شـواطئ.. روسيا والغرب.. لمن الغلبة؟ (7)
تاريخ النشر: 20th, October 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يتابع عالم السياسة الشهير ألكسندر جليبوفيتش رار فى كتاب (روسيا والغرب.. لمن الغلبة؟) والذى نقله إلى العربية (محمد نصر الدين الجبالى) بقوله: خلال عامى 2008 و2009 ساءت العلاقات الروسية الأوكرانية على كافة المسارات. وحاول الرئيس الأوكرانى فيكتور يوشنكو إخراج بلاده عنوة من الماضى السوفيتى والإنخراط فى إعادة كتابة التاريخ.
غير أن أوكرانيا كانت منقسمة على نفسها إلى جزئين شرقى وغربى. ولم يكن السبيل إلى توحيد الأمة الأوكرانية هو تبنى الأيديولوجية المعارضة لروسيا بل المصالح الاقتصادية المتبادلة. فيوشنكو لا يرغب فى تقديم نفسه كبطل تاريخى أعاد أوكرانيا بعد عقود من التبعية لروسيا إلى الحضارة الأوروبية. وبدت المواجهة المستمرة مع روسيا بالنسبة له الأسلوب الأمثل لكى يثبت للغرب ضرورة قبول أوكرانيا فى الناتو والاتحاد الأوروبى. وقام الرئيس يوشنكو ورئيس الوزراء تيموشينكو ورئيس البرلمان أرسينى ياتسينيوك بالتوقيع على نداء إلى حلف الناتو يقبول أوكرانيا فى عضوية الحلف.
وفى بداية عام 2009 اشتعل خلاف جديد بين روسيا وأوكرانيا على أسعار الغاز. وقد تسبب فى نشوب الأزمة ارتفاع المديونية الأوكرانية لروسيا لشركة "غازبروم" الروسية وعدم الاتفاق على سعر الغاز لعام 2009. تضررت نصف الدول الأوروبية كالعادة من الخلاف بين البلدين الذى اشتعل فى منتصف الشتاء وتوقف ضخ الغاز الروسى عبر الأراضى الأوكرانية. وقد تمكنت بعض الدول من تجاوز الأزمة عن طريق رفع أسعار العبور عبر أراضى بيلاروسيا وبولندا غير أن دول البلقان عانت من الصقيع بسبب توقف إمدادات الغاز. وكانت أوكرانيا وروسيا هما أكبر الخاسرين فى هذه الأزمة وخاصة ما يتعلق بسمعتهما الدولية: روسيا لأنها أوقفت إمدادات الغاز إلى أوروبا وأوكرانيا لأنها أضرت بنفسها كدولة عبور للغاز وفقدت الفرصة فى إمكانية مد أنابيب غاز عبر أراضيها مستقبلا.
كانت أزمة الغاز بمثابة دليل جديد على أن العلاقات الروسية الأوكرانية تمر بمرحلة خلاف مزمن، حيث ترغب أوكرانيا فى أن يتقبلها الغرب بوصفها دولة عظمى تناضل من أجل الدفاع عن الحرية. ولكنها تحاول أن تخلق جبهة مصطنعة لهذا النضال بدعم من دول البلطيق وجورجيا وبعض دول الاتحاد الأوروبى ومنها السويد وبولندا وبريطانيا.
غير أن البلدان الأوروبية المتقدمة ليست مستعدة لانتهاج سياسة ردع روسيا أو بناء تحالف ضد موسكو. فالغرب فى حاجة إلى روسيا كشريك إستراتيجى فى الحرب على التطرف الإسلامى ولا تعتبر عدوًا جديدا بالنسبة لأوروبا. أدى ذلك إلى حاله من عدم الإتزان فى القيادة الأوكرانية. فلم يكن الغرب مقتنعا بالدور الذى تريد أن تلعبه أوكرانيا وكونها ضحية للإمبريالية الروسية.
واعتبر انتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية فى عام 2009 فرصة جيدة لإرساء التعاون بين روسيا وأمريكا. كان أوباما يحلم فى البداية بالتوصل إلى اتفاق مع الرئيس ميدفيديف. فقد رأى فيه شخصا ينتمى إلى جيل مختلف تماما. وقد قضى كل من أوباما وميدفيديف نصف عمريهما فى أجواء ما بعد الحرب الباردة. وبدت الفرصة سانحة الآن لأن يقررا سويا حسم المشكلات التى تقف أمام البشرية وأهمها قضايا المناخ والطاقة والفقر ونزع السلاح وحظر انتشار أسلحة الدمار الشامل والتخلى عن إرث الماضى. وبات ممكنا أن تكتسب منظومة الأمن العالمى إطارا جديدًا من التعاون. كما بدا أن هناك مقاربة جديدة فى تشكيل تحالف طاقة بين موسكو والغرب. وتحدث أوباما عن رغبته فى عدم دعم السياسين المغامرين فى الجمهوريات السوفيتية السابقة من أمثال ساكاشفيللى.
وقبل ذلك بعامين وجه الرئيس بوتين فى خطابه فى ميونخ حول قضايا الأمن انتقادات لاذعة إلى سياسة الولايات المتحدة الأمريكية ووصفها بالاستعلاء والأنانية. وتحدث بوتين حينها عن روسيا مؤكدا أنه قد انتهى عصر عالم القطب الأوحد. وفى أثناء مؤتمر ميونخ 2009 تشكل انطباع أن خطاب بوتين كان محل إنصات واهتمام، فقد دعا نائب الرئيس الأمريكى الجديد جو بايدن إلى إقامة تعاون وثيق بين روسيا والغرب، وأعلن أن واشنطن ستستمر فى بناء منظومتها المضادة للصواريخ فقط فى حال إثبات كفاءتها وهو ما اعتبر فعليا تخليا حذرا عن فكرة النشر السريع لمنظومة الرادارات والصورايخ فى أراضى أوروبا الشرقية.
لعبت الأزمة المالية العالمية التى أضعفت الجميع دورًا فى حالة الدفء التى شابت العلاقات بين البلدين. لم يعد بمقدور الولايات المتحدة الأمريكية الادعاء بأنها الدولة العظمى الوحيدة فى العالم. أصبح هناك عالم متعدد الأقطاب. وتحتاج الولايات المتحدة الأمريكية فى هذا العالم الجديد إلى حلفاء جدد ليس من بينهم بالضرورة تلك الدول الأوروبية الضعيفة. وبمقدور روسيا أن تصبح واحدة من هؤلاء الشركاء والحلفاء. وأمل الجميع فى إلغاء العقوبات التى فرضت إبان الحرب الباردة وأن تنهار معها كل الحواجز التى عرقلت انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية.
وفى الوقت نفسة فقدت الولايات المتحدة الأمريكية اهتمامها بأوروبا وذلك لأن التحديات الرئيسية أمام واشنطن قد انتقلت إلى قارة آسيا. وفى القرن الحادى والعشرين تغير الوضع جذريا حيث انتقل الصراع إلى منطقة الشرق الأوسط وفى اتجاه الصين وظهرت تحديات جديدة تماما ومنها الاحتباس الحرارى وتجارة المخدرات عبر الحدود والتغيرات الديمغرافية ونقص موارد الطاقة ونقص الغذاء والمياة الصالحة للشرب والإرهاب الدولى. فضلا عن ذلك لم تعد قدرات الولايات المتحدة كما كانت عليه فى السابق، فقد ضاعفت الصين والهند وروسيا من قدراتهم. وتوحدت دول أمريكا اللاتينية فى منظومة تكاملية جديدة والآمر نفسه يحدث فى قارة آسيا. ولذا فقد أصبح على واشنطن تغيير نظامها الاجتماعى وانتهاج سياسة أكثر عقلانية فى الانفاق.
وللحديث بقية
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: شواطئ روسيا والغرب لمن الغلبة أوكرانيا روسيا الولایات المتحدة الأمریکیة غیر أن
إقرأ أيضاً:
كيف تتأثر تركيا بعقوبات ترامب الثانوية المحتملة على روسيا؟
أنقرة– منح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في منتصف يوليو/تموز الجاري موسكو مهلة 50 يوما للتوصل إلى اتفاق سلام مع أوكرانيا، محذرا من أن الولايات المتحدة ستفرض تعريفات جمركية صارمة بنسبة 100% على الواردات من أي دولة تواصل تجارتها مع روسيا في قطاعات الطاقة والزراعة والتسليح إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق.
وأوضح البيت الأبيض أن هذه الإجراءات تعد "عقوبات ثانوية" لأنها لا تستهدف روسيا مباشرة، بل تركز على شركاء روسيا التجاريين، ومع تصاعد الضغوط من الحزبين في الكونغرس الأميركي، بدا أن إدارة ترامب مستعدة للذهاب أبعد من ذلك، فقد أشار مشروع قانون جديد، حمل عنوان "معاقبة روسيا 2025″، إلى أن الرسوم الثانوية قد تصل إلى 500%، رغم أن ترامب اكتفى في الوقت الحالي بتحديد نسبة 100%.
تفتح هذه الإجراءات الباب أمام تساؤلات حول مستقبل العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والدول التي تعتمد على الطاقة الروسية، وفي مقدمتها تركيا.
شراكة قويةتعد تركيا من الدول ذات الأهمية الخاصة في سياق التوترات الاقتصادية الأخيرة بين الولايات المتحدة وروسيا، نظرا لعلاقاتها الاقتصادية المتشابكة مع موسكو.
وشهدت العلاقات التجارية بين تركيا وروسيا تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة، وبلغ التبادل التجاري بين البلدين في عام 2023 نحو 56.5 مليار دولار، مما جعل تركيا ثالث أكبر شريك تجاري لروسيا بعد الصين والهند.
وحافظ التبادل التجاري على مستوياته المرتفعة في عام 2024، وسجل النصف الأول من العام نحو 22 مليار دولار من التجارة الثنائية، رغم انخفاض طفيف بنسبة 10% مقارنة بالفترة نفسها من 2023.
تعكس هذه الأرقام اختلالا واضحا في توازن التجارة لصالح موسكو، إذ تفوق الواردات التركية من روسيا بكثير صادراتها إليها، فروسيا توفر حصة مهمة من واردات تركيا السلعية، وأصبحت تمثل نحو 12% إلى 13% من إجمالي واردات تركيا، خاصة مع زيادة اعتماد أنقرة على واردات الطاقة الروسية في السنوات الأخيرة.
إعلانفي المقابل، تشكل تركيا نسبة أقل بكثير من واردات روسيا، فلا تتجاوز 4% من إجمالي ما تستورده موسكو، لكنها تظل شريكا تجاريا مهما بالنسبة لها.
وتعززت مكانة تركيا كشريك تجاري إستراتيجي لروسيا في ظل إحجام الدول الغربية عن التعامل التجاري مع روسيا نتيجة للعقوبات الغربية، مما دفع موسكو إلى التوجه أكثر نحو أسواق بديلة، أبرزها السوق التركية، لتلبية احتياجاتها التجارية.
ووضع البلدان هدفا طموحا لزيادة حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار سنويا على المدى المتوسط، مما يعكس أهمية هذه الشراكة الإستراتيجية في مجالات متعددة.
الطاقة الروسيةتُظهر أرقام حديثة مدى الاعتماد التركي الكبير على الموارد الروسية في قطاع الطاقة، ففي عام 2023، استوردت تركيا نحو 21.34 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من روسيا، وهو ما يعادل 42.3% من إجمالي واردات الغاز التركي لذلك العام.
وتعتمد أنقرة على عقود غاز طويلة الأمد مع غازبروم الروسية لتأمين هذه الإمدادات، وتمتلك شركة بوتاش التركية عقدين رئيسيين مع موسكو بقدرة إجمالية تصل إلى 21.8 مليار متر مكعب سنويا، وتشمل هذه الكمية 16 مليار متر مكعب عبر خط "السيل الأزرق" و5.75 مليارات متر مكعب عبر خط "السيل التركي"، ويستمر العمل بهذين العقدين حتى نهاية عام 2025.
وإلى جانب الغاز، أصبحت روسيا المزود الأكبر لتركيا بالنفط الخام، وتفيد التقديرات الحديثة بأن نحو 70% من واردات تركيا النفطية تأتي من روسيا، وذلك في تحول ملحوظ بعد العقوبات الغربية التي دفعت تركيا لتصبح مشتريا رئيسيا للخام الروسي بأسعار منخفضة.
وبالمثل، فرضت روسيا سيطرتها على سوق الفحم التركي، وزودته بأكثر من 70% من إجمالي وارداته من الفحم منذ عام 2022، وارتفعت النسبة إلى 88% خلال النصف الأول من 2025، وفقًا لبيانات تتبع الشحنات.
في السياق، يرى المحلل الاقتصادي حقي إيرول جون أن تركيا ستواجه تحديات اقتصادية معقدة إذا استمرت الولايات المتحدة في تصعيد عقوباتها ضد الدول المتعاملة مع روسيا، وأن أحد أكبر هذه التحديات هو الاعتماد الكبير على الطاقة الروسية، فأي تعطيل أو رفع للتكاليف بسبب هذه العقوبات قد يؤثر بشكل كبير على القطاع الصناعي التركي ويزيد من عجز التجارة الخارجية.
ويشير إيرول جون -في حديث للجزيرة نت- إلى أن تركيا ستواجه صعوبة في التوازن بين مصلحتها في الحفاظ على علاقاتها مع روسيا واحتياجاتها الاقتصادية مع الغرب، لذا، من المتوقع أن تسعى أنقرة لتوسيع شراكاتها الاقتصادية مع دول أخرى، مثل الصين ودول الخليج وآسيا الوسطى، بالإضافة إلى تنويع مصادر الطاقة مثل الغاز الأذربيجاني والغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، لتقليل اعتمادها على روسيا.
الولايات المتحدة واحدة من أهم أسواق الصادرات التركية، وتمثل حصة كبيرة من إجمالي التبادل التجاري، ففي عام 2024، بلغ حجم الصادرات التركية إلى الولايات المتحدة نحو 15 إلى 16 مليار دولار، ما يعادل نحو 6.2% من إجمالي الصادرات التركية لهذا العام، ما يضع أميركا في المرتبة الثانية بين وجهات التصدير التركية بعد ألمانيا.
إعلانوتعتمد عدة قطاعات صناعية تركية بشكل كبير على السوق الأميركية، بما في ذلك صناعة السيارات، والمنسوجات، والملابس الجاهزة، والسجاد، والمجوهرات، فعلى سبيل المثال، بلغت صادرات صناعة السيارات التركية إلى الولايات المتحدة نحو 1.2 مليار دولار في 2024، في حين قاربت صادرات السجاد التركي 784 مليون دولار في العام نفسه، وحقق قطاع الملابس الجاهزة مبيعات تقدر بنحو 856 مليون دولار، وقطاع الإلكترونيات حقق 774 مليون دولار.
موقف أنقرةحتى الآن، لم يصدر عن أنقرة رد فعل رسمي مفصل على تهديدات ترامب الأخيرة، وفضلت الحكومة التركية التحفظ والترقب لمعرفة ما إذا كان هذا التصعيد الأميركي يعد مجرد ورقة ضغط تفاوضية على روسيا أم أن هناك نية حقيقية لتنفيذه.
ويرى الباحث السياسي جنك سراج أوغلو أن المسؤولين الأتراك يعقدون آمالهم على الدبلوماسية لتفادي السيناريو الأسوأ، عبر إقناع واشنطن بمراعاة خصوصية تركيا، ويؤكد أن تركيا ملتزمة فقط بعقوبات الأمم المتحدة، ولا ترى نفسها ملزمة بالتحرك بناء على عقوبات أحادية من أي طرف، خاصة عندما تتعارض هذه العقوبات مع مصالحها الإستراتيجية.
ويضيف سراج أوغلو في حديث للجزيرة نت أن تاريخ تركيا مع التكيف مع العقوبات دون قطع العلاقات بالكامل يدعم هذا الموقف، كما حدث في الحالة الإيرانية، حيث التزمت أنقرة ببعض العقوبات الغربية رغم الاعتراضات، ولكن من دون التأثير على مصالحها الأساسية.
ويعتقد الباحث أن ترامب قد يواجه صعوبة كبيرة في اتخاذ مواقف قاسية ضد تركيا، نظرا لدورها الإستراتيجي المهم في أوكرانيا وحلف الناتو. ومع ذلك، تدرك أنقرة أنها قد تجد نفسها في عين العاصفة إذا استمر التصعيد الأميركي.