وأخيرا سقط النظام العربي في سوريا وبكل سلاسة وهدوء، ليتنفس أعداء النظام الصعداء وليمدد (نتنياهو) ولا يبالي الذي لم ينتظر أكثر من بضع ساعات على مغادرة الدكتور بشار الأسد قصر الشعب في العاصمة (دمشق) وبمجرد وصول جحافل (السلطان العثماني) ساحة الأمويين، حتى حرك نتنياهو جرافته لتشق طريقاً لـ (الميركافا) نحو الأراضي العربية في الجولان والقنيطرة وجبل الشيخ، فيما أسراب الطائرات الصهيونية انطلقت في مهمة حرب شاملة شملت كل الجغرافية السورية في مهمة تدمير كل قدرات الجيش العربي السوري من مقرات ومطارات ومرابض الطائرات العمودية والحربية والمعسكرات وتدمير الطائرات الميج 29 والسوخوي والميج 21 و19 وكل القدرات العسكرية السورية على امتداد الجغرافية السورية تم تدميرها بما في ذلك مراكز البحث، كما تم تدمير الرادارات والدفاعات الجوية السورية، بمعنى أدق شن الكيان الصهيوني هجوما شاملا استهدف خلاله كل القدرات العسكرية للجيش العربي السوري، معسكرات وقدرات مادية ومعنوية وكل مرفق من مرافق القوات السورية برية وبحرية وجوية تم تدميرها، كما توغلت القوات الصهيونية بريا باتجاه الأراضي العربية السورية المحاذية لفلسطين في الجولان والقنيطرة وجبل الشيخ، حدث كل هذا ويحدث أمام مرأى ومسمع من كل أنظمة العرب والعالم، وكأن الصهاينة يرحبون ولكن على طريقتهم بالنظام الجديد في دمشق الذي استلم السلطة بسلاسة، لكن الصهاينة تكرموا معهم وفضلوا مساعدتهم في تصفية آثار النظام السابق الذي تكفل الحكام الجدد لسوريا بإزالة صور َتماثيل رموز النظام السابق، فيما الصهاينة تكفلوا بمحو كل قدرات سوريا وشعبها العسكرية والأمنية المكتسبة في ظل العهد السابق والتي نظر الصهاينة أن بقاءها لا يليق بأصدقائهم القادمين لحكم سوريا الذين يجب أن يستلموا سوريا نظيفة من أي إثر من يذكرهم بالنظام السابق، حتى أن الجامع الأموي مرشح للتدمير وكل ما يتصل برموز النظام السابق يجب أن يزال وفق المنطق الصهيوني بما في ذلك قصر الشعب.
بصمت غريب قوبل الهجوم الصهيوني على سوريا سواءً من رموز الحكم الجديد أو من الأنظمة العربية القريبة والبعيدة عن سوريا، أو من قبل النظام الدولي والمنظمات الدولية المعنية بصيانة الأمن والسلم الدوليين، لم يدن أحد الصهاينة ولم يعترض أحد على عدوانهم ضد سوريا وقدراتها، ولم يستنكر أحد هذا الفعل الصهيوني لا من داخل سوريا أو خارجها، باستثناء بعض الأصوات السورية والعربية التي صرخت وأدانت واستنكرت ما يمارس بحق سوريا وقدراتها من قبل الصهاينة، ولكن لا مجيب لصراخهم وكأن حكام سوريا الجدد لا يعنيهم الأمر، ولا الحكام العرب والمسلمون يعنيهم الأمر ولا النظام الدولي يعنيه ما يجري في سوريا، ولأن للصهاينة كل الحق في العربدة والعدوان على من يريدون وكيفما يريدون وفي الوقت الذي يريدون، نعم الصهاينة هم (عرابون الوطن العربي وحراس الشرق الأوسط) وهم كما قال (نتنياهو) (إسرائيل دولة مركزية) في المنطقة، وبالتالي فإن من حق هذا الكيان اللقيط أن يفعل ما يريد ولا أحد يعترض على إرادته وأفعاله ومن يقف في مواجهته فهو إرهابي ومعاد للسامية وهو كذلك بنظر أمريكا أيضا والغرب وبعض العرب والمسلمين إن لم يكونوا جميعهم ودون استثناء حتى أولئك الذين كانوا حلفاء للنظام السابق وخدمهم النظام السابق وقدم لهم العون في لحظات كان العالم كله يحاربهم سواءً تعلق الأمر بإيران أو بروسيا وحتى تركيا وسلطانها المنحط الذي يشكل مع نتنياهو ثنائياً صهيونياً قذراً وهم معا وجهان لعملة صهيونية واحدة..!
نعم سقط العرب بسقوط آخر تحصيناتهم، لكن العروبة باقية، لأن العروبة عقيدة وهوية والوجه الآخر للدين، إذ لا عروبة بلا إسلام ولا إسلام بلا عروبة، ولا عرب أيضا بلا سوريا، ولأن سوريا سقطت بيد الإرهابيين الصهاينة فإن حكام أنظمة العمالة العربي عليهم أن لا يحلموا باستقرارهم بعد سوريا وأن يدركوا أنهم قريبا سيذوقون من نفس الكأس..!
اعلم ان كل الأنظمة العهر العربية وكل حكامها من أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والمعالي الحاليين من محيطهم إلى خليجهم هم صهاينة أصليون وان كل ما فعله الصهاينة في فلسطين ولبنان وسوريا واليمن والعراق وما قد يفعلوه يتم بموافقتهم وبمشاركتهم وبتمويل منهم، ولو لم يكن الأمر كذلك لما تجرأ الصهاينة على فعل هذه الجرائم والقتل والدمار وانتهاك سيادة الدول وإبادة شعوبها وتدمير قدراتها.. نعم الصهاينة يفعلون ما يفعلون بموافقة عربية رسمية وبتخاذل شعبي عربي، لأن الشعوب العربية هي على دين ملوكها مجردة من كل القيم والأخلاقيات بما فيها القيم العربية والإسلامية..
شعوب بعضها دفعها حقدها على حكامها لأن تكفر بكل شيء وتفضل الصهاينة وترهن نفسها لهم مقابل الثأر لأحقادها وإن كان ذلك على حساب تدمير وطنها وتمزيق نسيجه الاجتماعي، وثمة نخب ارتهنت وارتزقت على حساب أوطانها وشعوبها وآخرون دفعتهم عقدة شعورهم بالنقص إلى التحالف مع كل شياطين العالم للانتقام من بعض أشقاءها الذين ينتمون لمجتمعات حضارية عريقة ولهم موروثات حضارية موغلة في القدم هم لا يملكونها وهذا الحال ينطبق على أنظمة التطبيع الخليجية التي هبطت عليها ثروات النفط، فراحت تستغل هذه الثروة لتطويع بقية العرب الذين لديهم موروثات حضارية ليست لديها وهي التي كانت تضرب في اكتتاف الصحارى بحثا عن قوافل لنهبها أو حراستها مقابل سد رمق جوعهم..!
ماذا بعد كل ما ويحدث في المنطقة؟ الواقع الواضح يقول لا شيء.. غير أن ثمة طوفاناً يعيد تشكله، وثمة مولود يتشكل في رحم الأمة، فهذه الأمة تهزم ولكن لا تموت، تنهار ولكنها كطائر الفينيق ينهض من تحت الأنقاض، أمة لا تباد ولا يمكن إبادتها، إنها أمة الرسالات السماوية الثلاث وأمة الأنبياء، ولأنها كذلك فإن نهوضها مكفول وإرادتها لن تقتل مهما تكالبت عليها أمم الأرض.. هذه الأمة لن تصبح (هنوداً حمر) بل هي أمة رسالة حضارية خالدة وسوف تنهض وتنجب رجالا يمتلكون قيماً عربية وإسلامية ويعتزون بها ويستميتون في الدفاع عنها.. فحملة هولاكو أسقطها المماليك دفاعا عن الأمة ومعها أسقطوا إمبراطورية المغول التي كانت تسيطر على نصف الكرة الأرضية..!
أزمة الأمة اليوم أنها أمة بلا رجال، فلا العربي فيها عربي يتحلى بقيم العروبة وأخلاقياتها ولا المسلم مسلم يتحلى بقيم الإسلام ويعمل بها.. إن الذين يحكمون الأمة اليوم حثالة البشر الذين يتحلون بكل قيم الجبن والنذالة والعمالة والخيانة والانحطاط، ونخبها مجموعة مرتزقة جندتهم أجهزة الاستخبارات ومراكز الأبحاث والدراسات الأجنبية، مقابل إثبات ذات وشهرة ومكسب مادي.. إن السبب في ما وصلت إليه الأمة قطريا وقوميا هو أنها تعرضت لنخر من الداخل.. نعم تعرضت مجتمعاتها للتفكيك عبر توظيف الأقليات العرقية والمذهبية وعبر تجنيد النخب عن طريق المنظمات المجتمعية ونشطاء وعن طريق الإعلام والمظاهر الاستهلاكية وقيمها المنحطة وفي غياب الوعي القومي والوعي الديني، ومن الطبيعي أن تصل لهذه المرحلة أي أمة تخلت عن دينها وقيمها الحضارية.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
عن الذين خاطروا بأنفسهم وأموالهم فلم يرجعوا من ذلك بشيء
مع إقبال أيام العشر من ذي الحجّة يبدأ الحديث عن فضائل هذه الأيّام وعن فضل العمل الصّالح فيها وأنّ العمل الصالح فيها أفضل من الجهاد في سبيل الله تعالى، وعمدة الاستشهاد على هذا المعنى هو الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: "ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذه، قالوا: ولا الجِهادُ؟ قالَ: ولا الجِهادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بنَفْسِه ومالِه، فلَمْ يَرْجِعْ بشَيءٍ". وللحديث رواية قريبة عند الترمذي وغيره يقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ. قالوا: يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجل خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ".
عادة ما ينصبّ الاستشهاد والاستدلال بهذا الحديث على أنّ العمل الصالح بمفهومه العام أفضل حتى من الجهاد في سبيل الله تعالى، وقلّة هم الذين يلتفتون ويتوقفون مليّا عند ذلك الرجل الذي خصّه رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالذكر؛ مبينا أنّه لا يفوقه أحد فضلا ولا يتفوق عليه مؤمن عملا، وهو الرجل المخاطر بنفسه والمخاطر بماله ملقيا بها في مواطن الواجب والجهاد والنصرة فلم يرجع من نفسه ولم يرجع من ماله بشيء.
إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلفت أنظار أمّته على مرّ الزمان إلى النّموذج الذي يصنع الفرق في الانتصار والتغيير، فكلّ الأعمال الصالحة جليلة، وكل الأعمال الصالحة خير وبركة، لكن عليكم أن تنتبهوا إلى أنّ أعظم الأعمال وأجلّ الأعمال التي لا يسبقها متسابق ولا يدرك شأوها مغامر؛ هي تلك التي تنطوي على إلقاء المرء نفسه في مواطن الخطر مقتحما ومضحيا وغير هيّاب بأحد.
إنّها المخاطرة بالنفس في زمن الخوف والركون وحب الدنيا وكراهية الموت وهيمنة الغثائيّة، والمخاطرة بالمال في زمن الملاحقة والاتهام، وتجفيف المنابع وتجريم الإنفاق في مواطن الحق والنصرة؛ المخاطرة وحدها التي ترهب العدو وتحرّر الأوطان وتصنع التغيير وتهدم الباطل وتحقّ الحقّ، وما أعظم تلك المخاطرة حين تبلغ منتهاها فيصل المال إلى موطن الواجب وتصل الرّوح إلى مستقرّها فتحطّ رحالها في الجنان التي طالما تاقت إليها، وهذا هو ما أشار له رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قيل له: "يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ وَأُهْرِيقَ دَمُهُ".
وإنّ هذه المخاطرة بالنفس والمال منسجمة مع طبيعة هذه الأيّام التي هي أيّام التكبير المطلق ثم المقيّد، فمن عرف أنّ "الله أكبر" حقا وأيقن بذلك حق اليقين فإنّه لا يهاب ظالما ولا يخاف عدوا ولا يذل لمتغطرس ولا يتقهقر أمام عدوّ؛ وما أعظم الكلمات التي صدح بها الأستاذ والزعيم الإسلامي عصام العطار رحمه الله تعالى يوما على منبر مسجد جامعة دمشق وهو يهدر بمعاني "الله أكبر" في وجه الظالمين، وكان ممّا قاله يومها:
"اللهُ أكبـر رَمْزُ صُمودِنَا
اللهُ أكبـر روحُ جهَادِنا
اللهُ أكبـر سِـرُّ قُوّتِنا وانتصارِنا
اللهُ أكبـر بها صَدَعْنا كلَّ باطِل
اللهُ أكبـر بها قَصَمْنا كلَّ جَبّار
اللهُ أكبـر بها نُواجِهُ كلَّ طَاغُوت
اللهُ أكبـر، اللهُ أكبـر، اللهُ أكبـر، لا إلهَ إلاّ الله
اللهُ أكبـر، اللهُ أكبـر، ولِله الحمد
اللهُ أكبـر نَشُـقُّ بها دَيَاجيرَ الظلامِ والْيَأْس
اللهُ أكبـر نُوقِدُ بها مَصَابيحَ الأَمَلِ والْفَجْر
اللهُ أكبـر نَطْرُدُ بها روحَ الهزيمةِ والْوَهْن
اللهُ أكبـر نُحْيي بها مَيِّتَ العَزَائِمِ والهِمَم
اللهُ أكبـر نُحَوِّلُ بها الضعيفَ قوِيّا، والجبانَ شُجاعا، ونُحَقِّقُ بها انتصارَ الحريَّةِ والكَرامَة، والحقِّ والعَدالَة، والإحسانِ والْخَيْر
اللهُ أكبـر، اللهُ أكبـر، اللهُ أكبـر، لا إلهَ إلاّ الله
اللهُ أكبـر، اللهُ أكبـر، ولِله الحمد
يا إخْوَتي؛ يا أخواتي: امْلؤوا قُلوبَكُمْ وعُقولَكم، وحَنَاجرَكُمْ وَأَجْوَاءَكُم، وسَمْعَ الزَّمَانِ والمكانِ بهذه الكلمةِ العظيمةِ الخالدةِ: اللهُ أكبـر.
اللهُ أكبـر تُحَرِّرُكُمْ مِنْ أهوائكُمْ وشَهَوَاتِكُمْ وأخطائكُمْ، وظُلْمِكُمْ لأنفسِكُمْ وغَيْرِكم، كما تُحَرِّرُكم مِنْ كلِّ طاغيةٍ ظالمٍ آثِمٍ مُسـْتَكْبرٍ جَبّار.
اللهُ أكبـر تَرْفَعُكُمْ، عندما تُخالِطُ قُلُوبَكم وعُقولَكم وَدِمَاءَكُمْ، فَوْقَ هذه الدُّنْيا، فوقَ شـدائدِها وَمُغْرِياتِها، فوقَ صَغَائِرِها وَتَفَاهَاتِها، وتَصِلُكُمْ باللهِ عَزَّوَجَلّ وبالْخُلُود، وتَفْتَحُ لكُمْ أَبْوَابَ الجنّةِ، وأبوابَ المسـتقبلِ الزاهرِ المنشـود.
اللهُ أكبـر تجعلُ الحقَّ رَائِدَكُمْ، والعدلَ مَنْهَجَكم، والخيرَ بُغْيَتَكم، واللهَ قَصْدَكُمْ وغايَتَكُم، وتجعلُ قُوّتَكم مِنْ قُوَّةِ اللهِ عزَّ وجلّ".
فعندما تغدو القلوب والأرواح معجونة بهذا النداء العلويّ المهيب يُصنَع الرجل المخاطر بنفسه وماله الذي يقتحم مواطن الردى حاملا روحه على كفّه طالبا حياة حقيقيّة لا ذلّ فيها ولا هوان، وهذا الرّجل المخاطر هو أعظم العاملين في زمن الأعمال الصالحة والمواسم الفاضلة، فلا يسبقه حاجّ متبتّل، ولا يسبقه قائم لا يفتر، ولا يسبقه صائم لا يفطر؛ فهو الذي به يغدو الإسلام عزيز الجانب، ويجد المسلم معنى وجوده ومغزى بقائه؛ فطوبى للمخاطرين بأنفسهم وأموالهم في زمن الهزائم المرّة.
x.com/muhammadkhm