الشوفار.. كيف يحاول البوق التوراتي إعلان السيادة إسرائيل على الأقصى؟
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
ما تزال "جماعات الهيكل" تتخذ من موسم الأعياد نقطة انطلاق لتصعيد عدوانها على المسجد الأقصى المبارك ليبلغ فيها أعلى ذروته، ولتغدو هذه الأعياد مناسبة لرسم واقع جديد في مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك من خلال الحرص على إظهار الأدوات والشعائر الدينية التوراتية ومن أبرزها نفخ البوق "الشوفار" وفرض القربان، وإدخال القرابين النباتية والصلوات الملحمية وغيرها.
وفي هذه السنة يبدأ موسم الاقتحامات مع ابتداء موسم الأعياد في "رأس السنة العبرية" الذي يأتي يوم الخميس الثاني من أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام 2024، ثم يأتي بعده ما يعرف بأيام "التوبة" العشرة، ليكون بعدها "عيد الغفران" الذي يأتي في 12 أكتوبر/تشرين الأول، وصولا إلى "عيد العرش" الذي يمتد في الفترة الواقعة بين 17 و23 من الشهر نفسه.
يحرص المقتحمون على النفخ بالبوق "الشوفار" في أنحاء المسجد الأقصى المبارك، وقد حرصوا على النفخ فيه في أماكن متفرقة من غزة خلال اجتياحهم البري لها وحربهم الإبادية المتواصلة عليها، والنفخ بالبوق ليس محض طقس شعائري يهودي بل له دلالاته الخاصة التي تغيب عن أذهان كثير من المتابعين.
ما بوق "الشوفار"؟ وما معاني نفخه؟
"الشوفار" هو بوق مصنوع من قرن حيوان مأكول اللحم ما عدا الثور؛ فيكون من الماعز أو التيس أو الكبش أو الغزال ويشترط فيه ألا يكون ملتويا.
ومعنى النفخ ببوق "الشوفار" هو الدلالة على الانتقال بين زمنين مفصليين، فينفخ فيه في العام مرتين فقط؛ الأولى يومي رأس السنة العبرية مع شروق شمس اليوم الأول إلى ظهيرة اليوم الثاني إعلانا ببدء أيام التوبة العشرة عند اليهود، وتكون عدد النفخات مئة نفخة، والنفخ الثاني يكون في غروب شمس يوم الغفران إعلانا بانتهاء أيام التوبة.
وللنفخ ببوق "الشوفار" نوعان من المعاني؛ النوع الأول معاني متعلقة بالدلالات التوراتية، وهي تتعلق باستحضار النفخ بالبوق لقيام الموتى وإعلان يوم القيامة، ومعنى الحاجة للغفران والتوبة، واستحضار الحروب التي خاضها بنو إسرائيل وكانوا يستخدمون البوق فيها للإعلان عن الانتصار والسيطرة.
والنوع الثاني من المعاني متعلق بجماعات الهيكل التي ترى في النفخ بالبوق "الشوفار" إيذانا باقتراب قدوم المسيح المخلص، والنفخ بالبوق بالأقصى قائم على منهجية "توريط الرب" التي تتبعها جماعات الهيكل؛ فالنفخ بالبوق في الأقصى هو توريط للرب كي يستعجل بإرسال المسيح المخلص.
ما الجديد في النفخ بالبوق في اقتحامات الأقصى المبارك منذ سنة لليوم؟
الجديد في هذا السلوك الذي تمارسه الجماعات اليهودية يتمثل في نقطتين؛ الأولى: أن المؤسسة الحاخامية المركزية لجماعات الهيكل المتطرفة المسماة "السنهدرين الجديد" قد أعلنت للمرة الأولى عزمها نفخ البوق داخل المسجد الأقصى ضمن احتفالها برأس السنة العبرية الماضية وقامت بذلك بالفعل، وهذا تطور كبير ومسار تصاعدي نوعي في عمليات الاقتحام الصهيونية للمسجد الأقصى المبارك.
بل إن الحاخام "هيليل فايس"، وهو من أبرز قيادات هذه المؤسسة الحاخامية، أعلن مع بداية المواسم والأعياد التوراتية العام الماضي عن الانتهاء من تصنيع بوق من قرن ذكر الماعز بما يطابق الشروط التوراتية معلنا أيضا أنه سيتم النفخ به في المسجد الأقصى المبارك وقد كان ما أعلنه ونفخ فيه في أنحاء المسجد الأقصى المبارك.
الأخرى: أن "الحكومة الصهيونية" كانت تعلن ظاهريا على الدوام أنها ترفض وتعارض هذه الاقتحامات؛ لكنها اليوم تقدم غطاء ودعما قانونيا للاقتحامات الصهيونية، وللنفخ بالبوق؛ فهذه الاقتحامات ليست اعتداءات من جماعات الهيكل فحسب بل هي اعتداءات تتضافر فيها إرادة وتعاون ومشاركة المؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية والمؤسسة الدينية في الكيان الصهيوني.
ما الدلالات الخطيرة للنفخ بالبوق في الأقصى المبارك؟
إن النفخ ببوق "الشوفار" إبان اقتحامات الصهاينة للأقصى أيام رأس السنة العبرية هو جزء من معركة طويلة على الأقصى المبارك؛ غير أن فيه مخاطر جديدة ودلالات مهمة؛ منها:
أولا: تحقيق مكسب للصهاينة على المسلمين في جولة مهمة من جولات معركة السيادة على المسجد الأقصى المبارك، فالأخطر في نفخ البوق داخل المسجد الأقصى أنه يمثل -في كل مرة يتم النفخ فيه- إعلانا سياديا للجماعات اليهودية على الأقصى، لأن من أهم معاني النفخ بالبوق هو إعلان النصر وبسط السيادة على الأرض التي يتم نفخ البوق عليها.
وقد اعتاد الحاخامات نفخ البوق في الأماكن التي يحتلها الكيان الصهيوني عقب السيطرة عليها مباشرة؛ وكان حاخام الجيش الصهيوني "شلومو غورين" يمارس ذلك؛ فقد نفخ بالبوق في سيناء أول مرة عام 1956م ثم نفخ فيها ثانية عام 1967م، كما نفخ في باحات الأقصى المبارك عام 1967م عندما دخله مع الجنود الصهاينة لإعلان انتصار الجيش الصهيوني في القدس.
فالمعركة على الأقصى هي معركة سيادة، ونفخ البوق هو من أجلى مظاهر هذه المعركة لذلك يصر الصهاينة المقتحمون على فعله في الاقتحامات يوم الاثنين والثلاثاء.
ثانيا: النفخ بالبوق هو إعلان صهيوني أن الأقصى صار دار عبادة يهودية؛ تمارس فيها الطقوس التوراتية كالسجود الملحمي وذبح القرابين، والنفخ بالبوق هو من أهم وأبرز هذه الطقوس التوراتية، كما أن النفخ بالبوق لإعلان بداية أيام التوبة معناه أنه يتم التعامل مع المسجد الأقصى بوصفه المركز الرئيس للديانة اليهودية؛ فهو الهيكل المزعوم من حيث السلوك التعاملي، إضافة إلى أن هذا نوع من أنواع تكريس التقسيم الزماني للمسجد الأقصى المبارك.
إن النفخ بالبوق "الشوفار" في اقتحامات الأقصى المبارك خلال مواسم الأعياد اليهودية وما يحمله من دلالات سيادية ودينية؛ يفرض على المسلمين التنبه إلى أن المعركة أخطر بكثير من مجرد صورة حاخام ينفخ بالبوق؛ بل هي معركة تتهدد مسرى نبيهم صلى الله عليه وسلم في أصل وجوده ووجودهم فيه؛ هي معركة سيادة سياسية ودينية، فإما أن تكون السيادة على الأقصى لكم أيها المسلمون أو لعدوكم.
إن الأقصى المبارك هو قبلة المسلمين الأولى ويجب أن يكون اليوم القبلة الأولى لاهتمامهم وعملهم وجهودهم ونصرتهم، فهو قضية تمس عقيدة كل مسلم، وقضية تلامس جوهر كل حر رافض للعدوان، وهو عنوان هوية المعركة الدائرة؛ ومن يقبل التفريط بالأقصى المبارك اليوم أو يتخاذل عن نصرته هو مفرط حكما في الحرمين الشريفين شقيقي الأقصى المبارك في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الجامعات المسجد الأقصى المبارک السنة العبریة على الأقصى نفخ البوق البوق فی نفخ فی
إقرأ أيضاً:
محمد صبيح يكتب: من الحقل إلى السيادة.. القمح الرقمي في مواجهة هيمنة الدولار
في زمنٍ أصبحت فيه العملات الأجنبية، وعلى رأسها الدولار الأمريكي، سلاحًا اقتصاديًا تمارَس به الهيمنة وتُفرض به الأزمات على الدول النامية، قررت مصر أن تمتلك سلاحًا خاصًا بها: وهو "القمح المصري".. هذا السلاح ليس مجرد محصول زراعي، بل منظومة سيادية استراتيجية تتطور على أسس رقمية حديثة، تقف في وجه موجات التضخم، وتقلبات أسعار الغذاء، وضغوط الاستيراد، وابتزاز الأسواق العالمية.
القمح المصري.. من سلعة إلى ركيزة أمن قوميموسم توريد القمح 2025 ليس موسمًا عاديًا، بل هو إعلان صريح بأن مصر بدأت تفكر وتدير ملفاتها الزراعية بعقل رقمي، وهدف سيادي، ولأول مرة، نجد أن الدولة المصرية تبني تحصيناتها الاقتصادية من خلال "الحقول الذكية" و"الصوامع الإلكترونية" وغرف التحكم المتصلة بمنظومة مركزية تقيس وتراقب وتخطط بالبيانات الحية.
التحول الرقمي.. ضربة استباقية في معركة الغذاءعندما تتفوق على نفسك وتدير ملفًا معقدًا مثل القمح بهذه الكفاءة، فأنت لا تحارب فقط شبح الجوع، بل توجه ضربة مباشرة لعجز الميزان التجاري، ولفاتورة استيراد تُدفع بالدولار، فكل طن قمح يتم توريده من الفلاح المصري، لا يمثل فقط محصولًا، بل يمثل 400 دولار لم تخرج من احتياطي البنك المركزي، وكل كيلو خبز مدعوم مرتبط بهذا التوريد، هو دعم للطبقة الوسطى والفقراء، من خارج ميزانية الدعم التقليدي.
الدولار يهاجم.. والبيانات تردفي الوقت الذي تستمر فيه الولايات المتحدة برفع أسعار الفائدة وتحريك أسواق العملات لصالح الدولار، ترد مصر باستخدام سلاح البيانات.. منظومة القمح الرقمية لا تترك شيئًا للصدفة، بدءًا من صرف مستحقات المزارعين خلال 48 ساعة، مرورًا بتطبيق "رادار الأسعار" القائم على الذكاء الاصطناعي، وانتهاءً بالتكامل بين التوريد والخبز المدعم، إنها شبكة دفاع إلكترونية ضد عدوان مالي لا يُرى، لكنه يُحسّ في الأسواق والموائد.
من الفلاح المصري إلى السيادة الوطنيةليس جديدًا أن يكون القمح أداة سلطة في الجغرافيا السياسية، لكن الجديد أن مصر، ولأول مرة، تمسك بزمام المبادرة.. المزارع لم يعد مجرد منتج، بل شريك في حماية الاقتصاد الوطني، كل شحنة قمح يتم استلامها ببيانات موثقة، وكل سائق شاحنة يعرف مساره بدقة، وكل رغيف خبز يعرف مصدر دقيقه، إنها دولة تعرف قيمة "المعلومة" وتراهن عليها.
نحو استقلال غذائي حقيقيأكثر من 2.2 مليون طن قمح تم توريدها حتى منتصف مايو 2025، بزيادة تتجاوز 18% عن العام الماضي، والدولة تستهدف 4 ملايين طن، هذا يعني ببساطة توفير ما يقارب 1.6 مليار دولار من الاستيراد، دون ضجيج أو اقتراض.. هذا هو الاستقلال الحقيقي: أن تأكل مما تزرع، وأن تبني قرارك على ما تملك، لا على ما تتسول.
ختامًا.. في مواجهة عدوان الدولار، لم تلجأ مصر إلى رفع أسعار الفائدة، ولا إلى إجراءات تقشف، بل لجأت إلى المزارع، إلى الحقل، إلى الرقمنة، إلى القمح.. سلاح لا يقتل، بل يُشبِع.. سلاح لا يُستورد، بل يُزرع، ومع كل موسم توريد رقمي، تقترب مصر من معادلة مستحيلة في عالم اليوم: أن تكون دولة نامية، لكنها صاحبة قرار غذائي، وصاحبة سيادة اقتصادية.