عام على العدوان على قطاع غزة.. وأمة العرب لا طعم ولا لون ولا رائحة؟!
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
اليوم تكتمل سنة على العدوان الإجرامي على قطاع غزة، واثنتان وعشرون دولة عربية لم تحرك ساكنا، بعضها صامت، وأكثرها متآمر، وما كان ذلك ليكون لولا أن من يجلسون على كراسي الحكم، لا يزيدون عن كونهم دمى تحركهم أصابع الولايات المتحدة والكيان المحتل..
أليس من العار أن تتفرج 22 دولة عربية على قتل وإصابة عشرات الآلاف من الفلسطينيين، بينما تتحرك إيران لنصرتهم؟
22 دولة يقال عنها "دول سنية" تتخلى عن إخوة الدين والدم والأرض والتاريخ والجغرافيا؟ أي عار يا أمة العرب؟ وأي جريمة ترتكبون في حق ما يجمعكم بالفلسطينيين؟! وليس هذا وحسب، بل إنهم يشمتون بموت القادة، ويفرحون بانتصار جيش الاحتلال المجرم على الأطفال والنساء!!
22 دولة عربية لا دم في وجوه قادتها، ولا مروءة ولا شرف ولا خلق ولا دين، لقد انكشفت عوراتهم، وذهبت أدراج الخيانة والعار قشةٌ كانوا يتوهمون بأنها كافية لستر عوراتهم، لكننا كنا نعرف خيانتهم من قبل، كما نعرفها اليوم، بيدَ أن صمتهم على العدوان الصهيوني الإجرامي أخرجهم إلى الشوارع عراة تلعنهم حناجر الشعوب العربية الصابرة المكابدة التي كشفت الأحداث عن صلابتها وارتباطها الوثيق بوطنها وأمتها.
نحن منكوبون بحكام مصابون باضطرابات الباثوقراطية التي يدمن صاحبها التنمر على الشعب وتدمير روحه المعنوية، ومنعه من التظاهر أو إبداء الرأي أو الاعتراض، أو المطالبة بأي نوع من التغيير الإيجابي.. فلو استطاع بعض حكامنا أن يمنعوا التظاهر تأييدا لغزة لفعلوا، لكنهم أجبن من أن يفعلوا ذلك؛ لأنهم يعرفون أن منع التظاهر سيفاقم الأمور في نفوس الشعوب، وهو ما قد يؤدي إلى اضطرابات ليست في صالحهم.
وكشفت هذه الحرب بكثير من الوضوح عن حقد الغرب على أمتنا، وبتنا واثقين من كرههم لنا ولديننا ولقيمنا، وأنهم لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم، ونصبح عبيدا لهم.. إنهم لا يريدون لنا أن نرفع رؤوسنا، ولا يريدون لنا أن نستعيد أمجادنا، ولا أن يحكمنا حكام أسوياء شرفاء.. لقد فضحت غزة مواقف حكوماتنا العربية فضيحة كبرى، وجعلت منها ومنا مهزلة شعوب العالم التي بصقت على صمتنا وخستنا، وتركت آخرين يشمتون بنا لأننا ارتضينا هؤلاء الساقطين حكاما ولم ننتفض في وجه خيانتهم وخستهم..!
الناس في غزة يموتون بالرصاص والصواريخ والجوع والمرض، ولا يجدون يدا تحنو عليهم، لكنهم أثبتوا للعالم أنهم الأقوى والأشد والأمنع في وجه ترسانة الكيان المحتل وراعيته المخلصة الولايات المتحدة ومعظم دول أوروبا ومعظم الدول العربية..
وأكثر ما يؤلم أن تجد من يلوم المقاومة على عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر العام الماضي، ناسين أو متناسين أن قطاع غزة ظل يعاني منذ 2007 من حصار خانق، وفقر مدقع، واعتداءات لا تتوقف؛ حتى تعود من جديد، طالت البشر والحجر طوال الوقت، ناهيك عن التمييز والفصل العنصري، والاستهانة بمقررات مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة التي أقرت بحق الشعوب في المقاومة ضد المحتل..
على الجانب الآخر خسر الكيان المحتل المجرم كل شيء إلا سلاحه ودعم الغرب له.. لقد دُمر اقتصاده، وتفكك بنيانه الاجتماعي، وتناحر سياسيوه، وتفرق مواطنوه، وعرف العالم كله حقيقة عدوانه واغتصابه أرض فلسطين، ومدى إجرامه وعنجهيته، وثارت الشعوب في الغرب على حكامها مطالبة بالتخلي عن عدو مجرم يقتل الأطفال والنساء في أبشع إبادة جماعية في العصر الحديث، وصارت سرديته التي عمل على ترسيخها في الغرب لسنوات طويلة سرابا لا حياة فيه، فقد فُضح كذبه، وفُضحت معه الولايات المتحدة، ودول أوروبا الفاعلة..
وهذا رئيس الأركان الإسرائيلي: يقول أمس الأحد: "عام كامل مر على السابع من أكتوبر فشلنا خلاله في تأدية مهمتنا"، فهم يدركون فشلهم جيدا، ويعرفون بأن نتنياهو يصر على استمرار العدوان، ويعمل على توسيعه ليستمر في الحكم أكثر، ليس من أجل مصلحة الكيان، بل ليستمر أطول مدة ممكنة بعيدا عن المساءلة القضائية والسياسية التي تنتظره.
وأمس الأحد ترجمت "عربي21" نتائج استطلاع نشرته هيئة البث الإسرائيلية "كان"، وجاءت نتائج مفاجئة بعد مرور عام على الحرب المدمرة في قطاع غزة، مشيرة إلى أن نسبة قليلة جدا من الإسرائيليين تعتقد أن تل أبيب انتصرت على حركة حماس.
ولفتت الهيئة في الاستطلاع إلى أن 48 بالمئة من أفراد العينة قريبون من شخص قُتل في الحرب، و86 بالمئة غير مستعدين للعيش في غلاف غزة بعد انتهاء الحرب.. وبأن 27 بالمئة فقط يعتقدون أن "إسرائيل" انتصرت على حماس، فيما يعتقد 35 بالمئة أنها خسرت الحرب..
إن نتائج الاستطلاع هذه تدل دلالة واضحة على أن صمود المقاومة استطاع أن يهدم أسطورة الجيش الذي لا يهزم، واستطاعت بإمكاناتها البسيطة أن تصمد عاما كاملا في وجه قوة مادية جبارة، ما كان لدول كبرى أن تصمد أمامها، وهو ما نبّه العالم كله إلى أن هؤلاء أصحاب حق وقضية عادلة، ولولا ذلك لاستسلموا، ورفعوا الراية البيضاء منذ الأيام الأولى للعدوان..!
أخيرا علينا أن ندرك بأن العرب والعالم الغربي أرادوا أن يظل الانقسام بين الضفة وقطاع غزة قائما، وأن يتركوا لحماس الفرصة للبقاء على رأس الحكم في قطاع غزة، لكن شرط أن تظل مستسلمة خانعة، دون أن تستخدم السلاح أو تطوره، وأن يتم قضم ما تبقى من أراضي الضفة الغربية، وتهجير أهلها إلى الأردن وبعض دول العالم، ولتبقَ غزة تحت حكم حماس؛ فلا بأس في ذلك؛ ظانين أن الهدف الأسمى لحماس هو حكم غزة.. وهو ما دفع حركة حماس إلى عملية طوفان الأقصى، في محاولة لإعادة الأمور إلى نصابها، لا سيما بعد الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى، ومحاولات تهويد القدس وطرد أهلها والاستيلاء على البيوت، والأراضي في الضفة الغربي بعامة، تحت مرأى ومسمع العالم..
لقد تجاهل العالم في السنوات الماضية القضية الفلسطينية، وتركها نهبا لأطماع الاحتلال، وكاد العالم أن ينسى فلسطين، فكان حقا على المقاومة أن تقوم بعمل كبير كما فعلت في طوفان الأقصى، وهي ليست ملومة في شيء، ومن يلمها فهو عدو أو جاهل..
لا يستمر ألم، ولا يدوم شيء على حاله، ولا يستطيع أحد في العالم أن يشرعن الخطيئة ويقنع بها البشر..
القادم بالضرورة أجمل بإذن الله.. "ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا".. صدق الله العظيم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال المقاومة غزة الاحتلال المقاومة العالم العربي طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات تكنولوجيا سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
لماذا لا تستطيع إسرائيل أن تنتصر في غزة؟
عندما بدأت إسرائيل حربها على غزة في أكتوبر 2023، لم يكن الهدف المعلن أقل من «القضاء التام على حماس». بدا ذلك، لحظة انفعالية، وكأنه مهمة ممكنة. فإسرائيل دولة ذات تفوق عسكري لا يُضاهى في المنطقة، وتتمتع بدعم غربي سياسي وتسليحي ضخم، بينما تقاتل حركة محاصَرة، محدودة الموارد، ومعزولة جغرافيا. لكن أكثر من 20 شهرا من القصف والدمار والإبادة الجماعية لكل ما يدب على الأرض، لا يبدو النصر، وفقا للتوجيه السياسي المعلن والصادر للمؤسسة العسكرية، في الأفق، بل إن إسرائيل نفسها باتت أبعد من أي وقت مضى عن تحقيق أهدافها في الحرب.
ما الذي يحدث إذن؟ ولماذا لم تعد القوة العسكرية كافية لتحقيق الانتصار؟ ولماذا تصبح كل حرب تشنها إسرائيل على غزة أطول، وأكثر دموية، وأقل فاعلية؟
في عمق العقيدة العسكرية الإسرائيلية ـ كما هو الحال في كثير من العقائد العسكرية الغربية ـ ترسّخت فكرة الحرب الخاطفة، التي تحقّق النصر السريع من خلال الضربة الأولى الساحقة، وقد نجحت هذه العقيدة في حرب 1967، لكنها فشلت مرارا منذ ذلك الحين، خصوصا في مواجهة الخصوم غير النظاميين الذين يتقنون حرب المدن والأنفاق، ويجيدون تحويل نقاط ضعفهم إلى أدوات استنزاف طويلة الأمد.
تشبه الحالة الإسرائيلية في غزة ما يسميه بعض الاستراتيجيين «مغالطة الحرب القصيرة»؛ حيث يُفترض أن صدمة القوة ستدفع الخصم إلى الانهيار، لكن الواقع يُثبت أن الخصم ـ عندما يكون متجذرا شعبيا، وعقائديا، ومتحركا جغرافيا ـ لا يُهزم بهذه الطريقة، بل على العكس، كلما طال أمد الحرب، زادت فاعليته، واهتزت صورة القوة المتفوقة أمام جمهورها.
تُظهر تجربة إسرائيل في غزة أن التفوق العسكري وحده لا يكفي؛ فإسرائيل دمرت معظم البنية الأساسية في القطاع، وقتلت عشرات الآلاف، وهجّرت الملايين في غزة لأكثر من مرة، لكنها لم تستطع إقناعهم بالتخلي عن المقاومة، ولم تستطع فرض سيناريو «ما بعد حماس» رغم أنه كان شغل العالم الشاغل أكثر من شغلهم بإنهاء الحرب ووقف الإبادة. وفي غياب هذا السيناريو، تبدو الحرب بلا غاية واضحة سوى التدمير، وهذا ما يحدث الآن، فلا هدف واضح لجيش الاحتلال إلا التدمير والاستمتاع بالقتل والتجويع.. لكن هذا الأمر رغم فظاعته إلا أنه بات يفقد إسرائيل زخمها السياسي ويقوّض مشروعيتها الأخلاقية التي كانت توهم العالم بها.
وبينما تبحث إسرائيل عن «نصر كامل»، تواصل حماس الظهور والاختفاء، القتال والتكتيك، مقاومة القصف وممارسة الإعلام. لم تعد المعادلة تقتصر على مَن يملك الطائرات والدبابات، بل مَن يملك القدرة على الصمود، وعلى إدارة زمن طويل من القتال غير المتكافئ.. ومن يستطيع أن يقنع العالم بسرديته، ويبدو أن غزة تحقق تقدما عميقا في هذا الجانب رغم أنه بطيء جدا بسبب عملها منفردة في ظل غياب المشروع العربي الموحد في هذا الجانب.
وإذا كانت حرب إسرائيل الظالمة تفشل فإن السبب لا يعود كما يعتقد البعض إلى ضعفها العسكري ولكن إلى حجم التناقض بين الوسائل والغايات؛ فبينما تُستخدم القوة التدميرية بأقصى درجاتها، يبقى الهدف السياسي ـ القضاء على حماس ـ أو بمعنى آخر القضاء على المقاومة هدفا مجردا وغير واقعي بالنظر إلى عقيدة المقاوم الفلسطيني الذي ما زال متمسكا بحقه في أرضه وبأن مشروعه الأول هو تحرير أرضه من المحتل الإسرائيلي.
وأثبتت التجربة أن قتل القادة وتدمير المباني لا يعني نهاية المقاومة، بل إن رفض المحتل الإسرائيلي لأي شكل من أشكال الحل السياسي وإمعانه في التدمير والإبادة يحفز المقاومة ويوسع قاعدتها الشعبية وحاضنتها الاجتماعية وتغلغلها في العقيدة الفلسطينية. وما حدث في غزة خلال العامين الماضيين من شأنه أن يعمق الحقد ويحفز مشاريع الانتقام حتى عند أولئك الذين آمنوا في لحظة من اللحظات بفكرة «السلام» مع إسرائيل.
ومن الواضح أن الحروب بين الاحتلال والمقاومة في العقدين الماضيين لا تنتهي إلى نتيجة واضحة، إنها أقرب إلى «صراعات بلا نهاية»، لا اتفاقات سلام واضحة ولا بيانات استسلام، بل جولة تضع بذورا لجولة أخرى، وكل هدوء هش يفضي إلى انفجار عنيف جدا وهو ما يجعل من الصعب قياس النصر والهزيمة.
رغم ذلك فإن «حماس» في نظر الفلسطينيين والكثير من العرب تنتصر بمجرد بقائها على قيد الحياة، واستمرارها في المقاومة أو نجاحها في تنفيذ عملية نوعية مهما كانت نتائجها، وهذا يعكس الفارق بين من يُقاتل من أجل بقاء دولة، ومن يُقاتل من أجل بقاء القضية.
ربما كان الدرس الأهم من هذه الحرب ـ والحروب التي سبقتهاـ هو أن الاستراتيجية العسكرية يجب أن تكون امتدادا لرؤية سياسية واضحة، وليس بديلا عنها، وحين تنفصل عن السياسة، تتحول إلى عبث.
تستطيع إسرائيل أن تُلحق أذى هائلا بغزة كما تفعل الآن، لكنها لا تستطيع فرض السلام من طرف واحد، ولا بناء واقع دائم بالقوة فقط.
لكن ما يعيق إسرائيل عن تحقيق النصر في غزة ليس فقط قدرة حماس على القتال، بل غياب الاعتراف الإسرائيلي بأن هذا النوع من الحروب لم يعد يُنتصر فيه بالطريقة التقليدية، وقد آن الأوان أن تعترف بأن قوة السلاح وحدها لا تكفي، وأن غزة ومن فيها واقع لا يمكن أن تمحي وجوده أبدا وإن لم تبدأ بقراءة هذا الواقع بعيون سياسية لا عسكرية، فستظل تدور في حلقة حرب لا تنتهي، وتتحول حربها الظالمة بالضرورة إلى مجرد إبادة إنسانية.
عاصم الشيدي كاتب ورئيس تحرير جريدة عمان