هل تملك الدول الأفريقية الحلول للخروج من الهشاشة والفشل؟
تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT
أديس أبابا- كثيرا ما يخلط المحللون السياسيون بين مفهومي الدولة الهشة والدولة الفاشلة، رغم وجود فروقات بينهما. ويسقطون ذلك على دول القارة الأفريقية فيجعلونها قرينة هذين المفهومين دون غيرها من الدول في قارات العالم الأخرى وخاصة في قارة آسيا.
وخلال مؤتمر عُقد بأديس أبابا، تركّزت النقاشات على البحث في قضية هشاشة الدولة، ومدى تأثير التنافس الدولي على دول القارة في العديد من النقاط.
وتمحورت النقاشات حول الفروق بين مفهومي الهشاشة والفشل، وموقع الدول الأفريقية منهما، وما إذا كانت هناك تصنيفات أخرى بخلاف هذين المفهومين، إضافة للسؤال عن إمكانية أن تخرج الدول الأفريقية من هذا التصنيف، أو أن تحسّن من ترتيبها العالمي.
بين الهشاشة والفشللا يوجد مصطلح واحد متفق عليه في تعريف مفهومي الدولة الهشة والفاشلة في العلوم السياسية، بيد أن هناك ما يطلق عليه التعريف الإجرائي.
وقام "صندوق السلام"، وهو مؤسسة بحثية أميركية غير ربحية أسست عام 1957 وتُعنى بمنع الصراعات وتعزيز الأمن المستدام، بوضع مؤشر سنوي لقياس هشاشة الدول من خلال التركيز على تقييم الصراعات، والإنذار المبكر، والتهديدات العابرة للحدود الوطنية، وحفظ السلام، والأمن وحقوق الإنسان.
وأصدر الصندوق، بالتعاون مع مجلة السياسة الخارجية، أول مؤشر خاص بالدول الفاشلة عام 2006 عبر برامج تنفيذية في العديد من الدول، منها دول أفريقية كنيجيريا وأوغندا وليبيريا.
وصدر المؤشر الأول للدول الهشة على مستوى العالم بحلول عام 2014، والذي يستند إلى 3 علامات أساسية من بينها المؤشرات السياسية والأمنية، ومؤشرات اقتصادية واجتماعية.
وتتضمن هذه المؤشرات 6 قياسات فرعية تشمل مدى شرعية النظم السياسية، والعلاقة بين الجماعات الإثنية المختلفة، وحالة النخبة السياسية ومدى تجانسها، ومستوى الخدمات العامة التي تقدمها مؤسسات الدولة، وكذلك وضع الأجهزة الأمنية ومدى خضوعها لسيطرة الدولة وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.
أما المؤشرات الاقتصادية، فتشمل التوازن في التنمية الاقتصادية وعدالة التوزيع، وتحسن الوضع الاقتصادي للدولة أو تدهوره، وهجرة العقول المفكرة والمبدعة للخارج.
أما المؤشرات الاجتماعية، فتشمل الأوضاع السكانية والحالة الديمغرافية، وعمليات النزوح الداخلي واللجوء الخارجي، وأخيرا مدى التدخل الخارجي في شؤون الدولة.
وتراوح درجات التقييم في المؤشرات الفرعية الـ12 بين درجة صفر التي تعني الوضع الأفضل والأكثر استقرارا، ودرجة 10 التي تعني الأسوأ"، ليكون مجموع هذه المؤشرات 120 نقطة، وهو ذروة الوضع الهش للدولة.
ويرى بعض خبراء العلوم السياسية أن الدولة الهشة هي التي تواجه تحديات كبيرة في تحقيق الاستقرار السياسي والأمني، بسبب عجز مؤسساتها عن تقديم الخدمات العامة، رغم أنها لا تزال تحتفظ بقدرة معينة على العمل.
أما الدولة الفاشلة فتعتبر في حالة انهيار، حيث تصبح مؤسساتها غير موجودة عمليا أو غير قادرة على العمل، وتخرج عن نطاق السيطرة المركزية، وتكون غالبا عرضة للتدخلات الخارجية أو انقسام المجتمع إلى جماعات متناحرة.
وبالإضافة لهاتين الحالتين، هناك الحالة المثالية، وهي الدولة المستقرة التي تتمتع بمؤسسات قوية قادرة على تقديم الخدمات وحماية مواطنيها، وتتمتع بالشرعية، وتستطيع إدارة مواردها بكفاءة عالية.
وفي آخر السلم يمكن الحديث عما يمكن تسميتها بالدولة المنهارة، حيث تتوقف المؤسسات عن العمل نتيجة ظروف الحروب وخروج بعض أقاليم الدولة عن السيطرة المركزية، وخضوعها لجماعات مسلحة أو لحكومات محلية.
مؤشر الهشاشةوفق مؤشر الهشاشة لعام 2024، جاءت 6 دول أفريقية ضمن الدول العشر الأعلى في المؤشر من 120 نقطة، على رأسها الصومال بدرجة 111، يليه السودان 109.3، ثم جنوب السودان 109، بينما احتلت الكونغو الديمقراطية المركز الخامس بـ106 نقطة، وأفريقيا الوسطى في المركز السابع بـ103.9 نقطة، وأخيرا تشاد في المركز العاشر 102.7.
من جهة أخرى، جاءت 8 دول أفريقية أخرى في مراكز متقدمة، وهي إثيوبيا في المرتبة 12، ومالي 14، ونيجيريا 15، وليبيا 16، وغينيا 17، وزيمبابوي 18، والنيجر 19، والكاميرون 20.
وتسهم جملة عوامل في هشاشة الدولة، منها الحروب الأهلية والعنف إلى حد كبير، وما يرافق ذلك من اضطهاد بعض القوى السياسية أو الجماعات الإثنية، الأمر الذي قد يحدث انقساما ينعكس على شرعية النظام السياسي، وهو بدوره يؤثر على النمو الاقتصادي وعدالة توزيع الموارد.
ويؤدي هذا الوضع إلى نزوح داخلي أو لجوء خارجي أو كلاهما، كما يصاحب ذلك هجرة النخبة العلمية، وقد يكون هذا الاضطراب وعدم الاستقرار الأمني والسياسي ذريعة لتدخل خارجي قد يسهم في تأجيج الصراع بدل إخماده.
وتنطبق هذه الشروط في حالة السودان وجنوب السودان اللتين تتشابهان في الحروب وحالات عدم الاستقرار السياسي، مما تسبب في النزوح واللجوء والتدخلات الخارجية.
أما الصومال الذي كان دولة فاشلة وفق المؤشرات السابقة، فقد انتقل إلى قائمة الدول الهشة، ومرشح للتحسن في هذا المؤشر، خاصة بعد عودة المؤسسات للعمل، كما أنه قد يستفيد من وجود قوات حفظ سلام جديدة أوائل العام المقبل.
ويرى بعض الخبراء أن وصف الدولة الهشة لا يعني أنها محدودة الموارد، بل يطلق عليها ذلك ربما بسبب الحالة الأمنية أو غياب العدالة في توزيع هذه الموارد، وهذا ربما ما يفسر حالة إثيوبيا التي تتبوأ المرتبة 12 رغم أنها حققت نموا اقتصاديا كبيرا خلال المدة الأخيرة، بقرابة 9%، لكن الحرب على جبهة تيغراي وعدم عدالة توزيع العوائد الاقتصادية سببان يقدمان تفسيرا لهذا الأمر.
الحلوليرى خبراء أن وضع الدول الأفريقية يمكن أن يتحسن في مؤشر الهشاشة مع تحسن أدائها السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي، لكن ذلك التحسن يتطلب إرادة سياسية حقيقية لدى الحكومات من خلال الإصلاحات المطلوبة على المستويات كافة، مما يقوي من شرعيتها السياسية ويسهم في الاستقرار ويقلل من المهددات الأمنية مثل الانقلابات العسكرية.
ولخروج الدول الأفريقية من دائرة الفشل والهشاشة، فإن مفاتيح الحل بيد الأفارقة أنفسهم، إذ من شأن ذلك أن يبعد التدخلات والمؤامرات والأطماع الخارجية التي تستهدف القارة، وتظهر في التنافس الدولي الكبير على القارة الغنية بالموارد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الدول الأفریقیة الدولة الهشة
إقرأ أيضاً:
عُمان تتقدم في المؤشرات العالمية وسط إشادة دولية
من النادر أن يصادف القارئ، وسط صخب الأخبار الاقتصادية العالمية، نموذجا اقتصاديا يتقدم بعيدا عن العناوين المدفوعة أو الحملات الإعلامية الصاخبة التي تتصدر نشرات الاقتصاد الدولي. النموذج العُماني يبدو أحد هذه الاستثناءات الهادئة، التي تكتب قصتها خارج دوائر التهويل الإعلامي، ولكن بعمق محسوب، وبتصميم تريده وتُهندسه القيادة السياسية في البلاد، التي جعلت من الملف الاقتصادي شغلها الشاغل.
ورغم أن سلطنة عُمان، بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، تضطلع بأدوار سياسية إقليمية معقدة وحساسة، فإن أولوية الإصلاح الاقتصادي المحلي لم تغب عن اشتغالات جلالة السلطان منذ اليوم الأول لتوليه مقاليد الحكم. هذه الرؤية لم تكن في يوم من الأيام حبيسة الخطابات أو السياقات اللغوية ولكن نتائجها باتت تفرض نفسها على الجميع وبدأت تجد طريقها بشكل واضح إلى التقارير الدولية المرموقة وكذلك المؤشرات العالمية المعنية بمختلف الجوانب الاقتصادية.
ففي اليوم نفسه، أصدر المكتب الوطني للتنافسية تقريره السنوي الذي كشف عن قفزات نوعية لسلطنة عُمان في مؤشرات دولية رئيسية، شملت الأداء البيئي، والحرية الاقتصادية، وجاهزية الشبكات الرقمية، والحكومة الرشيدة، بالتوازي مع إشادة البنك الدولي بالإصلاحات الاقتصادية العُمانية واعتبارها نموذجا يُحتذى به في مسارات التنويع الاقتصادي وتحقيق الاستدامة.
هذا التزامن في الاعتراف الدولي لم يكن صدفة إنما هو انعكاس مباشر لرؤية شاملة تشكلت في «رؤية عُمان 2040»، والتي لم تكن منذ انطلاقها وثيقة شكلية، بل خريطة طريق نُفّذت بخطى واثقة. ونستطيع أن نرى بوضوح تام عملية تحول هيكلي مدروس في سلطنة عمان بدءا من تطوير رأس المال البشري إلى تحفيز البحث والابتكار، ومن إعادة هيكلة الجهاز الحكومي إلى خلق بيئة استثمارية مستقرة وحديثة، ومن تطوير البنية الأساسية إلى تحفيز الاقتصاد غير النفطي. هذه العملية عميقة جدا وحساسة جدا ولكنها تجري في عُمان بكثير من الهدوء لأنها وسط عملية تطوير وإصلاح جذرية تشهدها سلطنة عمان في ظل رؤية عاهل البلاد المفدى لعمان الجديدة.
تكمن أهمية تقدم عُمان في المؤشرات العالمية والإشادة الأممية التي تحصل عليها من مؤسسات عالمية مرموقة في أن المستثمر الأجنبي، كما المؤسسات المالية الدولية، لا يتخذ قراراته من فراغ أو دعاية، بل ينظر إلى المؤشرات التفصيلية: جودة التشريعات، وكفاءة المؤسسات، وصرامة الحوكمة، حرية السوق، والجاهزية الرقمية. وقد جاءت مؤشرات 2024 لتؤكد أن عُمان أصبحت مقصدا جاذبا وجديرا بالثقة، ومن هنا تبدو أهمية هذه المؤشرات وأهمية أن نقف معها طويلا.
التحولات التي تشهدها عُمان بحاجة إلى خطاب اقتصادي جديد، لا يُمجّد المنجزات بل يبنى عليها. خطاب يتحدث بلغة الأرقام، ويخلق مناخا من الثقة والاستباقية، يُمكّن القطاع الخاص من أخذ زمام المبادرة، ويحثّه على التحول من دور المراقب إلى شريك فاعل، لا يطالب بالدعم فحسب، بل يقدّم حلولا وابتكارات تُعزز مكانة عُمان في سلاسل الإنتاج والتصدير. ويستطيع أن يولد فرص عمل مناسبة للعمانيين وتحويلهم بالتعاون مع الجهات الحكومية المختصة إلى جزء أساسي من قصة نجاح الاقتصاد العماني وليس عبئا ماليا كما يروج البعض.