جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-31@04:01:04 GMT

ما الذي يحمي الدول من السقوط؟

تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT

ما الذي يحمي الدول من السقوط؟

د. محمد بن عوض المشيخي **
الحكم الرشيد في إدارة الناس من أصعب التحديات التي تواجه الزعماء والقادة والحكومات الديمقراطية منها والديكتاتورية على مستوى هذا الكوكب؛ فالإرادة العامة للشعوب أصبحت أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى من التاريخ الإنساني عبر مختلف المراحل. 
وتكمُن أهمية قياس الرأي العام في الذخيرة المعرفية التي تزود صناع القرار في أي حكومة بالمعلومات الصحيحة والحقائق الدامغة عن ما يدور في ذهن المواطن الواعي الذي يدرك ما يُحاك من حوله من قرارات بعضها صائبة وأخرى ضبابية لا تخدم إلا عددا قليلا من علية القوم من المتنفذين الذين نراهم في كثير من الدول يفصلون القوانين والأنظمة على قياسهم ومصالحهم الشخصية على حساب المجتمع الذي يطمع إلى العدالة في توزيع الثروة والمناصب على جميع أبنائه بدون تمييز، وذلك من منطلق الكفاءة والتميز وفي العطاء وخدمة الناس وليس التكبر عليهم وتجاهلهم والبعد عن همومهم والتحديات اليومية التي تواجه عامة الناس في مجتمعاتنا العربية أصبحت لا تطاق، ولا يغفل عنها إلّا هالك ولو بعد حين؛ بل وفي دول العالم الثالث قاطبة.

 
ولا شك أن نتيجة الدراسات العلمية الرصينة للمراكز المتخصصة التي تملك الإمكانيات المالية والبشرية والمهارات البحثية، في بيئة صحية بعيدًا عن مقص الرقيب في طرح الأسئلة المُعبِّرة عن معاناة الناس ويسودها حرية التعبير بعيدًا عن الرقابة الضيقة للحرس القديم في دول الإقليم، سوف تؤتي ثمارها على المدى القريب والبعيد في توجيه بوصلة الوطن نحو بر الأمان، معتمدةً في ذلك على الاستنتاجات المستقبلية لتلك البحوث، مُتجنبةً بذلك الأخطاء، مع العمل بجهد مُضاعف على تصحيح المسار في صنع القرارات الرشيدة التي تنقذ الأوطان من الدخول في حروب وفتن وصراعات لا تنتهي بسبب الظلم والتجاوزات من البعض.
الحكومات التي تُهمِّش الرأي العام ودراسته المُتعمِّقة وتعجز عن فك مفاتيح وطلاسم ما يفكر فيه المجتمع المدني وخاصة الشباب وتصم آذانها عن مطالب الناس؛ فهي لا شك تعيش في أبراج عاجية بعيدة عن الواقع، وسقوطها في الهاوية أمرٌ حتمي وهو مسألة وقت مهما تعددت الأجهزة الأمنية التي تحرس مثل تلك الأنظمة. ولعلنا نتذكَّر ما يُعرف بـ"ثورات الربيع العربي" التي أسقط فيها الشارع العربي 6 أنظمة، بدايةً من تونس التي فجَّرت فيها حادثة محمد البوعزيزي ثورة الياسمين، وحتى الثورة السودانية التي أسقطت حكم البشير. وكانت الثورة السورية التي استمرت 14 سنة حتى تمكنت أخيرًا من إسقاط نظام بشار الأسد. 
ومن المُفارقات العجيبة أن يزعم بشار الأسد فوزه بولاية رئاسية رابعة وبنسبة تجاوزت 95% وذلك في عام 2021؛ بينما يرفض الحوار مع المعارضة السورية قُبيل سقوط دمشق بأسابيع قليلة، وهذا يشير إلى جهله أو تجاهله لواقع الحال من حوله، خاصة في كيفية تفكير الشعب السوري، وما هي طموحات هذا الشعب وخياراته المستقبلية؟ ونتيجة لذلك الإهمال تخلّى عنه الجميع، بداية ممن زعموا أنهم مساندون لنظام حزب البعث، ليس فقط من أعضاء الحزب؛ بل وحتى الجيش السوري والأجهزة الأمنية، والذين فضَّلوا جميعًا الهروب أو الاستسلام؛ بدلًا من الدفاع عن نظام غارق في الوهم والنرجسية. 
يبدو لي أنَّ هناك حكومات في المنطقة العربية لا تهتم لا من بعيد ولا من قريب بالدراسات والبحوث المُتعلِّقة باستقراء المستقبل، وعلى الجانب الآخر تقوم مراكز الدراسات العالمية وخاصة في الدول الغربية بإجراء بحوث مُتعمِّقة ليس فقط في دولها؛ بل في دولنا العربية أيضًا، لمعرفة اتجاهات الشعوب. الخبراء في أمريكا وأوروبا استخلصوا من دراستهم المستقبلية سقوط شاه إيران في أواخر سبعينيات القرن الماضي؛ وذلك قبل هروبه من طهران بأكثر من 7 سنوات؛ إذ تحرَّكت على عجل الحكومات الفرنسية والألمانية والأمريكية نحو عقد صفقاتٍ نفطية مع الثورة الإسلامية التي كان وصولها إلى حكم إيران أمرًا حتمياً، ولهذا سبب تخلَّت الولايات المتحدة عن الحليف والصديق المُخلِص، الذي كانت تُطلق عليه شرطي الخليج في أحلك الظروف، وهذا يعني أن مصالح الدول فوق المبادئ والوعود التي كان يعتمد عليها الشاه في دوام حكمه وسيطرته على شعبه.
صحيحٌ أن جميع "ثورات الربيع العربي" التي أسقطت الحكومات، لم تحقق الأهداف الشعبية، وذلك بسبب تحولها إلى صراعات طائفية ومذهبية والبحث عن المناصب والثروات بين رفاق الأمس، ومن هنا يتأكد لنا أن ظهور صراعات جديدة قادم لا محالة، مثل ما حصل بالضبط في الثورات الأوروبية خاصة الثورة البريطانية والثورة الفرنسية، على أمل تحقق أماني الشعوب مستقبلًا.
إنَّ الدافع وراء كتابة هذا المقال، الرسالة الآتية التي أرسلها لي مجموعة من طلبة جامعة السلطان قابوس في مجال الدراسات الإعلامية، والتي تقول: "نعمل أنا وزملائي على مشروع يتعلق بدور الإعلام في تشكيل الرأي العام السياسي، وقد وجدنا أنَّ هذا الموضوع له أهمية كبيرة في تعزيز الشفافية وتحقيق التنمية. ونطمح في مساعدتك من خلال تسجيل فيديو قصير تتحدث فيه عن أهمية قياس الرأي العام في الوطن العربي، وكيف يُمكن أن يُساهم ذلك في خدمة المصلحة العامة... ستكون مساهمتك ذات قيمة كبيرة لنا، ونقدر وقتك وجهود". 
كانت الخلاصة التي سطَّرتُها لطلبة العلم في تلك الجامعة العريقة التي تُعد بيت خبرة لهذا البلد، عن واقع الرأي العام في الدول النامية، والتي تتمثل في 3 نقاط رئيسية على النحو الآتي: أولًا: هناك مشكلة حقيقية في تكوين الرأي العام، وذلك بسبب شُح المعلومات التي يحصل عليها المواطن من وسائل الإعلام التي لا تُجيد إلّا المدح والتمجيد للمسؤول، وكذلك غياب الحوار الحقيقي بين أفراد المجتمع، رغم أن هذا الحوار يعد جوهر الرأي العام، ومن هنا يجد الإنسان نفسه غير قادر على تكوين رأي حقيقي. ثانيًا: قلة المراكز التي تقيس الرأي العام واستبدالها في بعض الدول بدوائر صغيرة تقوم بإجراء استطلاعات تفتقد إلى المصداقية والمعايير العلمية في اختيار العيِّنات، وتتجنب تلك الدوائر طرح الأسئلة الجادة والاكتفاء بالجوانب السطحية. ثالثًا: تجاهل صُنَّاع القرار في البلاد العربية وعدم قناعتهم بأهمية الدراسات المتعلقة بالرأي العام حتى إن وُجِدَت، والسبب في ذلك أن المسؤول لا يرغب في نشر أرقام وحقائق تُخالفه في الرأي، وهؤلاء يعتقدون أن المجتمع لم يصل بعد إلى مستوى النضج، وبالتالي يجب أن يكونوا بعيدين عن صنع القرار!
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري 
 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: الرأی العام التی ت

إقرأ أيضاً:

لازريني: لو أن جزءا ضئيلا من التريليونات التي حصل عليها ترامب تذهب للأونروا

حث المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) دول الخليج على إعطاء جزء بسيط من الأموال المذكورة في "الصفقات الكبرى" التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للاجئين الفلسطينيين الذين يكافحون من أجل البقاء في الأراضي الفلسطينية المحتلة والدول المجاورة.

وقال فيليب لازريني في حلقة قادمة من بودكاست "شاهد خبير" على موقع "ميدل إيست آي" ستبث لاحقا: "نحن نواجه أزمة مالية حادة للغاية، وإذا استمرت في المستقبل القريب، فسوف تجبرني على اتخاذ قرار صعب ومؤلم".

وتتعرض الأونروا، التي يتألف معظم موظفيها من لاجئين فلسطينيين، لهجمات إسرائيلية منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وقد قُتل ما لا يقل عن 310 من موظفيها على يد الجيش الإسرائيلي خلال الأشهر التسعة عشر الماضية، كما دُمر أكثر من 80% من مبانيها.



وفي كانون الثاني/ يناير من العام الماضي، علّقت 18 ولاية تمويلها للأونروا في انتظار التحقيقات في مزاعم تورط 12 موظفًا في الهجمات التي قادتها حماس على إسرائيل في تشرين الأول/ أكتوبر 2023. ومع ذلك، بحلول تموز/ يوليو، أعادت جميع الدول باستثناء الولايات المتحدة تمويلها بعد أن لم يجد تحقيق للأمم المتحدة أي دليل على ارتكاب موظفي الأونروا أي مخالفات.

وقال لازاريني إنه حتى الآن لم تتدخل أي دولة لتعويض الوكالة عن نقص التمويل الأمريكي.

ودعا لازيريني الدول العربية الخليجية إلى تخصيص المزيد من التمويل للأونروا، قائلا إنه يتمنى أن تتضمن الاتفاقات التي تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في جولته الخليجية الأخيرة تعهدات بدعم اللاجئين الفلسطينيين.

أسفرت جولة ترامب في الشرق الأوسط، والتي شملت توقفا في قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، عن صفقات بقيمة تزيد عن 700 مليار دولار، حيث زعم البيت الأبيض أنه تم الاتفاق على صفقات بقيمة 2 تريليون دولار.

وقال لازريني في تصريح لموقع "ميدل إيست آي": "أتمنى أن يذهب جزء بسيط من كل هذه التريليونات من الدولارات المخصصة للاجئين الفلسطينيين".

قبل تعليق التمويل الأخير، ووفقًا للتعهدات المقدمة للأونروا حتى 31 كانون الأول/ ديسمبر 2023، كانت الولايات المتحدة أكبر مانح مؤكد بمبلغ 422 مليون دولار، تليها ألمانيا (212.8 مليون دولار)، والاتحاد الأوروبي (120.165 مليون دولار)، وفرنسا (62.42 مليون دولار)، والسويد (48.8 مليون دولار)، واليابان (48.5 مليون دولار)، والنرويج (45.7 مليون دولار)، وهولندا (40.7 مليون دولار)، وكندا (39.3 مليون دولار)، والمملكة المتحدة (36.8 مليون دولار).

واحتلت المملكة العربية السعودية المرتبة 17 بين الدول المانحة، بتعهدات بلغت 17 مليون دولار، في حين تعهدت الإمارات بـ15 مليون دولار، وتركيا بـ22.1 مليون دولار.

قبل قرار 2024، علق ترامب تمويل الأونروا خلال رئاسته السابقة في عام 2018، وتم استئناف جزء من التمويل في عام 2021 في ظل إدارة جو بايدن.

وقال لازريني إن الدول العربية لم تقدم بعد التمويل اللازم لعام 2025. ودعاها إلى الاستثمار في الوكالة مع المشاركة في الجهود الرامية إلى إقامة دولة فلسطينية فاعلة.

وأضاف: حصلنا على دعم من الدول العربية العام الماضي. وما زلنا ننتظر هذا العام ما سيسفر عنه القرار.

الأونروا قد "تنفجر"
وتوجه لازريني إلى العالم العربي والدول الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة، قائلاً إن إنقاذ الأونروا يتطلب إرادة سياسية.

وقال: نحن على مفترق طرق. إذا لم تعد لدينا موارد مالية، فهناك خطر انهيار الوكالة. وإذا انهارت، فهذا يعني في غزة أو في الضفة الغربية - حيث الوضع صعب وفوضوي ومقلق أصلاً - المزيد من المعاناة واليأس، كما قال.

"يمكن لأي شخص أن يتخيل ما قد يعنيه إذا تركت وكالة مثل وكالتنا فراغًا خلفها، ولكنها سترسل أيضًا موجات صدمة في البلدان المجاورة، فكل منها لديها ديناميكياتها الداخلية الخاصة التي يجب التعامل معها، أو نقاط ضعفها الداخلية".

وأضاف المفوض العام أن الأونروا حظيت بدعم متزايد من المجتمع المدني العالمي والمانحين من القطاع الخاص على مدار العام الماضي.

وقال "في العام الماضي وهذا العام، وصلنا إلى مستوى قياسي في جمع التبرعات عندما يتعلق الأمر بالمانحين الأفراد والقطاع الخاص"، مضيفا أن عددا من الدول من الجنوب العالمي تعهدت بالمساهمة في الوكالة لأول مرة في إظهار التضامن بعد وقف التمويل الغربي.

"ولكن هذا لا يعوض النقص الذي خلفه انسحاب الولايات المتحدة".

وبالنسبة لازريني، الذي يعد الرئيس الحادي عشر للوكالة، فإن الأونروا يجب أن تكون جزءا من أي خطة مستقبلية لإقامة الدولة الفلسطينية، بهدف إنهاء ولايتها بمجرد إنشاء دولة فلسطينية فاعلة.

"أود أن تنهي الوكالة مهمتها من خلال كونها جزءًا من الحل، بدلاً من أن تواجه وضعًا حيث ننهار وننهار".



وقال لازريني إنه على اتصال بالمملكة العربية السعودية بشأن التمويل لعام 2025. ولكن حتى الآن لم يتم تأكيد أي تعهدات.

وأوضح أن المملكة العربية السعودية، الرئيس المشارك للتحالف العالمي من أجل تنفيذ حل الدولتين، هي التي جلبت الأونروا إلى محادثات مع زعماء العالم لمناقشة خطط دمج عمل الأونروا في مجال التنمية البشرية تدريجيا مع الدولة الفلسطينية المستقبلية.

وقال إن هناك وعيا بأهمية دعم الوكالة.

مقالات مشابهة

  • الذي يعرفه كل الناس عدا الجنجويد
  • رأس الخيمة.. إحالة 7 أشخاص إلى النيابة العامة لنشر شائعات تثير الرأي العام
  • العراق: عن هشاشة الدولة التي لا يتحدث عنها أحد!
  • 5 عوامل خطر.. تجنُّبها يحمي من الإصابة بالسرطان
  • نعم الوضع في السودان ليس ذلك الوضع الذي يصل حد الرفاهية
  • طعام غير متوقع يحمي من أمراض القلب
  • لازريني: لو أن جزءا ضئيلا من التريليونات التي حصل عليها ترامب تذهب للأونروا
  • مدبولي: شهادة الحلال يتم تطبيقها على اللحوم والدواجن وذلك هو الأمر المنطقي
  • رود.. «السقوط المفاجئ» في «رولان جاروس»
  • السيد القائد عبدالملك: الله قدَّم لعباده الهداية الكاملة.. التي إن اتَّبعوها كانت النتيجة فلاحهم