قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق أنه تُعد مدارس ما بعد الحداثة الفكرية من الاتجاهات التي تسعى إلى تفكيك المفاهيم الثابتة وتغيير دلالات الألفاظ بما يتناسب مع توسع العالم المعاصر. إلا أن هذه المدارس، بحسب د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، تمثل تهديدًا حقيقيًا للقيم الإنسانية والعقائدية، بل إنها تنذر بتدمير الأسس التي قامت عليها المجتمعات الإنسانية السوية.

فكر ما بعد الحداثة: إلغاء الثوابت لصالح "الحرية المطلقة"

يرى البعض في مدارس ما بعد الحداثة أن عملية وضع المفاهيم والمعاني ينبغي أن تكون مرنة، بحيث لا تتقيد بالموروثات. ومن ضمن هذه المدارس، يطرح الفكر المتطرف أن هناك خمسة أشياء يجب أن تزول لتتحقق "الحرية الفكرية" المطلقة: الثقافة، والدين، والأسرة، والدولة، واللغة. هذا المنظور، بحسب د. علي جمعة، يشكل تحديًا كبيرًا للثوابت الاجتماعية والدينية التي بنيت عليها المجتمعات الإنسانية على مر العصور.

ويضيف جمعة: "هذه الأفكار تحاول أن تفتح المجال لأيديولوجيات مدمرة، فإلغاء هذه الأسس الخمسة سيؤدي إلى زعزعة استقرار المجتمعات وتفكيك الأسرة، وتدمير البنية الاجتماعية التي تحافظ على تماسك الشعوب."

العداء للإسلام والقيم الأخلاقية

المدارس الفكرية ما بعد الحداثية تسعى، وفقًا لرؤيتها، إلى تحرير الفرد من كل القيود، مما يعني التحرر من القيم الدينية والخلقية التي تحدد السلوكيات الاجتماعية. ومن أبرز مثال على ذلك هو محاولة هذه المدارس تغيير المعنى التقليدي للأسرة وتوسيع مفهومها ليشمل أي اثنين بغض النظر عن جنسهم أو علاقاتهم. هذه المحاولات تمهد لإضفاء الشرعية على سلوكيات شاذة، مثل الشذوذ الجنسي، الذي أصبح يُعتبر "حقًا من حقوق الإنسان" في بعض الأوساط الفكرية الغربية.

وقال جمعة: "من الخطير أن نرى كيف تحول مفاهيم كانت تُعد من المسلمات، مثل الأسرة، إلى مفاهيم قابلة للتغيير بحسب أهواء الأفراد. فهذا تطور فكري مأساوي، يقود إلى تشويه الفطرة الإنسانية."

إعادة تعريف "الحرية" في الفكر ما بعد الحداثي

من أخطر الأمور التي أثارها  جمعة في حديثه هي كيفية تلاعب الفكر ما بعد الحداثي بمفاهيم أساسية مثل "الحرية". ففي البداية كانت الحرية تعني تحرر الإنسان من العبودية والرق، لكنها، بحسب هذه المدارس الفكرية، أصبحت تعني التحرر من أي قيد أخلاقي أو ديني. "الحرية" في هذا السياق تحولت إلى تفلت من كل القيم والمبادئ، وهو ما يتعارض مع ما يراه د. علي جمعة: "هذه ليست حرية، بل هي فوضى قد تقود البشرية إلى ضياع تام."

الفكر المريض والفجوة بين الفن والجمال

ينبه جمعة إلى أن من أخطر نتائج هذا الفكر هو الخلط بين الفن والجمال وبين التفلت والفساد. "إن ما يُسمى إبداعًا وفنًا في هذه المدارس ليس إلا محاولة للتلاعب بالعقول وإضفاء مشروعية على السلوكيات المشوهة والمخالفة للفطرة السليمة." وقد أشار إلى أن هذا الفكر يعرض المجتمعات لخطر الانزلاق إلى مستويات منخفضة من التفكير والعيش، قائلاً: "ما يدعون إليه ليس إبداعًا، بل هو انحدار فكري وأخلاقي، وقد نرى في المستقبل سمادير السكرانين الذين يعيشون في أوهام غير قابلة للإفاقة."

خطر الفكر ما بعد الحداثي على المستقبل

يدعو جمعة إلى ضرورة التصدي لهذا الفكر المتطرف الذي يهدد قيم المجتمعات الإسلامية والإنسانية. "نحن لا نهاجم السلوك البشري في هذه الأفعال المنكرة مثل الزنا والشذوذ وشرب الخمر فحسب، بل نهاجم الفكر الذي أسس لهذه الأفعال، ودعا إليها. إذا تمكنا من إصلاح الأساس الفكري والعقائدي، سنستطيع القضاء على هذه الأمراض الفكرية."

ويختتم جمعة بالقول: "علينا أن نعود إلى الجذور التي قامت عليها الحضارة الإسلامية، التي هي حضارة أخلاقية وفكرية قائمة على قيم ثابتة تُصون الفطرة الإنسانية، وتنبذ كل ما يهددها من أفكار هدامة. إن العودة إلى قيمنا الأصلية، والتمسك بها، هو الحل الوحيد لدرء هذا الفكر المريض، الذي يهدد كل ما هو جميل وصحيح في حياتنا."

 

إن الفكر ما بعد الحداثي يشكل تحديًا خطيرًا للإنسانية، إذ يسعى إلى هدم كل ما هو ثابت في المجتمع من دين وأخلاق وثقافة. ولهذا، يتطلب التصدي لهذا الفكر جهودًا فكرية وعقائدية مستنيرة للحفاظ على القيم الإنسانية السامية وضمان استقرار المجتمع في ظل هذه التحديات الفكرية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: جمعة الحرية المطلقة المجتمعات الإنسانية استقرار المجتمعات علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء لمحاولات كبار العلما الجمهوري العالم المعاصر الفكر المتطرف الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء السلوكيات الإنسانية الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق كبار العلماء مفتي الجمهورية قيم الإنسانية سلوك البشر مجتمعات الإنسانية هذه المدارس هذا الفکر علی جمعة

إقرأ أيضاً:

لجنة الاتصالات: مطالبات بتعديل قوانين حماية البيانات والملكية الفكرية لمواكبة التحول الرقمي

أكدت لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بجمعية رجال الأعمال المصريين أن قانون حماية البيانات الشخصية، الصادر منذ 5 سنوات، لا يزال يواجه تحديات في لائحته التنفيذية، ما يستدعي مراجعته وإعادة تفعيله بما يضمن خصوصية وأمان البيانات في ظل التوسع في استخدام التكنولوجيا. كما تمت مناقشة مشروع تعديل قانون الملكية الفكرية، المتوقع الانتهاء منه خلال الفصل التشريعي الثاني.

أسعار الدواجن و البيض اليوم الاثنين 2 يونيووزير قطاع الأعمال: تقنيات التصنيع الحديثة ضرورة لتعزيز تنافسية الصناعة الوطنية

جاء ذلك خلال اجتماع لجنتي التشريعات الاقتصادية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بجمعية رجال الأعمال اليوم الاثنين ، حيث تم استعراض أبرز التحديات المرتبطة بالتشريعات الرقمية وبحث آليات تطويرها بالتنسيق مع الجهات المعنية.

وأكد المشاركون أن هذه القوانين تمثل محاور أساسية في دعم بيئة الأعمال الرقمية، وتحقيق الاستفادة القصوى من التكنولوجيا في مختلف القطاعات.

وأشار حسانين توفيق رئيس لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بجمعية رجال الأعمال المصريين إلى أن هذه التشريعات تمثل ركيزة أساسية في نجاح التحول الرقمي، مشدداً على ضرورة تعديلها لتتماشى مع الاستخدامات الحديثة للتكنولوجيا.

وأكد أن الجمعية تسعى لتقديم رؤيتها وتوصياتها في هذا الشأن عبر لقاءات موسعة تضم الجهات المعنية، بما في ذلك وزارة الاتصالات وهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات.

من جانبه، شدد المستشار بهجت الحسامي رئيس لجنة التشريعات الاقتصادية بجمعية رجال الأعمال المصريين على أهمية إيجاد وسائل إثبات قانونية للمعاملات الإلكترونية في القضاء

واوضح  أن القانون المصري لم يواكب بعد حجم الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا في التعاملات اليومية، مما يعرقل الاستفادة الكاملة من منظومة التحول الرقمي.

طباعة شارك لجنة الاتصالات قانون حماية البيانات الشخصية قانون الملكية الفكرية جمعية رجال الأعمال بيئة الأعمال الرقمية

مقالات مشابهة

  • رؤية الحج الإنسانية التي تتسع للعالم أجمع
  • ماهر فرغلي: الفكر الإخواني لا يتغير.. واستراتيجيته تقوم على تزييف الوعي
  • التجارة: عُمان تمتلك إطارا قانونيا متقدما لحماية الملكية الفكرية وحقوق المستثمرين
  • محمد حامد جمعة نوار: ندعمه
  • جمعة: جلسة اليوم مخصصة لاعتماد الميزانية الموحدة لعام 2025
  • الحبس سنتين وغرامة 200 ألف جنيه عقوبة سرقة الملكية الفكرية بهذه الحالة
  • لجنة الاتصالات: مطالبات بتعديل قوانين حماية البيانات والملكية الفكرية لمواكبة التحول الرقمي
  • أعمال الحج التي يجب أداؤها في المناسك
  • مفتي الجمهورية: ندعم جهود باكستان في مواجهة الفكر المتطرف
  • جعجع في تكريم نبيل خليفة: حمل سلاحاً أقوى من البندقية وهو سلاح الفكر