أنقرة– منح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في منتصف يوليو/تموز الجاري موسكو مهلة 50 يوما للتوصل إلى اتفاق سلام مع أوكرانيا، محذرا من أن الولايات المتحدة ستفرض تعريفات جمركية صارمة بنسبة 100% على الواردات من أي دولة تواصل تجارتها مع روسيا في قطاعات الطاقة والزراعة والتسليح إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق.

وأوضح البيت الأبيض أن هذه الإجراءات تعد "عقوبات ثانوية" لأنها لا تستهدف روسيا مباشرة، بل تركز على شركاء روسيا التجاريين، ومع تصاعد الضغوط من الحزبين في الكونغرس الأميركي، بدا أن إدارة ترامب مستعدة للذهاب أبعد من ذلك، فقد أشار مشروع قانون جديد، حمل عنوان "معاقبة روسيا 2025″، إلى أن الرسوم الثانوية قد تصل إلى 500%، رغم أن ترامب اكتفى في الوقت الحالي بتحديد نسبة 100%.

تفتح هذه الإجراءات الباب أمام تساؤلات حول مستقبل العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والدول التي تعتمد على الطاقة الروسية، وفي مقدمتها تركيا.

شراكة قوية

تعد تركيا من الدول ذات الأهمية الخاصة في سياق التوترات الاقتصادية الأخيرة بين الولايات المتحدة وروسيا، نظرا لعلاقاتها الاقتصادية المتشابكة مع موسكو.

وشهدت العلاقات التجارية بين تركيا وروسيا تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة، وبلغ التبادل التجاري بين البلدين في عام 2023 نحو 56.5 مليار دولار، مما جعل تركيا ثالث أكبر شريك تجاري لروسيا بعد الصين والهند.

وحافظ التبادل التجاري على مستوياته المرتفعة في عام 2024، وسجل النصف الأول من العام نحو 22 مليار دولار من التجارة الثنائية، رغم انخفاض طفيف بنسبة 10% مقارنة بالفترة نفسها من 2023.

تعكس هذه الأرقام اختلالا واضحا في توازن التجارة لصالح موسكو، إذ تفوق الواردات التركية من روسيا بكثير صادراتها إليها، فروسيا توفر حصة مهمة من واردات تركيا السلعية، وأصبحت تمثل نحو 12% إلى 13% من إجمالي واردات تركيا، خاصة مع زيادة اعتماد أنقرة على واردات الطاقة الروسية في السنوات الأخيرة.

إعلان

في المقابل، تشكل تركيا نسبة أقل بكثير من واردات روسيا، فلا تتجاوز 4% من إجمالي ما تستورده موسكو، لكنها تظل شريكا تجاريا مهما بالنسبة لها.

تركيا تعتمد بصورة كبيرة على واردات الطاقة الروسية (الفرنسية)

وتعززت مكانة تركيا كشريك تجاري إستراتيجي لروسيا في ظل إحجام الدول الغربية عن التعامل التجاري مع روسيا نتيجة للعقوبات الغربية، مما دفع موسكو إلى التوجه أكثر نحو أسواق بديلة، أبرزها السوق التركية، لتلبية احتياجاتها التجارية.

ووضع البلدان هدفا طموحا لزيادة حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار سنويا على المدى المتوسط، مما يعكس أهمية هذه الشراكة الإستراتيجية في مجالات متعددة.

الطاقة الروسية

تُظهر أرقام حديثة مدى الاعتماد التركي الكبير على الموارد الروسية في قطاع الطاقة، ففي عام 2023، استوردت تركيا نحو 21.34 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من روسيا، وهو ما يعادل 42.3% من إجمالي واردات الغاز التركي لذلك العام.

وتعتمد أنقرة على عقود غاز طويلة الأمد مع غازبروم الروسية لتأمين هذه الإمدادات، وتمتلك شركة بوتاش التركية عقدين رئيسيين مع موسكو بقدرة إجمالية تصل إلى 21.8 مليار متر مكعب سنويا، وتشمل هذه الكمية 16 مليار متر مكعب عبر خط "السيل الأزرق" و5.75 مليارات متر مكعب عبر خط "السيل التركي"، ويستمر العمل بهذين العقدين حتى نهاية عام 2025.

وإلى جانب الغاز، أصبحت روسيا المزود الأكبر لتركيا بالنفط الخام، وتفيد التقديرات الحديثة بأن نحو 70% من واردات تركيا النفطية تأتي من روسيا، وذلك في تحول ملحوظ بعد العقوبات الغربية التي دفعت تركيا لتصبح مشتريا رئيسيا للخام الروسي بأسعار منخفضة.

وبالمثل، فرضت روسيا سيطرتها على سوق الفحم التركي، وزودته بأكثر من 70% من إجمالي وارداته من الفحم منذ عام 2022، وارتفعت النسبة إلى 88% خلال النصف الأول من 2025، وفقًا لبيانات تتبع الشحنات.

في السياق، يرى المحلل الاقتصادي حقي إيرول جون أن تركيا ستواجه تحديات اقتصادية معقدة إذا استمرت الولايات المتحدة في تصعيد عقوباتها ضد الدول المتعاملة مع روسيا، وأن أحد أكبر هذه التحديات هو الاعتماد الكبير على الطاقة الروسية، فأي تعطيل أو رفع للتكاليف بسبب هذه العقوبات قد يؤثر بشكل كبير على القطاع الصناعي التركي ويزيد من عجز التجارة الخارجية.

ويشير إيرول جون -في حديث للجزيرة نت- إلى أن تركيا ستواجه صعوبة في التوازن بين مصلحتها في الحفاظ على علاقاتها مع روسيا واحتياجاتها الاقتصادية مع الغرب، لذا، من المتوقع أن تسعى أنقرة لتوسيع شراكاتها الاقتصادية مع دول أخرى، مثل الصين ودول الخليج وآسيا الوسطى، بالإضافة إلى تنويع مصادر الطاقة مثل الغاز الأذربيجاني والغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، لتقليل اعتمادها على روسيا.

من المتوقع أن تسعى أنقرة لتوسيع شراكاتها الاقتصادية مع دول أخرى تحت ضغط العقوبات الأميركية الثانوية المحتملة على روسيا (رويترز)قطاعات مهددة

الولايات المتحدة واحدة من أهم أسواق الصادرات التركية، وتمثل حصة كبيرة من إجمالي التبادل التجاري، ففي عام 2024، بلغ حجم الصادرات التركية إلى الولايات المتحدة نحو 15 إلى 16 مليار دولار، ما يعادل نحو 6.2% من إجمالي الصادرات التركية لهذا العام، ما يضع أميركا في المرتبة الثانية بين وجهات التصدير التركية بعد ألمانيا.

إعلان

وتعتمد عدة قطاعات صناعية تركية بشكل كبير على السوق الأميركية، بما في ذلك صناعة السيارات، والمنسوجات، والملابس الجاهزة، والسجاد، والمجوهرات، فعلى سبيل المثال، بلغت صادرات صناعة السيارات التركية إلى الولايات المتحدة نحو 1.2 مليار دولار في 2024، في حين قاربت صادرات السجاد التركي 784 مليون دولار في العام نفسه، وحقق قطاع الملابس الجاهزة مبيعات تقدر بنحو 856 مليون دولار، وقطاع الإلكترونيات حقق 774 مليون دولار.

موقف أنقرة

حتى الآن، لم يصدر عن أنقرة رد فعل رسمي مفصل على تهديدات ترامب الأخيرة، وفضلت الحكومة التركية التحفظ والترقب لمعرفة ما إذا كان هذا التصعيد الأميركي يعد مجرد ورقة ضغط تفاوضية على روسيا أم أن هناك نية حقيقية لتنفيذه.

ويرى الباحث السياسي جنك سراج أوغلو أن المسؤولين الأتراك يعقدون آمالهم على الدبلوماسية لتفادي السيناريو الأسوأ، عبر إقناع واشنطن بمراعاة خصوصية تركيا، ويؤكد أن تركيا ملتزمة فقط بعقوبات الأمم المتحدة، ولا ترى نفسها ملزمة بالتحرك بناء على عقوبات أحادية من أي طرف، خاصة عندما تتعارض هذه العقوبات مع مصالحها الإستراتيجية.

ويضيف سراج أوغلو في حديث للجزيرة نت أن تاريخ تركيا مع التكيف مع العقوبات دون قطع العلاقات بالكامل يدعم هذا الموقف، كما حدث في الحالة الإيرانية، حيث التزمت أنقرة ببعض العقوبات الغربية رغم الاعتراضات، ولكن من دون التأثير على مصالحها الأساسية.

ويعتقد الباحث أن ترامب قد يواجه صعوبة كبيرة في اتخاذ مواقف قاسية ضد تركيا، نظرا لدورها الإستراتيجي المهم في أوكرانيا وحلف الناتو. ومع ذلك، تدرك أنقرة أنها قد تجد نفسها في عين العاصفة إذا استمر التصعيد الأميركي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات الولایات المتحدة التبادل التجاری الطاقة الروسیة ملیار دولار من إجمالی على روسیا مع روسیا متر مکعب فی عام

إقرأ أيضاً:

ملايين الدولارات مقابل الإقامة.. ترامب يطلق «البطاقة الذهبية» لجذب الخبرات

أطلقت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برنامج “البطاقة الذهبية”، الذي يمنح الأجانب الأثرياء حق الإقامة في الولايات المتحدة مقابل مليون دولار، في خطوة تروّج لها الإدارة باعتبارها أداة لجذب الكفاءات العالية الخاضعة للتدقيق المسبق من الشركات الأمريكية.

وتتوقع الإدارة أن يسهم البرنامج في تحقيق إيرادات كبيرة للخزينة الاتحادية، في وقت تشير فيه بيانات سابقة لوزارة التجارة إلى أن البطاقة الذهبية قد تدر أكثر من 100 مليار دولار، بينما يُرجَّح أن يجلب برنامج “البطاقة البلاتينية” — الموجَّه لذوي الملاءة الأعلى بتكلفة 5 ملايين دولار — عوائد تصل إلى تريليون دولار، دون تحديد الفترة الزمنية المتوقعة لجمع هذه الإيرادات.

ويظهر موقع التقديم الرسمي وجود قائمة انتظار للبطاقة البلاتينية، التي تتيح لحامليها الإقامة حتى 270 يومًا سنويًا داخل الولايات المتحدة من دون دفع ضرائب على الدخل المكتسب في الخارج.

وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر منصة “تروث سوشيال” إن برامج مثل هذه ستتيح للشركات الأمريكية الاحتفاظ بمواهبها القيمة، مشيرًا إلى أن الشركات تستطيع شراء تصريح إقامة لموظفيها مقابل معدات قدرها مليوني دولار، بشرط اجتياز المتقدم فحصًا أمنيًا دقيقًا.

وتشير الحكومة إلى أن حاملي البطاقة قد يصبحون مؤهلين لاحقًا للحصول على الجنسية الأمريكية، موضحة أن النظام يشبه “البطاقة الخضراء” التي تمنح إقامة دائمة للأجانب.

كما توضح الإدارة أن أحد الاستخدامات المتوقعة للبطاقة الجديدة هو تمكين الشركات من الاحتفاظ بالطلاب الأجانب المميزين بعد تخرجهم، بدلاً من إعادتهم إلى بلدانهم، ما يعزز استقطاب الكفاءات وتنمية السوق الأمريكية.

ويأتي إطلاق برنامج البطاقة الذهبية في سياق سعي الولايات المتحدة لتعزيز قدرتها على استقطاب الكفاءات عالية المهارة وسط منافسة متصاعدة مع دول تعتمد برامج مشابهة للإقامة مقابل الاستثمار، مثل كندا والبرتغال والإمارات، ويُعد برنامج الهجرة عبر الاستثمار أحد أكثر الأدوات استخدامًا لرفع الإيرادات واستقطاب الخبرات، إلا أنه يثير نقاشات حول الشفافية والمساواة وإمكانية إساءة استخدامه.

ويعكس برنامج “البطاقة الذهبية” استراتيجية الولايات المتحدة لمواصلة جذب المستثمرين والأفراد ذوي الملاءة العالية، وهو جزء من التنافس الدولي على استقطاب الكفاءات عالية المهارة، كما يعكس البرنامج اهتمام الإدارة الأمريكية بربط الاستثمار بالإقامة القانونية والإمكانات المستقبلية للحصول على الجنسية، وسط نقاشات حول الشفافية والمساواة في برامج الهجرة الاستثمارية دوليًا.

مقالات مشابهة

  • حوادث صادمة تهز مصر والولايات المتحدة وأوروبا
  • سعر بطاقة ترامب الذهبية.. شروط وطريقة التقديم على التأشيرة الأمريكية الجديدة
  • 25.3 مليار دولار صادرات تركيا لدول الجوار خلال 11 شهرا
  • عملاق الأسمنت اليوناني “تيتان” يستحوذ على “تراسيم” التركية مقابل 190 مليون دولار
  • ملايين الدولارات مقابل الإقامة.. ترامب يطلق «البطاقة الذهبية» لجذب الخبرات
  • واشنطن تطرح البطاقة الذهبية.. خطة ترامب لجذب الكفاءات وتمويل الخزينة
  • النواب الأمريكي يقر مشروع قانون شامل للسياسة الدفاعية بـ 900 مليار دولار
  • الإدارة الأميركية تطلق تأشيرة بطاقة ترامب الذهبية للأثرياء الأجانب
  • أميركا تطلق تأشيرة "ترامب الذهبية".. هذا سعرها
  • الأضخم في تاريخ أمريكا .. إقرار مشروع قانون دفاعي بقيمة 900 مليار دولار