زواج القاصرات وختان الإناث.. عادات بالية وأجساد صغيرة في انتظار مستقبل مجهول
تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT
في زوايا مظلمة من حياة مجتمعاتنا، تختبئ قصص تُروى بصوت مكتوم وألم دفين، إذ تتشابك خيوط العادات مع أوجاع الصمت، لترسم مشهدًا معقدًا من المعاناة الخفية، ما بين طفلة بالكاد عرفت معنى الحياة تُزف كعروس إلى مستقبل مجهول، وأخرى تقف مرتجفة في طقسٍ يقتطع جزءًا من روحها باسم العادات، حيث تتكسر طفولة تلك الفتيات بين مطرقة الزواج المبكر وسندان ختان الإناث، فهما وجهان لعملة واحدة تُنفقها بعض المجتمعات في أسواق التقاليد، دون أن تدرك أنها تُقايض براءة الإناث بآلامٍ لن تندمل، لذا حان الوقت أن نصغي لهذه الأصوات، أن نفتح الأعين على جروحٍ صنعتها الأيدي، وأن نبحث عن شمس تشرق لتنير حياةٍ تستحق أن تُعاش بكرامة دون ألم.
ونستعرض في سطور التحقيق التالي الجوانب النفسية والصحية التي يسببها الزواج المبكر وختان الإناث إلى جانب عرض رؤية الدين والقانون في هذا الشأن، مع سرد بعض القصص من ضحايا الموروث الاجتماعي المغلوط.
المخاطر الصحية للزواج المبكر وختان الإناثقالت خديجة عبد الوهاب، أخصائية النساء والتوليد والعقم، إن «الزواج المبكر في الشهور الأولى يسبب الكثير من المشكلات للبنت، فالرحم لديها يكون غير مكتمل والهرمونات تكون غير منتظمة، وقد يسبب ذلك في الأصل في تأخر الحمل، وإذا حملت الفتاة في سن مبكر يتسبب هذا في إحداث نزيف بصورة عنيفة في شهور الحمل الأولى، إلى جانب تشوهات الأجنة وقد يتسبب في ولادة أطفال غير مكتملة النمو، وفي شهور الحمل الأخيرة قد يتسبب ذلك في أن تصاب الفتاة بأمراض فقر الدم نتيجة عدم اكتمال نموها الجسماني، وقد تتعرض لولادة مبكرة إلى جانب احتمالية حدوث مشكلات التسمم في الحمل يودي بحياتها أو حياة الجنين، كما تعد هؤلاء الفتيات أكثر عرضة للإصابة بأمراض الضغط والسكر في الحمل والتجلطات والنزيف، فالرحم يكون صغير الحجم وغير قادر على استيعاب الجنين، وبخاصة إذا لجأت الفتاة للحقن المجهري أو أخذ المنشطات نتيجة غياب الزوج أو سفره، فيتسبب ذلك في حملها بأكثر من جنين ما يؤدي إلى مشاكل أكبر ويعرض حياتها للكثير من الأخطار، وينطبق هذا على الفتيات صغار السن وبخاصة من لم يتجاوزوا الـ 16 عاما».
وأضافت «عبد الوهاب»، قائلة: «أما بالنسبة لختان الإناث فأصبح مجرم بالقانون لذا فعدد مرتكبوه قليلون، إلا أنه يؤثر على الفتيات نفسيًا إذ تعد العملية بمثابة صدمة نفسية للبنت، إلى تأثيره جسديًا ».
استشاري نفسي: مصر كانت تسجل 300 حالة زواج أطفال يوميًا«زواج الأطفال أو القاصرات هو اغتصاب مقنن واغتيال لبراءة الأطفال ولحقهم في الاستمتاع بالحياة»، هكذا عبر وليد هنيدي، استشاري الصحة النفسية، مضيفًا: «وللأسف هو ظاهرة منتشرة في مصر فالإحصاءات الرسمية من واقع المسح السكاني لعام 2005 تفيد بأن مصر لديها 14% من الزواجات أطفال في عمر ما دون الـ 15 عام، فمصر حتى وقت قريب جدًا كان بها 300 حالة زواج أطفال يوميًا تسجل في الشهر العقاري وترتفع إلى 500 حالة في فصل الصيف وهو ما يسمى بالزواج السياحي، وزواج الأطفال له الكثير من الأسباب منها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي وأسباب بها خلط في الدين والأعراف والتقاليد بأن سترة البنت مطلوبة وتقيها من الفاحشة، وأن الإسلام لم يحدد سن الزواج وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تزوج السيدة عائشة في سن مبكر ابنة 9 سنوات فقط، ويعد هذا خلط في المفاهيم والرؤية، وتظهر آثار الزواج المبكر على البنات بأنها تصاب بانخفاض في مفهومها نحو ذاتها، فعندما ترى من هم في سنها يلعبون ويمرحون مستمتعين بالحياة بمفرداتها وهي محملة بالأعباء وتُغتصب من شخص يكبرها في السن تحت مدعاة الزواج، يرتفع نتيجة لذلك البغاء والابتعاد عن التعليم، وبالتالي يترتب عليه ارتفاع نسبة الأمية، وقد يترتب عليه طلاق مبكر وإذا أنجبت سيكون هناك تشرد للأطفال، كما ينتابها عدم تكلف عاطفي، فالبنت في هذا السن الصغير تعد طفلة في حاجة لمن يرعاها لا من تراعاه، فلا تمتلك استعدادًا نفسيًا أو جسمانيًا لعملية الزواج، ويعد هذا نوع من الإساءة الجنسية كما يعتبرها الكثيرون فريسة ما بعد الطلاق كونها تزوجت في سن صغير، إلى جانب هذا تفتقر إلى ثقافة التعامل مع طفلها سواء في الرضاعة أو التربية بل تفتقر لثقافة التعامل مع نفسها في مرحلة الحمل لأنها تكون صغيرة في السن».
وأردف «هنيدي»: «وأما عن ختان الإناث فيعتبر نوعًا من الجرح العمدي للأخر وهو مجرم بنص قانون العقوبات، فالدوافع النفسية التي تجعل الشخص يُقدم على عملية الختان لبناته ترجع لاعتقاد البعض أن الدين يشجع على ختان الإناث لذا يقدمون عليه كنوع من التدين على الرغم من عدم وجود نص صريح في الأديان السماوية الثلاثة يشجع على ذلك».
حين تتحدى الأعراف القانون.. معركة حقوق الطفل ضد الموروث الخاطئفي سياق متصل قال أيمن محفوظ، المحامي بالنقض والإدارية والدستورية العليا، إن:«زواج القاصرات شاع بتحريض من عبارات شياطين الإنس والنصابين باسم الدين بزعم أن الزواج المبكر ستر ومن الدين وهو في حقيقته هتك للستر وضد الدين، وذلك بما يخالف ما نص عليه القانون، إذ حدد سن الزواج المناسب للزوجين بعمر 18 سنة وفقا لما نصت عليه المادة 5 من قانون الأحوال المدنية رقم 143 لعام 1994 على أنه: «لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين 18 سنة ميلادية»، وأردف قائلًا: «أما الزواج العرفي، فلا يوجد له نص تجريمي قانوني واضح، إلا في زواج رسمي وارتبط ذلك بجريمة تزوير في السن للزوجين أو أحدهما كما نصت عليه المادة 227 من قانون العقوبات المصري، وهي تعاقب عن عدم إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانونًا فقط للوالدين والزوجين وكذلك المأذون الذي أعطى له القانون عقوبة مغلظة تصل إلى 5 سنوات والعزل من الوظيفة».
وأضاف «محفوظ»: «أما عن فكرة ختان الإناث، فهو من المورثات الشعبية المعتمدة على أساطير الغباء والتخلف والرجعية، حيث تسود أفكار النظرة المتدنية للمرأة وحمايتها من غريزة شهوانية لا تسيطر عليها إلا بقطع وتشوية الأعضاء التناسلية لها، وهو ما يعدم شعور اللذة ويخلق كوارث اجتماعية ونفسية للمرأة ويحرمها من عضو طبيعي بداوعي الخرافات والجهل باسم الدين والستر»، موضحًا أن« مصر قد انتبهت لخطورة جريمة ختان الإناث وعدلت نص التجريم للمادة 242 «مكررًا عقوبات»، مع مراعاة حكم المادة 61 عقوبات، والتي تتحدث عن الضرورة القصوى لإرتكاب الأفعال المُجرمة ودون الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر، وتنص على أنه «يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تجاوز 7 سنوات كل من قام بختان لأنثى بأن أزال أياً من الأعضاء التناسلية الخارجية بشكل جزئي أو تام أو ألحق إصابات بتلك الأعضاء دون مبرر طبي، وتكون العقوبة السجن المشدد إذا نشأ عن هذا الفعل عاهةً مستديمة، أو إذا أفضى ذلك الفعل إلى الموت»»، وأكمل: «كما يعاقب القانون الترويج لختان الإناث بشكل علني وفق نص المادة 171، إلى جانب هذا تهتم المنظمات الدولية بحمايه الإناث من الختان و لاسيما اليونيسيف وغيرها، فأغلب دول القارة الأوروبية والأمريكتين والعديد من دول العالم تجرم ختان الإناث الذي لا سند له إلا من أفكار الرجعيين وينكرها الدين والرأي الطبي وتخالف حقوق الإنسان».
وأما على الجانب الديني، فأكد عاصم قبيصي، وكيل وزارة الأوقاف ومدير مديرية الأوقاف بمحافظة أسيوط، إن « الكثير من الأشخاص يستندون إلى أن شريعتنا الغراء لم تحدد سنًّا معينًا للزواج وإنما تركت ذلك حسب العرف والتقاليد والظروف البيئية، لذا يجدر الإشارة إلى أن طبيعة الناس في واقعنا المعاصر اختلفت عن العصور السابقة، لذا حدد القانون سن زواج الفتيات وهو بلوغها 18 عامًا، وعلي ذلك يعد زواج القاصرات البالغ أعمارهن أقل من 18 سنة مخالف للقانون، والذي يجب علينا الالتزام به»، وأضاف: «وقالت لدار الإفتاء المصرية في فتوى سابقة، إن زواج القاصرات يعد حرام شرعا، وبه مخالفة للقانون، لاسيما وأنه يؤدي إلى الكثير من المفاسد والأضرار في المجتمع وضياع لحقوقها مؤكّدة أنَّ القاعدة الشرعية تقرر أن دَفع المفاسِد مُقدَّم على جلب المصالح، وهو الغاية الأساسية من تحريم زواج القاصرات».
وأما عن ختان الإناث، فأضاف: « الختان عادة وليس عبادة وليس من السنة، فلم يرد هناك نصا صحيحًا في الختان، وما يستند إليه البعض هي أحاديث ضعيفة، إذ تحرص الشريعة الإسلامية على حماية جسد المرأة وصيانته عن العبث به والتمثيل بخِلقته، وعِظَمِ جريمة التعدي عليه والتنكيل به، ووجوبِ تقييد هذا الفعل ما أمكن، لا مشروعيته أو الأمر به، فغاية الأمر في ختان الإناث أنه من العادات التي انتشر فعلها في بعض المجتمعات دون بعض، ظنًّا منهم أنَّ فيه صيانةً للمرأة ونفعًا لها، حتى إن كثيرًا من البلدان الإسلامية لا تعرف الختان ولا تفعله، كبلاد الخليج العربي، والشمال الأفريقي، وكثير من أهل مصر، ومن هنا نجد الفقهاء حين ذكروه فرَّقوا بين نساء المشرق والمغرب، فدلَّ هذا على أنَّ المسألة مرتبطة بجانب الوجود أي الحقائق الطبية، والرصد والتتبع».
اقرأ أيضاً"جدل".. الزواج والختان
«قضايا المرأة» تصدر بياناً بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة ختان الإناث
وكيل الشيوخ: الموافقة على مشروع قانون حظر زواج الأطفال يؤكد اهتمام الرئيس بالمرأة المصرية
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: ختان الإناث مخاطر ختان الإناث الزواج المبکر زواج القاصرات وختان الإناث ختان الإناث الکثیر من إلى جانب قانون ا
إقرأ أيضاً:
طفولتي تلاشت ببساطة.. عرائس الرياح الموسمية في باكستان
إقليم السند – كانت "آسفة" تجلس على أرضية منزل عائلتها الطينية الباردة عندما دخل والداها الغرفة ليخبراها بزفافها وهي طفلة صغيرة. وبسبب حالات كهذه، تشهد المنطقة تنظيم عروض ثقافية ومجتمعية للتوعية بهذه الظاهرة ومخاطرها.
كانت الشمس قد بدأت تغرب عن القرية الصغيرة التي تأوي 250 عائلة، والرابضة في قلب إقليم السند جنوب شرقي باكستان، ملقية وهجا دافئا على المشهد القاحل المحيط. تتذكر آسفة بوضوح رائحة العشب الجاف التي حملتها الريح.
كان من الصعب قراءة وجه أمها، لكن آسفة أدركت أن شيئا ما مختلف اليوم. نظر والداها إلى بعضهما البعض للحظة قبل أن يلتفتا إليها. قال لها والدها "لقد تم ترتيب زواجك".
كانت آسفة تبلغ من العمر 13 عاما فقط.
في البداية، لم تستوعب الموقف تماما. ذهلت بخواطرها إلى الملابس الجديدة، والمجوهرات اللامعة، والاحتفالات التي سمعت عنها من الفتيات الأكبر سنا في القرية. الزفاف يعني هدايا، وأدوات زينة، وأزياء جديدة.
تتذكر آسفة بصوت مثقل وهي تجلس خارج منزل زوجها على "تشارباي" (سرير نهاري منسوج تقليدي) ملونة، وتنظر إلى الأرض المتشققة للقرية التي نشأت فيها "ظننت أنه سيكون احتفالا كبيرا". هي ملتفة بـ"دوباتا" (وشاح تقليدي) وردية باهتة، وشعرها الداكن يؤطر وجهها الصغير. تبلغ الآن 15 عاما، وهي أم لطفل رضيع، عمره بضعة أشهر، تحمله بحنان بين ذراعيها.
يقف منزلها المبني من الطين والقش خلفها، سقفه من القش وقد صقلته سنوات من الرياح القاسية والأمطار والشمس الحارقة.
تقول "لم أفهم حقا ما الذي ينطوي عليه الزواج". "لم أدرك أبدا أنه سيعني أن أكون مع رجل أكبر مني سنا، شخص لم أكن أعرفه أو أختره".
علاوة على ذلك، تقول إن زوجها مدين بعد أن اقترض 300 ألف روبية باكستانية (عملة باكستان) ليعطيها لعائلتها عندما وافقوا على الزواج. "لا يستطيع سدادها".
إعلانلم يكن قرار العائلة بتزويج ابنتهم البالغة من العمر 13 عاما نابعا من التقاليد، بل من يأس مطبق.
تضرر والدا آسفة بشدة من الفيضانات الكارثية التي اجتاحت باكستان عام 2022. لأجيال، زرعت عائلتها الأرز والخضروات مثل البامية (نوع من الخضار)، والفلفل الحار، والطماطم، والبصل في المشهد الذي كان غنيا يوما ما في وادي نارا الرئيسي، لكن المياه المتصاعدة تركت حقولهم غير معروفة الملامح، غارقة وعقيمة.
المال الذي كانت العائلة تأمل في كسبه من محاصيلهم والمدخرات الصغيرة التي خصصوها لمستقبل ابنتهم، تبددت كلها. لشهور، حاول والداها إعادة بناء ما فقدوه، وإنقاذ ما استطاعوا إنقاذه من بقايا أرضهم، والاقتراض من الأقارب في محاولة لتغطية نفقاتهم. لكن الخسارة المدمرة لمحاصيلهم، إلى جانب ارتفاع أسعار الضروريات ونقص الوصول إلى المياه النظيفة، جعلت البقاء على قيد الحياة مستحيلا.
مع وجود 3 أطفال آخرين أصغر سنا في المنزل، خلص الزوجان إلى أنهما لم يعودا قادرين على إعالة آسفة، ناهيك عن منحها التعليم الذي كانا يأملان فيه يوما ما.
تقول آسفة بحزن "لم يكن لديهم خيار آخر".
في قرية خان محمد ملاح، حيث الزراعة وصيد الأسماك وتربية الماشية هي مصادر الدخل الرئيسية، فإن تجربة آسفة ليست غريبة. لقد تركت فيضانات عام 2022 ندوبا عميقة في المجتمع، مما أغرق العائلات، التي تعيش الآن تحت رحمة تقلبات الطقس، في فقر مدقع.
مع تدمير المنازل، وجرف المحاصيل، وتحطم سبل العيش، تتزايد ظاهرة زواج الأطفال، حيث يدفع الرجال مبلغا متفقا عليه للعائلات مقابل الزواج من فتيات لا تتجاوز أعمارهن التاسعة.
في العام الماضي، سُجلت 45 حالة لأطفال -معظمهن فتيات، ولكن بعض الفتيان أيضا- تحت سن 18 عاما تم تزويجهم في هذه القرية وحدها، وفقا لمنظمة سوجاغ سانسار (منظمة غير حكومية تعمل على مكافحة زواج الأطفال في المنطقة).
ليست هذه مسألة تقاليد بسيطة، كما يقول ماشوق برهماني، مؤسس سوجاغ سانسار. حدد قانون تقييد زواج الأطفال الباكستاني لعام 1929 السن القانونية للزواج للفتيان عند 18 عاما و16 عاما للفتيات. في أبريل/نيسان 2014، تبنت جمعية السند قانون تقييد زواج الأطفال في السند، الذي غير الحد الأدنى للسن إلى 18 عاما لكل من الفتيات والفتيان.
يعتقد برهماني أن ارتفاع نسبة زواج الأطفال مرتبط مباشرة بالفيضانات. وبشكل حاسم، حدث ثلث هذه الزيجات دون السن القانونية في مايو/أيار ويونيو/حزيران -قبل بدء هطول الأمطار الموسمية مباشرة- مما يشير إلى أنها تمت تحسبا للضرر الذي كان متوقعا من الأمطار الغزيرة.
يقول برهماني "قبل أمطار عام 2022، لم تكن الفتيات يتزوجن في سن مبكرة جدا في هذه المنطقة". "ظلت مثل هذه الحالات نادرة. كانت الفتيات الصغيرات يساعدن والديهن في صنع الحبال للأسِرة الخشبية أو العمل في الأرض".
بالنسبة للعديد من العائلات، أصبح قرار تزويج الفتيات الصغيرات وسيلة للبقاء، ولكنه يأتي أيضا على حساب تعليم الفتيات وصحتهن ومستقبلهن.
إعلانفي السنوات الأخيرة، أصبحت آثار تغير المناخ واضحة بشكل متزايد. الأمطار الموسمية (المونسون)، التي كانت يوما شريان حياة لملايين المزارعين في باكستان وحاسمة في الدورة الطبيعية لإنتاج الغذاء، أصبحت متقلبة وشديدة بشكل متزايد، مما ألحق دمارا بالأراضي الزراعية وفاقم نقص الغذاء. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تسريع ذوبان الأنهار الجليدية في شمال البلاد، مما يساهم في تضخم الأنهار وإرهاق دفاعات الفيضانات.
أثارت أزمة المناخ الظاهرة التي أصبحت تُعرف باسم "عرائس الرياح الموسمية". لم يتم إجراء دراسات رسمية حول زواج الأطفال، لكن المنظمات غير الحكومية مثل سوجاغ سانسار تقول إن الأدلة المتناقلة تشير إلى أن هذه الممارسة أصبحت أكثر انتشارا في جميع أنحاء البلاد ككل. في إقليم السند، يُعتقد أن ما يقرب من ربع الفتيات يتزوجن قبل سن 18.
يقول غولشير بانهوار، مدير المشاريع في سوجاغ سانسار "كان هناك ارتفاع ملحوظ في الزيجات القسرية، لا سيما خلال الفيضانات الأكثر كارثية في تاريخ البلاد، تلك التي وقعت في أعوام 2007 و2010 و2022".
بالنسبة للكثيرين، وخاصة النساء، هذه الكوارث الطبيعية ليست كوابيس بعيدة.
مرت السنوات، ولكن بالنسبة لسلوى (40 عاما) لا تزال ذكرى يوم زفاف ابنتها صعبة التحمل. في حين تداعب حفيدتها البالغة من العمر 4 سنوات، تصبح نبرتها حزينة وهي تبدأ في سرد القصة التي أدت إلى واحد من أحلك أيام حياتها.
تتذكر قائلة "كنا نعيش يوما ما في أرضنا، ولكن عندما دمرت الرياح الموسمية كل شيء في عام 2010، أُجبرنا على مغادرة منزلنا والبحث عن ملجأ في إقليم آخر". العائلة، التي انتقلت من بلوشستان (إقليم في جنوب غرب باكستان)، تعتمد على زراعة القطن والأرز الوفير، لكنها كافحت لتغطية نفقاتها في خان محمد ملاح ولجأت إلى تزويج ابنتها الصغرى.
في عام 2010، زوّجت سلوى ابنتها التي كانت تبلغ من العمر 12 عاما آنذاك لرجل يبلغ من العمر 20 عاما مقابل 150 ألف روبية.
تقول سلوى بصوت متصدع "عندما أخذوها إلى منزلها الجديد، تشبثت بي، وبكينا كلتانا. أندم بشدة على هذا القرار، لكنني لم أر خيارا آخر في ذلك الوقت". هي نفسها كانت قد تزوجت في سن 13 لأن عائلتها لم تكن تملك ما يكفي من المال لإطعامها.
على الرغم من زواج ابنتها، عادت هي وزوجها للعيش مع سلوى في خان محمد ملاح بعد ذلك بوقت قصير. تقول سلوى وهي تتنهد، والتجاعيد على وجهها تفضح إرهاقها "لم يكن لديهم ما يكفي من المال للبقاء على قيد الحياة بمفردهم. كانوا مجرد أطفال. نحن نعيش الآن في فقر ولكن على الأقل نحن مجتمعون مرة أخرى".
اليوم، سلوى جدة لأطفال ابنتها الأربعة. الأكبر يبلغ من العمر 15 عاما ويدرس في المدرسة، وكذلك إخوته. تقول سلوى إنها تأمل أن يمكّنهم التعليم الذي يتلقونه من الزواج بإرادتهم الحرة، وكسر الحلقة التي حاصرت الفتيات في عائلتها لأجيال.
إنه أمل هش حيث تشهد باكستان أحداثا مناخية أكثر تواترا وشدة مثل الفيضانات والجفاف وموجات الحر.
تحذر الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) من أن باكستان، لكونها واحدة من أكثر البلدان ضعفا، ستواجه آثارا متفاقمة على الزراعة وتوافر المياه وتوفير الغذاء، مما يزيد من الفقر وعدم الاستقرار الاجتماعي.
أغرقت فيضانات عام 2022، الأكثر فتكا حتى الآن، ثلث باكستان، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1700 شخص، وتشريد حوالي 33 مليونا -أي ما يقرب من ثلث سكانها- وغمرت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، ودمرت العمود الفقري الزراعي للبلاد.
إعلانتضررت الزراعة -التي تساهم بربع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وتدعم وظيفة واحدة من كل 3 وظائف- بشدة خصوصا، حيث فُقدت أعداد هائلة من المحاصيل بسبب الفيضانات. تأثر ما يقرب من 15% من محصول الأرز في البلاد و40% من محصول القطن. بلغت التكلفة الإجمالية للأضرار التي لحقت بقطاع الزراعة حوالي 12.97 مليار دولار أميركي، وشكلت المحاصيل 82% من هذا المجموع.
في إقليم السند، تُركت قرى بأكملها في حالة خراب.
يعد إقليم السند معرضا بشكل خاص للفيضانات بسبب قربه من نهر السند، الذي غالبا ما يفيض خلال الأمطار الموسمية الغزيرة. تزيد أنظمة الصرف الصحي السيئة وإزالة الغابات وتغير المناخ من خطر الفيضانات.
وفي هذه المنطقة، تضرر ما يقرب من 4.8 ملايين شخص من فيضانات عام 2022، نصفهم من الأطفال.
يقول بانهوار "مع تدمير سبل العيش وعدم وجود دخل موثوق به، غالبا ما يلجأ المزارعون، اليائسون لتغطية نفقاتهم، إلى تزويج بناتهم مقابل مبلغ متواضع مثل سعر بقرة، أو حتى أقل".
ويوضح بانهوار أنه تم إنجاز الكثير من العمل منذ عام 2010 لحماية الفتيات الصغيرات من الزيجات المبكرة والناس يدركون الآن أن تزويج أطفالهم جريمة. "ولكن عندما تُشرّد العائلات في مخيمات الإغاثة من الفيضانات، فإنهم يشعرون أن بناتهم يواجهن خطرا أكبر للاعتداءات الجنسية لأنهن لم يعدن محميات داخل منازلهن. أملهم أيضا هو حمايتهن من الفقر المدقع مع جمع أموال كافية لإعالة بقية أفراد الأسرة".
وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، تعد باكستان موطنا لما يقرب من 19 مليون عروس طفلة. في حين ذكرت المنظمة في عام 2023 أنه كان هناك "تقدم كبير" في الحد من زواج الأطفال في البلاد، حذرت من أن فيضانات الرياح الموسمية لعام 2022 يمكن أن تقضي على الكثير من هذا التقدم.
حذرت المنظمة في تقريرها العام الماضي "نتوقع زيادة بنسبة 18% في زيجات الأطفال".
وفقا للمسح الديمغرافي والصحي الباكستاني (PDHS) لعام 2018، فإن 3.6% من الفتيات دون سن 15 و18.3% من اللاتي تقل أعمارهن عن 18 عاما متزوجات. وجد التقرير نفسه أن 8% من الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عاما إما أنهن أنجبن بالفعل وإما أنهن حوامل بطفلهن الأول. واحدة من كل 6 نساء في باكستان تزوجت وهي طفلة.
ويقول سيد مراد علي شاه، باحث قانوني في جامعة آزاد جامو وكشمير "هناك جدل مستمر بين المشرعين حول زواج الأطفال في باكستان". "يصر أحد الأطراف على الالتزام الصارم بسن الزواج القانوني، في حين يجادل الطرف الآخر بضرورة مراعاة الحقائق الاجتماعية والاقتصادية وأنه يجب الحكم على كل حالة على حدة".
أبرزت دراسة أجراها باحثون من جامعة ولاية أوهايو عام 2023، نُشرت في المجلة الأكاديمية "العمل الاجتماعي الدولي"، الصلة بين الكوارث المناخية وزيادة معدلات زواج الأطفال، لا سيما في البلدان التي تحدث فيها مثل هذه الزيجات بالفعل. كما أشار تقرير لمنظمة إنقاذ الطفل لعام 2020 إلى أن جميع البلدان الـ25 التي لديها أعلى معدلات الزواج المبكر تقريبا تعاني من النزاعات والأزمات الممتدة والكوارث المرتبطة بالمناخ.
استجابة لزيادة أعداد "عرائس الرياح الموسمية" في السنوات الأخيرة، أطلقت سوجاغ سانسار العديد من المبادرات المجتمعية لمعالجة الأسباب الجذرية لزواج الأطفال. يوضح المؤسس برهماني "نتواصل مع الزعماء الدينيين والمعلمين والآباء والفتيات الصغيرات لإنشاء شبكات دعم ومقاومة". "من خلال المشاريع الفنية والثقافية، نعزز الحوار ونرفع الوعي".
"التعليم هو مفتاح كسر حلقة زواج الأطفال. عندما يتم تمكين الفتيات بالمهارات، لم يعد يُنظر إليهن على أنهن أعباء بل كأفراد قادرين على بناء مستقبلهم الخاص".
تنظم سوجاغ سانسار عروضا مسرحية وموسيقية مجتمعية تكون بمثابة منصة للنقاش في 5 مناطق داخل السند.
يسمح استخدام المسرح بجمع أعضاء مختلفين من المجتمع معا لمشاركة قصصهم من خلال الفن. يوضح برهماني "بدعوة كل من الرجال والنساء للمشاركة، نخلق مساحة للتفكير والمحادثة". كما تقدم المنظمة تدريبا مهنيا للنساء والفتيات لمساعدتهن على إيجاد الاستقلال المالي، ودعما للصحة النفسية.
مكتب سوجاغ سانسار في منطقة دادو، الواقعة على طول نهر السند في جنوب شرق السند، يعج بالطاقة في حين تتجمع مجموعة صغيرة من النساء في الخارج. يشكلن دائرة على الأرض، الرمال الناعمة تحت أقدامهن منقطة بالورود المتناثرة.
إعلانتحمل كل امرأة شمعة، ألسنة اللهب تومض بلطف في هواء المساء، ملقية وهجا دافئا على وجوههن. تتردد الأصوات في حين تتحدث النساء عن حياتهن. البعض يضحك، والبعض الآخر يتحدث بهدوء، لكنهن جميعا متحدات في هدفهن: وضع حد لممارسة زواج الأطفال.
بينهن "سامينا" التي ترتسم ابتسامة لطيفة على وجهها وهي تحتضن طفلها. اليوم هو يوم خاص حيث تشارك في تقليد تتمسك به المنظمة منذ عام 2005، حيث تقوم النساء والفتيات اللاتي أُجبرن على الزواج المبكر بإضاءة الشموع لرفع أصواتهن ضد هذه الممارسة القمعية. هذا الطقس هو طريقتهن في الوقوف معا، استعراض متحدٍّ للقوة والتضامن.
خلال الحفل، تروي سامينا، التي تبلغ الآن 28 عاما وأم لـ5 أطفال، قصتها. في عام 2011، عندما كانت في الـ13 من عمرها، أخبرتها والدتها أنها ستتزوج من ابن عم بعيد، كان هو نفسه يبلغ من العمر 15 عاما فقط. بالكاد كانت تعرفه.
تتذكر قائلة "كنت أجلس في الخارج أخيط ملاءة سرير عندما جاءت أمي إلي وأخبرتني ببساطة، ‘ستتزوجين’. بقينا كلتانا صامتتين. في عائلتنا، لا تعبر النساء عن مشاعرهن". كانت شقيقتاها الأكبر سنا قد تزوجتا أيضا في سن 13 و14.
مع عدم قدرة والدها على العمل بسبب مشاكل نفسية، كان دخل الأسرة يعتمد على والدتها، التي كانت تعمل لساعات طويلة كخادمة منازل. لكن فيضانات عام 2010 المدمرة دمرت المنازل التي كانت تعمل فيها واختفى دخل الأسرة.
كان مبلغ الـ200 ألف روبية الذي جلبه زواجها هو شريان الحياة الأخير للعائلة، وسيلة لتجنب العوز التام وربما حماية شقيقتي سامينا الأصغر سنا من نفس المصير.
يقول برهماني "اليوم، تكسب العائلات بحد أقصى 10 آلاف إلى 12 ألف روبية شهريا". هذا حوالي دولار واحد في اليوم لإطعام حوالي 10 أشخاص. "كل لقمة طعام لكل طفل لها حسابها".
في يوم زفافها، تتذكر سامينا أنها كانت غارقة في القلق. تقول "خلال الحفل، لم أستوعب تماما أن طفولتي كانت تتلاشى".
عندما انتهى الحفل، أصبح واقع الانفصال عن عائلتها واضحا بشكل مؤلم.
حينما كانت والدتها وشقيقتها الصغرى تنتحبان، نُقلت العروس البالغة من العمر 13 عاما إلى منزلها الجديد مع زوجها في قرية مختلفة.
تتذكر قائلة "القفازات الصغيرة التي تلقيتها كهدية زفاف لم تفعل شيئا لتخفيف الحزن الغامر". اليوم، تواسي نفسها بحقيقة أن شقيقاتها الأصغر سنا لم يتزوجن ويتابعن تعليمهن بدلا من ذلك.
تقول "خلال السنة الأولى من زواجي، كان أصعب شيء هو عدم وجود أمي بجانبي بعد الآن". "في الليل، عند النوم كانت تبقى معي حتى أنام. كانت تروي لي القصص وتلمس شعري. بين عشية وضحاها، كان علي أن أنام في سرير مع رجل لم أكن أعرفه. كنت بمفردي، بدون أخواتي ووالديّ في منزل صغير غير معروف. شعرت بالبرد الشديد فجأة".
بعد عامين من زفافها، حملت سامينا بطفلها الأول. "لم أفهم ما كان من المفترض أن أفعله. كنت خائفة وكان الألم صعب التحمل لكنني اعتدت عليه".
في حين كانت عائلتها تأمل أن تحظى بحياة أفضل إذا تزوجت، يكافح زوج سامينا، وهو عامل، للعثور على عمل في قطاع البناء. تقول "الكثير من المنازل تضررت بسبب الفيضانات لكن الناس لا يملكون ما يكفي من المال لإصلاحها".
أثر نقص العمل على الصحة النفسية لزوجها واضطرت سامينا للعمل في خياطة ملاءات الأسرة لإطعام وتعليم أطفالها الخمسة.
في عام 2024، مع انتشار خبر 45 حالة زواج دون السن القانونية في قرية خان محمد ملاح، أمر وزير السند، مراد علي شاه، بإجراء تحقيق لتحديد ما إذا كانت تلك الزيجات مرتبطة مباشرة بالفيضانات.
خلص آغا فخر الدين، مدير إدارة حقوق الإنسان في إقليم السند، لاحقا إلى أنه لم يتم الإبلاغ عن مثل هذه الحالات من زواج الأطفال وأن الأخبار كانت ملفقة. ومع ذلك، ذكر مختار علي أبرو، نائب مفوض دادو، أنه في حين تم ترتيب الزيجات في القرية، كانت ببساطة جزءا من التقاليد المحلية وليست نتيجة الفيضانات.
بعد زيارة المسؤولين الحكوميين في أكتوبر/تشرين الأول 2024، إلى جانب ممثلين عن منظمات المجتمع المدني، تقول سوجاغ سانسار إنها لاحظت انخفاضا في حالات زواج الأطفال، وتعزو ذلك إلى الخوف من التداعيات القانونية. ومع ذلك، تحذر من أن هذا الانخفاض قد يكون مؤقتا فقط، حيث تظل الدوافع الأساسية لزواج الأطفال -ولا سيما الفقر ونقص الفرص التعليمية للفتيات المستضعفات- دون معالجة إلى حد كبير.
بعد سنوات من تزويجها رغما عنها، تبتسم سامينا الآن بشعور متجدد بالأمل. على الرغم من أنها لا تزال تخيط أغطية الأسرة، تماما كما فعلت في اليوم الذي أُخبرت فيه بزواجها الوشيك، فقد تغيرت حياتها بشكل لا يمكن التعرف عليه. إنها تأخذ دورات في الحرف اليدوية وتأمل في بدء عملها الخاص. ترتدي دوباتا حمراء بنقاط بيضاء صغيرة، وتعبيرها حازم.
محاطة بشابات أخريات، مثلها، تزوجن في وقت مبكر جدا، تبتسم سامينا وهي تتحدث عن مستقبلها. تأمل في مواصلة الخياطة وكسب دخلها الخاص.
عقدت سامينا العزم على ألا تواجه بناتها نفس المصير أبدا. تقول "سأتأكد من تعليمهن، حتى يتمكنّ من الهروب من الجحيم الذي عانيته".
*** تم تغيير بعض الأسماء لحماية الهوية**