لماذا لم تتوقف حرب غزة حتى الآن؟
تاريخ النشر: 8th, January 2025 GMT
يمانيون../
لمحاولة الإجابة عن هذا السؤال لا بد من العودة إلى يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حين نفذت حركة حماس عملية تاريخية أسمتها “طوفان الأقصى”، فتوغلت إلى داخل المستوطنات “الإسرائيلية” وأسرت عدداً كبيراً من الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، كان هذا اليوم مفصلياً في تاريخ الكيان، وأُخذ القرار حينها بتدمير حركة حماس بالكامل واحتلال قطاع غزة وتحقيق “النصر المطلق”، بحسب تعبير رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو.
تستند الهمجية “الإسرائيلية” التي أعقبت عملية 7 تشرين الأول/أكتوبر، والمستمرة إلى الآن، إلى اعتبار أن المقاومة الفلسطينية أصبحت تشكل خطراً “وجودياً” على “إسرائيل”، ولا يمكن التسامح مع هذا التجاوز الخطير، الذي مسّ وجود الكيان وبقائه، واقتصار الرد بعملية عسكرية “إسرائيلية” محدودة، أي باعتماد الحروب الخاطفة، أو إبرام صفقة تبادل للأسرى تكون “إسرائيل” الخاسر فيها.
حتى أن قضية استعادة الأسرى أصبحت شماعة يعلّق عليها رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، كافة خططه لتفكيك قدرات حركة حماس وجرائمه بحق المدنيين الفلسطينيين، تاركاً باب المفاوضات مفتوحاً مع شروط تعجيزية تعرقل ولادة صفقة تنهي الحرب مع حركة حماس. فإبرام صفقة لتبادل الأسرى من شأنه أن يوقف الحرب ومن المفترض أن يعود قطاع غزة المدمر إلى الفلسطينيين، وأن يعيد جيش الاحتلال “الإسرائيلي” انتشاره على طول حدود السادس من أكتوبر/تشرين الأول، من دون ضم أو استيطان.
وهذه النتائج لا تتوافق مع رؤية نتنياهو المستقبلية لقطاع غزة الذي يكتنفها الغموض، بالحد الأدنى لا يريد نتنياهو العودة إلى واقع ما قبل 7 أكتوبر. بالإضافة إلى ذلك تشير التحليلات “الإسرائيلية” بأن لدى نتنياهو دوافع سياسية محضة من وراء عرقلة إيقاف الحرب، فهو يتخوّف من الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش اللذَين يعارضان صفقة التبادل، ويهددان بإسقاط الائتلاف الحكومي والذهاب إلى انتخابات تشير استطلاعات الرأي العام إلى أن نتنياهو سوف يخسرها.
وفي هذا الصدد، لا يوجد خلاف بين نتنياهو، الذي يحافظ على الغموض فيما يتصل بشمال غزة، والجيش، الذي يدعو الصحافيين لمشاهدة تدمير جباليا وتمركز قواته في “ممر نتساريم”.
وفي تحليل مستجد لخّص رئيس تحرير صحيفة “هآرتس”، ألوف بن، آخر أفكار رئيس الحكومة “الإسرائيلية” ، بنيامين نتنياهو حيال الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، فأشار من ضمن أمور أخرى إلى أنه يعارض التوصل إلى صفقة شاملة مع حركة حماس لإعادة المخطوفين الإسرائيليين في مقابل وقف الحرب وانسحاب الجيش “الإسرائيلي” من القطاع، ويبرّر موقفه هذا أكثر من أي شيء آخر بـ “الحاجة إلى تفكيك حركة حماس”.
من منطق عسكري لا توجد “مصلحة “إسرائيلية” ” في إصرار نتنياهو على مواصلة القتال، نظراً إلى أن الجيش “الإسرائيلي” ، كما أشار المحلل العسكري لصحيفة “معاريف” آفي أشكنازي، قام بمناورات عسكرية في قطاع غزة كلّه، ونجح في ضرب منظومة القيادة والسيطرة في حركة حماس، وفي ضرب البنى التحتية المركزية للحركة في قطاع غزة. وأنشأ مناطق فاصلة في رفح ومحور فيلادلفيا، وبالقرب من السياج الحدودي مع “غلاف غزة”، كذلك أنشأ ممراً يبلغ عرضه نحو 8 كيلومترات (ممر نتساريم). وبحسب ما يؤكد أشكنازي، هاجم الجيش “الإسرائيلي” الأنفاق الاستراتيجية والأنفاق التنظيمية في معظمها، “وهو ما يمكن أن نلمسه جيداً في الميدان من خلال تعقب تحركات عناصر حماس”، برأيه. وفي ضوء ذلك كله يستطيع الجيش “الإسرائيلي” الآن، مثلما يشدّد المحلل العسكري، السماح لنفسه بالتراجع إلى الوراء، والتمركز على خط الحدود.
ثمة دوافع أعمق من غاية بقاء نتنياهو في سدّة الحكم. وأبرز هذه الدوافع، والذي على ما يبدو يقف أيضاً وراء قرار قيادة الجيش عدم مواجهة رئيس الحكومة، هو أن وقف الحرب في غزة يمكن أن يؤدي إلى وقف ساحة القتال مع الحوثيين في اليمن. وبحسب مقال هآرتس المذكور أعلاه “يوضح الجميع أن الغارات الجوية “الإسرائيلية” في اليمن ليست سوى تدريبات على العملية الأكبر على الإطلاق، وهي الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية”.
إجمالاً الرؤية “الإسرائيلية” تروّج للذهاب إلى التصعيد الإقليمي، كاستكمال لمشروع “الشرق الأوسط الجديد”. وتقف عوامل داخلية إلى جانب نتنياهو في مسار التصعيد، فمهاجمة إيران تحظى بشعبية وسط الجمهور اليهودي “الإسرائيلي” ، وقد ازدادت أكثر فأكثر منذ حدوث آخر التطورات المرتبطة بالساحة اللبنانية وحزب الله، وسقوط نظام الأسد في سورية.
ويبدو أن الحرب في غزة مستمرة، وطالما أن الرهائن في غزة، فإن “إسرائيل” تستطيع أن تواصل القتال، وبالتوازي ترتفع احتمالية اشتعال جبهة أخرى في المنطقة، إن تحقق الأمل “الإسرائيلي” بانتزاع موافقة أميركية بضرب إيران.
العهد الاخباري ـ الكاتب: حسين شكرون
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: حرکة حماس قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
الحرب تُطيل عُمر نتنياهو
علي بن مسعود المعشني
ali95312606@gmail.com
يعتقدُ الكثير من المتابعين للأوضاع في وطننا العربي، أنَّ العربدة الصهيونية ومسلسل القتل والدمار في غزة ولبنان واليمن وسوريا نتاج قوة الكيان الصهيوني وضعف الآخر وعظم خسائره، بينما الحقيقة تقول إنَّ استمرار الحرب من قبل الكيان يخدم حزب الليكود ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وحلفاءه من اليمين المُتطرِّف بكيان العدو؛ لأنَّ إعلان وقف الحرب من طرفهم يعني تقليب صفحات يومياتها ونتائجها، وبالنتيجة زوال "النتن" واليمين من المشهد، وعرضهم على المحاكم، مثلما كان مصير إيهود أولمرت رئيس حكومة العدو بعد حرب يوليو 2006؛ حيث حُوكم بتهم فساد وأودع السجن، بينما كان مصير الصقور في طاقمه الحكومي العزل والوفاة السياسية؛ حيث غابوا عن المشهد نهائيًا.
بالطبع لا يُمكن مُقارنة ما أحدثه أولمرت بالكيان في حرب يوليو 2006 بما أحدثه نتنياهو اليوم في "طوفان الأقصى"؛ حيث بدَّد عناد وإصرار "النتن" على مواصلة الحرب سرديات العدو التي تسلَّح بها وتستر خلفها طيلة أكثر من 7 عقود من الصراع، من قوة عسكرية لا تُقهر وقوة استخبارية لا يُمكن مواجهتها، وتطور تقني يفوق دول المنطقة ويجعلها تحت رحمة الكيان المؤقت، ولم يكتفِ "النتن" وطاقمه المتطرف بذلك؛ بل أحرق جميع أوراقه العسكرية والأمنية دفعة واحدة في ميدان المعركة؛ لتحقيق جاه شخصي ونصر استراتيجي واحد، لكنه فشل في جميع مساعيه!
والأدهى والأمرّ من كل ذلك، هو عجزه التام عن إزالة خطر فصائل المقاومة وقادتها وسلاحها، رغم كل ما فعله، وهنا مقتله ومقتل من أيَّده ودعمه وتحالف معه.
إصرار "النتن" اليوم على المزيد من القتل والدمار في غزة ولبنان واليمن لم يُظهر عجزه وضعفه وكذبه في الداخل فحسب؛ بل ألَّب عليه الرأي العام العالمي كمجرم حرب سيدفع ثمنها وسيدفع بالكيان نحو حالة تصنيف عالمي جديد لم يكن مُصنَّفًا فيها قبل "طوفان الأقصى" نتيجة تستُّره خلف سرديات ومبررات سوَّقتها اللوبيات المُناصِرة له في الغرب للتغطية على جرائمه واحتلاله.
الرأي العام الغربي وفي شرق وجنوب الكرة الأرضية اليوم، لم يعد بحاجة إلى وسيط، كما لم يعد مُجبرًا على تصديق كل ما يُسكب في عقله من مخدرات عقلية وسرديات إعلامية لا تنتمي الى الحقيقة بشيء، في ظل تفشِّي ظاهرة التقنية والإعلام الاجتماعي في العالم والذي أصبح يغطي الحدث ويصنعه وينقله حول العالم في ثوانٍ معدودة.
أعود الى التذكير بمسلمات من واقع يوميات "طوفان الأقصى" المُبارك، وهي أن المُنتصِر يُملي شروطه ولا يدخل في مفاوضات مُطلقًا، وأنَّ الخطر الداهم على العدو والمتمثل في فصائل المقاومة وسلاحها، ما زال باقيًا، وسيكون للفصائل الكلمة الفصل وبجدارة في المشهد القادم، وأن الأهداف المُعلنة والضمنية التي خاض من أجلها العدو هذه الحرب والمتمثلة في التهجير من قطاع غزة والقضاء على فصائل المقاومة ونزع سلاحها في لبنان وغزة لم تتحقق.
وتبقى الحقيقة الكبرى وهي، لو أنَّ العدو تمكن حقيقةً من القضاء على "خطر" فصائل المقاومة وسلاحها، لكان اليوم على أرض غزة وجنوب لبنان مُنفِّذًا لمخططاته، ومُحقِّقًا لأهدافه دون مشاورة أو استئذان من أحد كأمر واقع.
قبل اللقاء:
وقد يُمزقنا غدر الرصاص هنا... أو هاهنا // فنروع القتل إصرارًا
لأننا ما ولدنا كي نموت سُدىً // بل كي نُعمر بعد العمر إعمارًا
نصفر كالخوخ كي نندى جنى وشذى // كالبذر نُدفن كي نمتد إثمار
لكي نعي أننا نحيا نموت كما // تفنى الأهلة كي تنساب أقمار
شعر: عبدالله البردوني.
وبالشكر تدوم النعم.
رابط مختصر