من اليسير القول إنّ النظام الإيراني، منذ انقلابه على حكم الشّاه، يعيش السّاعة أصعب ظروفه على الإطلاق، وإن طهران تعيش على حافة الهاوية. فكل التغييرات في المنطقة تصب في مصلحة الشعوب والحكومات العربية والإقليمية بنقيض مصلحة النظام الإيراني وأتباعه، فكل ما يحدث ضدّهم، ورياح التغيير تجري عكس ما تشتهي سفنهم.
من الملاحظ التعافي التدريجي لليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، حيث بلغ 8000 ليرة سورية، بعدما وصل إلى 22000 ليرة سورية في آخر أيام حكم بشار الأسد، وفي المقابل من الملاحظ أيضا التهاوي المدوي للتومان الإيراني أمام الدولار الأمريكي، حيث بلغ 76000 تومان مقابل كلّ دولار أمريكي.
وخسرت إيران أحصنتها حصاناً تلو حصان، ودُمرت حصونها وقلاعها المتقدمة حصناً إثر حصن وقلعةً إثر قلعة وانقطع الحزام الميلشياوي الطائفي الذي كانت تسوّر به نفسها.
تحدث هذه الانقلابات وكأنها عملية انفجار بركاني ضد المشروع الإيراني الموسوم بتصدير الكراهية والموت والطائفية والعداوة للعرب، وإثارة النعرات المذهبية.
ومن أشهر هذه الممارسات العلنية ضرب قبور كبار الصحابة بالأحذية والحجارة، كما حصل مراراً عند قبر الصحابي الجليل وأحد دهاة العرب ورجل الدولة الناجح الخليفة معاوية بن أبي سفيان في مقبرة الباب الصغير في عقر دار العاصمة الأموية دمشق، واستيطان الشيعة الإيرانيين داخل المدينة وحاراتها السنيّة المعروفة.
وسقطت الدروع التي كانت تسربل الجسد الفارسي درعاً بعد درع، ضعفت حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين بشكل ملحوظ، وانتهت فاعلية الفصائل الفلسطينية التابعة والممولة إيرانياً في سوريا، كالقيادة العامة وفلسطين حرّة ومنشقين عن فتح والجبهة الشعبية.
خارت قوى حزب الله في لبنان بضرب بنيته العسكرية والاقتصادية واغتيال أمينه العام حسن نصرالله وابن خالته ونائبه هاشم صفي الدين صهر قاسم سليماني. كما فقد الحزب شريان حياته القادم من دمشق، وانتهى عصر طريق طهران – بغداد – دمشق – بيروت، وسقط مشروع الهلال الشيعي إلى غير رجعة.
وهناك ضغوط خارجية وداخلية على رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني لتحجيم دور الميليشيات الشيعية في العراق، وتقليص نفوذها، وقد تجلى ذلك من خلال نكوصها عن دعم غزّة وكشف مهاتراتها الفارغة، وعجزها عن مساعدة النظام السوري وهو يتهاوى.
وتتجه الأنظار اليوم نحو الحوثي، والعمل على إضعاف قوته، وإزاحته عن المشهد الحاكم في اليمن، يحدث كل ما تقدم تباعا، بعدما رحل نظام الكبتاغون في سوريا.
ولعل ما يميز القوى الحاكمة الجديدة في سوريا، هو معاداتها المعلنة لطهران وحزب الله، وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
وفي سياق متصل، تعهدت القوى الحاكمة في سوريا بمكافحة تجارة المخدرات وتهريبها للدول المجاورة كالأردن، بعدما افتُضِح أمر تصنيع النظام السابق لحبوب الكبتاغون داخل مقرّاته ومؤسساته الأمنية، وتهريبها عبر شبكة فارسية واسعة للدول العربية وبالأخص الخليجية لتهديد أمنها واستقرارها، انتقاما منها لتصديها للمشروع الفارسي في المنطقة ودعمها للثورة السورية منذ انطلاقها، ونجاح مقاربتها التي سعت بجلاء لتقدم مفهوم الدولة الوطنية على مفهوم الميليشيات، في فلسطين ولبنان والعراق واليمن.
بعد كل هذه الخسائر والهزائم والإهانات والضربات المتتالية لإيران وأدواتها، من المفيد تذكّر شخصية “متلقي الضربات” في برنامج المسابقات الشهير “الحصن”، الذي تؤديه إيران وحرسها الثوري بكل مهارة تحت عنوان “الصبر الإستراتيجي”.
لم يعد لدى طهران ما تبتز به الدول العربية وتهدد به أمن المنطقة ككل، فميليشياتها تضاءلت وتقزّمت بشكل غير مسبوق، وانكشف زيف نظامها الصاروخي فلم يكن سوى نمراً من ورق ليس بمقدوره أن يغير موازين أيّ معادلة عسكرية في حال اشتعال أيّ حرب ضد طهران، مما أظهر النظام الفارسي مكشوفا وعاريا أمام أعدائه.
خسر النظام الإيراني خطوطه الدفاعية الأولى، وتعرض الداخل الإيراني إلى ضربات عسكرية واقتصادية قاصمة، ولم يعد لديه ما يقايض به لقاء استمراره في الحكم سوى التخلي عن حقه في تخصيب اليورانيوم، مع الوضع بعين الاعتبار أن الخيار العسكري مطروح على الطاولة، وقد لوّح به رئيس الولايات المتحدة القادم دونالد ترامب وهو خيار يتحمس له بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، وسيباركه الاتحاد الأوروبي والقادة العرب في حال اتخاذه، ومن الواضح أنّ سياسة دونالد ترامب تخلو من جزرة ليقدمها لإيران وسياسته الوحيدة معها هي العصا فقط.
وفي سياق متصل لن يتوانى النظام الإيراني عن هذه المقايضة، فالمطلوب أوّلا وأخيرا من الغرب والعرب هو رأس البرنامج النووي الإيراني، مع الأخذ في الحسبان أنّه نظام مهلهل شعبيا، تشتعل فيه ثورات ملونة بين فينة وأخرى، كالثورة الخضراء في العام 2009 والثورة في العام 2022 ضد شرطة الأخلاق بعد مقتل مهسا أميني.
وإن استمرت إيران في برنامجها النووي أو بادله النظام الحاكم ليظل على كرسي الحكم، فكل ما يجري هو مؤشرات جليّة على انتهاء الحقبة الإيرانية، “للدول أعمار طبيعية كما للأشخاص” كما قال ابن خلدون في مقدمته.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات سقوط الأسد النظام الإیرانی فی سوریا
إقرأ أيضاً:
تركيا.. وزيرة الأسرة: قضية السكان مسألة بقاء
أنقرة (زمان التركية) – صرحت وزيرة الأسرة والخدمات الاجتماعية، ماهينور أوزدمير غوكتاش، بأن “ما يجعل الدولة قوية هو هيكلها السكاني الشاب والديناميكي. جاء ذلك بعد زيارتها للمعرض الدولي السابع عشر للصناعات الدفاعية (IDEF 2025)، الذي أُقيم في مركز إسطنبول للمعارض.
وقالت الوزيرة: نحن نتخذ وسنواصل اتخاذ تدابير مهمة جدًا لحماية هيكلنا السكاني الأسري والشباب والديناميكي، ولحماية أسرنا من أي تهديدات أو مخاطر محتملة. قضية السكان بالنسبة لنا هي مسألة بقاء، وقضية وطنية. ولذلك، سنواصل بحزم اتخاذ الخطوات في هذا الشأن”.
رافق غوكتاش في زيارتها رئيس الصناعات الدفاعية بالرئاسة، هالوك غورغون، والمدير العام لمؤسسة تعزيز القوات المسلحة التركية (TSKGV)، بلال توبتشو. وتجولت الوزيرة غوكتاش في أجنحة شركات الصناعات الدفاعية، وتلقت معلومات من المسؤولين حول المركبات والتقنيات المعروضة. بعد تحدثها مع الزوار والتقاط الصور معهم، أدلت الوزيرة غوكتاش بتصريحات للصحفيين.
في بداية تصريحاتها، أعربت الوزيرة غوكتاش عن تمنياتها بالسلامة للمتضررين من حرائق الغابات في بعض الولايات، قائلة: “أود أن أعبر عن تمنياتي بالسلامة بسبب حرائق الغابات التي اندلعت في بعض مدننا. دولتنا موجودة بكامل إمكانياتها في الميدان. ونحن كوزارة، نقدم الدعم النفسي والاجتماعي، وغيره من أشكال الدعم، لمواطنينا في مجالات مختلفة. نود أن نعرب عن تمنياتنا بالسلامة لجميع مواطنينا المتأثرين بحرائق الغابات”.
وتابعت غوكتاش قائلة: “اليوم نحن في أحد أبرز معارض الصناعات الدفاعية في العالم. نحن فخورون جدًا. هناك 1461 شركة مشاركة من 54 دولة. وقد زار المعرض أكثر من 120 ألف زائر من 7 دول. إنه معرض يبعث على الفخر حقًا. يقام هذا العام للمرة السابعة عشرة. واليوم، هو أيضًا معرض تشارك فيه العائلات. إنه معرض يشارك فيه الجميع، من الصغار إلى الكبار، العائلات، الشباب، الأمهات، الآباء، وكبار السن مع عائلاتهم. وهذا أيضًا مصدر فخر كبير. حقًا، نحن فخورون وسعداء جدًا برؤية التقنيات التي تجعل أمتنا فخورة وتثلج صدورنا. إن رؤية التطورات في هذا المجال، وزيارة التقنيات الجديدة التي تتطور كل عامين هنا، يجعلنا نشعر بالفخر الشديد. إنه ليس مصدر فخر لبلدنا فحسب، بل هو لوحة فخر للعالم أجمع. وهذا المعرض هو في الواقع معرض يقوم بدبلوماسية الصناعات الدفاعية. لقد جعلنا فخورين مرة أخرى كمعرض رفيع المستوى وذو جودة عالية شارك فيه أكثر من 33 وزيرًا وتم توقيع أكثر من 270 اتفاقية. وبقدر ما تثير تقنية الدفاع الفخر وتكون رادعة، فنحن، كما ترون، في جناح المعرض العائلي. رأس مالنا البشري هو أيضًا رادع لنا. هيكلنا السكاني الشاب والديناميكي ذو قيمة كبيرة بالنسبة لنا. تركيا دولة قوية بهيكلها السكاني الشاب والديناميكي. وهذا عامل رادع لنا. وهو أيضًا قوة رادعة، والعائلات هي سلاح كبير لنا في الواقع. أود أن أؤكد أننا قوة موجودة في نفس الوقت الذي نحافظ فيه على هيكلنا السكاني الشاب والديناميكي. حماية أسرنا من جميع أنواع التهديدات، وخاصة من جميع أنواع المخاطر التي قد يواجهونها في المستقبل، هي في الواقع دفاع عن بلدنا وحماية له”.
وأكدت غوكتاش على إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان العام الحالي “عاما الأسرة”، قائلة: “كما تعلمون، أعلن رئيسنا عام 2025 عام الأسرة. وهذا يوضح مرة أخرى مدى أهمية هذه الخطوة الاستراتيجية. ليس هذا العام فقط، بل أعلن رئيسنا أيضًا السنوات العشر القادمة، 2026-2035، كـ ‘عقد الأسرة والسكان’. تنخفض معدلات الخصوبة في بلدنا بسرعة، وفي الوقت نفسه يزداد عدد سكاننا شيخوخة. ما يجعل الدولة قوية هو هيكلها السكاني الشاب والديناميكي. وهذا أمر قيّم وذو أهمية كبيرة بالنسبة لنا. إذا استمرت الخصوبة في الانخفاض بهذا الشكل، فقد نواجه مشاكل مختلفة جدًا في السنوات القادمة. وإلا، كنت قد قلت ‘ربما لن نجد شبابًا يذهبون إلى الجيش بعد 20 عامًا’. ولكن دولتنا، بكامل إمكانياتها، تولي أهمية أكبر لهذا الموضوع بالطبع. بناءً على تعليمات رئيسنا، أنشأنا مجلس سياسات السكان. نحن نتخذ وسنواصل اتخاذ تدابير مهمة جدًا لحماية هيكلنا السكاني الأسري والشباب والديناميكي، ولحماية أسرنا من أي تهديدات أو مخاطر محتملة. نحن مع العائلات في جناح الأسرة. واليوم أيضًا، تزور العائلات هذا المعرض حقًا. نقرأ في عيونهم مدى فخرهم بهذه التقنيات. نرى ذلك في محادثاتنا معهم. إنه مشهد يبعث على الفخر حقًا بالنسبة لنا. في الفترة القادمة، سنواصل بحزم جهودنا لحماية هيكلنا السكاني الشاب والديناميكي، ولحماية وتعزيز رأس مالنا البشري. قضية السكان بالنسبة لنا هي مسألة بقاء، قضية وطنية. ولذلك، سنواصل بحزم اتخاذ الخطوات في هذا الشأن”.
Tags: الزيادة السكانيةالسكانتحديد النسلتركياوزارة الأسرة التركية