طرف على مساحات شاسعة، مما يزيد احتمال تفكك البلاد. الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة وتفاقم الكارثة الإنسانية قد تجبر الأطراف على العودة إلى مفاوضات جادة والقبول بهدنة إنسانية على الأقل.وقد أسفرت الحرب حتى الآن عن مقتل نحو 150 ألف شخص، وفق تقارير الأمم المتحدة، بينما تجاوز عدد النازحين في الداخل والخارج 12 مليون سوداني.
وتفشت المجاعة في مناطق واسعة، خاصة في إقليم دارفور، مع وضع إنساني متدهور إلى مستويات غير مسبوقة.
وأشار الخبير الإستراتيجي والسياسي الدكتور أسامة عيدروس إلى أن الحدث الأكبر في التطورات الجارية هو سقوط مدينة الفاشر وما تلاها من مجازر وتصفيات عرقية.
ورأى عيدروس أن جغرافيا الحرب تظل كما هي دون تغيير كبير، مشيرا إلى أن الجيش يحتفظ بقوته النوعية من 25 فرقة، فقد منها 6 فرق كانت محاصرة، لكنه استطاع سحب قواته منها وإعادتها إلى الشمال.
السيطرة الجغرافية
وعلى صعيد توزيع السيطرة الجغرافية، أوضح رئيس تحرير صحيفة الوسط الدكتور فتحي أبو عمار من ميلانو أن 90% من كردفان -باستثناء عاصمة الإقليم الأبيض والدلنج وكادقلي- تحت سيطرة الدعم السريع، إضافة إلى الصحراء غرب دنقلا والدبة والمثلث والعوينات.
ومن جهة أخرى، شدد المتحدث باسم التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة -المعروف باسم صمود- الدكتور بكري الجاك من كمبالا على عدم وجود صيغة معروفة للحسم العسكري.
وأكد رفض التحالف للحرب مبدئيا وأنه لا يرى فيها وسيلة لتحقيق أي حلول في البلاد، محذرا من أن انخراط القوى المدنية والسياسية في الحرب يجعل تقسيم البلاد أمرا يسيرا وسهلا.
وفي إطار البحث عن الحلول الممكنة، استعرض البرنامج المبادرات الرئيسية لإنهاء الحرب، بدءا من مبادرة جدة التي انطلقت في مايو/أيار 2023 برعاية سعودية وأميركية وأدت إلى توقيع إعلان جدة الإنساني الذي نص على حماية المدنيين والمرافق، لكن الطرفين لم يلتزما به.
ثم تلتها مبادرة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) التي بدأت في يوليو/تموز 2023 بدعم الاتحاد الأفريقي، لكنها واجهت تحديات بسبب رفض الحكومة السودانية رئاسة كينيا للجنة الرباعية متهمة الرئيس الكيني وليام روتو بالانحياز لقوات الدعم السريع.
ثم جاءت المبادرة الرباعية -التي تضم الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات- كآخر المحاولات لإنهاء الصراع
ودعا بيان المجموعة الصادر في 12 سبتمبر/أيلول الماضي إلى هدنة إنسانية مدتها 3 أشهر لتوفير المساعدات العاجلة، يليها وقف دائم لإطلاق النار ثم عملية انتقال سلمي للسلطة تمتد لـ9 أشهر تفضي إلى حكومة مدنية مستقلة.
شروط المبادرةولإنجاح هذه المبادرة، شدد مستشار المبعوث الأميركي السابق إلى السودان الدكتور كاميرون هدسون على ضرورة قبولها من الطرفين بدون شروط لوقف إطلاق النار، وهو الأمر الذي أكد صعوبة تحقيقه.
واتهم هدسون دولا إقليمية بالضلوع في تأجيج الأزمة في السودان، مما يحول دون نجاح المبادرة الرباعية، موضحا أن الدعم الذي تتلقاه قوات الدعم السريع من دول إقليمية لا يمكن مقارنته بالدعم المحدود الذي يتلقاه الجيش السوداني من مصر أو السعودية أو قطر أو تركيا.
ويرى الجاك أن السيناريو المرجح ليس تقسيما إداريا منتظما كما حصل في ليبيا، بل تحول البلاد إلى كانتونات عسكرية تحكم بواسطة أمراء حرب يتقاسمون السلع ويسيطرون على بعض الموارد الاقتصادية، محذرا من استخدام عملات مختلفة وتوقف الخدمة المدنية والتعليم في مناطق واسعة.
وخلص عيدروس إلى أن السودان يقف على مفترق طرق خطير، حيث يتطلب إنهاء الحرب تضافر الجهود الدولية والإقليمية مع نهوض السودانيين أنفسهم لمقاومة العدوان ووقف النزيف، مع ضرورة ظهور طبقة سياسية جديدة ونخبة مستنيرة قادرة على تجاوز الصراع الصفري على السلطة وبناء مستقبل مستقر للبلاد.
Published On 12/12/202512/12/2025|آخر تحديث: 01:58 (توقيت مكة)آخر تحديث: 01:58 (توقيت مكة)انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعيshare2شارِكْ
facebooktwitterwhatsappcopylinkحفظ