ونبقى مع الوصول الثاني للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد موجة الانبهارات بمشاهد خروج الرئيس السابق بايدن وزوجته وطاقمه، وتبادل السلام والوداع بين الطاقمين الجديد والقديم بعد أيام من التراشق الانتخابي اللفظي بين الجبهتين، وركوب أعضاء الطاقم القديم الطائرة أو السيارة التي ستقل كلا منهم إلى وجهته البعيدة عن دوائر الحكم، ولو مؤقتاً، ومن ارتدت ماذا ولماذا وما قيمته، وتكهنات حول ماذا قال ترامب لبايدن في السيارة، وبم رد بايدن، ومشاعر هاريس، وما دار في رأس ميلانيا، وحكاية العملتين المشفرتين الجديدتين «الميم» اللتين أطلقهما ترامب وميلانيا، وغيرها الكثير من تفاصيل الإغراق في التفاصيل المبهرة والبدايات المذهلة.
وصف التفاصيل بـ«المبهرة»، والبدايات بـ«المذهلة» لا يعني أن القادم رائع والمستقبل مشرق أو العكس. هي نعوت لوصف احتفالات التنصيب. وقد وجدت كذلك في التغطيات الإعلامية الأمريكية لمجريات الاحتفالات ما هو أكثر إبهاراً ومدعاة للذهول. فقد بدأ الهبد الشديد المعادي للرئيس الجديد، والرزع الرهيب ليس فقط حول أقواله وأفعاله، بل على قاعدته الشعبية التي تؤيده وتعلق آمالها عليه، والتي ساهمت بقدر كبير في فوزه الكبير والتاريخي على الحزب الديمقراطي.
مرة أخرى، نعوت «الكبير» و«التاريخي» لا تعني بالضرورة الجميل والبديع أو العكس. سنترك الحكم للسنوات الأربع المقبلة.
وكما هو متوقع، بحثت كل مجموعة من المتابعين للتنصيب عن مصيرها، أو فلنقل موقعها في أجندة ترامب وخططه. كندا، قناة بنما، الصين، شركات السوشيال ميديا، المكسيك، أوكرانيا، مجتمع الميم، المنظمات الأممية، المهتمون بقضايا المناخ، روسيا، ناتو، الاتحاد الأوروبي، والمنتظرون على قوائم إعادة توطين اللاجئين، قوائم الإرهاب، وعالم النفط والتنقيب، والشرق الأوسط، كل ما سبق وغيره تابعت مجريات «اليوم الأول» لترامب وتنتظر بفارغ الصبر ما ستؤول إليه أحوالها، أو فلنقل الأحوال التي تؤثر فيها الولايات المتحدة الأمريكية، في «اليوم التالي».
هذه المرة، الشرق الأوسط، أو المنطقة العربية، لم تتابع ولا تنتظر «اليوم التالي» كمنطقة واحدة، بل تتابع في انتظار موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من كل دولة على حدة، ومن كل مجموعة دول تقف على جبهة واحدة على حدة، ومصير كل صراع في دولة أو منطقة تمزقها الحرب على حدة، وموقف الرئيس الجديد من كل من الكيانات والميليشيات والجبهات المتحاربة داخلياً أو عبر الحدود على حدة، وهلم جراً.
عموماً، المواقف التي ستتخذ اليوم أو غداً أو بعد غد فيما يختص بدولة أو جماعة أو حركة ليست أبدية. وإذا كانت الإدارة الجديدة تؤكد أن حماس لن تحكم غزة، وأن الدول التي تدعمها ستحاسب، فإن قائد الإدارة السورية الجديدة زعيم «هيئة تحرير الشام» ومن قبلها «جبهة النصرة» وغيرها أحمد الشرع هنأ ترامب، وأعرب عن ثقته في أنه (ترامب) القائد الذي سيجلب السلام للشرق الأوسط. السياسة لا كبير لها، ولا دائم فيها إلا وجه الله.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: اتفاق غزة سقوط الأسد عودة ترامب إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية عودة ترامب على حدة
إقرأ أيضاً:
فورين أفيرز: كيف يفسد نتنياهو فرصة ترامب للسلام؟
نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، مقالا، للزميلة الأولى في برنامج الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، زها حسن، قالت فيه: "إنه وفي أعقاب الهجمات الإسرائيلية والأمريكية على المواقع النووية الإيرانية وما تلاها من وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، بدا أن اتفاقا آخر بات وشيكا، هذه المرة في غزة".
وأضافت حسن، في المقال الذي ترجمته "عربي21": "مع ذلك، في أواخر الأسبوع الماضي، أوقفت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل مشاركتهما في المفاوضات، متهمتين حماس بنقص التنسيق وحسن النية".
وتابعت: "إن استمرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في احترام إسرائيل وانسحابه من المحادثات خطأ فادح. فما لم يتم التوصل إلى اتفاق، فإن رغبة ترامب في قيادة سلام إقليمي أوسع يشمل تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والسعودية ستُصبح من الماضي".
وأردفت: "مع ذلك، لم يُظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو وائتلافه الحاكم القومي المتطرف، أي مؤشرات على استعدادهم لإعطاء الأولوية لسلام دائم. حتى لو تم إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المتبقين لدى حماس، فقد أكد نتنياهو أن إنهاء الحرب في غزة مستحيل حتى يتم نزع سلاح حماس بالكامل ونفي قادتها".
وأوردت: "حتى في هذه الحالة، يريد أن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية على غزة والضفة الغربية إلى أجل غير مسمى"، مضيفة: "في أيار/ مايو، قال نتنياهو عن سكان غزة: نحن ندمّر المزيد والمزيد من المنازل، وليس لديهم مكان يعودون إليه. والنتيجة الحتمية الوحيدة هي رغبة سكان غزة في الهجرة خارج قطاع غزة".
واسترسلت: "لكن صيغة نتنياهو لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط غير مناسبة. لن تقبل أي حكومة عربية بالتهجير القسري للفلسطينيين. علاوة على ذلك، أوضحت الدول العربية بشكل متزايد أنها لم تعد مستعدة لتعميق علاقاتها أو تطبيع العلاقات مع إسرائيل حتى تقبل إسرائيل بدولة فلسطينية ذات سيادة".
"شكّل نتنياهو عقبة أمام أهداف ترامب في الشرق الأوسط منذ ولايته الأولى في البيت الأبيض. آنذاك، كان ترامب يأمل في أن يجعل من اتفاق سلام كبير في الشرق الأوسط إنجازه الأبرز. لكن بسماحه لنتنياهو بالمشاركة في صياغة خطته لعام 2020 للسلام الإقليمي الشامل، قضى ترامب على أي فرصة كانت لديه للنجاح" وفقا للمقال نفسه.
وأوضح: "إذا كان لأحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وما تلاها من أحداث أثر بالغ على الدول العربية الرئيسية، فهو أن الحاجة إلى السلام والأمن الإقليميين مُلحّة، وأن السلام بين إسرائيل والفلسطينيين لا ينفصل عن هذا الهدف. لقد أصبح غياب الحل بمثابة حبل مشنقة للأمن القومي يلفّ عنق كل دولة في الشرق الأوسط".
ومضى بالقول: "كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، واضحا: فبعد ما وصفه بـ"الإبادة الجماعية" التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، لا يمكن لبلاده قبول سوى عملية تطبيع تُشبه تلك التي اقترحتها مبادرة السلام العربية لعام 2002، والتي اعتُمدت في قمة جامعة الدول العربية: يجب على إسرائيل أولا قبول دولة فلسطينية عاصمتها القدس. وعندها فقط ستُطبّع السعودية العلاقات".
وتابع: "ينبغي على ترامب أن يسعى إلى اتفاق يحظى بدعم مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة في الشرق الأوسط، وفي جميع أنحاء العالم الإسلامي، وفي أوروبا. سيحتاج إلى العديد من الحكومات في تلك المناطق إلى جانبه للمساعدة في توفير مليارات الدولارات اللازمة لتمويل إعادة إعمار غزة".
واسترسل: "فقط عندما تخضع غزة والضفة الغربية لسلطة واحدة، يمكن أن تبدأ المهمة الهائلة المتمثلة في تعافي غزة وإعادة إعمارها. ولا يمكن إلا لقيادة فلسطينية موحدة وشرعية أن تضمن الالتزام بشروط أي اتفاق سياسي مستقبلي مع إسرائيل".
وأبرز: "في نهاية المطاف، وللتوصل إلى سلام حقيقي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، سيحتاج ترامب إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وهي الجهة المعترف بها دوليا والتي تمتلك الأهلية القانونية لتوقيع اتفاق نيابة عن جميع الفلسطينيين. وبدعمه ضم حماس تحت مظلة المنظمة، سيخفف من احتمالية وجود مفسدين".
واستدرك: "كان ترامب مستعدا بشكل فريد للانفصال عن إسرائيل في العديد من القضايا - على سبيل المثال، من خلال عقد صفقات مع جماعة الحوثي في اليمن وفتح حوار دبلوماسي مع الزعيم السوري الجديد، أحمد الشرع، على الرغم من تحالفه السابق مع تنظيم القاعدة".
وبحسب المقال نفسه، "سيُضطر ترامب إلى الانفصال عن نتنياهو مجددا، بغض النظر عن تداعيات ذلك على مستقبله السياسي. عليه التراجع عن تصريحه السابق الداعم لإعادة توطين الفلسطينيين من غزة، وأن يُوجّه رسالة مباشرة للإسرائيليين مفادها أن أمنهم مرتبط بأمن الفلسطينيين وسائر المنطقة".
واختتم بالقول: "فيما يتعلق بإسرائيل والفلسطينيين، أبدت إدارة ترامب مرونة بالفعل بخروجها عن تقليد واشنطن التقليدي بفتح قنوات اتصال مع حماس لضمان إطلاق سراح مواطن أمريكي محتجز في غزة. والآن، يتطلب وضع المصالح الأمريكية في المقام الأول التوسط لوقف إطلاق نار فوري ودائم في غزة. إذا مضى ترامب قدما، فقد يُحقق إنجازا يُستحق جائزة السلام - ولكن ليس إذا ماتت غزة جوعا".