سودانايل:
2025-06-03@23:54:28 GMT

حوار مع صديقي ال ChatGPT الحلقة (81)

تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT

د. أحمد جمعة صديق
جامعة الزعيم الازهري

حوار اليوم:
• بين استعمار السودان وخروج الاستعمار زمن طويل فماذا حدث؟
• الاستقلال لم يأتِ خالياً من التحديات، حيث ظلت بعض القضايا تشكل تحديات مستمرة للسودان بعد الاستقلال. ما هذه التحديات؟
****************
بين استعمار السودان وخروج الاستعمار، هناك فترة زمنية طويلة شهدت العديد من التغيرات والتحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي أثرت بشكل كبير على تاريخ السودان.

يمكن تلخيص أبرز ما حدث خلال هذه الفترة فيما يلي:
1. الاستعمار البريطاني المصري (1899-1955):
o في نهاية القرن التاسع عشر، تم توقيع اتفاقية 1899 بين بريطانيا ومصر التي أسست الحكم الثنائي للسودان. كانت بريطانيا القوة الاستعمارية الفعلية، بينما كانت مصر تُدار من قبل الاحتلال البريطاني أيضاً.
o في ظل هذا الحكم، أُجريت العديد من التغييرات الاقتصادية والاجتماعية. أُنشئت البنية التحتية مثل السكك الحديدية والموانئ، ولكن هذه التغييرات كانت تهدف في المقام الأول لخدمة مصالح الاستعمار.
2. الثورة المهدية (1881-1898):
o قبل وصول الاستعمار البريطاني المصري، حدثت ثورة المهدية بقيادة محمد أحمد المهدي، الذي أسس دولة إسلامية مستقلة في السودان. نجح في طرد القوات الاستعمارية المصرية، ولكن بعد وفاته، كانت القوات البريطانية قد استعادت السيطرة في عام 1898.
3. النهضة الثقافية والإصلاحات:
o في خلال فترة الاستعمار، بدأت بعض الحركات الإصلاحية والتعليمية في الانتشار. حيث ظهرت محاولات لتطوير التعليم، وخاصة التعليم في اللغة العربية والدين الإسلامي. كما بدأت الطبقات المتعلمة بالظهور بشكل تدريجي، مما ساعد على نشر الوعي الوطني.
4. الحركات السياسية الوطنية (الخمسينات):
o مع اقتراب نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأت الحركات الوطنية السودانية تطالب بالاستقلال. كانت هناك مطالبات متزايدة من قبل السودانيين بإدارة شؤونهم بأنفسهم، وهو ما أدى إلى تأسيس أول الأحزاب السياسية السودانية.
o في عام 1948، تم إنشاء "حزب الأمة" و"الحزب الوطني الاتحادي"، وهو ما ساهم في زيادة الضغط السياسي على الحكم الثنائي البريطاني المصري.
5. استقلال السودان (1956):
o في 1 يناير 1956، حصل السودان على استقلاله بعد مفاوضات بين القوى السودانية والحكومة البريطانية المصرية. أصبح السودان أول دولة في أفريقيا تحصل على استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية.
o رغم ذلك، فإن الاستقلال لم يأتِ خالياً من التحديات، حيث ظلت قضايا مثل الصراع بين الشمال والجنوب، والتمييز الإثني والديني، تشكل تحديات مستمرة للسودان بعد الاستقلال.
إذن، بين فترة الاستعمار واندلاع الاستقلال، شهد السودان تطوراً ملحوظاً في مجالات مختلفة مثل السياسة والاقتصاد والتعليم، ولكن تلك الفترة كانت أيضاً مليئة بالصراعات والتحديات التي استمرت حتى بعد الاستقلال.
• الاستقلال لم يأتِ خالياً من التحديات، حيث ظلت قضايا مثل الصراع بين الشمال والجنوب، والتمييز الإثني والديني، تشكل تحديات مستمرة للسودان بعد الاستقلال. ما هذه التحديات؟
بعد استقلال السودان في 1956، واجهت البلاد العديد من التحديات التي أثرت على استقرارها السياسي والاجتماعي والاقتصادي. من بين أبرز هذه التحديات كان الصراع بين الشمال والجنوب، والتمييز الإثني والديني، بالإضافة إلى قضايا أخرى كانت تمثل تحديات خطيرة على وحدة البلاد. سنستعرض هذه التحديات بالتفصيل:
1. الصراع بين الشمال والجنوب
• الأسباب:
o كان الصراع بين الشمال والجنوب مرتبطًا بشكل كبير بالاختلافات الدينية، الإثنية، والسياسية. الشمال كان يتمتع بهوية إسلامية وعربية في الغالب، بينما كان الجنوب يضم غالبية من السكان ذوي الديانات التقليدية والمسيحية، وكانت هناك اختلافات ثقافية ولغوية أيضًا.
o لم يكن الجنوبيون جزءًا من الحكم الوطني منذ العهد الاستعماري البريطاني، حيث كانت الحكومة المركزية تركز على مصالح الشمال العربي المسلم، مما زاد الفجوة بين الشمال والجنوب.
• اندلاع الحرب:
o بعد الاستقلال، بدأت التوترات تتصاعد بين الجنوبيين والحكومة المركزية في الخرطوم. في عام 1955، قبل عام من الاستقلال، اندلعت الحرب الأهلية الأولى في السودان بين الجيش السوداني وحركة تمرد من الجنوب، وهي الحرب التي استمرت حتى عام 1972.
o رغم توقيع اتفاقية "اديس أبابا" في 1972 التي أنهت الحرب الأهلية الأولى، إلا أن التوترات بين الشمال والجنوب استمرت في التصاعد بسبب استمرار التهميش الجنوبي والشعور بعدم المساواة.
• الحرب الأهلية الثانية (1983-2005):
o في عام 1983، انفجرت الحرب الأهلية مرة أخرى بعد تطبيق الحكومة السودانية للقوانين الإسلامية في الجنوب، مما أدى إلى تجدد القتال. استمر النزاع حتى توقيع اتفاقية "نيفاشا" في 2005 التي أنهت الحرب الثانية وأسست لقيام دولة جنوب السودان المستقلة في 2011.
2. التمييز الإثني والديني
• الاختلافات الدينية:
o في السودان، كان هناك تمييز بين المسلمين في الشمال الذين تمتعوا بفرص أكبر في التعليم والإدارة والجنوب الذي كانت غالبية سكانه غير مسلمين أو مسيحيين. كما كانت الحكومة السودانية تفرض قوانين إسلامية صارمة على جميع المناطق، مما أثار رفضًا في الجنوب الذي لم يكن يوافق على فرض الشريعة الإسلامية عليه.
• التمييز الإثني:
o السودان هو بلد متعدد الأعراق والأثنيات، ويعيش فيه العديد من الشعوب ذات الهويات الثقافية واللغوية المختلفة. كان هناك تمييز ضد الأقليات الإثنية، سواء في الشمال أو في الجنوب، مما أدى إلى تهميش بعض المجموعات العرقية.
o على سبيل المثال، كان سكان دارفور، في غرب السودان، يعانون من تهميش اقتصادي واجتماعي، مما أدى إلى تصاعد الاحتجاجات والمقاومة.
3. الاختلافات السياسية والحكم المركزي
• الحكم المركزي:
o كان هناك تهميش واضح للجنوب والغرب والشرق من قبل الحكومة المركزية في الخرطوم. التوجهات السياسية كانت غالبًا تركز على الشمال العربي المسلم، مما خلق مشاعر من الإحباط والغضب في المناطق الأخرى.
• الانتفاضات السياسية:
o خلال السنوات التي تلت الاستقلال، نشبت عدة انتفاضات سياسية نتيجة لعدم وجود تمثيل مناسب للأقاليم المختلفة في الحكومة المركزية. هذه الانتفاضات كانت تحارب من أجل مزيد من الاستقلالية الإدارية والتنمية.
• الديكتاتورية والصراعات السياسية:
o شهد السودان فترات من الحكم العسكري بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية، مثل انقلاب 1969 بقيادة جعفر النميري، ثم انقلاب 1989 الذي قاده عمر البشير. هذا الحكم الاستبدادي كان يقمع المعارضة السياسية ويزيد من تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد.
4. الصراعات الاقتصادية والتنمية
• الفقر وعدم التوازن التنموي:
o على الرغم من الموارد الطبيعية الغنية مثل النفط والمعادن، عانت البلاد من فقر مدقع. كانت التنمية الاقتصادية تركز على مناطق معينة، مما ساهم في تفاقم التفاوت بين المناطق المختلفة.
• الحروب وتأثيراتها الاقتصادية:
o النزاعات المستمرة، مثل الحرب الأهلية الثانية، أثرت بشكل كبير على الاقتصاد السوداني، حيث دمرت البنية التحتية وأدى النزوح الداخلي واللجوء إلى زيادة الأعباء الاقتصادية.
5. القضية الدارفورية
• اندلاع النزاع في دارفور:
o في بداية القرن الحادي والعشرين، اندلعت الحرب في دارفور، حيث نشبت مواجهات بين الحكومة السودانية ومتمردين من منطقة دارفور التي كانت تعاني من التهميش والتمييز. هذا النزاع أسفر عن مقتل مئات الآلاف من الأشخاص وتشريد ملايين آخرين، مما أدى إلى أزمة إنسانية واسعة.
• التدخل الدولي:
o النزاع في دارفور جذب اهتمامًا دوليًا، حيث فرضت الأمم المتحدة عقوبات على الحكومة السودانية، وتم إرسال بعثات حفظ السلام إلى المنطقة.
6. مشكلة المناطق الحدودية والمطالبة بالحقوق
• مع انفصال جنوب السودان في 2011، ظهرت مشاكل حدودية جديدة بين السودان وجنوب السودان، خصوصًا حول المناطق الغنية بالموارد مثل منطقة أبيي، مما أدى إلى توترات مستمرة.
7. التحولات السياسية والعسكرية
• الانتفاضات الشعبية:
o في السنوات الأخيرة، عانت البلاد من سلسلة من الاحتجاجات الشعبية ضد الحكومة، مثل الانتفاضات التي أدت إلى الإطاحة بنظام عمر البشير في 2019. إلا أن البلاد لم تستطع تجاوز العديد من التحديات السياسية والاقتصادية.
خلاصة:
بعد الاستقلال، كان السودان يواجه تحديات كبيرة على عدة أصعدة، خاصةً فيما يتعلق بالصراع بين الشمال والجنوب، التمييز الديني والإثني، والاختلافات السياسية. هذه القضايا شكلت عوائق أمام الاستقرار والوحدة الوطنية، وقد امتدت آثارها حتى يومنا هذا.
• التمييز الديني والإثني، والاختلافات السياسية. هذه القضايا شكلت عوائق أمام الاستقرار والوحدة الوطنية، وقد امتدت آثارها حتى يومنا هذا. كيف ذلك؟
القضايا المتعلقة بالتمييز الديني والإثني والاختلافات السياسية ظلت تؤثر بشكل عميق ومستمر على استقرار السودان ووحدته الوطنية، وقد تجسدت آثارها في العديد من الأزمات والصراعات التي نشأت بعد الاستقلال، ولا تزال مستمرة إلى اليوم. دعونا نستعرض كيف أن هذه القضايا قد شكلت عوائق أمام الاستقرار:
1. التمييز الديني والإثني
• الصراع بين الشمال والجنوب:
o كان التمييز الديني والإثني أحد الأسباب الجوهرية التي دفعت إلى الصراع المستمر بين الشمال والجنوب. الشمال كان في الغالب يهيمن عليه المسلمون العرب، في حين أن الجنوب كان يشمل جماعات مسيحية وأخرى تمارس ديانات تقليدية. كانت الحكومة في الخرطوم تميل إلى تطبيق القوانين الإسلامية وتفرض سياسات تتجاهل التنوع الديني في البلاد.
o هذا التمييز أثار مقاومة شديدة من الجنوب، حيث لم يكن يوافق على فرض القيم الإسلامية عليه، مما أدى إلى اشتعال الحرب الأهلية التي استمرت لعدة عقود.
• التمييز الإثني في دارفور والمناطق الأخرى:
o في غرب السودان (منطقة دارفور)، كان هناك تهميش طويل الأمد للسكان المحليين، الذين ينتمون إلى مجموعات إثنية غير عربية، مما فجر صراعًا طويلًا بدأ في أوائل العقد 2000. نتيجة لهذا التهميش، شعر أهل دارفور بالاستبعاد من المشهد السياسي والاقتصادي، واندلعت الحرب الأهلية في 2003 بين الحكومة السودانية والمتمردين، مما أسفر عن مقتل مئات الآلاف من الأشخاص وتشريد الملايين.
o هذا الصراع كان مدعومًا من قبل التوترات الإثنية، حيث عُومل المتمردون في دارفور كغربيين أو غير منتمين للنظام، مما زاد من تعميق الانقسامات العرقية والقبلية.
• التحديات في بناء هوية وطنية شاملة:
o السودان يعاني من تنوع عرقي وديني هائل، حيث يضم العديد من القبائل المختلفة مثل النوبة والفور والزرقة والبجا وغيرها، ما يجعل من الصعب تشكيل هوية وطنية شاملة ومتكاملة. وبالتالي، فإن التمييز بين هذه المجموعات سواء كان دينيًا أو إثنيًا ظل عقبة رئيسية أمام الوحدة الوطنية.
2. الاختلافات السياسية
• النزاع على السلطة:
o بعد الاستقلال، كانت الخلافات السياسية حول كيفية حكم البلاد أحد أبرز العوامل التي أثرت على استقرار السودان. كانت هناك صراعات بين الأحزاب السياسية المختلفة، مثل حزب الأمة والحزب الوطني الاتحادي، حول كيفية توزيع السلطة، بالإضافة إلى التوترات بين الشمال والجنوب.
o هذا التنافس أدى إلى انقلابات عسكرية، مثل انقلاب 1959 بقيادة الفريق إبراهيم عبود، ثم انقلاب 1969 الذي قاده جعفر النميري. كل هذه التحولات السياسية زادت من عدم الاستقرار وأدت إلى تهميش الحركات السياسية المدنية.
• الديكتاتورية العسكرية:
o في 1989، وصل عمر البشير إلى السلطة من خلال انقلاب عسكري، وكان يحكم البلاد بيد من حديد حتى الإطاحة به في 2019. نظام البشير قمع المعارضة السياسية وأدى إلى تراجع الديمقراطية.
o فترة حكمه تميزت باستخدام القوة العسكرية لتوجيه السياسة الداخلية، مما أدى إلى تزايد الانقسامات بين مختلف القوى السياسية. كما أدى تهميش بعض الفئات مثل الأحزاب العلمانية والجماعات المعارضة إلى تأجيج الأزمات السياسية.
• التحديات التي واجهت الانتقال الديمقراطي:
o بعد الإطاحة بالبشير في 2019، كانت البلاد في مرحلة انتقالية صعبة، حيث كان التحدي الأكبر هو تحقيق توافق بين القوى السياسية المختلفة (العسكريين، المدنيين، الأحزاب الإسلامية، والقوى المعارضة). هذا التوازن كان صعبًا نظرًا للانقسامات السياسية العميقة التي تركها النظام السابق، وكذلك الصراع على السلطة بين هذه القوى.
• الحركات الاحتجاجية والانقسامات السياسية:
o منذ فترة طويلة، كان السودان يشهد موجات من الاحتجاجات الشعبية ضد الأنظمة الحاكمة. هذه الاحتجاجات تعكس حالة من الإحباط العام من التهميش السياسي والاقتصادي. حركات الاحتجاج في الخرطوم وغيرها من المدن غالبًا ما كانت تنبع من عدم الثقة في الحكومة المركزية، وهو ما يعكس انقسامًا كبيرًا بين الشعب والحكومة.
3. أثر هذه القضايا على الاستقرار الحالي:
• استمرار التوترات بين المجموعات الإثنية:
o رغم انفصال جنوب السودان في 2011، إلا أن الصراعات الإثنية لم تتوقف في السودان. لا تزال المناطق مثل دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان تشهد صراعات مستمرة، حيث ينطوي النزاع على تمييز إثني وديني وصراع على الأرض والموارد. هذه الصراعات تساهم في تقويض الاستقرار الداخلي.
• ضعف الحكومة المركزية:
o الحكومة السودانية، بعد التغييرات التي حدثت في 2019، لا تزال تواجه صعوبة في فرض سلطتها في بعض المناطق النائية. ضعف الحوكمة وزيادة الفساد في الحكومة، إلى جانب تدخلات القوى العسكرية، تجعل من الصعب تحقيق استقرار سياسي شامل.
• العلاقة مع القوى الإقليمية والدولية:
o التحديات السياسية والعرقية في السودان انعكست على علاقاته مع جيرانه والإقليم. النزاع في دارفور على سبيل المثال جذب اهتمام المجتمع الدولي، مما أدى إلى فرض عقوبات على الحكومة السودانية. العلاقات مع دول الجوار كانت مشحونة، خصوصًا مع جنوب السودان وإريتريا.
• التحديات الاقتصادية:
o التهميش السياسي والعرقي أثر أيضًا على التنمية الاقتصادية في السودان. العديد من المناطق تعاني من نقص في الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، مما يعمق الفجوات بين الأقاليم المختلفة.
خلاصة:
إن التمييز الديني والإثني والاختلافات السياسية في السودان قد أفرزت مجموعة من التحديات المستمرة التي تقف في وجه الاستقرار السياسي والاجتماعي. هذه القضايا أدت إلى فترات طويلة من الصراعات والحروب الأهلية، وأثرت على الهوية الوطنية الجامعة. اليوم، رغم الجهود الكبيرة لتسوية هذه القضايا وتحقيق السلام، فإن آثارها لا تزال مستمرة وتؤثر في طريقة إدارة البلاد وتفاعل شعبها مع بعضهم البعض ومع الحكومة.




aahmedgumaa@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحکومة السودانیة الحکومة المرکزیة بعد الاستقلال الحرب الأهلیة جنوب السودان هذه التحدیات هذه القضایا من التحدیات مما أدى إلى فی السودان فی الخرطوم ما أدى إلى العدید من فی دارفور کان هناک فی عام من قبل

إقرأ أيضاً:

11 عامًا على ثورة الكرامة «الليبية».. الحلقة الأولى

رسائل الحاضر وتحديات المستقبل.. لماذا انطلقت الثورة؟

يوم الأربعاء الماضي، كانت ليبيا مع الحدث الأهم، الذي يمنح الأمل للشعب الليبي مجددًا.. في مدينة بنغازي الصامدة، كان العرض العسكري الكبير في الذكرى الحادية عشرة لثورة الكرامة بحضور رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، والقائد العام للقوات المسلحة الليبية المشير خليفة حفتر، وبحضور العديد من الرموز العربية والإقليمية والدولية كان في مقدمتها الوزير حسن رشاد مدير جهاز المخابرات العامة المصرية..

كانت الكلمات تنطلق مدافعة عن ليبيا الموحدة والآمنة المستقرة، وكانت الهتافات تنطلق في نفس الوقت في مدينة طرابلس التي تشهد احتجاجات متواصلة تطالب بالجيش والشرطة لإنقاذ البلاد..

كانت كلمة المشير خليفة حفتر في هذا اليوم تحمل العديد من المعاني الهامة.

أولها: التأكيد على رسالة القوات المسلحة الليبية في ترسيخ الأمن، والاستقرار لحين عودة الدولة إلى وضعها الطبيعي، خالية من الميليشيات رافضة التدخل الخارجي في الشأن الليبي، داعيةً إلى وحدة الجميع على قاعدة القواسم المشتركة، والشرعية الدستورية.

ثانيًا: جاهزية القوات المسلحة الليبية لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

ثالثًا: التأكيد على دور القوات المسلحة الليبية في الدفاع عن الأرض والعرض، والتأكيد على أن الجيش ستكون له الكلمة الفاصلة في اللحظة الحاسمة.

وكانت المعاني ذاتها قد جاءت أيضًا على لسان المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب في كلمته أمام العرض العسكري، حيث أكد على الفخر، والاعتزاز بدور القوات المسلحة الليبية، وقيادتها الشريفة، التي تسعى إلى بناء الدولة، والحفاظ على حماية الحدود والثروات، وتحقيق الأمن والاستقرار والتقدم في البلاد.

لقد أشار المستشار عقيلة صالح إلى دور القوات المسلحة في التنمية والبناء، وأكد أنه لولا الأمن، والاستقرار الذي تحقق في غالبية المناطق على يد القوات المسلحة ما كانت هناك “تنمية”، ولا كان هناك «بناء» هذا الأمن والاستقرار الذي تحقق بالتضحيات الكبيرة على أرض ليبيا، مشيرًا إلى أن وطنًا بلا جيش هو مستنقع للفوضى.

لقد مضى أحد عشر عامًا على هذه الانطلاقة الثورية التي جرى فيها تجميع الشتات، وبناء القوة العسكرية التي مارست دورها الوطني منذ البدايات الأولى.

وعلى مدى عدة حلقات يستعرض الكاتب الصحفي والنائب البرلماني مصطفى بكري مسيرة الأوضاع في ليبيا منذ انطلاقة ثورة الكرامة في 16 من مايو 2014، والتطورات اللاحقة وصولًا إلى سيناريو ما يجرى في الوقت الراهن، وآفاقه المستقبلية.

كانت ليبيا قبل «ثورة الكرامة» تعيش حالة من الفوضى التي هددت كل مظاهر الحياة فيها، لم تكن هناك سلطة مركزية للدولة، تم تقسيم الوطن بين الميليشيات الإرهابية، أصبحت البلاد مجرد أبعاديات يُمارس فيها كل أنواع القهر، وتُنهب منها الثروات، وتُرتهن فيها الإرادة لقوى أجنبية تنفذ مخططات مدروسة على الأرض الليبية.

ولم تكن بقايا المؤسسة العسكرية بعيدة عن هذه الخلافات، وكان التناحر قد وصل إلى العديد من مراكزها الحساسة، وأما العناصر المتحكمة في شئون البلاد فكانت تصر على التدخل في شئونها، وفرض الأجندات السياسية عليها، بما ساعد على استمرار حدة الاستقطاب بداخلها.

وقد نجحت «الميليشيات الإرهابية» في التغلغل داخل الوظائف المهمة في مؤسسات الدولة، مما تسبب في مشكلات كبرى، وخلافات متصاعدة فأصبح ولاء البعض للميليشيات، وليس للدولة المركزية، بعد أن أصبح تقسيم المناصب، والمواقع الهامة يتم حسب إرادة هذه الميليشيات.

ولا شك أن ذلك كان له تأثيره الخطير على النسيج الاجتماعي الليبي، فعادت النعرات القبلية مجددًا، وبشكل يعطي القبيلة الأولوية على الدولة، واشتعلت الحروب بين أبناء الوطن الواحد، وأبلغ دليل على ذلك هو قيام الكتائب، والميليشيات الإرهابية في «مصراتة» بمنع أهالي منطقة «تاورغاء» من العودة إلى منازلهم في جنوب طرابلس، التي سبق أن طُردوا منها عقابًا لهم على مواقفهم خلال الحرب الأهلية، وكذلك المشكلات التي وقعت لأبناء قبائل «القذاذفة وبني وليد والمشاسية وغيرها»!!.

كانت المظاهرات لا تتوقف مطالبة بإنهاء العنف والإرهاب والتقسيمات القبلية، والفئوية التي تهدد بقاء الكيان الوطني من الأساس.

لقد عمت الاحتجاجات، والمظاهرات العديد من المناطق في هذا الوقت، وتحديدًا منذ السادس من يناير 2012، حيث طالب المتظاهرون بتصحيح مسار الأحداث وحماية الدولة من المخاطر، وإنقاذ حياة المواطنين من الجرائم والإرهاب والجوع.

كان «المشير» خليفة حفتر يراقب الأوضاع عن قرب رافضًا الانخراط في هذه المؤامرة التي تجري على قدم وساق، كان يدرك أن التنظيمات والميليشيات المعادية هي التي تحرض ضد الكيان الوطني، وتبث الفتنة بين فئاته الاجتماعية والقبلية والسياسية المختلفة، حتى تتمكن من الانفراد بالساحة وحدها.

وكان المشير «حفتر» يتابع غضبة الشارع على هذه التنظيمات، والعصابات التي سيطرت على الكثير من مفاصل الدولة، والمناطق المختلفة، مدركًا أن الوقت قد حان للتحرك وإنقاذ الدولة من السقوط النهائي، وإلى غير رجعة، وكان على ثقة بأن هذه التيارات مرفوضة شعبيًا، والدليل على ذلك أن أصحاب هذا الاتجاه الديني المتطرف لم يحصلوا على الأغلبية المتوقعة في انتخابات المؤتمر الوطني العام التي جرت في يوليو 2012، حيث لم يحصل حزب «العدالة والبناء»- الذراع السياسية لجماعة الإخوان- إلا على 17 مقعدًا.

لقد تزايدت في هذه الفترة عمليات الاغتيال السياسي المنظمة لقادة، وضباط الجيش خصوصًا بعد أن تم إقرار قانون حل الميليشيات، وكانت المحصلة سقوط المئات من القادة والضباط العسكريين ضحية لهذه المؤامرة التي جرى تنفيذها وفق مخطط واسع استهدف كافة العناصر الفاعلة من عسكريين، وسياسيين، ونشطاء مجتمع مدني.

وعلى الجانب الآخر لم يكن المؤتمر الوطني الذي جرى انتخابه قادرًا على ممارسة دوره في إصدار القوانين والتشريعات، بل أثبت عجزه نتيجة الخلافات والتجاذبات، فلم يتمكن من إقرار الدستور الجديد الذي انتظرته جماهير الشعب الليبي، والأخطر أنه عجز عن تشكيل الحكومة طيلة شهري يوليو وأغسطس 2012، على الرغم من الإعلان الدستوري الذي كان قد حدد شهرًا واحدًا لتشكيل الحكومة.

وعندما تمكن المؤتمر من تشكيل الحكومة المرتقبة في 14 من أكتوبر 2012، وهي الحكومة التي فاز فيها «على زيدان» (المنتمي للتيار الليبرالي) ضد محمد الحراري (الذي كان مدعومًا من التيار الديني)، كانت البلاد تمضي إلى الهاوية سريعًا، فازدادت المشكلات تفاقمًا، وعجزت الحكومة عن احتوائها، وتدهور الأمن العام، وباتت «الفوضى» هي العنوان الغالب في جميع المناطق حتى أطلق المواطنون البسطاء مسمى «الحكومة الأسوأ في تاريخ ليبيا» على هذه الحكومة.

أبعاد المخطط

لم تتوقف المظاهرات، ولا الاحتجاجات في عموم ليبيا رفضًا للممارسات، والتخبط والعشوائية للحكومة وللمؤتمر الوطني، فتحركت الجماهير الغاضبة، وبدأت في اقتحام المؤسسات الحكومية، وأغلقت مباني العديد من الوزارات، ووضعت المتاريس والحواجز أمام المبنى الرئيس للحكومة، بعد أن أصبحت السيطرة للميليشيات التي راحت تفرض سطوتها، وتفرض شروطها على الحكومة الضعيفة التي عجزت عن تفكيك هذه الميليشيات، أو مصادرة الأسلحة التي تمتلكها.

أما المؤتمر الوطني فقد عجز عن تمرير القانون الذي تقدم به البعض والذي يجرّم حمل السلاح في 18 من ديسمبر 2013.

كانت الأوضاع تزداد تدهورًا في هذا الوقت، حيث بدأت الميليشيات تهدد بقطع إمدادات الطاقة عن المنطقة الغربية وطرابلس، بعد أن عجزت الحكومة عن تسليم رواتب الموظفين، كما أن مناطق الجنوب أصدرت بيانات هددت فيها بوقف إمدادات المياه لمدن الشمال، ومناطقها المختلفة، وراحت ميليشيات مصراتة، وطرابلس تهدد بمعاقبة المنطقة الشرقية، وقطع الاتصالات الهاتفية عنها ما لم تتوقف عن حصار الموانئ.

كانت الأمور تمضي نحو الانهيار الكبير بفعل الأزمات والتحديات وعجز النخبة الحاكمة عن القيام بالمهام الموكلة إليها، وأصبحت البلاد أمام الحلقة الأخيرة لمخطط تقسيم البلاد وإشعال الحروب الأهلية فيها.

ما العمل؟!

كان طبيعيًّا في هذا الوقت أن يتساءل الجميع: ما العمل؟!

لقد كان الشعب الليبي في حيرة من أمره، خاصة بعد أن أدرك أن الحكومة بدت عاجزة مفككة متصارعة، والمؤتمر الوطني العام الذي انتهت ولايته في 7 من فبراير 2014 عجز، وفشل تمامًا في وقف التدهور الحاصل في البلاد.

كانت القوى الأجنبية تتابع ما يجري، وكل منها له مطامعه في ليبيا وثرواتها، فجاءت دعوة النيجر إلى التدخل الخارجي لإنقاذ الأوضاع الخطيرة في جنوب ليبيا، بينما كانت هناك دعوات أخرى صبت في نفس الاتجاه، كما وصل الحال برئيس الوزراء في هذا الوقت (على زيدان) إلى مطالبة المجتمع الدولي في 26 من فبراير 2014 بالتدخل لجمع السلاح المنتشر داخل ليبيا، والإشراف على عملية إتلافه بعد فشل الحكومة في ذلك.

ومع تزايد عمليات العنف والإرهاب، كان السخط الشعبي قد وصل إلى حد المطالبة بإسقاط النخب الحاكمة، فكانت «جمعة الخلاص»، التي شملت العديد من المناطق، وطالبت بإنقاذ البلاد من خطر الميليشيات والفوضى وعمليات القتل المنظمة التي وصل عدد ضحاياها في الفترة من يوليو 2013 إلى فبراير 2014 إلى نحو 800 ضابط وناشط إعلامي في بنغازي ودرنة وحدهما، كما انطلقت شعارات في المنطقة الشرقية تطالب بـ«الفيدرالية والاستقلال الذاتي» بعد غياب سلطة الدولة المركزية، وكان طبيعيًّا أن تسفر هذه الاحتجاجات عن إقالة رئيس الحكومة «على زيدان»، وتشكيل حكومة جديدة برئاسة وزير الدفاع (عبد الله الثنى) في 8 من أبريل 2014 بعد رفض الشارع لحكومة «أحمد معيتيق».

خليفة حفتر

كانت الأنظار قد اتجهت في هذا الوقت إلى «اللواء» خليفة حفتر الذي بدأ تحركاته من طرابلس، وتعرَّض لأزمات ومشكلات وانتقاد من رئيس الحكومة «على زيدان» نفسه أثناء فترة حكمه، لكنه لم يبالِ، وصمم على الاستمرار في حشد الضباط والجنود وأبناء الشعب الليبي من الشباب الوطني الذي كان يبحث عن الخيار الوطني البديل.

وكانت الانطلاقة الكبرى لثورة الكرامة في 16 من مايو 2014، والتي مثلت تحولًا هامًّا على طريق تحرير ليبيا من العصابات والميليشيات الإرهابية.

لقد اختار المشير مخاطبة الشعب الليبي بلغة واحدة ومواقف محددة، لم تتغير أبدًا منذ انطلاق ثورة الكرامة حتى اليوم، لقد برهن فيها على انحيازه للشعب الليبي ووحدة الوطن واستقلاله وعزته، رافضًا تدخلات الخارج، ولعل تلك المعاني النبيلة تجسدت فيما أعلنه في مساء الثامن عشر من مايو 2014 حين قال: «إن العملية العسكرية التي بدأها الجمعة 16 من مايو 2014 في مدينة بنغازي شرقي البلاد، ليست انقلابًا، ولا سعيًا إلى السلطة، ولا تعطيلاً للمسار الديمقراطي الذي اختاره الليبيون».

وقال: «إن ما قام به إنما هو استجابة لنداء الشعب الليبي، وهي معركة الدفاع عن الشعب وصيانة لأرواح ضباط وجنود الجيش الليبي التي تُزهق كل يوم»، ويومها قال في رسالة واضحة للذين شككوا في شرعيته: «نحن نريد ليبيا خالية من الإرهاب، ونريد جيشًا وشرطة، لننفذ إرادة الشعب الليبي».

وقال: «إن دماء كل الليبيين عندنا مقدسة، ولم نكن نريد أن يحتكم الليبيون إلى السلاح، ولكن ما دام الإرهاب قد فرض علينا المواجهة فلتكن بالسلاح». ونفس المعاني التي ذكرها في خطابه في الذكرى الحادية عشرة لثورة الكرامة عندما قال: «إن الجيش ستكون له الكلمة الفاصلة في اللحظة الحاسمة».

لم يكن «المشير» خليفة حفتر في هذا الوقت بعيدًا عن التطورات التي شهدتها مصر في أعقاب ثورة 30 يونيو، وانحياز الجيش لإرادة الشعب المصري العظيم، حيث قال: «إن من حق بلاده بناء جيش قوي لمصلحة ليبيا، ويكون داعمًا، وظهيرًا قويًا لجيش مصر، وإن ليبيا ستتعاون مع مصر أمنيًا لمحاربة المتطرفين الموجودين في البلدين».

كان الرجال يتدفقون بكل قوة، وحماس في هذا الوقت لبدء مسيرة الانضمام إلى الجيش العربي الليبي، الذي بدأ يؤسسه حفتر، ويخوض به المعارك، ويحقق الانتصارات على الأرض. كان المشير يدرك تمامًا خطر الإرهاب على الدولة، وعلى العالم، ولذلك لم يغال عندما قال في تصريحاته لشبكة (C.N.N) في الثلاثين من مايو 2014م: «إنه يقاتل في ليبيا نيابة عن العالم كله، نافيًا الادعاءات الكاذبة بأنه يخطط لتقسيم البلاد، أو أنه يطمع في الوصول للسلطة».

لقد تحدث المشير حفتر في هذا الوقت عن الفترة السابقة، وتحديدًا مرحلة الحرب الأهلية حيث قال: «بعد أن وضعت الحرب أوزارها شعرت بأن الوضع سيكون أفضل، فأنا كنت قد غادرت البلاد قبل ذلك بربع قرن، وأردت أن أعود لأرتاح من هذه الصراعات، ولكن للأسف البديل لم يكن جيدًا، والمؤتمر الوطني المنتخب من الشعب لم يعمل بطريقة صحيحة، وأسهم في سرقة البلاد، كما ظهرت جماعات مسلحة، وجماعة دينية على صلة بتنظيمات إرهابية في ليبيا، وترافق ذلك مع الكثير من الفساد والسرقات والفوضى في الشوارع، وكان الشعب الليبي يسأل: أين الجيش؟! ولذلك قررت مواجهة هذا الخطر، ومواجهة أعداء الشعب».

وقال المشير: «إن الجماعات التي تقاتلني هي جماعات متطرفة، تزعم الانتماء إلى الإسلام، والشعب الليبي لا يعترف بها كذلك، لكننا نواجه المتطرفين بقوة، وسنسعى لإلحاق الهزيمة بهم».

وحدد المشير أهدافه واضحة بقوله: «أريد أن تكون ليبيا موحدة، وأنا لم أخرج فقط من أجل توفير الأمن لليبيين، رغم أنني أريد الأمن والسلامة للمجتمع الليبي، فأنا شخصيًا لا أريد الوصول إلى السلطة السياسية، بل أريد أمن وأمان بلدي وشعبي».

معارك التحرير:

كانت المعارك تدور في مناطق متعددة على أرض ليبيا بين قوات الجيش الليبي، وعناصر الميليشيات والعصابات الإرهابية، ولم يكن لدى «حفتر» سوى خيار المواجهة على الرغم من تقاعس المجتمع الدولي عن مساندته، أو الوقوف إلى جواره، رغم أنه كان يخوض الحرب ضد الإرهاب من أجل العالم كله، وليس دفاعًا عن ليبيا فحسب.

وقد أكد المشير حفتر على ذلك في خطابه بمناسبة الذكرى الأولى لانطلاق ثورة الكرامة عندما قال: «رغم تقاعس قادة الدول المؤثرة في مجلس الأمن، وحرماننا من التسليح لمحاربة الإرهاب الموجود في ليبيا، وهم في ذلك يجدون لأنفسهم مبررًا لتدخلهم في شئوننا، وفرض إرادتهم علينا، فإن عملية الكرامة أثبتت أنها قادرة على ضبط الأمن، والسيطرة على المواقف وأنها وضعت حدًّا للمنظمات الإرهابية، والميليشيات المسلحة التي خططت للشر برداء الدين، واستخفوا بإرادة الشعب، واستغلوا ثقة المواطن الساعي إلى العيش الكريم، فتصدروا مشهد السياسة والحكم، وباختراق الصفوف سيطروا على مقاعد الحكم، وتوهموا أنهم باستخدام التهديد، والترهيب يمكنهم أن يسيطروا على ليبيا”.

كان المشير حفتر واعيًا بالمخاطر التي واجهت البلاد في هذه الفترة، مدركًا حقائق الموقف الدولي والإقليمي، ورغم ذلك ظل مصممًا على الاستمرار في مسيرة التحرير.

كان المشير حفتر يدرك أبعاد المؤامرة ضد الجيش، وضد علاقة الشعبين المصري والليبي، ولذلك قال في مقابلة أجراها مع وكالة «أنباء سبوتنيك» في 13 من أبريل 2017م: «إن مصر في طليعة الدول التي تساهم بأقصى جهد لمساعدة أطراف النزاع في ليبيا، وقال: «إن مصر معنية بشكل مباشر بما يجري على الساحة الليبية خاصة على المستويين السياسي والأمني، وأنها تعمل جاهدة لضمان استقرار الوضع في ليبيا، ونحن نعمل سويًا من أجل القضاء على الإرهاب، وقال: “بالإضافة إلى رباط الأخوة بين الشعبين الليبي والمصري، تلعب الجغرافيا دورًا مهمًّا في تأكيد ضرورات التعاون بيننا، وبين دول الجوار، والحدود المشتركة».

لقد أدرك المشير خليفة حفتر أن المؤامرة على مصر وليبيا من التيارات الإرهابية ليست هينةً، وأن محاولات إبعاد الجيش الليبي عن مسرح الأحداث تهدف إلى فتح الأبواب أمام ميليشيات الإرهاب، وقوى الخارج للتحكم والسيطرة على البلاد ومؤسساتها.

لقد قال للموقع الإخباري ذاته: «إن الجيش الليبي هو صمام الأمان والضامن الوحيد للأمن والاستقرار وبناء الدولة، وإن أي حل سياسي يتجاهل هذه الحقيقة الساطعة مصيره الفشل، وهذا ما أثبتته نتائج حوار الصخيرات، الذي بُني من أساسه على إخضاع مؤسسة الجيش للتنظيمات الإرهابية بنصوص منمقة، تبدو في ظاهرها أنها تحقق هدف الوفاق، لكن الشعب الليبي أدرك أن الهدف الحقيقي هو فرض الهيمنة على الجيش وشل حركته وتوجيه مساره خارج نطاق واجبه الوطني، وفتح الطريق أمام التطرف، ليبسط نفوذه، ومن ثم فقد الاتفاق أهم ركيزة له وهي التأييد الشعبي، مما أدى إلى فشله في تحقيق أي تقدم على الأرض».

الجيش والدولة:

وقال محددًا موقفه بوضوح: «نحن لا نرفض أن تكون السلطة العليا على المؤسسة العسكرية لمؤسسة مدنية، بل نتمسك بذلك، ونتشبث به طالما أن تلك السلطة منتخبة من الشعب الليبي».

كان موقف المشير من هذا الاتفاق منذ البداية واضحًا وصريحًا، وحذَّر من مخاطره، وتبعاته، وهو ما أكدته الأحداث التالية التي جعلت من هذا الاتفاق بوابة لدخول المرتزقة، والقوى الأجنبية إلى ليبيا لدعم المتآمرين على وحدة، وأمن البلاد.

كان المشير يدرك منذ البداية أن رسالة الجيش الليبي لا تتركز فقط في حماية الأمن القومي للبلاد والحفاظ على وحدتها، وإنما أيضًا حماية الدولة المدنية، والديمقراطية على الأرض.

احتفالات ثورة الكرامة الليبية

لقد قال المشير حفتر في خطابه أمام مؤتمر باريس الذي عُقد بهدف الوصول إلى حل للأزمة الليبية في الثامن من يونيو 2018م، إن الجيش الليبي هو العمود الفقري لبناء الدولة المدنية وحفظ أمنها، واستقرارها، وحماية شعبها ومقدراتها، وأن هذا الجيش سيبقى ملتزمًا بحماية المسار الديمقراطي، وبالمحافظة على وحدة التراب الليبي، متصديًا بما أوتي من قوة لأي محاولة ترمي إلى تقسيم البلاد، ووفيًا لشهدائه الذين سقطوا من أجل ليبيا، ومستجيبًا لمطالب الشعب، ولا يخضع إلا للسلطة المدنية المنتخبة متمثلة على وجه التحديد في رئيس الدولة الذي يختاره الليبيون عبر صناديق الاقتراع، شأنه في ذلك شأن غالبية جيوش العالم، وأنه إذا أراد العالم تحقيق الاستقرار في ليبيا، فإن مفتاح السر يكمن أولًا، وأخيرًا في دعم الجيش الوطني الليبي.

لقد كانت تلك هي نفس المعاني التي أكدها المشير حفتر في الذكرى الثالثة لانطلاق ثورة الكرامة مساء الثلاثاء 16 من مايو 2017م، والتي أكد فيها ضرورة أن يكون لليبيا جيش موحد في ظل دولة واحدة، وأن الإرهاب استهدف إسقاط الدولة من وراء إسقاط الجيش الذي لن يخضع للمؤامرة ولن يكون طرفًا فيها.

كان المشير حفتر يدرك أن المعركة ضد الإرهاب طويلة وشاقة، وأنها لن تنتهي حتى يتم اجتثاثه من جميع الأراضي الليبية.

من هذا المنطلق قرر المشير حفتر الزحف نحو طرابلس التي جاء إليها المرتزقة، والميليشيات من كل حدب وصوب، وهو ما أكده في خطابه المتلفز في الرابع والعشرين من يوليو 2019م، عندما أكد أنه يسعى لأن تستعيد طرابلس دورها كعاصمة لكل الليبيين، إلا أن المؤامرة الدولية لعبت دورها في عدم إتمام المسيرة.

لم يكن المشير ضد العملية السياسية بدليل أنه أكد خلال بيان أصدره في السادس والعشرين من سبتمبر 2019 اتفاقه على العملية السياسية والحوار قائلاً: «في نهاية المطاف لا بد من الحوار والجلوس، ولا بد للعملية السياسية أن يكون لها مكانتها، ولا بد من الحوار الوطني الشامل الذي يحافظ على الوحدة الوطنية للتراب الليبي، شريطة القضاء على الإرهاب وتفكيك الميليشيات».

وتأكيدًا على ذلك، وبعد الإعلان عن تشكيل سلطة مؤقتة لإدارة الأوضاع في ليبيا لحين إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 من ديسمبر 2021، كما كان مقررًا التقى المشير خليفة حفتر مع رئيس المجلس الرئاسي «محمد المنفي عرب»، ودار حوار مطول بين الطرفين حول آفاق المرحلة المقبلة، وفي نهاية اللقاء أعرب حفتر عن دعم القوات المسلحة لعملية السلام، والتداول السلمي للسلطة، وأيضًا دعم المجلس الرئاسي الجديد، وحكومة الوحدة الوطنية قبل أن تتمرد هذه الحكومة، وترفض إنهاء وجودها المحدد وفقًا لقرار مجلس النواب الليبي.

وبمناسبة الذكرى السابعة لانطلاقة ثورة الكرامة جاءت كلمة المشير حفتر التي ألقاها أمام العرض العسكري في نهاية مايو 2021 لتتضمن رسائل واضحة لعدة أطراف داخلية وخارجية كان عنوانها الرئيسي: «لا سلام مع الإرهاب مهما يكن»، وأن تفكيك الميليشيات العسكرية الموجودة في عدة مناطق بليبيا بات أمرًا محتومًا.

احتفالات الثورة الليبية

لقد قال القائد العام للقوات المسلحة الليبية: «إن إعادة دمج الخارجين على القانون في المجتمع المدني ستكون مشروطة، خاصة أن القوات المسلحة منحت الفرصة الأخيرة للمسلحين لوضع أسلحتهم، وإلا ستتم مواجهة ذلك بكل قوة».

كانت الكلمات قوية وحاسمة، خاصة عندما قال: «إن القوات الليبية على استعداد لخوض المعارك من جديد لفرض السلام بالقوة إذا ما تمت عرقلته بالتسوية السلمية المتفق عليها».

لقد كانت رسالة المشير تعني أنه يلقي بالكرة في ملعب الحكومة الجديدة، ليمنحها بذلك الفرصة لحل الميليشيات، وإخراج المرتزقة، وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وإلا فإن القوات المسلحة ستضطر إلى التدخل الفوري، وفرض السلام الداخلي بالقوة.

كان المشير يبعث برسالة إلى العالم، هي بمثابة امتداد لرسائل أخرى كان قد بعث بها عندما قال في العرض العسكري الذي أقيم في بنغازي: «إنه لا سلام مع الاحتلال، ولا المرتزقة، ولا سلام إلا بيد الدولة».. موضحًا أن قوات الجيش كانت قريبة من تحرير طرابلس، لكن العالم هرع لوقف الزحف.

مقالات مشابهة

  • كانت متجهة إلى الفاشر.. 5 قتلى في هجوم على قافلة إنسانية بالسودان
  • إقالات في البيت الأبيض تقلق نتنياهو
  • مركز معلومات الوزراء يطرح قضيتي ترشيد استهلاك الموارد ودعم العمالة على منصة "حوار" لتعزيز المشاركة المجتمعية
  • مجلس ثوار ليبيا يرفض مشاركة الأجسام السياسية في أي حوار تنظمه البعثة
  • ان كانت هذه رؤيته فمرحبا بها و عليه أن يثبت ذلك بالأفعال لا بالاقوال
  • تفاصيل أحداث الحلقة 13 من حرب الجبالي قبل عرضها
  • اشتراطات متبادلة تعقّد فرص الحل الدبلوماسي بين روسيا وأوكرانيا
  • 11 عامًا على ثورة الكرامة «الليبية».. الحلقة الأولى
  • صديقي روبوت المحادثة: هل يمكنني اعتمادك ناقدًا أدبيًا؟
  • نقاط على طريق استعادة الأرض والقرار