لجريدة عمان:
2025-05-23@05:29:00 GMT

عن سوريا ومصائر انتقالها السياسي

تاريخ النشر: 18th, December 2024 GMT

ما حدث في سوريا قبل أيام، فضلا عن كونه استمرارًا -بصورة من الصور- لإحياء مسار الثورة السورية، إلا أنه كذلك أتى في سياق وقائع وأحداث جيوسياسية عبر ملفات متشابكة لمنطقة الشرق الأوسط من ناحية عامة، وللمشرق العربي على نحو خاص. ذلك أن حدث طوفان الأقصى الذي جاء بمثابة زلزال في المنطقة كان من الواضح جدًا أنه حدث سيكون له ما بعده في تغيير بعض المصائر الجيوسياسية للمنطقة.

وإذا كانت المؤثرات الخارجية التي جعلت الحدث السوري الكبير يطفو على واجهة الأحداث؛ فإن ذلك بالضرورة سيرسم آثاره على نتائج ومصائر المستقبل السياسي لهذا البلد. بحيث يمكننا القول: إن ثمة مصيرًا للانتقال السياسي في سوريا سوف يرسم على شاكلة قد تكون شبيهة ببعض مصائر حراك الربيع العربي في أكثر من منطقة؛ نظرًا لأن حراك الثورة السورية تزامن في سياق ذلك الربيع العاصف، ولكن، في الوقت ذاته، ثمة سياق سوري خاص يرتبط عضويًا بالكثير من الخصائص التي تميز الوضع في سوريا عن غيره من البلدان التي تحركت فيها رياح الربيع العربي.

الوضع في سوريا أكثر تعقيدًا. فسوريا التي تعرض فيها الشعب لتجربة قاسية جثمت على صدره لأكثر من نصف قرن، سيكون من الواضح جدا (عطفا على التركيب والتعقيد الذي يميز المكونات السورية الإثنية والطائفية) أن آثارًا خطيرة ستترك طابعها السلبي لتلك التجربة وما خلفته من تشوهات في هوية الاجتماع السياسي الحديث للسوريين.

فغياب التجريب السياسي للمكونات السورية واختفائه قسرًا لأكثر من 50 عامًا على وقع تلك التجربة القاسية سيلقي بظلاله في كثير من التعبيرات التي سيشهدها المستقبل السياسي للسوريين، لا سيما أن المعارضة السياسية التي نشطت خلال الثورة عبر مسار للعنف أراده النظام، وعبر شعارات بعضها ذو طابع احتجاجي اثني على خلفية الظلم والتغييب المتأثر بالجرعات الأيدلوجية العروبية للنظام البعثي، كحال الوضع الكردي السوري؛ كل ذلك يلقي بالكثير من الغموض على مصائر الانتقال السياسي التي يمكن أن تشهده سوريا.

لا أحد في المكونات السياسية السورية يمكنه أن يتنبأ اليوم بمستقبل واضح لمصائر الانتقال المحتمل، لكن من الواضح تماما على ضوء الوقائع الحاضرة والمعادلات الجيوسياسية التي اكتنفت الوضع السوري الذي حدث كزلزال فاجأ الجميع، أن ثمة مخاطر وآمالا ستتحرك مؤثراتها على وقع التحولات التي سترسمها قوى إقليمية ودولية مؤثرة، كان لتفاعلها الجيوسياسي في الأساس أثر كبير على نتائج ضرب إسرائيل المميت (ومن ورائها الولايات المتحدة) للنفوذ الإيراني في غزة ولبنان وسوريا، فضلا عن اهتزاز النفوذ الروسي في سوريا جرّاء التأثير الأورو-أمريكي عليه في الحرب الأوكرانية.

وضوح العامل الخارجي في حدث الزلزال السوري لا ينفي التفاعل والاستجابة التي عبرت عنها مكونات المعارضة السورية فور حدوث تلك المتغيرات الإقليمية والدولية، الأمر الذي يجعلنا نربط الكثير من وقائع التحولات السياسية في الانتقال السوري المرتقب بالمؤثرات الخارجية الإقليمية والدولية التي جعلت الحدث ممكنا.

هل سيعني هذا؛ أن ثمة ضبطًا دوليًا وإقليميًا محتملًا سيكتنف معادلة الانتقال السياسي في سوريا ويجعله انتقالًا مصممًا ومرسومًا على وقع نوايا الأقوياء في الجوار والعالم (تركيا- إسرائيل- أمريكا) وبالتالي يجعله انتقالًا مغايرًا للمصائر الجيوسياسية التي اكتنفت تجارب الربيع العربي -على نحو ما- وإن كان، والحال هذه، سيكون انتقالًا مأزومًا وخاضعًا للتوافقات في مصائره بما يدرجه في خانة أشبه بطبيعة الوضع السياسي «الديمقراطي» في لبنان، أم أن التناقضات الكامنة في الوضع السوري ستجعل ذلك متعذرًا وتذهب بالاجتماع السياسي للسوريين إلى الفوضى، لا سمح الله، لاسيما وأن النظام البعثي قد راكم الكثير من الأسباب التي يمكن أن تفجر التناقضات البينية في مكونات الشعب السوري؟

كما أن الوضع الغامض الذي يجعل العالم حذرًا من تصريحات رئيس سلطة الأمر الواقع في سوريا -أحمد الشرع- نظرًا لخلفيته الإسلاموية واختياره للشخصيات التي أوكل إليها، حتى الآن، قيادة الحكومة السورية المؤقتة، يضع الكثير من علامات الاستفهام حيال مستقبل الانتقال السياسي في سوريا.

على كل حال، ستتكشف مصائر الانتقال السياسي في سوريا عن غموض مرشح للكثير من الاحتمالات السياسية ونقائضها، على نحو لا يجعل المراقب متفائلا حيال ما يمكن أن تتمخض عنه نتائج الوضع في سوريا !

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الانتقال السیاسی السیاسی فی سوریا

إقرأ أيضاً:

التفاعلات المتسلسلة: سباقات تطوير الثالوث النووي بين الصين والهند وباكستان

 

“إننا نبحر في المياه المجهولة، وإن كل شيء نعتقد أننا نعرفه عن الأسلحة النووية، ولاسيما ما يتعلق بالردع، والإكراه، بات قواعد تَستنِد إلى تاريخ قصير للغاية ومحدود بين فترتين من أكثر الفترات استقراراً في العالم، مقارنة بما يشهده العالم اليوم”.

بهذه الجملة يُلخِّص محلل شؤون الدفاع ديفيد كوبر، الإطار العام لما يمكن تناوله حول طبيعة التفاعلات النووية التي يشهدها العالم في المرحلة الحالية، وهي تفاعلات ترتبط بعملية الانتقال ما بين العصور النووية توازياً مع تطور التفاعلات الحادة في النظام الدولي، فالعصر النووي الأول ارتبط بظهور واستخدام القنبلة النووية ضد هيروشيما وناغازاكي في عام 1945؛ ما أنهى الحرب العالمية وخلق نظاماً دولياً جديداً.

أما العصر النووي الثاني، فقد ظهر عَقَبَ الحرب البادرة وسقوط الاتحاد السوفيتي والهيمنة الأمريكية، وكان كيث باين، هو أول من أطَّر لتعبير العصر النووي الثاني في عام 1996، في كتابه “الردع في العصر النووي الثاني”، حيث أضاف إلى التحولات في النظام الدولي عاملاً آخر هو أثر التطور التكنولوجي أو عملية “الأتمتة” على القوة النووية. وفي عام 1999، أضاف بول براكن، ملمحاً آخراً إلى هذا العصر النووي هو سعي دول إقليمية، وتحديداً في الشرق الأوسط وجنوب وشرق آسيا، لامتلاك السلاح النووي.

واليوم، ومع الانتقال لمرحلة العصر النووي الثالث، أثبتت التكنولوجيا أنها المحدد الأكثر أهمية في عملية الانتقال ما بين العصور النووية، في ظل الطفرات الهائلة في عصر ثورة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وانعكاسات هذه الطفرات المتسارعة على حالة التسلح النووي والصاروخي؛ بحيث لم يَعُد بالإمكان إدراج كافة القوى تحت مظلة عصر نووي واحد؛ بل على العكس من ذلك ستكون هناك قوى نووية متقدمة وأخرى أقل تقدماً.

في القلب من ذلك، فإن القارة الآسيوية هي أحد أبرز مناطق الإبحار إلى المجهول، وفق تعبير ديفيد كوبر، فهي تضم الكتلة النووية الأكبر في العالم، بما فيها روسيا، التي تُعد القوة النووية العظمى، في ظل تفاعلات أمنية خطرة، مع تعديل روسيا عقيدتها النووية بَعْد الحرب مع أوكرانيا، بالإضافة إلى الأزمة الدائمة بين الكوريتين على خلفية برنامج بيونغ يانغ النووي، وأزمة تايوان، ومساعي الصين لأن تكون في الصدارة العالمية؛ ما يتطلب الوصول لقدرات نووية أكثر تقدماً من ناحية الكم والكيف معاً.

على هذا النحو، تبدو الخريطة الآسيوية مليئة بالبؤر الساخنة؛ ومع ذلك، فإنها ليست حالة استثنائية في تاريخ القارة، فعلى العكس من ذلك، قد تكون جولة اعتيادية جديدة في التاريخ، في مشهد متكرر يتزامن مع عملية الانتقال ما بين نظام دولي سابق وآخر جديد.

” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”


مقالات مشابهة

  • التأهيل السياسي للرئيس السوري أحمد الشرع.. دور أميركي عبر منظمة بريطانية في إعادة رسم المشهد السوري
  • أوسيمين يتخذ قراره بشأن الانتقال إلى يوفنتوس
  • وزير خارجية النرويج: يجب منح حكومة الرئيس الشرع والشعب السوري الفرصة لإعادة بناء سوريا
  • الهلال يُمهل أوسيمين حتى نهاية الأسبوع للرد على عرض الانتقال الرسمي
  • وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة في تغريدة عبر X: تلقى الشعب السوري اليوم قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات المفروضة على سوريا، وإننا نثمن هذه الخطوة التي تعكس توجهاً إيجابياً يصب في مصلحة سوريا وشعبها، الذي يستحق السلام والازدهار، كما نتوجه بال
  • عمرو الجزار يقترب من الانتقال للأهلي
  • وزير الزراعة يبحث مع التنمية البريطانية السورية والفاو سبل دعم القطاع الزراعي في سوريا
  • وزير الخارجية السوري: رفع العقوبات يعبّر عن إرادة اقليمية ودولية في دعم سوريا  
  • الشيباني: الدبلوماسية السورية انتهجت منذ اليوم الأول نهجاً منفتحاً مع الجميع بما يخدم الشعب السوري ونقلنا تطلعاته واحتياجاته بكل صدق وأمانة، وسوريا خرجت من الحرب بعد 14 سنة وما نريد التركيز عليه هو الأمن والاستقرار
  • التفاعلات المتسلسلة: سباقات تطوير الثالوث النووي بين الصين والهند وباكستان