لماذا يتراجع الاهتمام باللغة العربية؟
تاريخ النشر: 19th, December 2024 GMT
وبحسب الأمم المتحدة، تعد اللغة العربية إحدى اللغات الأكثر انتشارا واستخداما في العالم، إذ يتكلمها ما يزيد على 400 مليون نسمة من سكان المعمورة.
وتتوقع الإحصائيات أن تصبح العربية اللغة الأم لنحو 647 مليون نسمة بحلول عام 2050، أي ما يشكل نحو 7% من سكان العالم.
غير أن ما تظهره الأرقام لا يعكسه واقع اللغة العربية في الدول العربية، وهو ما أشار إليه أستاذ اللغة العربية في كلية القانون الكويتية العالمية، محمد حسان الطيان، حيث قال إن واقع العربية يذكّره بقول الشاعر أبي نواس:
"تعجبين من سَقَمي.
ووصف واقع اللغة العربية بأنه أسوأ مما يتصور، لأن "مستوى الطلبة لا يبشر بخير"، فمثلا هناك من الطلبة من لا يحسن قراءة سطر باللغة العربية بطريقة سليمة. غير أن أستاذ اللغة العربية يرى في المقابل أن هناك ما يثلج الصدر في موضوع اللغة العربية، ويعطي مثالا بطفل صغير صادفه أنشد قصائد للشاعرين كعب بن زهير وأبي الطيب المتنبي، ويقول إن الطفل عندما يربّى على الفصاحة سينشأ فصيحا سليم اللسان وقوي الجنان.
وعن دور وسائل الإعلام في شد الناس أو تنفيرهم من اللغة العربية، أشار الطيان إلى أن بعض الإعلام يخاطب المتلقي بلغة رصينة وجميلة، لكن البعض الآخر يضج بالأخطاء لأن هناك تهاونًا في موضوع اللغة ويحتاج إلى علاج، مشيرا إلى أن البرامج والحوارات التلفزيونية والدراما وأفلام الأطفال كلها تخدم اللغة.
إعلانومن جهة أخرى، لا يرى أستاذ اللغة العربية -في حديثه لبرنامج "موازين"- وجود خوف من اندثار اللغة العربية الفصحى أو أن تنوب عنها اللهجات المحلية، لأن القرآن الكريم محفوظ بين يدي الناس.
ولفت أيضا إلى دور الاستعمار في طمس اللغة والهوية في الدول العربية التي خضعت للاستعمار الأجنبي، لكنه يؤكد أن الجزء الأكبر يتحمله العرب وأهل اللغة.
وعن دور المجامع اللغوية في الحفاظ على اللغة العربية، شدد سعد مصلوح، وهو أستاذ اللسانيات والصوتيات وعضو المجمع اللغوي الليبي على أهمية هذه المجامع، وقال إن هدفها واحد وهو اللغة العربية، ولكنه تساءل: ما الحكمة أن يكون لكل قطر عربي مجمع لغوي؟
ومع تأكيده على أهمية القرار السياسي، أشار مصلوح إلى أن اللغة العربية لا تشغل القيادات السياسية، ولم يهتموا بقضة اللغة لا في الميزانيات المرصودة ولا في القرارات السياسية، ولذلك تحولت المجامع اللغوية إلى مؤسسات إشهارية.
ولخص الأستاذ الليبي التحديات التي تواجهها اللغة العربية في قوله "غفلتنا عن هويتنا"، وشدد على أن اللغة العربية تحتاج إلى قرارات سياسية في التعليم وفي الإعلام.
18/12/2024-|آخر تحديث: 18/12/202411:03 م (بتوقيت مكة المكرمة)المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات اللغة العربیة
إقرأ أيضاً:
من إسطنبول إلى عمّان.. هكذا تصنع زينب وعيا معرفيا بقضية القدس
عمّان- "كنتُ أسمع كثيرا عن مدينة القدس، لكنني لم أكن أعرف تفاصيلها، أردت أن أتعلم اللغة العربية لأفهم الكتب والأحاديث عنها بلغتها الأصلية، أشعر أنني أقترب منها أكثر، كلمة بكلمة، وصورة بصورة".
بهذه الكلمات، تصف الفتاة التركية القادمة من إسطنبول "زينب كاتبه" رحلتها نحو مدينة لم تطأها قدماها بعد، لكنها سكنت قلبها منذ سنوات، لم يكن تعلّم اللغة العربية بالنسبة لها مجرد رغبة أكاديمية، بل كان بوابة لفهم التاريخ، واستيعاب الرواية، والاقتراب من قدسية المكان الذي لطالما أسر خيالها.
قبل أشهر قليلة، وصلت زينب إلى العاصمة الأردنية عمّان برفقة مجموعة من الفتيات والفتيان قادمين من تركيا، حيث التحقت بمركز المعجم لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، وهناك بدأت رحلتها مع اللغة من حروف الأبجدية الأولى إلى قراءة النصوص التي تتناول فلسطين والقدس.
لم تقتصر تجربة زينب على تعلم اللغة داخل الصفوف، بل شاركت مع زميلاتها في ورش عمل تدريبية نظّمتها جمعية القبة الثقافية بالتعاون مع عدد من المؤسسات المقدسية الأخرى المعنية بقضية المسجد الأقصى والقدس.
تقول زينب للجزيرة نت: "لم تكن دراسة اللغة العربية سهلة في بداياتها، لكنها كانت تحمل دافعا أقوى من التعب، وكلما قرأت كلمة جديدة عن القدس، شعرت أنني أزيح الستار عن زاوية مظلمة من الصورة".
بالنسبة لزينب وزميلاتها، لم تكن القدس مجرد مدينة على الخارطة، بل رمزًا لهوية روحية وثقافية تتجاوز حدود الجغرافيا والسياسة، تقول الفتيات التركيات في أحاديث منفصلة لمراسل الجزيرة نت: "في تركيا نحب القدس كثيرا، لكننا لا نشعر بقربها الحقيقي إلا عندما نفهمها بلغتها ونغوص في تاريخها".
إعلاناليوم، وبعد مرور أشهر على قدومها إلى عمّان، تشعر زينب أنها قطعت شوطا كبيرا، فقد أصبحت تقرأ المقالات بالعربية عن القدس دون الحاجة إلى ترجمة، وتشارك في نقاشات مع طلاب عرب، وتحلم أن تزور فلسطين يوما، لا كسائحة، بل كدارسة ومحبة وحاملة رسالة.
تستعد زينب وزملاؤها لخوض تجربة استثنائية ضمن فعالية تفاعلية تحمل اسم "لعبة الكنز المقدسية"، حيث يمتزج التنافس المعرفي بروح المدينة المقدسة في أجواء تحاكي عبَق القدس وتاريخها، يمر المشاركون بمحطات ثقافية وتعليمية عدة، تقودهم في النهاية إلى "الكنز" ذلك الذي لا تُقاس قيمته بالمادة، بل بما يخلّفه من أثر عميق في الوعي والوجدان.
تُعدّ هذه التجربة جزءا من سلسلة أنشطة تنفذها جمعية القبة الثقافية بالتعاون مع معهد المعجم، في إطار برنامج معرفي شامل يُعنى بتقديم القدس كقضية حية في الوعي الشبابي الدولي، من خلال أساليب تعليمية غير تقليدية، تراعي الخلفية الثقافية واللغوية للطلبة الأجانب، وتفتح أمامهم نافذة لفهم الواقع الفلسطيني والقدسي بعيدا عن الصورة النمطية أو التناول السطحي.
بالنسبة لزينب وزميلاتها، فإن مشاركتها في هذه الورش لم تكن مجرد رحلة تعليمية قصيرة، بل تجربة وجدانية عميقة، بدأت بلغة عربية تُتقنها تدريجيا، وتنتهي بمفاهيم جديدة حول القدس ومكانتها في ضمير الشعوب، وخاصة في وجدانها الشخصي كمسلمة جاءت من تركيا محمّلة بإرث تاريخي وروحي متصل بالمدينة المقدسة.
تسعى جمعية القبة من خلال هذه الفعاليات إلى بناء جسر تواصل ثقافي ومعرفي بين الطلبة الأتراك والقدس، وتعزيز حضور المدينة في عقل ووجدان شباب العالم الإسلامي، باعتبارهم سفراء محتملين لقضيتها في بلدانهم ومجتمعاتهم.
أثبتت هذه التجربة نجاحها في السنوات الأخيرة، إذ تخرج كثير من الطلبة الأجانب، خاصة من تركيا وماليزيا وإندونيسيا والبوسنة، وهم يحملون وعيا جديدا وموقفا أكثر وضوحا تجاه قضية القدس، وينقلونه بدورهم إلى مجتمعاتهم بلغاتهم الأصلية، مما يسهم في نقل الرواية المقدسية إلى فضاءات دولية أوسع.
ويوضح مدير مركز المعجم لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها محمد البيشاوي للجزيرة نت، أن البرنامج يهدف إلى "ربط تعليم اللغة العربية بمضامين حضارية وثقافية، تجعل المتعلم يرى اللغة في سياقها الحقيقي، خاصة حين تكون مرتبطة بقضية مثل القدس التي تحظى بمكانة روحية ومعنوية لدى كثير من الشباب حول العالم".
لم تكن زينب حالة فردية، بل نموذجا لشباب تركيّ متعطش للمعرفة، والتواصل مع القضايا العادلة في منطقتنا، خاصة قضية القدس، فقصة زينب وزميلاتها تفتح باب الأمل في دور المعرفة والثقافة في بناء جسور بين الشعوب، وتثبت أن شغفا صغيرا في قلب فتاة يمكن أن يثمر أثرا كبيرا في عالم متعطش للفهم والوعي.