تركيا وترامب: تفاؤل نظري وقلق عملي
تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT
منذ الإعلان عن فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية وقبل دخوله البيت الأبيض، بل قبل الإعلان عن تشكيلة إدارته، بدأت مختلف الدول بمحاولة استشراف سياساته المقبلة وارتداداتها المحتملة عليها، من باب تأثير الولايات المتحدة على مختلف القضايا الدولية والإقليمية، وكذلك شخصية ترامب نفسه ونهجه المتوقع في الحكم.
بالنسبة لتركيا تقليديا وحاليا، فهي تفضّل الإدارات الجمهورية أكثر من الديمقراطية بسبب تدخلها الأقل -بالمقارنة- في الشؤون الداخلية وخصوصا ما يتعلق بالحريات والديمقراطية والملف الكردي. ويتعزز هذا الأمر بعد رئاسة بايدن تحديدا، الذي تخللت حملته الانتخابية تصريحات حول ضرورة دعم المعارضة التركية لإسقاط أردوغان، ثم لم تكن العلاقات بين البلدين في رئاسته في أفضل أحوالها، حيث أعلن خلالها رسميا عن إخراج تركيا من مشروع مقاتلات إف35 الذي كانت جزءا منه، وماطلت إدارته في تسليمها مقاتلات إف16 (المشروع البديل) رغم الوعود ورغم موافقة أنقرة على انضمام فنلندا ثم السويد لحلف الناتو.
ولذلك وبالمقارنة مع بايدن بدت أنقرة أكثر تفاؤلا بفوز ترامب، لذلك سارع أردوغان لاتصال هاتفي هنأ فيه الأخير بفوزه، مبديا ثقته بعلاقات أفضل بين بلديهما، وعن مسارات إيجابية في ملف الصناعات الدفاعية، داعيا إياه لتنفيذ وعوده الانتخابية بوقف الحروب في المنطقة والعالم.
مع ترامب، ترى تركيا أن الإدارة الأمريكية القادمة ستكون مؤثرة وربما محددة في عدة ملفات ذات أولوية بالنسبة لها، وفي مقدمتها الاقتصاد والتسليح والملف الكردي الداخلي، فضلا عن سوريا والميليشيات المدعومة أمريكيا فيها والحرب في المنطقة
يبدو هذا التفاؤل خطابا بروتوكوليا ومعبرا عن الآمال والتطلعات التركية أكثر مما يعبر عن موقف مبني على تقدير موقف إيجابي من جهة، ومن أخرى فهو يبني على العلاقات الشخصية الجيدة والتواصل المستمر بين الرجلين في رئاسة ترامب الأولى، لكن هذا التفاؤل لا يعكس الواقع وتوقعات أنقرة بالضرورة.
ذلك أنه وفي المقام الأول، يعود ترامب هذه المرة للبيت الأبيض أقوى من العهدة الرئاسية السابقة، بفوزه العريض والأغلبية الجمهورية في الكونغرس وكونها الرئاسة الثانية التي تبني على خبرة الأولى، وكذلك تحرره من بعض الضغوط السياسية والحسابات الانتخابية.
إضافة لذلك، تنظر أنقرة تقليديا لواشنطن ليس كقوة عظمى وحسب، ولكن أيضا كطرف مؤثر في الملفات الحيوية والحساسة بالنسبة لها. الآن، ومع ترامب، ترى تركيا أن الإدارة الأمريكية القادمة ستكون مؤثرة وربما محددة في عدة ملفات ذات أولوية بالنسبة لها، وفي مقدمتها الاقتصاد والتسليح والملف الكردي الداخلي، فضلا عن سوريا والميليشيات المدعومة أمريكيا فيها والحرب في المنطقة.
يشير الكثير من الإعلاميين والسياسيين الأتراك إلى العلاقة الشخصية الجيدة بين أردوغان وترامب وانعكاسها على العلاقات بين البلدين، ولكن هذا على صحته لا يعكس حقيقة العلاقات بين الجانبين خلال رئاسة ترامب الأولى، حيث كانت متذبذبة في عمومها وشهدت بعض الأزمات.
فعدا عن تراجع التواصل المؤسسي بين الطرفين، كان ترامب نفسه من هدد "بتدمير الاقتصاد التركي" في تغريدة إثر أزمة توقيف القس أندرو برونسون، وقد أثّر ذلك سلبا بشكل مباشر وعميق، وهو الذي كان أرسل لأردوغان رسالة بعيدة عن اللغة الدبلوماسية؛ رآها البعض إهانة وأعلنت الرئاسة التركية رفض استلامها. كما أوقع ترامب عقوبات اقتصادية وأخرى تتعلق بقطاع الصناعات الدفاعية، بما في ذلك مسار إخراج تركيا من مشروع إف35 الذي بدأ في عهده بسبب شراء أنقرة منظومة إس400 الدفاعية الروسية، التي وللمفارقة كان أبدى تفهمه "لاضطرار تركيا لشرائها" بسبب عدم تعاون إدارة أوباما معها في هذا الملف. ورغم أن قرارا استراتيجيا من قبيل الانسحاب من سوريا اتخذه ترامب في اتصال هاتفي مع أردوغان، إلا أنه تراجع عنه سريعا تحت ضغط البنتاغون.
يشكل هذا التذبذب في القرارات النابع من شخصية ترامب صعبة التوقع وكثيرة المفاجآت عامل قلق بالنسبة لأنقرة. ومما يزيد من هذا القلق أن أحد أهم العوامل المؤثرة في سياسات الولايات المتحدة الخارجية -لا سيما مع ترامب- ستكون العلاقات مع دولة الاحتلال ومصالحها، فما بالنا والإدارة الجديدة تأتي في ظل عدوان "إسرائيلي" على غزة ولبنان، وستتشكل فيما يبدو في معظمها من شخصيات منحازة بشكل سافر لدولة الاحتلال وبعضها لأسباب أيديولوجية وليس فقط جيو استراتيجية أو مصلحية.
ولذلك تخشى أنقرة أن تنظر واشنطن للعلاقات معها من هذه الزاوية تحديدا، خصوصا وأنها من أشد المنتقدين والمهاجمين علنا لنتنياهو وحكومته، وقد أوقعت عليها عقوبات اقتصادية وانضمت لدعوى الإبادة التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية. كما أنه من المتوقع وربما المرجّح أن تصوغ الإدارة الأمريكية المقبلة سياساتها تجاه إيران والملف الكردي والحرب في المنطقة وفقا لمصالح دولة الاحتلال كذلك، وهو مصدر قلق إضافي لأنقرة، رغم أنها قد تنظر لبعض هذه السياسات كفرصة لها (مثلا ترى أنقرة أن الضغط على طهران يصب في مصلحتها، ولكن دون الوصول لحالة تصعيد أو حرب مفتوحة).
التفاؤل الذي أبدته تركيا بفوز ترامب ليس مبنيا على أسس نظرية أو استشراف دقيق أو معطيات دقيقة، وإنما يعبّر عن المأمول من قبلها، بيد أن الواقع أو المنتظر مقلق بالنسبة لها في عدة ملفات ذات أهمية حيوية. لذلك ستكون في مرحلة انتظار ومحاولة استشراف توجهات إدارة ترامب وسياساتها
في المقابل، يراهن أردوغان على قدرته على إقناع ترامب ببعض القرارات والتوجهات المفيدة لتركيا، مثل وقف العدوان "الإسرائيلي" ومنع توسع الحرب في المنطقة ووقف الحرب الروسية- الأوكرانية، حيث يمكن لتركيا أن تلعب أدوارا معينة هنا وهناك. لكن شخصية ترامب التي تتميز بالتقلب والمفاجآت تبقى عامل توجس بالنسبة لها، حيث يمكن أن يفاجئها بالعكس تماما ولأسباب قد لا تكون معلنة أو مفهومة أصلا.
في الخلاصة، فإن التفاؤل الذي أبدته تركيا بفوز ترامب ليس مبنيا على أسس نظرية أو استشراف دقيق أو معطيات دقيقة، وإنما يعبّر عن المأمول من قبلها، بيد أن الواقع أو المنتظر مقلق بالنسبة لها في عدة ملفات ذات أهمية حيوية. لذلك ستكون تركيا في مرحلة انتظار ومحاولة استشراف توجهات إدارة ترامب وسياساتها، وستسعى للتواصل مع شخصيات على علاقة بترامب وأركان إدارته لاستكشاف ذلك بشكل مباشر في هذه المرحلة.
وفي النتيجة، وفقا لما سبق، ستحاول أنقرة في المرحلة المقبلة أن تتجنب أي أزمة كبيرة مع ترامب، مع سعي للعب أدوار في القضايا التي تتقارب أو قد تتلاقى فيها التوجهات بين البلدين، مثل الحرب الروسية- الأوكرانية والملف السوري وحتى الحرب على غزة ولبنان. بيد أن مستوى العلاقات بين الجانبين ومساراتها المستقبلية ستحددها إلى حد كبير سياسات ترامب نفسه وتعامله مع تركيا في العلاقات الثنائية، وكذلك في مجمل الملفات ذات الأهمية والحساسية بالنسبة لأنقرة.
x.com/saidelhaj
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب أردوغان تركيا امريكا تركيا أردوغان ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحرب فی المنطقة العلاقات بین بالنسبة لها مع ترامب
إقرأ أيضاً:
غزة.. الفصائل الفلسطينية تدرس مقترح واشنطن وترامب يجهز إعلان تاريخي لإنهاء الحرب
أعلنت حركة “حماس” الفلسطينية، أنها تدرس مقترح وقف إطلاق النار في قطاع غزة الذي تسلمته مؤخراً من المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، عبر الوسطاء، وذلك في بيان مقتضب نقلته وكالة “قدس برس”.
وأكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الجمعة، أن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة بات قريباً جداً، مشيراً إلى أن المحادثات بين الأطراف المعنية أحرزت تقدماً كبيراً نحو إنهاء التصعيد المستمر منذ أشهر.
وخلال مؤتمر صحفي عقده في المكتب البيضاوي، قال ترامب: “هم قريبون جداً من اتفاق بشأن غزة”، مضيفاً: “سنبلغكم بالتطورات خلال اليوم أو ربما غداً، لدينا فرصة حقيقية للتوصل إلى اتفاق”.
ويأتي هذا التحرك بعد أن استلمت الحركة المقترح رسميًا يوم الخميس، حيث أكدت “حماس” أنها تدرس التفاصيل بعناية ومسؤولية، مع التركيز على حماية مصالح الشعب الفلسطيني وتحقيق وقف إطلاق نار دائم يعيد الأمل لسكان غزة المحاصرين.
وتكشف الوثيقة الأمريكية، التي أقرّت إسرائيل موافقتها عليها مسبقًا، عن اتفاق مبدئي لوقف القتال لمدة 60 يومًا، مع ضمانات أمريكية مباشرة من الرئيس دونالد ترامب، يتزامن ذلك مع استعداد واشنطن للإعلان عن الاتفاق بشكل رسمي خلال مؤتمر صحفي مرتقب.
وينص الاتفاق على الإفراج عن عشرة رهائن أحياء وجثامين 18 آخرين في الأيام الأولى، مقابل تدفق عاجل للمساعدات الإنسانية عبر الأمم المتحدة والهلال الأحمر، بالإضافة إلى مراقبة دقيقة للأنشطة العسكرية الإسرائيلية وتبادل معلومات الأسرى.
هذا وتشارك مصر وقطر إلى جانب الولايات المتحدة في مراقبة تنفيذ الاتفاق، وسط ترقب دولي واسع لإنهاء معاناة غزة التي خلفت أكثر من 54 ألف قتيل فلسطيني وعشرات الآلاف من الجرحى حتى الآن.
وفي ظل هذه التطورات، يظل العالم على أعصابه، بينما يترقب إعلان ترامب الذي قد يشكل نقطة تحول في الصراع المستمر ويعيد الأمل إلى ملايين الفلسطينيين في غزة.
هذا وارتفعت حصيلة الحرب الإسرائيلية المتواصل على قطاع غزة إلى 54,321 قتيلا و123,770 مصاباً، منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023، وأفادت مصادر طبية أن من بين الضحايا 4,058 قتيلاو11,729 مصاباً سقطوا منذ 18 مارس الماضي، أي منذ استئناف الجيش الإسرائيلي هجومه على القطاع عقب وقف إطلاق النار المؤقت.